موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

كل يوم وأنتم بخير!

من عيد إلى عيد... احتفالات وزينة وأناشيد...
تزدحم الأسواق ويتسابق الناس على شراء الجديد...
ترى كل هذه الحيوية والحركة فتظن أن الناس في بركة...
وأن السعادة في كل نفس ودار والمسرّة تملأ المجرة...
والدليل؟ الحلويات والملبوسات والتزيينات والزيارات...
وتستمر المظاهر والمظاهرات...
من عيد الأضحى المبارك إلى عيد الميلاد المجيد...

لكن لنسأل سؤالاً صغيراً فقط:
هل نحتاج إلى مناسبة لكي نفرح ونحتفل؟؟؟
هل هذا دليل على أن حياتنا ممتلئة بالعناء والشقاء..
ونريد فسحة هواء لنتنفس الصعداء ونحصل على بعض الهناء؟؟

السؤال الحقيقي هنا هو:

لماذا نختار العناء ونهرب من الهناء؟

 

هذه واحدة من أعظم المشاكل المعقدة عند الإنسان، والتي يجب أن ندرسها بعناية وعمق كبير... إنها ليست شيئاً نظرياً بل واقع حقيقي يتعلق بك أنت وبكل إنسان.

كل شخص يتصرف بهذه الطريقة الخاطئة... دائماً يختار الدرب الخاطئ، يختار التعاسة والبؤس والاكتئاب.. وهلمّ جراً وليس لها أي أسباب.

لكن هذا الاختيار له سبب في أعماق الوجدان... لأن الإنسان وحده لديه الخيار... وعدلُ الله بالتخيير، وضّحَ لنا الخير والشر والخيار لنا نحن يا أخيار...

هناك نقطتان تشرحان الموضوع:

النقطة الأولى: الطريقة التي ينشأ بها الإنسان ويتربّى عليها تلعب دوراً حاسماً:
 

إذا كنتَ غير سعيد ستربح شيئاً من هذا السلوك وأنت دائماً الكسبان... أما إذا كنت فرحان فأنت هو الخسران!
 

الطفل منذ نعومة أظافره يبدأ بتمييز هذه اللعبة البسيطة والمفيدة.. عندما يكون حزيناً بصمت وجمود أو يبكي ويذرف الدموع، يجد أن الجميع يتعاطفون معه وهذا هو مكسبه... كل شخص حوله يحاول إعطاءه الحب والحنان وتزداد مكاسبه...
وأكثر من هذا، عندما يكون الطفل غير سعيد فكل شخص يعطيه الانتباه والاهتمام، فيكسب المزيد، لأن الاهتمام يعمل كغذاء للأنا، وهو غذاء يسبب الإدمان!
يعطيك الطاقة لأنك ستشعر أنك شخص له قيمة عظيمة... لذلك هناك رغبة ملحة لجذب الاهتمام ولفت الأنظار عند الجميع.

إذا كان الجميع ينظرون إليك فستصبح مهماً... أما إذا لم ينظر إليك أحد ستشعر أنك غير موجود.. أنك لا شيء أبداً... عناية الناس واهتمامهم بك يعطيك الطاقة.

الأنا تتواجد في العلاقات، كلما اهتمّ بك الناس أكثر ستكسب المزيد من الأنا... وإذا لم يهتم بك أحد ستذوب الأنا وتتلاشى...
إذا نسيك كل الناس تماماً فكيف يمكن للأنا أن تستمر بالحياة؟ كيف ستشعر أنك مَن أنت؟ أنك موجود في هذا الوجود؟
لذلك نجد الحاجة للمجتمعات والمنتجعات والعلاقات والقهاوي والمنتديات عبر العالم بأكمله... ملايين التجمّعات والمجموعات... كلها وجدت لإعطاء الانتباه لأناس لا يمكنهم الحصول عليه بطرق أخرى.

منذ بداية نشوء الطفل سيتعلم لعبة من ألعاب السياسة، وهي:
البس قناع البؤس تحصل على التعاطف وسيهتم بك كل من حولك.
البس قناع المرض وستصبح مهماً جداً!
الطفل المريض شخص دكتاتوري متسلط وعلى جميع أهله أن يسمعوه ويلبوا طلباته مهما كانت، وهو الآمر الناهي في البيت... اللعبة واضحة.
 

 

عندما يكون سعيداً فلن يستمع إليه أحد... عندما يكون بصحة جيدة فلن يهتم به أحد... عندما يكون شخصاً مسؤولاً عن نفسه ومكتملاً فلا أحد سينتبه له ويرعاه...
وهكذا منذ بداية حياتنا نبدأ باختيار الحزن، البؤس، التشاؤم والعناء، والبقاء في النصف السلبي المعتم من الحياة.. هذه أول نقطة.

النقطة الثانية مرتبطة قليلاً مع الأولى، وهي:
عندما تكون سعيداً ممتلئاً بالصحة والبهجة، عندما تشعر بالفرحة والنشوة، سيغار كل الناس منك...


الغيرة معناها أن الذي يغار يأخذ موقفاً عدائياً منك... في تلك اللحظة من السعادة، حقيقةً لن تجد أي صديق أو ودّ من أي أحد، بل الكل يغار ويحسد حتى لو أظهر لك الابتسامة البلاستيكية.
وهكذا تعلمتَ أيضاً ألا تفرح كثيراً وتطير في النشوة والغبطة إلى درجة تجعل كل الناس عدائيين تجاهك... تعلمتَ ألا تظهر سعادتك ولا ضحكتك.

انظر إلى الناس عندما يضحكون... إنهم يضحكون ضحكة محسوبة بالفكر ليست عفوية من القلب... ليست ضحكة عميقة يهتز فيها البطن وأعماق الجسم.
أولاً ينظرون إليك ثم يحكمون ويقدّرون... وبعدها يضحكون!
وطبعاً يضحكون إلى درجة معيّنة، درجة تستطيع تحمّلها، درجة لا يمكن أن تُفهم بشكل خاطئ... درجة محددة لا تسمح لأحد أن يغار.

حتى ابتسامتنا صارت سياسية... اختفت البسمة والفرحة والنعمة الحقيقية، ولا أحد يعرف ما هي السعادة... أما النشوة فهي مستحيلة تماماً لأنها ممنوعة.
ولكن السعادة هي الحقيقة والفطرة .... والتعاسة هي الدخيل وعكس الفطرة..
لقد كان الحبيب يضحك حتى تظهر نواجذه... أما في هذا الزمان... إذا كنتَ بائساً لن يأتي أحد إليك ويشك أنك مجنون، أما إذا كنت تفرح وترقص منتشياً بفرحتك وكل هذه النعمة من حولك، سيظن الجميع أنك أصبتَ بالجنون.
الرقص مرفوض ومكروه والغناء كذلك... لذلك إذا صادفنا شخصاً سعيداً في عمق أعماقه سنعتقد أن مرضاً ما قد أصابه.

ما نوع هذا المجتمع الذي نعيش فيه؟؟
إذا كان المرء تعيساً فكل شيء يسير على ما يُرام، وتراه ناجحاً مناسباً لواقعه لأن الواقع حوله كله واقع في بحر الهم والغم، وهذا التعيس تيس من القطيع، عضو ينتمي إلينا وكلنا في الهوى سوى... أما إذا أفلتَ شخص من سجن الفكر وطار في سماء الفرح سنظن أنه جنّ وفقد صوابه، لم يعد واحداً منا لأنه يضحك بلا سبب وهذا من قلة الأدب، سنشعر بالغربة والغيرة تجاهه.

وبسبب الغيرة نلومه وندينه... بسبب الغيرة سنحاول بشتى الطرق أن نُرجعه إلى حالته القديمة التي نسميها "الحالة العادية"... وهنا تأتي المساعدة من الأطباء النفسيين وأدويتهم ومشافي الأمراض العقلية لإعادة ذلك الفرحان إلى الحالة "العادية"... البؤس صار الحالة العادية لكل إنسان...

المجتمع لا يمكنه أن يسمح بالنشوة ولا بالصحوة... النشوة هي أعظم ثورة.. أكرر:
 

النشوة هي أعظم ثورة وصحوة

إذا صار الناس سعداء منتشيين من الفرح، على المجتمع بكامله أن يتغير، لأن كل أساساته قائمة على البؤس:

إذا كان الناس سعداء وفي قمة الهناء، لا يمكنك أن تقودهم إلى الحرب... إلى أي ساحة حرب في أي بقعة من العالم مهما كانت أسبابك السياسية والمنطقققية...
لا... الإنسان السعيد حقيقةً سوف يضحك ببساطة ويقول لك: هذا كله تفاهة دون معنى!!!!
 

...


إذا كان الناس سعداء يتبادلون لحظات الهناء والإخاء، لا يمكنك جعلهم مهووسين بالمال.... لن يضيّعوا كل حياتهم بجمعه وتكديسه وعبادته... سيعتبرون هذا ضرباً من الجنون: ما هذا المجنون الذي يهدر حياته، يبادلها مقابل حفنة من المال الميت، ويموت وهو لا يزال يجمع ويبلع؟؟؟.... والمال سيبقى هناك، لا أحد سيأخذ معه شيء.. ما هذا الجنون الفظيع!!.... لكن كل هذا الجنون لا يمكنك أن تراه ما لم تصبح منتشياً من الفرح في لحظات الحياة.
 


إذا كان الناس سعداء، على جذور المجتمع أن تُقتلع... المجتمع قائم على العناء والتعاسة وهي أفضل بضاعة وسوق لتجار السياسة وبائعي الأمل... لذلك نقوم بتنشئة أطفالنا ومنذ أولى أيام طفولتهم نزرع فيهم ميلاً إلى الحزن والبؤس.. لذلك كلٌ منا يختار العناء بدل الهناء.

في الصباح الباكر نقول يا رزاق يا كريم.. لأن لكل إنسان حرية القرار والاختيار بين الجنة والنار... وليس فقط في الصباح بل في كل لحظة هناك خيار للنوم أو اليقظة، للموت أو القيامة، للبؤس أو السعادة.
أنت دائماً تختار أن تكون بائساً لأن هذا صار عادة عندك ونموذجاً للحياة، سلوكاً تعوّدتَ عليه منذ سنين طويلة... كنتَ ولا تزال تؤدي هذه المسرحية وأصبحتَ بارعاً في أدائها... لهذا عندما تأتي لحظة الاختيار أمام فكرك: فوراً سوف يختار البؤس وعذاب النار وبئس الاختيار يا مختار...

يبدو أن التعاسة تملأ السهول والوديان، والنشوة نادرة تتربّع في قمم الجبال... من الصعب جداً الوصول إليها، لكنها ليست كذلك!
الحقيقة هي العكس: النشوة تملأ الحقول والسهول، والتعاسة في قمم الجبال.
التعاسة شيء يصعب كثيراً الحصول عليه، لكنك حصلتَ عليها، لقد قمتَ بالمستحيل لأن التعاسة شيء مضاد كثيراً للطبيعة... لا أحد يرغب بالتعاسة وكل واحد تعيس.
المجتمع قام بمهمة جبارة... عملية التعليم والتعليب والثقافة والحضارة والهيئات الثقافية والأهل والمدرّسون كلهم أدّوا وظيفة عظيمة..... لقد صنعوا مخلوقات بائسة اعتباراً من كائنات منتشية خلّاقة...... كل طفل يولد مشعاً بالفرح والنشوة... كل طفل يولد على صورة الله ومثاله ويموت بهيئة مجنون بكل أفعاله.......

إذاً هذا كل عملك الآن: كيف تسترد طفولتك المفقودة، كيف تطالب بها وتستعيدها من جديد... لن تدخلوا ملكوتَ الله إذا لم تعودوا كالأطفال...

 


 

إذا استطعتَ أن تصبح طفلاً من جديد فلن يبقَ أي تعاسة أمامك، ولا أعني هنا أن الطفل لا يمرّ بلحظات من التعاسة، إنها موجودة لكن التعاسة غير موجودة، حاول أن تفهمني...

يمكن للطفل أن يصبح بائساً وحزيناً بشدة في لحظة ما، لكنه متفاعل بكلية تامة مع البؤس وقتها ولا يوجد انفصال بينهما، لا يوجد أي شخص مستقل عن حالة البؤس المسيطرة تماماً عليه.
الطفل لا ينظر إلى حزنه كشيء منفصل عنه، لا بل تجده هو ذاته كتلة من الحزن عند الحزن، مأخوذ به بكل كيانه... وعندما تكون متحداً مندمجاً مع حزنك فلن يكون الحزن حزناً... إذا أخذك الحزن بكامل جوارحك ووعيك، حتى هذا له جماله الخاص.

لذلك انظر وراقب طفلاً ما، وطبعاً أقصد طفلاً لم يخربه أهله ومحيطه بعد...
إذا كان غاضباً ستكون كل طاقته غضب ولا شيء آخر، لن يحتفظ بأي ذرة منها دون أن يضعها في غضبه... لقد اختفى الطفل وتحوّل إلى غضب ولا يوجد أي أحد يتحكم أو يوجّه هذا الغضب.. لا يوجد فكر...
لقد أصبح الطفل غضباً لا غاضباً... وعندها انظر إلى الجمال الكامن في الغضب وانفجار حممه المشتعلة كالأزهار الحمراء اليانعة...
الطفل لا يبدو أبداً بشعاً حتى عندما يغضب... لا بل عندها سيكون أكثر حيوية ونشاطاً.. كبركان مستعد للفوران بالنيران... طفل صغير جميل بهذه الطاقة الهائلة، بكيان نووي متفجّر يفجّر الكون بكامله...
وبعد هذا الغضب سيحل الصمت على الطفل... سيسترخي ويكون في سلام تام... قد نعتقد أنه من البؤس الشديد أن نقع في هذا الغضب الرهيب، لكن الطفل ليس بائساً... لقد استمتع بغضبه حقاً.

إذا أصبحتَ شيئاً واحداً مع أي شيء سوف تشعر بالفرح.. الوحدة والتوحيد الداخلي طريق للسعادة في أي مجال... إذا فصلتَ نفسك عن شيء ما، فسوف تكون بائساً حتى لو كان هذا الشيء هو السعادة.

إليك المفتاح: أن تنفصل كـ "
أنا" هو أساس كل البؤس... وأن تكون واحداً موحّداً، متدفقاً مع أي شيء تجلبه الحياة إليك بكلية... بغياب للأنا وحضور اللحظة مع النور... ستجد في كل ما يصادفك نبعاً من السرور.

الخيار موجود أمامك، لكنك أصبحت غير منتبه له... لقد كنتَ ولا تزال تختار الخيار الخاطئ باستمرار، فتحوّل إلى عادة تلقائية غير واعية ليل نهار...

انتبه استيقظ وتيقّظ...

في أي لحظة عندما تختار أن تكون بائساً تذكّر يا مختار:
 

هذا هو خيارك أنت
 

حتى هذا التركيز الفكري سوف يساعدك... الانتباه إلى أن هذا هو خياري وأنا المسؤول وهذا ما أقوم به أنا تجاه نفسي... فوراً ستشعر بفرق كبير.
ستتغير نوعية الفكر وسيصبح من السهل عليك الانتقال إلى السعادة.

حالما تعرف أن هذا هو خيارك، سيصبح كل الموضوع مجرد لعبة... عندها إذا أحببتَ أن تكون بائساً كُن بائساً، لكن تذكّر أن هذا هو خيارك ولا تشتكي وتتذمّر.
لا يوجد أي شخص آخر مسؤول عنه... هذه مسرحية درامية تؤديها أنت.
إذا أحببتَ تأديتها بالصورة الحزينة ورغبتَ بعيش حياتك في التعاسة والعناء، فهذا خيارك ولعبتك... أنت مَن يقوم بتشغيلها والاستمتاع بها، فالعب بها بفنّ وإتقان!

لا تذهب وتركض وراء الناس لتسألهم: كيف أتجنب التعاسة والعناء؟... هذا بلا جدوى... لا تركض وراء "المعلمين" والمرشدين النفسيين والناصحين لتسألهم: كيف أكون سعيداً في قمة الهناء؟....
هؤلاء "المعلمين" موجودون بسبب حماقتك، أنت تقوم بصنع التعاسة وبعدها تذهب لتسأل الآخرين عن كيفية إزالتها... وستستمر بصنعها لأنك غير منتبه لما تقوم بفعله...
 

ابتداءً من هذه اللحظة حاول أن تكون سعيداً...
اختر الهناء بدل البلاء والعناء...
العمر لحظة وتمضي فلا تضعها في الشقاء...
ابكِ وستبكي لوحدك....
اضحَك تضحك لك الدنيا والسماء...
وكل يوم وأنت بخير...


 

أضيفت في:17-12-2007... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد