موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

فقير جداً.. وأريد أن أموت

في ليلة مظلمة، كنت أنظر للنجوم في السماء... وكانت القرية بكاملها نائمة..

شعرت بكثير من الرحمة تجاه أولئك النائمين... رجال فقراء بعد العمل والعناء الكبير في النهار، لا بد أنهم يحلمون الآن بتحقيق رغباتهم غير المحققة... في الأحلام يعيشون، وفي الأحلام ينامون... لا يرون الشمس ولا القمر ولا النجوم... في الواقع، إن العيون التي ترى الأحلام لا يمكنها رؤية ما يوجد هناك... من الضروري والأساسي أن يختفي غبار الأحلام قبل أن تقدر على رؤية الحقيقة.

كان الوقت يمضي والليلة تزداد عتمة، والنجوم تزداد في السماء.. تدريجياً أصبحت السماء بأكملها مرصعة بالنجوم.. وليس السماء وحدها، بل أنا أيضاً امتلأت بجمالها الصامت... ألا تمتلئ سماء الروح بالنجوم عندما ترى النجوم في سماء المساء؟

في الحقيقة، الشخص يمتلئ بما ينظر إليه... لذلك من ينظر للأشياء الصغيرة يمتلئ بالأشياء الصغيرة، ومن ينظر للكبيرة يمتلئ بالكبيرة... العيون هي بوابة الدخول إلى الروح..

كنتُ جالساً تحت شجرة، كنتُ هائماً ذائباً في السماء، عندما أتى شخص من الخلف ووضع يده الباردة والميتة على كتفي.. لقد سمعت أصوات قدميه تمشي تجاهي، ولم تكن أيضاً أصوات شخص حيّ... يده كانت خالية من الحياة تماماً، لدرجة أنني رغم الظلام استطعت فوراً فهم الأفكار في عيونه.... ذلك الاتصال بيده وجسمه جلب رياحاً عاصفة من فكره إلي... كان شخصاً حياً وشاباً فتياً، لكن حياته قد غادرته منذ زمن بعيد، وفتوّة الحياة ربما لم تمرّ في طريقه أبداً.

جلسنا سوية تحت النجوم.. ووضعت يديه الميتتين بين يداي، ربما يحصلان على بعض الدفء وربما تجري حرارة حياتي فيهما قليلاً.. من المحتمل أنه شخص وحيد، والحب يمكن أن يعيده إلى الحياة.

من دون شك، لم يكن الوقت مناسباً للحديث حينها فبقيتُ صامتاً.. القلب أحياناً يجد القرب والتواصل في الصمت، والجروح التي لا يمكن للكلمات أن تملأها يتم شفاؤها... الصمت يمكنه أن يشفيها أيضاً.. الكلمات والأصوات هي تشويش وعقبات أمام فهم موسيقى الروح.

كانت ليلة هادئة وساكنة.. وتلك الموسيقى الصامتة امتلكتنا نحن الاثنان... لم يعد الشخص غريباً بالنسبة لي.. وصرتُ أنا موجوداً حتى فيه.. عندها بدأ جموده الصخري ينتهي، وأعلنت دموعه أنه بدأ يذوب... كان يبكي وجسده بأكمله يرتجف... تيارات من البكاء تنطلق من قلبه لتلامس خيوط جسده كلها... واستمر بالبكاء والبكاء.. بعدها قال: "أريد أن أموت.. أنا فقير جداً ومُحبط.. ليس لدي أي شيء".

بقيتُ صامتاً قليلاً من الوقت الإضافي، بعدها وببطء أخبرته قصة.. قلت: "يا صديقي لقد تذكرت قصة.. شاب فتي قال للشحاذ: "لقد أخذ الله كل شيء مني، ولم يبقى لدي أي حل سوى الموت" ..ألستَ أنت الشاب ذاته؟

قال الشحاذ للشاب: "أنا أرى كنزاً كبيراً مخفياً داخلك.. فهل تبيعه؟ سوف تربح الكثير، والله أيضاً سيتجنب السمعة السيئة بأنه أخذ منك كل شيء".

هل أنت هو ذلك الشاب؟ لا أدري.. لكنني أنا الشحاذ ذاته والقصة تكرر نفسها..

تفاجأ الشاب وقال: "كنز؟ لا أملك حتى فلساً واحداً في جيبي!"... بدأ الشحاذ يضحك وقال: "تعال معي.. هيا نذهب إلى الملك.. الملك شخص ذكي جداً لديه نظرة عميقة في إيجاد الكنوز المخفية.. وحتماً سيشتري كنزك.. أنا في الماضي أخذتُ كثيراً من حاملي الكنوز الخفية إليه".

لم يكن ذلك الشاب قادراً على الفهم.. وكان كلام الشحاذ بأكمله لغزاً محيراً.. لكنه بدأ يمشي معه باتجاه قصر الملك.. وفي الطريق قال له الشحاذ: "هناك بعض الأشياء التي يجب أن نتفق عليها مسبقاً، بحيث لا يحدث أي جدال أمام الملك.. الملك هو شخص إذا أعجبه شيء لا يمكن أن يتركه دون أن يشتريه مهما كان ثمنه.. لذلك من الضروري أن نعرف ما إذا كنت أنت جاهزاً لبيع ذلك الشيء؟"

قال الشاب: "أي كنز؟ وأي أشياء تتحدث عنها؟"

قال الشحاذ: "عيونك مثلاً؟ كم تريد ثمناً مقابلها؟ يمكنني طلب ثمن يصل إلى 50 ألف دولار من الملك.. هل هذا مبلغ كافي؟ أو ربما قلبك ودماغك؟ لأجلهما يمكن الحصول على الملايين"

تفاجأ الشاب وشعر أن الشحاذ مجنون تماماً وقال: "هل أصبت بالجنون؟! عيوني؟ قلبي؟ دماغي؟ عن ماذا تتحدث؟ لا يمكنني أن أبيعهم بأي ثمن كان.. ولماذا أنا وحدي، أي شخص لا يمكنه بيعهم!!"

بدأ الشحاذ يضحك وقال: "هل أنا من أصيب بالجنون أم أنت؟ عندما يكون لديك الكثير من الأشياء الثمينة التي لا يمكنك بيعها حتى مقابل الملايين، فلماذا تتظاهر بأن فقير مسكين؟ استخدمهم! الكنز غير المستخدم يكون فارغاً حتى لو كان ممتلئاً، وما يتم استخدامه يكون ممتلئاً حتى عندما يكون فارغاً.. الله يعطينا كنوزاً عديدة هائلة، لكن على المرء أن يبحث ويحفر ليجدها بنفسه.. لا يوجد أي ثروة أكبر من الحياة، ومن لا يقدر على رؤية الثروة حتى في الحياة، لن يقدر على رؤيتها في أي مكان آخر".

كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل.. نهضتُ وأخبرت ذلك الشاب: "اذهب واخلد للنوم، واستيقظ غداً كشخص مختلف.. الحياة تكون كما نصنعها نحن.. الحياة من خلْقِ الإنسان ذاته.. يمكننا جعلها حياة ميتة أو حياة أبدية كما نريد، وهذا لا يعتمد على أي أحد سوى نحن أنفسنا... بعدها، سيأتي الموت ويلحق من تلقاء ذاته.. ليس هناك حاجة لدعوته... قم بدعوة الحياة.. نادي النور والحضور الكوني ليأتي إليك.. وذلك يمكنك امتلاكه فقط بالعمل الجيد على نفسك أولاً بجهد وعزم وتصميم مستمر".

أضيفت في:5-4-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد