موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

البيئة ... بيتك

منذ قرون عديدة عرف الحكماء أهمية الطبيعة وغناها وأن الطبيعة والإنسان واحد.. كل منهما يكمل الآخر...

إنها أجزاء مختلفة من كون واحد... فإذا شعرنا بهذه الوحدة مع الكون... والتوحد مع كل كائن..

بدلاً من السعي إلى السيطرة والتسلط على بعضنا البعض.... ستولد في الحياة موسيقى جديدة وفريدة..

سيولد علم جديد غير معتاد ومفيد... من علم الطبيعة والأحياء والإحياء بدلاً من التخريب والقضاء...

وهذه قصة عن أحد هؤلاء العلماء الحكماء:

يوماً ما كان أحد تلامذة هذا المعلم قد أُرسل من قبل أحدهم ليجلب الحطب فإذا به يقطع فرعاً كاملاً من الشجرة ويجره إليه... وحين كان يجره رآه الحكيم فصاح به: "ألا تعلم أن ما فعلته خطأ فادح أيها الأحمق!"...

"ألا تعلم بأن تلك الشجرة هي جزء من روحك والآن تلك الشجرة قد جرحت وفقدت أحد أجزائها وكذلك جزء ما في داخلك قد خدش وفقد..

حين تكون تلك الأشجار مخضرة ومشرقة بالخير سنكون نحن أيضاً بخير... أمكم الأرض وعمتكم النخلة..... نحن لسنا أجزاء مفصولين وعن الكون والكائنات معزولين بل واحد مع الواحد مع كل شيء موصولين"..

لكن بالرغم من كل علومنا ومعرفتنا قمنا بقطع ملايين الأشجار حتى اقترب الدمار.....

 

لقد أشار الحكيم في قصته إلى غصن واحد قد كُسر من الشجرة.. لكننا دمرنا غابات وأدغال بحالها!! ..والآن ها قد بدأنا ندرك أن ذلك كان خطأً فادحاً قمنا بارتكابه بحق الأرض والأم التي أسكنتنا على سطحها وأطعمتنا وسقتنا وقدمت لنا كل نفس لا نزال نتنفسه ولا تزال تقدم لنا كل ذلك بالرغم من كل الانتهاكات والقمامة والأفعال الخاطئة التي ارتكبناها بلا أي مبرر حقيقي... كل ذلك بحب غير مشروط لكن إلى متى أيها الإنسان ستبقى في النسيان بين العميان؟؟؟....

ربما ظننا بأن تلك الغابات عدو لنا.. فقد كان الإنسان خائفاً من الحياة البرية الطبيعية المختبئة داخلها.. لذلك دمرها وقام بإنشاء القرى والمدن والأبنية العالية...

لم يدرك بأن كل قطرة مطر تسقط فوق أرضه...وكل نسمة ريح تهب لترطب بيته...لن تكون لتوجد دون تلك الغابات والأحراج!... فإذا قضينا على الأدغال ستزول أبنيتنا وقرانا ومدننا ونزول نحن معها أيضاً..... كل من عليها فان فإلى متى سنبقى نتطاول في البنيان...

 

الآن هناك حملات تحث الناس على عدم قطع الأشجار وإزالة الغابات في كل أنحاء العالم..

من الإجرام أن تقطع ولو ورقة واحدة... فالذي سيزول بزوال تلك الأشجار والكائنات هو الإنسان...

منذ 2500 عام أخبرنا الحكماء العلماء: بأنه حين نحرم الشجرة ولو من غصن واحد من أغصانها، فإن شيئاً ما في داخلنا ينقص... وكأنه قد اقتطع منا أيضاً...

فالشجرة جزء منا وجزء من الوجود...

فالأمر هو كأننا نزيل جزءاً مهماً من لوحة فنية... عندها لن تبقى اللوحة كما هي... ولن تعود كما كانت من قبل.. فإزالة غصن واحد من الشجرة في اللوحة سيغير الصورة والرؤية بكاملها...

لمسة خفيفة تغير كل شيء فهي ترتبط باللوحة بأكملها من أدق تفصيل وحتى أكبر تفصيل.. اللوحة هي نتيجة اجتماع كل تلك اللمسات وارتباطها ببعضها كالسلسلة...

 

الشجرة التي طالما وقفت بين الكوخ والفضاء خارجاً قد قطعت وأزيلت الآن... فأصبح الكوخ والسماء يقفان عاريين...

لقد قطعنا الأشجار بعشوائية بدون ضمير لنوجد مساحات فارغة ليبني الإنسان العمارات...

ليس ذلك فحسب بل وقد قضينا أيضاً على أصناف من الحيوانات بالكامل...

هناك حركة جديدة في أوروبا الآن تدعى بعلم البيئة والكائنات... والتي تؤمن بالعلاقات المتبادلة بين الكائنات وبيئتها المحيطة... يقولون فيه: على الإنسان أن يعاني بسبب الأشياء التي قام بتدميرها.. فالعصفور الذي يغرد في الغابة يعادلنا في الأهمية وهو جزء حي فينا ومنا..

فحين تتوقف الطيور في الغابات عن الغناء سنكون قد خلقنا عائقاً للموسيقى في الطبيعة والمزيد من الضجة في فكرنا الذي لن يعرف السلام والفرح الذي يأتي مع غنائها بعد ذلك..

نحن لسنا واعين بعد لهذا.. فالإنسان مخلوق صغير يمضي كل حياته في زاوية من زوايا منزله.. أمام مكتبه.. في غرفة نومه.. في مطبخه... لا يعرف شيئاً عن هذا العالم الكبير في الخارج.. بعيد عن الحياة الحقيقية... إنه غير واعي مطلقاً لما يفوته وهو غافل وعالق بالفكر والتفكير والتكفير... غير واعي للغيوم التي تمر في السماء.. لا يرى الأزهار حين تزهر وتتفتح فوق الأشجار... ولا يسمع أغنية العصافير التي تغرد في الربيع...

منذ ثلاثة سنوات نشر في انكلترا كتاب بعنوان "الربيع الصامت"

لقد حدث تغيير مفاجئ  ومؤلم.. سقطت آلاف العصافير بشكل مفاجئ عن الأشجار ميتة دون حراك... وآلاف آخرون سقطوا ميتين في شوارع المدن..

كل أصوات الربيع اختفت فجأة وتحولت لصمت... كل ذلك نتيجة لنشوء خطأ ما من قبل الخبراء والباحثين في أحد أبحاثهم في مجال الطاقة النووية.. حدثت تلك المأساة...

لقد خسرت انكلترا نسبة هائلة من طيورها المغردة التي يصعب تعويضها...

الربيع في انكلترا لن يعود كما كان أبداً...

وقد نفكر: ما الفرق الذي يمكن أن يُحدِثه تغير الربيع في حياتنا؟؟ هل ستتأثر شوارعنا ومتاجرنا في حال توقفت الطيور فوق الأشجار عن الغناء؟؟!...لو أن تلك الحياة البرية النقية كانت بعيدة ومعزولة ومنفصلة عنا! لكنها ليست كذلك...

 

هناك في العالم الحقيقي في قلب الحياة وكل شيء حي، لا العالم الوهمي الذي صنعناه بفكرنا ورغباتنا وطموحاتنا ومصالحنا وأموالنا وطمعنا وخوفنا والأهم جهلنا..

في عالم الحياة الحقيقة كل شيء متصل... كل شيء ذو تأثير متبادل مع ما حوله... ومرتبط ببعضه البعض..

فحين تنطفئ إحدى النجوم في الفضاء وتموت فإن ذلك يؤثر في كوكب الأرض حتى وإن كانت تلك النجمة بعيدة عنا ملايين السنين الضوئية...

إذا اختفى القمر ستحدث على الأرض تغييرات هائلة... لن يكون هناك أمواج في المحيطات... الدورة الشهرية عند المرأة ستكون عشوائية... لن تدور ضمن دورة28 يوم كما هي الآن... ويتغير كل شيء....

 

لا تغيروا في خلق الله... هذا ما يقوله لنا العارفون: "دعوا الأشياء تكون كما هي.. وفقاً لطبيعتها" واقبلوها كما هي... فهم رفاقكم في رحلتكم.. لا تنكر النقيض... النقيض الذي يبدو لك بأنه عدو لئيم... بل دع ذلك أيضاً يكون كما هو... لأجل نظام الطبيعة وحكمة أمنا الأرض الظاهرة والخفية المليئة بالأسرار والإعجاز والغموض والأنوار.. وإن الله يعلم الجهر وما يخفى...

كل شيء موصول في داخلنا.. في غفلتنا أو يقظتنا.. أنت لا تعلم ما حجم المشكلات التي تخلقها حين تعزل ولو جزءاً واحداً من الطبيعة عنك...

الآن بعد أن بدأ علم البيئة بالانتشار بدأ الإنسان بالفهم... بدأنا ندرك كم هو من الصعب إدراك كل الطرق التي تصلنا بالطبيعة...

كمثال: إذا قطعنا الأشجار فإن عناصر الحياة التي تجمعها الشجرة لأجلنا لن تكون موجودة بعدها...

فالأشجار تمتص أشعة الشمس وتجعلها ملائمة لتستطيع أجسادنا امتصاصها...

أشعة الشمس المباشرة لا يمكن تحويلها لشكل ملائم من الاستهلاك لأجسادنا....

النباتات تمتص العناصر والحياة من التربة فتجمعها وتحولها لطعام لنا...

قليلاً ما ندرك بأنه لو لم تكن النباتات والأشجار هناك لتنتج الخضار والثمار التي نأكلها... ستكون تلك الثمار تحت الأرض.. وتخيل الفوضى في الأرض! إن تلك التربة تحت الأرض هي التي تتحول إلى طعام قابل للهضم عبر جهازنا الهضمي...

طوال فترة ال24 ساعة في اليوم، أنت تأخذ الأوكسجين من الجو وتطرح ثاني أكسيد الكربون...

الأشجار تأخذ ثاني أكسيد الكربون هذا وتستخرج منه الأوكسجين...

فإذا قضي على الغابات والأشجار كيف ستسلم من ضرر هذا الغاز الخانق السام وأنت نفسك تقوم بإنتاجه؟.... عندها ستبدأ كمية الأوكسجين بالتضاؤل شيئاً فشيئاً....

وأخيراً ستصل الحياة إلى نقطة النهاية لأن تلك الأشجار التي تعطينا هبة الحياة "الأوكسجين" لم تعد موجودة....

كذلك النباتات في البحار والمحيطات التي تزودنا أيضاً بثلثي حاجتنا من الأوكسجين!... والتي بدأت بالتلاشي بسبب تسرب النفط في الخليج المكسيكي الذي قضى الآن على الحياة البحرية بأكملها في هذا خليج والآن يهدد استمرار ذلك التسرب بالقضاء على الحياة البحرية بأكملها على الأرض....

يمكننا أن نتابع حياتنا غير واعين لما يحدث حقاً أو نتوقف الآن ونبدأ بالعيش في قلوبنا والتواصل مع أمنا الأرض... التي لا نعرف بعد كيف سنشفي جروحها وهي لا تزال تقدم لنا كل شيء لأنها تحبنا.... علينا الآن أن نختار بين الصحوة والغفوة..

 

بالرغم من أن الحكماء القدماء لم يكن لديهم معلومات عن الأوكسجين والكربون وما تلعبه تلك الأشجار والأحياء من دور  في حياتنا... لكن كان لديهم الحكمة وقد قالوا لنا: "إن كل الأشياء موصولة ببعضها البعض فهناك كون واحد موحد لا شريك له، بمجرد أن تؤثروا ولو بتغيير بسيط في مسار الأشياء، فأنتم تقومون بنفس المقدار من التغيير بداخلكم وفي أنفسكم أنتم".... وإنما أعمالكم تُردّ إليكم.. هناك وجود واحد...حضور واحد.. واللاوجود هو أيضاً جزء لا يتجزأ من الوجود... فلولا الوجود كيف سيكون هناك لاوجود... كل شيء متضمن في قلب هذا الكون مترابط  وموصول ببعضه.. الموت.. المرض.. كل شيء!.

حين تنشأ علاقة صداقة وصدق، صلة وتواصل من الرحمة والمودة والوحدة مع كل الكائنات بين كل أجزاء الكون المختلفة ونشعر بالتوحد مع الكون وكل شيء فيه.. سنعيش الوحدة والتوحيد مع أنفسنا ومع بعضنا بدلاً من محاولة السيطرة والتسلط... بدلاً من المنافسة والتفوق على بعضنا... عندها سينطلق نغم جديد رائع في الكون وسيحل التناغم لينسج ألحاناً جديدة في الحياة... تلك الموسيقى والتناغم هي التدين... ومعنى الدين الحقيقي... نحن دين الله وكتابه المقروء والمنظور والمسموع... وخليفته على الأرض... خليفته بالرحمة والحكمة.

كلما زاد فهمنا لأمنا الأرض وللطبيعة من حولنا كلما عرفنا طبيعتنا وحقيقتنا التي لا تنفصل عن أي من الكائنات... وزاد فهمنا لمعنى التدين والحب والرحمة...

وكلما فهمنا الوحدة في الاختلافات والتناقضات... الوحدة بين الفروقات... كلما أصبحنا أقل تدخلاً بمجرى الطبيعة وتغييراً لمسار الأشياء... صرنا أكثر هدوءاً وسلاماً وبدأنا بالخروج من عصر الفكر والصداع والسرعة والصراع إلى حالة الحب والفهم والرحمة والعلم...

 

تقول أبحاثنا الحالية بأننا إذا استمرينا بتلويث البحار بنفايات المنازل والمعامل والسفن ففي غضون عشر سنوات سيغطي الوقود والزيت أسطح المحيطات... عندها لن نعود بحاجة لمزيد من الحروب للقضاء على أنفسنا.... فعناصر الحياة التي تنتجها المحيطات بمساعدة الشمس لن تتشكل بعدها نتيجة لطبقة الزيت التي تعزل الماء عن الشمس والهواء...

نحن الآن نستخدم المنظفات والمعقمات والمعطرات بدلاً من الصابون البلدي الصحي والعادي...

لقد أوضحت لنا الاكتشافات الحديثة في علم البيئة بأنه إذا استمر الإنسان بإنتاج واستخدام تلك المواد، فإنه سيتسبب بقتل نفسه...

فحين نغسل ملابسنا بالصابون أو ماء الرماد البسيط، فإن الصابون يعاد امتصاصه من قبل التربة خلال15 يوماً... نعم في غضون 15 يوماً فقط تمتص التربة الصابون وتحوله ليعود جزءاً طبيعياً منها... لكن المنظفات التجارية الجاهزة تحتاج ل150سنة لتتمكن التربة من إعادة امتصاصها لتعيدها لعناصرها... إذاً فستبقى تلك المواد في التربة ل150 عام.. وبعد مضي 15عام ستبدأ بالتحول إلى سموم..

هذا يعني بأن تلك المنظفات الكيميائية ستبقى لمدة 135 سنة في الأرض كسم قاتل...

لقد صرّح علماؤنا الحاليون بأنه نسبةً للمعدلات التي تستخدم فيها تلك المنظفات والمبيدات في عالمنا اليوم، فإن كل شيء ينمو في التربة سيبدأ بالتسمم خلال ال20سنة القادمة وبعدها حين نشرب لن نشرب ماءً بل سماً...

وعندها الخضار التي نأكلها ستكون مسممة... لكننا لم نفهم ذلك بعد...

لا زلنا نستخدم المنظفات لأن الصابون أغلى بقليل... أو تحضير ماء الرماد يحتاج خمس دقائق من وقتنا الثمين!

وهذا ما يبدو لنا صحيحاً ومنطقياً بعمق منظورنا ورؤيتنا الآن... لقد أصبحنا جميعاً اقتصاديين والقاعدة الأهم في حياتنا هي مبدأ التوفير... حتى لو دمرنا المصير!

لكن تذكروا: " أياً كان ما نفعله ومهما كان يبدو سطحياً، فهو موصول بالجوهر وفي كل شيء سيؤثر"...

أي تغيير بسيط سيحدث فرقاً كبيراً... سلبياً كان أو إيجابياً...

لقد كان الحكماء العارفين والأنبياء الصادقين ضد أي نوع من التغيير.. لا تغيروا في خلق الله شيئاً..

ويقولون لنا: "اقبل الحياة كما هي، اقبلها بخيرها وشرها أيضاً، فحتى الشر له مغزى وسر، كالنهار والليل، عانق الموت حين يأتي، فالموت أيضاً كالحياة فيه سر، لا تتصارع مع الحياة ولا تصرخ بها، استسلم بسلام وتلاشى أمام أقدام الوجود، وسلّم لمشيئته..... لا تدخل مع الكون بأي نزاع... فكيف للأشجار أن تخاصم الأرض وترفض السماء والماء؟..."

حين تستسلم بكل قلبك، لن يكون هناك حتى لحظة واحدة من القلق أو الخوف في حياتك..

فأي قلق سيحمل الفكر المستسلم المسلم لأمر الله؟.. وأي قلق سيبقى عند مَن لا تفصله عن الطبيعة أي عداوة.. يعيش بتناغم مع الوجود كسائر المخلوقات التي لا تحتاج لأرصدة في البنوك وجدول للمصروف وواجبات وقيود؟؟؟

لماذا عليه أن يكون خائفاً من الخسارة في حين هو لا يخضع بعد الآن لسلطة عالم الحسابات والمصالح والأموال... لم يعد ينتمي إلى عالم التسارع والخوف والجري وراء لقمة العيش والصراع لأجل البقاء؟

إن نصره محتم.. لأن فناءه هو انتصاره... حبه واستغناؤه... فالرضا والتسليم نهاية العلم والتعليم.....

والنفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت   ...   أن السعادة فيها ترك ما فيها

 

sandykaboul.com

أضيفت في:19-2-2011... الغذاء و الشفاء> الزراعة والبناء الطبيعي
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد