موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

أريد الانتحـار.... هل هناك خيـار؟

الفهم هو القانون الوحيد

 

لقد أتيتُ من عائلة حدثت فيها أربع حوادث انتحار بين أقرباء أمي...

ومن بينهم كانت جدتي...

كيف يؤثر هذا الأمر على موت الإنسان؟

ماذا يساعد للتغلّب على هذا الانحراف في الموت الذي أصبح عادة متكررة في العائلة؟

 

يا نور... إن ظاهرة الموت واحدة من أغمض الظواهر، وكذلك ظاهرة الانتحار...

لا تحكمي من مستوى ظاهري على الانتحار، فقد يكون ممثلاً لعدة أشياء.

فهمي الخاص للموضوع هو أن الناس الذين ينتحرون هم أكثر الناس حساسية في العالم، أناس أذكياء جداً... وبسبب حساسيتهم وذكائهم، يجدون أنه من الصعب جداً التماشي مع هذا العالم المريض نفسياً وعصبياً.

المجتمع بكامله مريض... مبني على أسس مجنونة مضطربة عصبياً... وتاريخه بكامله حافل بالجنون والعنف والحروب والدمار...

أحدهم يقول: "وطني وبلدي هو أعظم بلد في العالم"... هذا عبارة عن اضطراب عصبي وهذيان بكل بساطة!

أحدهم قول: "مذهبي وديني هو أعظم وأسمى دين في العالم والتاريخ كله"... هذا أيضاً مرض وهذيان...

وهذا الاضطراب قد تغلغل إلى الدم وأعماق العظم، وقد أصبح الناس بلهاء جداً ودون أي حساسية أو إحساس، عليهم أن يصبحوا هكذا وإلا فلن تكون الحياة ممكنة!

يجب عليك أن تفقد إحساسك لتتلاءم مع هذه الحياة البليدة من حولك، وإلا فستخرج عن التناغم مع تيار الحياة وطرقها...

وإذا بدأتَ تخرج عن التناغم مع المجتمع سيقول عنك المجتمع أنك مجنون...

المجتمع مجنون، لكنك إذا لم تضبط نفسك مع جنونه فسيُعلن أنك مجنون أمام الجميع.

لذلك إما عليك أن تجن، أو أن تجد طريقة للخروج من هذا المجتمع، وهذا هو الانتحار بالضبط....

الحياة قد أصبحت غير مُحتملة، ويبدو أنه من المستحيل التفاهم مع كثير من الناس حولك، وهم جميعاً مجانين غير عاقلين....

ماذا ستفعل إذا وُضعتَ في مستشفى للمجانين؟

 

حدث مرةً لأحد أصدقائي أنه كان في مستشفى للأمراض العقلية.

كان قد وُضع هناك من قبل المحكمة لمدة تسعة شهور... وبعد ستة شهور أصبح مجنوناً بالفعل -لذلك استطاع أن يقوم بما قام به- وجد زجاجة كبيرة في الحمام مليئة بالمواد الكيماوية وقام بشربها.

وعانى لمدة خمسة عشر يوماً من الإقياء والإسهال، وبسبب ذلك الإقياء والإسهال عاد إلى هذا العالم، عاد عاقلاً من جديد!

لقد نظف جسمه تماماً واختفى السم والمرض... قال لي أن الثلاثة أشهر الأخيرة كانت الأصعب على الإطلاق: "أول ستة شهور كانت جميلة لأنني أنا كنتُ مجنوناً، وكل الناس حولي مجانين أيضاً... كانت الأمور تجري بسهولة وروعة وبساطة دون أي مشكلة، لقد كنتُ متناغماً مع كل الجنون من حولي"

 

عندما شرب تلك المادة، ومرّت عليه تلك الأيام من الإقياء والإسهال، عن طريق الصدفة تم تنظيف جهازه العصبي وتجديده... وتطهّرت معدته وأمعاؤه أيضاً لأنه لم يكن قادراً على تناول أي شيء لمدة خمسة عشر يوماً.. وصام طويلاً بسبب الإقياء الشديد ونام في السرير... هذا كله ساعد جهازه العصبي فعاد سليماً عاقلاً من جديد...

ذهب إلى الأطباء وأخبرهم أنه أصبح عاقلاً، فضحكوا عليه وقالوا: "كل الناس هنا يقولون ذلك".. وكلما أصرّ أكثر، كلما أصرّوا هم أكثر وقالوا أن أي مجنون يقول هذا، إذهب إلى غرفتك وقم بعملك! لن تستطيع الخروج من هنا حتى يصدر قرار المحكمة بإخراجك.

 

قال لي: "تلك الشهور الثلاثة كانت مستحيلة تماماً مليئة بالكوابيس والآلام"

وقد فكّر عدة مرات بالانتحار... لكنه رجل ذو إرادة قوية... واستطاع التحمل لثلاثة شهور.... مع أن الوضع لا يُطاق على الإطلاق! أحد المجانين يشدّه من شعره، وآخر يسحبه من قدميه، ومجنون ثالث ببساطة يقفز عليه!

كل هذا كان يحدث في أول ستة أشهر لكنه كان عندها جزءاً من هذه الحفلة، كان يقوم بالأشياء ذاتها، كان عضواً ممتازاً في ذلك المجتمع المجنون... لكن الشهور الثلاثة التالية كانت صعبة جداً لأنه أصبح عاقلاً وجميع من حوله مجانين.

 

في هذا العالم المضطرب عصبياً، إذا كنتَ عاقلاً، حساساً، ذكيـاً، إما عليك أن تصبح مجنوناً، أو عليك أن تنتحر....

أو عليك أن تصبح متأملاً من أهل الحق!

هل من أي حل غير هذا؟

 

يا نور، لقد أتيتِ وسألتِ السؤال وأتى الجواب في الوقت المناسب،

تستطيعين الآن أن تبدئي الرحلة الداخلية مع بيت الحق.كوم وتتجنبي الانتحار!

 

في الشرق، الانتحار نادر جداً بسبب وجود بديل، هو الجماعة.... يد الله مع الجماعة...

في الشرق والغرب الآن هناك ألوف الجماعات من شتى الطرق، وقديماً كانت حياة الجماعة وبيت المال والعيال أيام الخلفاء عند العرب، لكن الآن لا يوجد إلا تجمّعات الرقص والطرب عند العرب....

 

عندما تصبحين واحدة من الجماعة فأنتِ ببساطة واحترام تنسحبين من المجتمع والمجمّع والمنتجع، وبلاد الشرق تقبل هذا... وتستطيعين القيام بأمورك الخاصة بك دون أن يتدخّل أحد بك... ولهذا تجدين الفرق بين الهند وأمريكا مثلاً بمقدار خمسة أضعاف:

مقابل كل هندي ينتحر تجدين خمسة أميركيين منتحرين...

وظاهرة الانتحار تنمو بشكل كبير في أميركا.. الذكاء ينمو، الحساسية تنمو، والمجتمع بليد ميت مجنون... والمجتمع هناك لا يسمح بظاهرة الذكاء... فما العمل تجاه هذا الوضع؟ هل سأستمر بالمعاناة دون جدوى؟

عندها سيبدأ المرء يفكر: "لماذا لا أستغني عن كل هذا دفعةً واحدة؟ لماذا لا أنهيه الآن؟ لماذا لا أعيد تذكرة سفري إلى الله؟!"

في أميركا، إذا أصبحت حياة جماعات أهل الحق والصفاء حركة كبيرة فستنخفض معدلات الانتحار حتماً، لأن الناس سيحصلون على بديل أفضل بكثير وأكثر خلقاً وإبداعاً وسعادة من الهروب إلى الموت...

 

هل انتبهتم إلى أن "الهيبّيين" مثلاً، أي الذين خرجوا عن المجتمع وكل قوانينه بتمرّد، لم ينتحر أي منهم؟

إنك تجد الانتحار منتشراً في المجتمعات المنظمة التقليدية...

الهيبّي قد خرج عن المجتمع، وهو في أول خطوة من الرحلة نوعاً ما، مع أنه ليس واعياً تماماً لما يقوم به لكنه خطا خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح، زاحفاً يتلمّس طريقه في الظلام، لكنه في الاتجاه الصحيح...

الهيبّي المتمرد هو بداية الطريق إلى الحقيقة... وهو يقول:

"إنني لا أريد أن أكون جزءاً من هذه اللعبة المهترئة القذرة، لا أريد أن أكون جزءاً من هذه الألعاب السياسية... إنني أرى الأشياء بعينيّ وأرغب أن أعيش حياتي الخاصة بي... لا أريد أن أكون عبداً تابعاً لأحد... لا أريد أن أقتل أو أُقتل في أي ساحة حرب... لا أريد أن أقاتل، هناك أشياء أجمل بكثير أرغب القيام بها."

 

لكن ملايين الناس موتى في انتظار يوم الدفن لا يتحركون أبداً... لقد سلب المجتمع منهم أي إمكانية للنمو والتطور... فعلقوا وأغلقوا...

الناس ينتحرون لأنهم يشعرون بالمأزق ولا يرون أي سبيل للخروج منه...

لقد وصلوا إلى طريق مسدودة...

وكلما كنتَ ذكياً أكثر، كلما وصلتَ إلى النهاية المسدودة بسرعة أكبر، وعندها ماذا من المفروض أن تعمل...؟ المجتمع لا يعطيك أي بديل، المجتمع لا يسمح بمجتمع آخر بديل...

 

جماعة أهل الحق هي مجتمع بديل، بل أصيل...

من الغرابة أن أخفض معدلات الانتحار في العالم موجودة في الهند... منطقياً، يجب أن تكون الأعلى لأن الناس يعانون من الفقر والجوع الشديد... لكن هذه الظاهرة الغريبة تحدث في كل مكان: الفقراء لا ينتحرون... ليس لديهم أي شيء يعيشون من أجله، وليس لديهم أي شيء يموتون لأجله... ولأنهم مُعدمون جائعون فهم دائماً ينشغلون بتأمين الطعام والمأوى والمال وغيرها... لا يحتملون حتى التفكير بالانتحار، لم يصلوا بعد إلى هذه الدرجة من الرفاهية!... أميركا تمتلك كل شيء والهند لا تملك أي شيء...

 

لماذا يحصل الانتحار كثيراً في أميركا؟

لأن مشاكل الحياة الاعتيادية قد اختفت، والفكر أصبح حراً وقادراً أن يرتفع إلى مستويات أعلى من الوعي العادي... والفكر يستطيع أن يرتفع ويتجاوز الجسد، ويتجاوز حتى الفكر ذاته... الوعي مستعد لإطلاق أجنحته والطيران لكن المجتمع لا يسمح بذلك....

من بين كل عشرة منتحرين هناك تسعة أناس حسّاسين...

برؤيتهم لتفاهة الحياة وعدم إيجاد أي معنى لها، برؤيتهم للإهانة التي تفرضها عليهم، برؤيتهم للمُساومات التي على المرء القيام بها من أجل لا شيء يُذكر في النهاية، برؤيتهم لهذه الحالة الصامتة الميتة حولهم: قرروا أخيراً أن يتخلصوا من الجسد...

لكنهم لو استطاعوا امتلاك أجنحة داخلية للتحليق ضمن الجسد لما قرروا ذلك القرار...

 

أيضاً للانتحار معنى ودلالة أخرى هنا، يجب أن تُفهم جيداً.

في حياتك بكاملها يبدو كل شيء تقليدياً مكرراً عند الجميع... لا تستطيع امتلاك سيارة لا يمتلك مثلها الآخرون... ملايين الناس غيرك لديهم نفس سيارتك... وملايين الناس يعيشون نفس الحياة التي تعيشها، يشاهدون نفس الأفلام، نفس المسرحيات والمسلسلات والمحطات والمطربات، يقرؤون نفس الجرائد والمجلات...

الحياة مشتركة كثيراً بين الجميع ومملة ومكررة، ولم يبقى أي شيء مميز لكي تفعله أنت...

الانتحار يبدو ظاهرة مميزة: أنت فقط تستطيع الموت من أجل نفسك، لا يوجد أي شخص آخر يمكنه أن يموت عنك أو لأجلك...

موتك سيكون موتك أنت خصوصاً وتحديداً، لا موت شخص آخر... الموت مميز!

 

انظر إلى هذه الظاهرة: الموت مميز... هذا يعطيك فرديّة مستقلة بذاتك.

لقد أخذ منك المجتمع فرديتك المتميزة وجعلك رقماً بين الأرقام، مجرد مسنن صغير في عجلة الحياة قابلاً للاستبدال بسهولة... إذا متَّ فلن يفتقدك أحد، وستُستبدل.

إذا كنتَ بروفيسوراً في الجامعة، فسيأتي شخص آخر ويصبح بروفيسوراً مكانك...

حتى إذا كنتَ رئيس البلد سيأتي شخص آخر ويصبح الرئيس بدلاً منك في الحال...

مهما كنتَ تعمل، فأنت قابل للاستبدال دون أي سؤال...

هذا الأمر يجرح القلب والإحساس... أن قيمتك ضئيلة جداً، وأنك لن تُفتَقد بعد موتك، أنك يوماً ما ستختفي وأولئك الناس الذين سيتذكرونك سيختفون بعدك بوقت قليل...

سيبدو الأمر وكأنك لم تتواجد أبداً هنا...

فقط فكّر بذلك اليوم...

موتوا قبل أن تموتوا...

سوف تختفي...

نعم سيتذكرك الناس لبضعة أيام، حبيبك أو زوجك سيتذكرك، أطفالك، وربما بعض الأصدقاء... وتدريجياً سوف تخفّ ذاكرتهم وتضمحل، وتختفي ذكراك من بالهم وفكرهم... ربما بعض الأشخاص المقرّبين إليك بينما يكونون أحياء سيتذكرونك من حين لآخر... لكن عندما يموتون... عندها... ببساطة سوف تختفي أنت، كما لو أنك لم تكن أبداً هنا... عندها لا يوجد أي فرق بين وجودك وعدم وجودك هنا...

 

الحياة لا تعطيك أي احترام خاص... إنها مُذلّة جداً... تقودك إلى حفرة حتميّة تكون فيها مجرد رجل كرسي... قطعة زائدة مجهولة العنوان والهوية...

الموت، على الأقل، يكون مميزاً... والانتحار أكثر تميّزاً من الموت... لماذا؟

لأن الموت يأتي لوحده أما الانتحار فهو شيء تجلبه أنت.

الموت أبعد من إرادتك واستيعابك: عندما يأتي سيأتي دون أخذ الإذن منك... لكنك تستطيع تدبير الانتحار ولن تكون فيه الضحية...

في الموت ستكون ضحيةً أما في الانتحار ستكون المضحّي المتحكم...

ولادتك قد حدثت مسبقاً، والآن لا تستطيع عمل أي شيء تجاهها، ولم تعمل أي شيء قبل أن تولد... وكانت ولادتك مجرد مصادفة...

أهم ثلاثة أشياء في الحياة هي: الولادة، الحب، والموت...

الولادة قد حدثت ولا تستطيع عمل أي شيء، حتى أنك لم تُسأل ما إذا كنتَ ترغب أن تُولد أم لا... فكنتَ ضحية هنا أيضاً...

الحب يحدث أيضاً، ولا تستطيع عمل أي شيء أيضاً... يوماً ما تقع في حب وغرام أحد الأشخاص ولن تستطيع إيقاف مشاعرك... وإذا أردتَ أن تقع في حب شخص معيّن فلن تستطيع تدبير الأمر مطلقاً... وعندما تقع في حب شخص لا ترغبه، وتريد أن تسحب نفسك بعيداً عنه فهذا أيضاً شيء صعب جداً....

الولادة هي حدث، والحب كذلك.... والآن الموت هو الشيء الوحيد الباقي الذي يمكن القيام بشيء إرادي حياله: تستطيع إما أن تكون ضحية أو أن تقرر بنفسك وتنهي حياتك.

 

المنتحر هو الشخص الذي يقرر ويقول:

"دعوني على الأقل (أقوم) بشيء واحد في هذا الوجود، في هذا المكان الذي وُجدتُ فيه بمحض المصادفة: سوف أنتحر... على الأقل هناك شيء ما أستطيع القيام به!"

الولادة شيء مستحيل أن تقوم به، والحب لا يمكن أن يُصنع إذا لم يكن موجوداً في قلبك، لكن الموت.... الموت فيه بديل يشفي الغليل... إما أن تكون ضحية أو أن تكون صاحب القرار.

 

كل هذه المجتمعات قد أخذت كرامتك بكاملها... لهذا الناس يقومون بالانتحار...

لأن انتحارهم سيُرجع إليهم شيئاً من الكرامة المسلوبة...

يستطيعون أن يقولوا لله: "لقد تخلّيتُ عن عالمك الدنيوي وأنكرتُ هذه الحياة... لم يكن لهذه الحياة أي قيمة!"

المنتحرون غالباً حسّاسون أكثر من غيرهم من الناس الذين يجرّون أنفسهم ويستمرون بالعيش بطريقة ما.... وإنني لا أدعوك للانتحار، بل أقول أن هناك إمكانية أعلى وأسمى... كل لحظة من الحياة يمكن أن تكون في غاية الجمال، مميزة بحد ذاتها، غير مكررة ولا مُقلّدة... كل لحظة يمكن أن يكون لها قيمة ثمينة جداً!... عندها لن يكون هناك حاجة للانتحار...

كل لحظة يمكن أن تجلب الكثير من البركات، وكل لحظة ستعطيك فرديتك الفريدة من نوعها.. لأنك أنت فريد بالأساس!... لم يوجد أي شخص مثلك من قبل، ولن يوجد أبداً من بعدك... وفيك انطوى العالم الأكبر...

 

لكن المجتمع يفرض عليك أن تكون جزءاً من جيش أو قطيع ما... المجتمع لا يحب أبداً شخصاً يسير في طريقه الخاص به...

المجتمع يريدك أن تكون جزءاً من الحشود: كُن هندوسياً، يهودياً، مسلماً، مسيحياً، أميركياً، هندياً، سورياً... اختر أي حشد وعلبة تريدها لكن كُن دائماً جزءاً من القطيع...

لا تكن أبداً ذاتك...

وأولئك الذين يرغبون بأن يكونوا ذاتهم: هم ملح الأرض... هم أكثر الناس أهمية على الأرض... في الأرض بعض العطر والكرامة بسبب هؤلاء الناس المميزين، لكنهم بعدها ينتحرون......

 

حياة الجماعة والانتحار كلاهما من البدائل... وهذه هي تجربتي وخبرتي: لن تستطيع أن تصبح مع جماعة أهل الحق إلا إذا وصلتَ إلى مرحلة خطيرة: إذا لم تختر حياة الجماعة فالانتحار هو الخيار.....

حياة الجماعة تعني:

"إنني سأحاول أن أكون فرداً مستقلاً وأنا حيّ!... سوف أعيش حياتي على طريقتي... لن أكون متلقياً ولن أسمح لأحد بأن يسيطر عليّ... لن أعمل كآلة مأمورة... كرجل آلي ميت... لن يكون لدي أي مثل أو قدوة أو حدوة ولن يكون لدي أي هدف..

سأحيا اليقظة في هذه اللحظة، الآن الصحوة، سأسير على حواف اللحظة الحادة كحدّ الشفرة...

سأكون عفوياً، وسأغامر وأخاطر بنفسي وكل ما لدي من أجل هذا!"

حياة الجماعة خطر حقيقي يا صديقي...

 

يا نور... أريد أن أقول لك: لقد نظرتُ في عينيك... نعم إمكانية الانتحار موجودة أيضاً... لكنني لا أعتقد أن عليك أن تنتحري... حياة الجماعة سوف تحقق لك هذا!!!

أنت محظوظة أكثر بكثير من أولئك المنتحرين الأربعة في عائلتك.

في الواقع، أي شخص ذكي عنده القدرة على الانتحار، وفقط الأغبياء لا ينتحرون مطلقاً... هل سمعتِ من قبل أن غبياً قد انتحر؟ إنه لا يهتم بالحياة ومعانيها، فلماذا سوف ينتحر إذاً؟؟

فقط الإنسان الذكي النادر هو الذي يبدأ يشعر بالحاجة إلى شيء ما، لأن الحياة كما تُعاش عادة لا تستحق أن تعاش... لذلك، إما أن تفعل شيئاً وتغيّر حياتك: أعطها شكلاً أو اتجاهاً أو بُعداً آخر، وإلا لماذا الاستمرار بحمل هذا الكابوس والهم والغم ليل نهار وعلى مدار الأيام والأعوام؟؟ ويستمر الكابوس... وتساعدك علوم الطب الحديثة على إطالتها حتى لمدة أطول: مئة سنة، مئة وعشرين، حتى بعض العلماء يؤكدون أن الإنسان يمكن أن يعيش بسهولة ثلاثمائة سنة!.... فقط فكّري بأن الناس إذا عاشوا ثلاثمائة سنة.... سيرتفع معدل الانتحار كثيراً جداً، لأنه عندها حتى الفكر والوعي المتوسط سيبدأ يرى تفاهة وعدم جدوى هذه الحياة...

 

الذكاء يعني النظرة العميقة إلى الأشياء:

 

هل هناك أي معنى أو مغزى لحياتك؟ هل هناك فيها أي فرحة؟

هل في حياتك أي شِعر؟ هل فيها أي إبداع وفن؟

هل تشعرين بالامتنان لأنك هنا؟

هل تشعرين بالامتنان لأنك قد وُلدت في هذه الحياة؟

هل تستطيعين أن تشكري ربك؟

هل تستطيعين أن تقولي بصدق ومن كامل قلبك أن هذه نعمة حلّت عليك؟

إذا لم تكوني تستطيعين ذلك، فلماذا إذاً تستمرين بالحياة؟

إما أن تجعلي حياتك بركة ونعمة... أو أن تنسحبي، لماذا تستمرين بفرض ثقلك على هذه الأرض؟

"إختفي... وسيأتي شخص آخر ويشغل مكانك، وقد يعمل ويعيش أفضل منك."

 

هذه الفكرة تأتي بصورة طبيعية إلى العقل الذكي... وهي فكرة طبيعية جداً جداً إذا كنتِ ذكية...

الناس الأذكياء ينتحرون، وأولئك الناس الأذكى من الأذكياء: يعيشون حياة الجماعة...

يبدؤون بصُنع المعنى لحياتهم وفي حياتهم، يبدؤون بصُنع الجدوى والمغزى، يبدؤون بالحياة.... فلماذا يا نور تضيّعين الفرصة؟؟؟

 

قال أحد العلماء: "الموت يعزلني ويجعلني فرداً..."

لأن هذا هو موتي أنا، ليس الموت المنتشر بين الحشود التي أنتمي إليها.

كلٌ منا يموت موته الخاص به، الموت لا يمكن أن يتكرر أبداً....

أستطيع أن أقدّم امتحاناً مرتين أو ثلاث... أن أقارن بين زواجي الثاني وزواجي الأول وهكذا وهكذا... لكنني أموت مرة واحدة فقط.

أستطيع أن أتزوج عدة مرات بقدر ما أرغب، أستطيع أن أغيّر عملي كثيراً كما أريد، أستطيع تغيير المدينة التي أعيش فيها عدة مرات كما أريد أيضاً.... لكنني لا أموت إلا مرة واحدة فقط.

الموت فيه تحدّي كبير لأنه محتوم مكتوب وغير محتوم في آن واحد: حتماً سيأتي الموت لا محالة وبهذا يكون حتمياً أكيداً، أما متى سيأتي فهذا غير أكيد.

ولهذا هناك فضول كبير تجاه موضوع الموت... ما هو الموت وماذا بعده وقبله وكيف نموت وغيرها... المرء يرغب بأن يعرف عنه شيئاً ما، ولا يوجد أي خطأ أو مرض في الرغبة بالتعرّف على الموت... لا بل: موتوا قبل أن تموتوا......

 

الاتهامات ضد التعرف على الموت هي مجرد أداة سياسية لضبط القطيع: لمنع المرء من الهروب من طغيانهم ومن أن يصبح فرداً فريداً حراً...

من الضروري جداً أن نرى أن حياتنا هنا هي عبارة عن اقتراب من الموت... موت بطيء يحصل باستمرار... كل مَن عليها فانٍ... وحالما نصل إلى هذه النقطة، تظهر إمكانية التحرر والنجاة من تفاهة الحياة اليومية وأشغالها الشاقة واستعبادها، فيمكننا الوصول إلى طاقاتنا الكامنة...

الإنسان الذي قد واجه موته... وإنْ خِفتم من شيء فادخلوا فيه... هذا الإنسان هو الصاحي الواعي الفهمان... واثق الخطى ويمشي ملكاً... الآن ينظر إلى نفسه كفرد مميز عن الحشود، ومستعد لاستلام مسؤولية حياته ومماته...

بهذه الطريقة نقرر ونختار وجودنا الأصلي الأصيل بدلاً من المزيف العليل... ننموا وننهض من الأكثرية ونكون أنفسنا في النهاية... صفوة الصفوة وخاصة الخاصة... والنوعية أهم من الكمية... 

 

حتى التفكير بالموت وإمعان النظر فيه، موتوا قبل أن تموتوا، يعطيك فردية، شكلاً وهوية، لأنه موتك أنت... إنه الشيء الفريد الوحيد الباقي في العالم... وعندما تفكرين بالانتحار يصبح الموت شخصياً أكثر فأكثر لأنه قرارك الآن.

تذكّري.. إنني لا أقول أن عليك أن تذهبي وتنتحري... إنني أقول أن حياتك، كما هي الآن، تقودك إلى الانتحار.. لذلك غيّريها.

وفكّري وتأملي بالموت.... قد يأتي في أي لحظة، لذلك لا تظنّي أن التفكير بالموت ودراسته بعمق هي شيء من المرض أو المحرمات... ليس مرضاً لأن الموت هو أوج الحياة... ذروتها وأعلى قممها... عليك أن تأخذيه بعين الاعتبار...

 

الموت قادم، سواء انتحرتِ أم متِّ، الموت سيأتي...

ولا بد من حدوثه... الموت مكتوب على ابن آدم ولا مهرب منه...

وعليكِ أن تحضّري له، والطريقة الوحيدة للتحضير للموت ليست في الانتحار، الطريقة الصحيحة هي التأمل والموت كل لحظة ناسيةً الماضي الفاضي...

تلك هي الطريقة إلى الحقيقة... وهذا ما يُفترض أن يعمله أهل الحق: كل لحظة موت للماضي وولادة للآن، دون أن يحملوا الماضي ولو لأي لحظة.

موتي قبل أن تموتي... تخلّي عن الماضي كل لحظة، موتي وانبعثي في الزمان الحاضر...

هذا سيبقيك شابة ونضرة، مشعة بالنبض والحياة... خافقة القلب، مبتهجة ومنتشية من الفرحة المتجددة...

 

والإنسان الذي يعرف كيف يموت بالنسبة للماضي في كل لحظة يعرف كيف يموت، وهذا هو أعظم فن ومهارة يكتسبها من الحياة..... لهذا عندما يأتي الموت لمثل هذا الإنسان، تجده يرقص مع الموت ويعانقه!... الموت صديقه ورفيقه لا عدوه... الموت هو الله عندما يأتي إليك على هيئة موت ونمَوت... إنه استرخاء تام وذوبان في الوجود... إنه العودة من جديد إلى البنية الكاملة، عودة اتحاد قطرة الماء بالمحيط... فلا تُسمّي الموت انحرافاً....

 

أضيفت في:10-9-2009... حياة و موت> ولادة و موت و نمَوت
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد