موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

قلوبنا معك... وسيوفنا عليك

لو نظرنا يا إخوتي إلى الطبيعة من حولنا...ودققنا النظر فيها...لوجدنا أن لا شيء فيها يبقى على حاله...فلا جمود أو تحجر فيها..وكل ما فيها من حيوانات وطيور وأشجار وبحار وأنهار وجبال وصخور في حركة وتغير دائمين...وفي تناغم مستمر مع الطبيعة والكون...

انظروا يا إخوتي إلى حال الشجرة في كل فصل من فصول السنة...انظروا إليها في

فصل الخريف كيف تلقي بكل أوراقها التي حملتها طوال السنة لتتناغم مع الطاقة الضعيفة في ذلك الفصل...

ثم ما تلبث حتى يدخل عليها فصل الشتاء فتصبح في قمة تجردها وصلابتها لتتناغم مع قسوة برد ذلك الفصل... ثم يأتي الربيع بنسيمه وشمسه المبهجة... فتستقبله نفس الشجرة بأجمل الأزهار وأزهى الألوان وأزكى العطور... وأخيرا يأتي الصيف الحار وشمسه الساطعة...فتزين تلك الشجرة أغصانها بأطيب الثمار والفاكهة اللذيذة المنعشة.... وها هي مياه النهر في جريان مستمر دون انقطاع أو تكرار...وها هي الحيوانات تعيش في تناغم تام مع الطبيعة في مواسم رعيها وأكلها وتزاوجها وسباتها...فلا مزاجية أو عشوائية أو انفصال عن الطواف الكوني الذي تتشارك فيه كل الموجودات بما فيها الكواكب والشموس والمجرات...التي لا تنفك عن طوافها وجريانها في حركة منقطعة النظير...

وكأن كل ما في هذا الكون من الذرة المتناهية في الصغر إلى الشموس والكواكب والمجرات يتشاركون في رقصة واحدة فريدة ومميزة اسمها رقصة الوجود... (( وكل في فلك يسبحون ))

 

فكل ما في الوجود انضم دون تخلف طوعا إلى ركب الموصولين...ولم يتخلف عن ذلك الركب إلا الإنسان!!

ذلك الإنسان الذي فقد إنسانيته وطبيعته وأصبح عبارة عن كتلة من الجمود والتحجر دون أي تناغم أو تجاوب مع الوجود...ذلك الإنسان الذي انصرف ليعيش منعزلا متقوقعا على نفسه...ليبتدع لنفسه منهجا حياتيا يعيشه معتمدا بذلك على فكره وغروره واستكباره ...فاختار أن يعيش في حفرة سنين طويلة دون تغيير ...منفصلا عن أصله وموطنه الأصيل!!

فبدل أن يعيش حياة تعتمد على النظام الكوني...اختار لنفسه حياة العشوائية المزاجية...في طعامه وشرابه وأفكاره ومعتقداته...

 

فها هو يأكل على مدار السنة نفس الطعام...ولم يعد هناك طعام خاص بفصل الصيف أو فصل الشتاء...كما لم يعد هناك طعام خاص بمن يعيشون في المناطق الصحراوية يختلف عمن يعيشون فوق الجبال أو على الشواطئ أو السهول والوديان...فالطعام أصبح هو نفسه في أي مكان أو زمان..دون اعتدال أو ميزان!!

ومع أن كل ما في الوجود في تغير مستمر كما ذكرنا..إلاّ أننا نجد أن ذلك الإنسان يمكن أن يعيش بأفكار جامدة سنين طويلة دون أن يعيد النظر فيها...بل ويورثها لمن بعده عمدا أو دون أن يشعر...

فلو تلقى أحدنا فكرة سيئة عن شخص معين...لأي عمل سيء في نظره اقترفه ذلك الشخص...فمن الممكن أن تمر السنين ويصل ذلك الشخص إلى مراتب ودرجات من العلم أو النجاح أو أو الخ....ولكنه يبقى في نظر الشخص الأول هو نفس الشخص السيء صاحب الفعلة السيئة التي فعلها منذ سنين...!!!

وقس على ذلك الجمود الفكري الكثير من المواقف في حياتنا...

فأي أفكار نحملها ...ومعتقدات نعتقد بها طوال عمرنا دون أن نختبرها أو نعيشها أو نعطي فرصة لقلوبنا بأن تؤمن وتثق بها بعيدا عن الفكر والتلقين...

فها هو خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي كان يعلم أن الحياة والموت كلها بيد الله وحده...لكنه طلب أن يعيش التجربة والاختبار ...لكي لا تبقى معتقداتنا مجرد أفكار دون أن تقبلها أو تستوعبها قلوبنا...

(( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى..قال أولم تؤمن...قال بلى ولكن ليطمئن قلبي))

 

لكنه الخوف يا إخوتي...ولم أعلم شيئا يستحق أن نخاف منه أكثر من الخوف نفسه!! فالخوف هو ذلك الحاجز الذي يحول بيننا وبين حقيقتنا...يحول بيننا وبين تمردنا وثورتنا على جمود المجتمع وأفكاره وقيوده...

فكم منا شعر أنه بأمس الحاجة للصراخ والعويل والبوح بالحقيقة التي بداخله...

لكننا سرعان ما نتراجع عن هذا القرار لنعود ونمضي مع الجموع والحشود في المجتمع...والسبب هو الخوف ... فكلنا يخشى أن يكون على حقيقته بعد أن عرفها...خوفا من أن يدخل في مغامرة وتحدي مع تلك الموجة العظيمة الصعبة التي تُسمى المجتمع !!

فما نلبث حتى نتخلى عن أحلامنا ونصم آذاننا عن صوت الحقيقة الذي يصدح بداخلنا...ثم نمضي مع الحشود والجموع في ذل وخنوع... وشتان ما بين أن نعيش أو أن نحيى...فكم من أحياء أموات يعيشون بيننا بانتظار ساعة الدفن...

لكننا نختار طريق الخنوع والرضا والمساومة لسهولته وقلة مخاطره...ثم نعزي أنفسنا بإلقاء الأعذار لعدم اختيارنا طريق الحق...

 

وما قُتل كل نبي وولي ومستنير إلاّ بسبب اختياره للمغامرة والثورة والتمرد على ضلال المجتمع وجموده وظلمه...

 

فمن انفصل عن فطرته وانسلخ من إنسانيته وانغمس في دوامة المجتمعات وتعلق قلبه بالدنيا ... لا يمكنه أبدا أن يلتحق بركب الموصولين والثائرين والمستنيرين بنور الحق...

ولا سبيل يا إخوتي لثورة حقيقة تبدأ من داخل النفس أولا...إلا بإفراغ قلوبنا من كل ما هو دون الله...وإحراق كل ما بقي في القلب من رواسب بنار الشوق لله وحده...

فحينها فقط يولد المتمرد الثائر الحقيقي حاملا روحه على كفه دون خوف من موت أو عناء...ودون مساومة أو مقايضة على حساب الحقيقة..ولو اجتمع عليه العالم بأسره...

(( الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم...فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل))

ولنتأمل قول الإمام علي عليه السلام حين قال:

(والله لو كنت وحيدا ...وكانوا هم ملأ الأرض ...ما باليت ولا استوحشت..)

فأي قوة تمرد عند ذلك الإمام...وأي وضوح رؤية وبصيرة عنده...وأي أنس في قلبه جعله لا يبالي إن كان وحيدا في مواجهة أهل الأرض إن قرروا معاداته..!!

 

وها هو الإمام الحسين عليه السلام...الذي خرج متمردا غير مباليا إن كان هناك من سينصره أو سيخذله...في سبيل الحق والحقيقة...دون أن يساوم أو يجامل ...

بكلمة ما زال دويها يعبر منذ قرون حتى تصلنا بقوتها حين قال:

(هيهات منا الذلة )

فلم يرض بالذل...وإن كانت نهايته الموت... وفي الحقيقة ما هذا الموت إلاّ عين الحياة والخلود...

 

وكلنا ندعّي حب المسيح ومحمد وعمر وعلي والحسين...الخ

لكن قلوبنا معلقة ومنغمسة بمصالحنا الشخصية...بعد أن حكم المال العالم...وصار هو الوثن الذي تعشقه وتعبده الشعوب... كما يقول الحسن البصري: إن لكل أمة وثن..وصنم هذه الأمة الدرهم والدينار..!!

 

فإنسان اليوم يا إخوتي ما زال بعيدا عن موطنه الأصيل وفطرته الحقيقية...ومازال منغمسا في جهله وصده واستكباره...

وهو بذلك ما زال يصلب المسيح ...ويرجم محمدا...ويذبح الحسين في كل يوم!..وفي كل موقف!...وفي كل مفترق طرق يتعرض له في حياته يحتاج منه الاختيار بين الخنوع أو التمرد...بين السلة والذلة...بين الحقيقة والوهم...بين الحق والباطل..بين القلب والفكر!

ولو لم نتبع صوت ضمائرنا في كل موقف يا إخوتي وقررنا أن نتبع مصالحنا وأفكارنا...

فحينها سنقف في وجه كل ولي وثائر يظهر في حياتنا...

وسنقول كما قالوا للإمام الحسين...

قلوبنا معك...وسيوفنا عليك يا حسين!!

 

فلنحدد وجهتنا...ولنعرف أنفسنا...ولنكن للحق أتباعا...فإن مفترق الطرق قادم لا محالة يا إخوتي...والامتحان الذي يميز الخبيث من الطيب سنلاقيه بلا شك..

 

أخوكم عبد الرحمن

 

أضيفت في:3-12-2011... كلمة و حكمة> خواطر من عبد الرحمن
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد