موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الفضول والعطش الشديد لامتلاك الحقيقة

الفضول والعطش الشديد لامتلاك الحقيقة والغاية الأزلية.... قد جلباني إليك...

هل من الممكن للأشخاص الفضوليين المليئين بالشك... أن يكونوا مريدين جيدين؟؟

نصيحتك لي بأن أغادر هذا المكان على الفور.. تبدو مؤلمة قليلاً!
 



في البداية، الفضول والعطش الشديد لا يمكن أن يوجدا معاً يا فريد....

الفضول ليس عطشاً.... الفضول شيء صبياني، الشخص فقط يريد أن يعرف... مجرد لهفة بسيطة كأن جلدك يحكك لمعرفة ما الأمر...

تلك الإثارة ليس فيها دافع جدي... وأنت لست مستعداً لدفع أي ثمن لقاءها...

أنت فقط فضولي... لست جاداً بشأنها.... وهي ليست عطشاً عميقاً في داخلك....

وبمعرفتها لن تقوم بتغيير حياتك.... طريقتك وأسلوبك... كيانك وبنيانك...

أنت تريد ذلك فقط على سبيل الإطلاع لا أكثر.... لست مشغولاً بها في صميم وجدانك....

كثير من الناس يأتون ويسألون سؤالاً واحداً، فيأتي أحدهم ويقول: ما رأيك، هل الله موجود أم لا؟؟

لطرح مثل هذا السؤال، تحتاج لشخص شديد الغباء... فالسؤال واسع جداً.... لا يحتمل وصفاً....

لدرجة أنك لو كنت عطشاً حقاً.... لن تكون قادراً على التعبير عنه بالكلمات أبداً...

قد تبكي... قد تصرخ.... لكنك لن تكون قادراً على النطق به...

السؤال ضخم هائل جداً... كيف ستتمكن من قوله؟؟

حتى بمجرد قوله ستقلل من قداسته.... ستجعله دنيوياً وتنتهك حرمته....

السؤال مقدسٌ ومبجلٌ جداً... لدرجة أنك سترتجف وسيبدأ قلبك بالخفقان...

لكنك لن تتمكن من صياغته....

وقد عرفتُ مثل هؤلاء الأشخاص أيضاً... يأتون إلي ويبدؤون بالارتجاف ويقولون: لا نعلم ماذا علينا أن نسأل!..

أحياناً يأتي إلي أحدهم ويقول: أيها الحكيم... ما الذي يجب علي أن أسأله؟

والآن هذا الرجل من نوعية مختلفة تماماً... ليس بمقدوره حتى أن يصيغ سؤاله....

لأن الحياة واسعة وكبيرة جداً... كيف سنضعها ضمن سؤال؟...

في اللحظة التي تضعها فيها ضمن سؤال سيبدو الأمر أحمقاً وصبيانياً.....

الأسئلة والأجوبة توجد فقط في مدارسكم وجامعاتكم في الامتحانات.. لا في الحياة....

يأتي أحدهم ويسأل: هل الله موجود؟؟ وهو يتوقع مني جواباً... نعم... أو لا....

لقد دربوكم في المدارس والجامعات على الإجابات....

كل شيء وأي شيء مهما كان... دربوكم على الإجابة عليه...

تذكروا، لم يتم أبداً تدريبكم لتسألوا... بل فقط لتجيبوا...

أوراق امتحاناتكم ببساطة تعطيكم بضعة أسئلة.... وعليكم الإجابة....

هل الله موجود؟؟ تقف عند هذا السؤال وتنتظر قليلاً....

وبالتأكيد لا يوجد سوى إجابتين.... نعم أو لا...

لكن هل هناك معنى لقول: "نعم، الله موجود"... هل سيحل ذلك شيئاً على الإطلاق؟؟.. لا بد أنك قد سمعت تلك الإجابة من قبل....

أو إذا كان الجواب: "لا، الله غير موجود"... هل سيساعدك ذلك في شيء؟؟؟

لقد سمعتَ تلك الإجابة من قبل أيضاً...

الإجابتان معروفتان... فما الذي تسأله؟؟؟؟؟

من الأفضل أن تصمت... أن ترتجف... أن تبكي وتصرخ...

من الأفضل أن تفتح قلبك... وكيانك.... عطشك... ووجدانك...

لن يكون فضولاً... لا يمكن للفضول أن يوجد مع هذا العطش الشديد....

وتقول: "الفضول والعطش الشديد للحقيقة قد جلباني إليك"..

لا أظن ذلك... قد يكون الفضول والحشرية قد جلباك.... وهذا الرجل منذ قدومه وهو يسأل أسئلة حمقاء.... لا بد وأنه قد سأل أكثر من مئة سؤال على الأقل في عشرة أيام...

العطش الحقيقي سيصنع سؤالاً واحداً من كل تلك الأسئلة...

إذا كان شوقك حقيقياً.... كل تلك الأسئلة ستتحول لسؤال واحد، وهذا السؤال هو: من أنا؟...

وكل شيء سواه ليس مهماً.....

الإنسان العطشان ليس قلقاً بشأن الله... ليس قلقاً ما إذا كان هناك جنة أو نار...

ليس قلقاً بشأن الحيوات الماضية... ونظرية الكارما والتقمص...

كل مشكلته هي: "أنا لا أعلم من أكون......"

هذا هو السؤال الأول والأخير: علي أن أعرف.... إذا عرفتُ ذلك... فكل شيء آخر ثانوي من الممكن معرفته.... لكن إذا لم أتمكن من معرفة نفسي... فما الفائدة من معرفة أي شيء آخر؟؟.....

عندما يكون هناك شغف للحقيقة... لا يهدأ ولو لدقيقة.... عندها لن يكون لديك سوى سؤال واحد: من أنا؟

ومن بين الأسئلة المئة التي سألها هذا الرجل... لم يكن هناك ولو سؤال واحد حول ذلك.

هذا الرجل فضولي ويقول: "الهدف الأبدي.. الغاية الأبدية" وهو طماع أيضاً!...

أنت لا تعرف نفسك... وتتوق لمعرفة الغاية الأزلية....

الجشع... والـأنا... يشوقان ويتوقان لهذا العالم.. وللعالم الآخر أيضاً...

أناس جشعون... يرغبون بالمال... بحساب بنكي أكبر.... بمنازل أفخم... بسيارات أفخم... ثم تبدأ الرغبة بالجنة.... بالفردوس... بالله... كل شيء يجب أن يكون تحت قبضتهم.....

عليك أن تعلم من أنت.... وعبر معرفتك لذلك.... ستنكشف الأبدية لك...

من عرف نفسه... عرف ربه...

ولن تعرف نفسك باستيلائك على الأبدية.... لا....

لا يمكنك انتزاع الأبدية... أنت صغير جداً...

فقط فكر بذلك: رجلٌ فانٍ... يفكر بانتزاع الأبدية!

مجرد حمى بسيطة قادرة على قتلك... تستطيع أن تعيش بحرارة جسم 37درجة.. إذا ارتفعت الحرارة أو انخفضت ثلاث درجات تموت! ..توقف عن التنفس لبضعة دقائق وستموت... بعد 8 دقائق لن تصمد وتريد أن تخطف الأبدية؟؟؟

جسد يموت في كل لحظة... منذ اللحظة التي ولدت فيها.... جسدك يقترب من الموت...

وسبعون سنة ليست شيئاً يذكر بالنسبة للأبدية السرمدية... رجل سيعيش لسبعين سنة يريد الاستيلاء عليها...

برأس صغير كهذا... أين ستضع الأبدية فيه؟؟؟...

وكأن أحداً ما يريد وضع البحر بأكمله في ملعقة.... لقد سمعتُ عن فيلسوف شهير لا بد أنه أرسطو....

كان في نزهة على الشاطئ في شمس الصباح.... فشاهد رجلاً يبدو عليه الجنون... كان يحمل المياه في ملعقة من البحر.. ثم يسكبها في حفرة صغيرة قد صنعها على الشاطئ، ثم يعود مجدداً ليجلب الماء وهكذا مراراً وتكراراً....

جلس أرسطو يراقبه وهو يسأل نفسه: ما الذي يفعله هذا الرجل؟؟

فاقترب من الرجل وسأله: ما الذي تفعله؟

فأجاب الرجل: لقد قررت أن أفرغ المحيط كله في هذه الحفرة....

قال أرسطو: هل فقدتَ عقلك؟؟ هل أنت مجنون؟؟؟ بتلك الملعقة؟ وفي هذه الحفرة الصغيرة؟؟ وذلك المحيط الواسع؟؟؟...

بدأ الرجل المجنون بالضحك وقال: لقد كنتُ أظنك أنت مجنوناً... فقد سمعت بأنك تريد أن تفهم الحقيقة اللانهائية... بهذا الرأس الصغير؟... من فينا هو المجنون!!!

لا بد أن هذا الرجل كان عارفاً عظيماً.... لقد صدم أرسطو بشدة.... لكنه كان محقاً...

الحقيقة دوماً صاعقة...

لا تكن جشعاً تجاه الحقيقة... لأن الحقيقة تأتي فقط عندما لا تكون جشعاً.....

وعندما لا تكون طماعاً.... لن تكون صغيراً... الطمع هو ما يجعلك صغير..

عندما تختفي كل أطماعك... ستزول معها حدودك...

وعندها لن تكون مجرد حفرة صغيرة بجوار المحيط.... بل ستختفي في المحيط وبه تذوب وتحيط...

سيكون المحيط حفرة صغيرة بجوارك.... عندما لا يكون الطمع موجوداً...

الحقيقة ليست شيئاً عليك امتلاكه... بل شيئاً عليه امتلاكك...

عليك فقط الاستسلام والسماح لها بذلك...

لكن البشر مثقفون جداً.... وتلك الثقافة والمعرفة لن تسمح أبداً للحقيقة بالدخول... وإلى قلبك بالوصول....

هذا الرجل بأسئلته المائة كان يستعرض ثقافته: كل الكتب المقدسة التي يعرفها...

كل ما سمعه.... وكل ما تم تعبئة رأسه وتقييده به وبرمجته عليه...

تقول: "هل من الممكن للأشخاص الفضوليين المليئين بالشك... أن يكونوا مريدين جيدين؟؟"

شخص فضولي.... مشكك... لا يمكنه حتى أن يصبح مريداً عادياً.... المريد الجيد بعيد عن ذلك تماماً....

لأنه في المقام الأول لكي تريد معرفة الحقيقة من معلم، ينبغي أن تكون على ثقة...

لترافق أحدهم نحو المجهول... على الأقل سيكون عليك امتلاك بعض الثقة...

وهذا الرجل ليس لديه ثقة.... مشكك ولا يعلم شيئاً عن الثقة... والشك لا يمكن أن يقودك إلى الرحلة الداخلية...

الشك جيد في العلم والمعلومات... العلم يعتمد على الشك.... إنه أداة جيدة في عالم التكنولوجيا...

إذا وثقت... لن تتمكن من الاستمرار في العلم أبداً... عليك ألا تثق بشيء... كل نظرية هي خاطئة حتى يتم برهانها....

العلم عدائي... يعتمد على التضاد... السالب والموجب... نعم أو لا... النظرية وعكس النظرية وهكذا....

أما الدين والروحانية... شيء مختلف تماماً.... على العكس تماماً... الطريقة هنا هي الثقة... لا الشك...

إذا وثقتَ بي... بإمكانك مرافقتي... ليس هنالك طريقة أخرى...

ويقول السائل: "نصيحتك لي بمغادرة هذا المكان على الفور تبدو مؤلمة وقاسية بعض الشيء"...

مؤلمة!!.... أتقول مؤلمة؟..... إذاً أنت لا تعرف شيئاً عن المعلمين.... هذا ليس مؤلماً بل مهذباً للغاية....

هل سمعت عن معلمي الزن في الشرق؟ لو أنك قمت بطرح السؤال نفسه لأحدهم..... لكان قد هجم عليك...

وأشبعك ضرباً هنا وهناك.... أو ألقى بك خارج جدران المكان.... ويوماً ما سأفعلها أيضاً!....

هذا ليس قسوة أو رجمة بل ببساطة صحوة ورحمة لك.... وأنت تحتاجها... وتستحقها...

لأن الشخص المثقف يحتاج لصدمة.... ليصل للنعمة... وأنا هنا لأساعدك على رمي معارفك كلها....

هذا العمل وكأن هناك شخصاً غارقاً في النوم وعليك إيقاظه... بالطبع ذلك مؤلم.... ألم ترى ذلك بنفسك في الصباح الباكر عندما يبدأ المنبه القوي بالرنين؟؟

المعلم هو منبه.... وعلى المعلم أن يكون صادماً للغاية: عليه أن يهز جذور كيانك وأعماقك..

لأن عليه أن يستأصل جذور فكرك... ويعيد زراعتك أنت في عالم مختلف تماماً...

عليه أن يغير مستوى وعيك ووجودك... نورك وحضورك... هذا ليس أمراً سهلاً.... إنه شاق ومؤلم أيضاً....

يحتاج إلى تضحية.... إذا كنت جاهزاً للتضحية عندها فقط كن هنا....

وإلا غادر هذا المكان... لأن ذلك سيكون مضيعة لوقتك ووقتي أيضاً....

إذا كنت مستعداً وحاضراً للمضي عبر كل تلك الآلام على درب الحق... وذلك شيء محتم..

تلك التضحية والأضحية للأنا لازمة وضرورية.... والتضحية معناها أن تجعل من ذلك شيئاً مقدساً لك...

أن تتلقى صدماتي بثقة عميقة.... وحب عميق... وستصبح الصدمة نعمة...

عندها قسوتي لن تبدو كقسوة... بل كرحمة... ستشعر بيقين أنني قلتُ ذلك لأني أحببتك بشدة....

وإلا لماذا سأكترث؟

أضيفت في:9-12-2012... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد