موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

ماذا تفعل إذا كرهك شخص ما؟

سألني أحد الأصدقاء منفعلاً:

يبدو عليك السلام والهدوء دائماً.. طيب ماذا تفعل إذا كرهك شخص ما؟

سواء كرهك شخص أم أحبك يجب ألا يشكل هذا أي فرق عندك.. إذا كنتَ كما أنت ببساطة في حضور ونور فلن تتأثر أبداً... وإلا سوف تغيرك أي هبة رياح وخسائر وأرباح...

إذا لم تكن كما أنت.. فأي شخص سيقدر على دفعك أو سحبك أو ضغط أزرارك وتغيير ألوانك.. وعندها ستكون عبد لا سيد.. سيادتك على نفسك تبدأ عندما لا تتأثر بأي شيء يحدث خارجك مهما كان، عندما يبقى مناخك الداخلي في هدوء واتزان..

 

سواء أحبك شخص أو كرهك، فهذه مشكلته هو أو مشكلتها هي.. إذا كنتَ أنت يقظاً.. إذا فهمتَ ذاتك وكيانك فستبقى بتناغم مستقر معه... ولا أحد سيقدر على تعكير هذا التناغم.

إذا أحبك أحد ما جيد.. وإذا كرهك أحد ما جيد... كلاهما يبقيان في مكان ما خارج نفسك...

 

هذه هي سيادة المرء على نفسه... هذا هو تبلور الروح....

التحرر من الانطباعات والتأثيرات الخارجية التي تأتي وتروح...

 

ماذا أفعل إذا كرهني شخص ما؟... ماذا يمكنني أن أفعل؟ إنها مشكلة ذلك الشخص ولا علاقة لي بها أبداً..

لو أنني لم أكن موجوداً لكره شخصاً آخر.. ولو لم يكن هناك أحد لكره نفسه!.. الكراهية هي مشكلته ولا علاقة لها بالآخر... الآخر مجرد عذر لإظهارها للخارج.

ألم تلاحظ هذا من قبل؟.. عندما تغضب، أنت ببساطة غاضب.. غضبك ليس موجهاً نحو شخص محدد... ذلك "الشخص المحدد" ليس إلا عذر... عندما تكون غاضباً تعود للبيت فتقفز على زوجتك.. أو تذهب غاضباً إلى عملك فتضرب العامل عندك وهكذا.

إذا قمتَ بتحليل الحالات الفكرية عندك ستجد أنها فعلاً تنتمي إليك مهما كانت.. أنت تعيش في عالمك الخاص لكنك تستمر بإسقاطه على الآخرين.

 

عندما تغضب فأنت غاضب.. أنت غاضب فحسب، وليس غاضب مني أنا...

وهكذا عندما تمتلئ بالكراهية فأنت تكره فحسب.. وليس تكرهني أنا..

وكذلك عندما تمتلئ بالحب فأنت محب.. وليس محب لشخص ما..

 

حالما تفهم هذا ستبقى مثل زهرة اللوتس في هذه الدنيا... في الماء لكن الماء لا يلمسها أبداً... ستبقى في العالم لكنك لستَ من هذا العالم...

عندها لن يقدر أحد على تشويش صمتك وسكينتك...

وستستمر الرحمة بالتدفق منك...

إذا أحببتني ستتلقى طاقة الرحمة والنور مني.. والنور موجود فينا جميعاً..

وإذا كرهتني لن تتلقى أي شيء.. ليس لأنني لا أقدم الرحمة لكن لأنك أغلقت قلبك تجاهي.

حالما يحقق المرء ذاته ويعرف نفسه، يتحول كله إلى رحمة.. رحمة غير مشروطة...

ليس أنه في بعض اللحظات يكون رحيم وفي لحظات أخرى يكون لئيم..

الرحمة عندها ستكون طبيعته الطبيعية.. حاله وأحواله الدائمة..

عندها مهما فعلت تجاهه ستلاقي الرحمة تتدفق باستمرار وتهطل عليك..

لكن هناك بعض اللحظات تتلقى فيها نور الرحمة منه إذا كنتَ مستقبلاً ومفتوحاً لها... وفي لحظات أخرى لن تتلقاها لأنك مغلق.

إذاً في الكراهية لن تتلقى المحبة الإلهية التي تملأ الهواء والسماء.. وفي الحب ستكون أنت نفسك محبة إلهية مقدسة... وهذا الفرق بين الذي ينمو ويسمو والذي يتقلص ويهبط..

الغيوم مليئة وأمطار الحب تهطل على الجميع.. وهي لا تميز بين أحد.. لكن كوبك إذا كان مكسوراً فلن يمتلئ... أو إذا لم يكن مكسور لكنه مقلوب رأساً على عقب، فلن يمتلئ...

الكراهية حالة مشابهة للإنسان يسير فيها رأساً على عقب

أمطار الحب تهطل عليك لكنك ستظل جافاً... لأنك غير مستقبل لها

حالما تصحح وضعيتك.. والحب هو مجرد تصحيح وضعية..

الحب ليس إلا انفتاحاً في كيانك.. دعوة لاستقبال الحال والجمال...

الحب دعوة لله لكي يأتي ليملأ عرشه وهو قلب عبده المؤمن..

الحب دعوة والكراهية نعوة...

إذا أحببت شخصاً ما ستستقبل منه كثير من النور

وإذا كرهته لن تستقبل منه شيئاًَ ولن ترى السرور

الشخص المستنير لا فرق عنده بين محبة أو كراهية أحد تجاهه

فهو يبقى كما هو مهما تغيرت الأحوال الخارجية

سبب الهدوء والهناء فيه أنه غير محدود بجسده.. ولا محدود بفكره... فقد وصل للبيت العتيق

إذا كنتَ محدوداً بجسدك وأتى أحد وأذى جسدك، سوف تغضب، فهو يؤذيك أنت!

إذا كنتَ محدوداً بفكرك وأتى أحد وشتمك، سوف تغضب، فهو يشتمك أنت!

حالما تحرر وعيك من الجسد والفكر وتطير به إلى الروح أو الجوهر أو الكيان ستصبح إنسان

ولن يؤذيك أحد... فلا أحد حتى الآن تمكن من إيذاء الجوهر

يمكن إيذاء الجسد أو قتله.. ويمكن إيذاء الفكر... لكن الجوهر لا يمكن أن يُلمس.

لا يوجد أي طريقة لإيذائه أو التسبب له بالألم... فطبيعة جوهر فطرتنا هي الغبطة

يمكنك إيذاء جسدي ببساطة... وإذا كنتُ محدداً مقيداً بجسدي سأغضب جداً لأنني سأعتقد أنك آذيتني أنا...

ويمكنك إهانتي وشتيمتي وهنا تذهب الأذية إلى الفكر.. إذا كنتُ محدداً بالفكر سأغضب لأنني سأعتبرك عدواً لي..

لكنني غير محدود لا بالجسد ولا بالفكر.. أنا الشاهد المراقب...

مهما فعلتَ تجاهي لن يصل أبداً إلى ذلك المركز الداخلي المشاهد...

يستمر بالشهادة على ما يجري دون أن يتأثر مطلقاً...

 

حالما تسقط عنك الهويات المزيفة ستصبح جبلاً صامداً لا تهزه ريح

ستصبح أنت مركز الإعصار المستقر الساكن...

العواصف تدور حولك من كل الجهات لكنك هادئ البال والحال

متجاوزاً كل الأحداث وكل ما قيل وقال...

 

كان ثلاثة أشخاص يسافرون معاً.. فيلسوف وحلاق وأصلع.

في السفر حدث أن أضاعوا الطريق واضطروا أن يناموا في الصحراء.. ولكي يحموا أنفسهم في الليل اتفقوا على أن يبقى أحدهم يقظاً ليراقب وبالدور...

وقع الاختيار أولاً على الحلاق.. والذي بسبب انزعاجه، قام بحلق شعر الفيلسوف وهو نائم... بعدها قام بإيقاظه... استيقظ الفيلسوف رافعاً يده ليتفقد رأسه وقال:

"هناك خطأ كبير!.. لقد قمتَ بإيقاظ الأصلع الأحمق بدلاً مني!"

هويتك المزيفة هي أصل البلاء....

إذا كنتَ محدوداً بالجسد فستبقى في مشكلة دائمة... لأن الجسد يتغير باستمرار، وهويتك الجسدية لن تصل أبداً إلى نقطة ثابتة تسمح لك بالهدوء والاستقرار... جسدك صغير في يوم ما.. وجسدك كبير في يوم آخر... معافى في يوم ما ومريض في يوم آخر.... يشع بالصحة والجمال في يوم ما وجاف ميت كالرمال في يوم آخر...

الجسد نهر يتدفق ويتغير باستمرار.. لهذا الناس المحدودين بالجسد سيظلون في مشكلة وحيرة، لا يعرفون من هم في الحقيقة... أنت تحدد نفسك بشيء ليس ثابت ولا يمكن البناء عليه... يولد في يوم ويموت في يوم آخر... كل يوم يتجدد ويموت ويتغير.. فكيف يمكن أن يهدأ بالك معه؟

 

إذا كنتَ محدوداً بالفكر فعندها سيكون هناك مشكلات أكثر وأكبر.. لأن الجسد له على الأقل بنية معينة ثابتة قليلاً، تتغير لكن ببطء شديد.. ولن تشعر بالتغيير فيه لأنه يتغير بصمت، ويستغرق سنيناً عديدة حتى تلاحظ تغيراً واضحاً في الجسد.

الطفل لا يصبح بالغاً في يوم وليلة، والشاب لا يصبح كهلاً في يوم وليلة... بل يحتاج سنين والتغيير بطيء جداً لا يمكن ملاحظته.. لكن مع الفكر ستكون في قدر يغلي ليل نهار.. كل لحظة يتغير ويتبدل... في لحظة تكون سعيداً وفي لحظة أخرى تكون تعيساً.. في لحظة تطير من السعادة وتصل لقمة العالم لأنك غني ومحظوظ، وفي لحظة أخرى تموت من الهم لأنك في جهنم وتفكر بالانتحار.. فكيف يمكن أن تحدد نفسك بالفكر؟

 

الجوهر.. الكيان.. العمق العميق.. هو الشيء الذي يبقى دائماً كما هو.. من الأبد إلى الأبد..

ليس له شكل فلا يمكن أن يتغير.. وليس له مضمون فلا يمكن أن يتبخر...

الجوهر ليس له صفة أو شكل أو اسم أو لون...

الجوهر هو مجرد الحضور اللطيف الخفيف... الفناء الخالي من كل شيء...

 حالما تدخل هذا الفناء فلا يمكن لأي شيء أن يسبب لك العناء...

 لأنه لم يبقى شيء حتى يعاني أو يتألم...

لا يمكن لأي شيء أن يضربك، لأنه لا يوجد أي شخص داخلك يمكن ضربه

 

عندها إذا كرهتني، سهم الكراهية سيعبر من خلالي بشفافية.. لن يصيبني لأنه لا أحد هناك

لا يمكنك صنع هدف مني... سواء أحببتني أم كرهتني... ولا فرق أبداً...

وأنا لن أفعل أي شيء تجاهك، سأبقى فقط كما أنا...

قال جحا يوماً لأحد أصدقائه: "لقد كنتُ سياسياً ماهراً في أحد الأيام.. كنتُ صياداً للكلاب في قريتي لمدة سنتين، لكنني في النهاية فقدتُ عملي"

سأله صديقه: "وماذا حدث؟... هل تغيّر المحافظ أو الحكومة؟ هل حدثت فورة عربية في بلدك؟"

أجاب جحا: "لا... لقد أمسكت الكلب في النهاية"

وهذا ما أريد قوله لك: لقد أمسكت الكلب في النهاية!... الآن لم يبقى هناك عمل أمامي ولا وظيفة... لا أقوم بأي شيء فالرغبات كلها اختفت، وكل الأفعال اختفت... وأنا هنا فحسب.

أنا هناك أكتب لك وأنت تقرأ...

إذا أصغيتَ لي بحب ستستقبل محبتي باحتفال وتستفيد من هذه الأقوال...

وإذا قرأت بفكرك وكرهك ستفوتك.. والمسؤولية مسؤوليتك

وهذا هو القرار لك يا مختار وفي كل لحظة اختيار

 

أضيفت في:29-7-2011... جسد و ساجد> أنت والجسد
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد