موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

نقاش المتقاعدين

كنت يوماً أجلس بين مجموعة من الكبار في العمر... كانوا كلهم متقاعدين، ومشغولين بالحديث مع بعضهم دون جدوى عن هذا العالم والعالم الآخر... يعتقدون أنهم يتحدثون حديثاً دينياً عميقاً... بطريقة ما، كان ذلك صحيحاً لأن ما ندعوه بالنصوص المقدسة مليء أيضاً بنفس النوع من الثرثرة العقيمة.. أحياناً، أشعر أنه ربما كل كتبنا المقدسة كتبها أولئك المتقاعدون القدماء.


إذا كان الدين شيئاً ما، فسيكون هو الحياة ذاتها... ما علاقته بالنظريات الفارغة؟ إذا كان الدين شيئاً، سيكون هو إدراك وتجلي النفس.. ما علاقته بالثرثرة والجدال؟... لكن الكتب المقدسة مليئة بالكلمات، والعقول المدعوّة متدينة تستمر بالسفر في سماوات الأحلام... الكتب المقدسة والتعاليم لا تسمح بظهور أي معبر لدخول الدين في عقولهم المغلقة.


ما هو الفكر المتدين؟

تعريفي للفكر المتدين أنه الفكر الخالي من كل أنواع الكلمات والتعاليم والأفكار والمعتقدات...

الفكر المتدين ليس فكراً خيالياً... على العكس، ليس هناك أي إدراك أكثر واقعية منه ويستند على أرضية صلبة من الحقيقة مثله.

كنت أصغي لنقاش المتقاعدين بمتعة كبيرة، عندما أتى شيخ الدين إلينا... كانوا يتناقشون عن كيفية الدخول إلى الجنة، كم من أعمال الخير والحسنات والصلوات والركعات يجب جمعها للدخول.. وكم حياة يلزم الشخص حتى تتطهر روحه ويرتقي ليصل إلى الجنة والحوريات.. قفز الشيخ أيضاً إلى المناقشة، ومن دون شك كان هو صاحب الحق الأكبر ولذلك كان صوته الأقوى بين الجميع....

كان الرجال يصرخون ويُقسمون بالكتب المقدسة ولم يكن أحد منهم مستعداً للإصغاء أو لقبول وجهة نظر الآخر.. شخص منهم كان رأيه أنه بعد كثير من البلاء في الدنيا والاستغفار والكفارة والعمل على النفس لتطهيرها من ذنوبها سيدخل المرء إلى الجنة.. وشخص آخر يرى بأن البلاء والجهد الكبير ليس مطلوباً أبداً للجنة، بل يمكن الدخول إليها برحمة الله ومغفرته الواسعة.. وشخص ثالث قال بما أن الدنيا ممر وشيء فاني فلا حاجة للتكفير عن ذنوبنا، بمجرد لمحة من هذه المعرفة تختفي النار وتظهر الجنة، ونكتشف أن الحية هي حبلة لا تخيف أبداً..

عندها سألني أحدهم: "ماذا تعتقد أنت؟"..... ماذا أقدر أن أقول؟ لقد كنت أخفي نفسي في زاوية بعيدة عن عيون المتحدثين.. ليس عندي معرفة بالكتب المقدسة.. لحسن الحظ، لم أرتكب خطأ الذهاب في ذلك الاتجاه... لذلك، حتى عندما سألوني بقيت صامتاً... لكن وبعد قليل سألني شخص آخر: "لماذا لا تقول شيئاً ما؟"...... حتى لو أردت أن أقول شيئاً فماذا أقدر أن أقول؟ حيثما كان هناك الكثير من الناس يريدون الكلام وأنا كنت الوحيد المصغيّ... حتى عندها بقيت صامتاً.. ربما صمتي بدأ يتحدث، وفي النهاية أصبحوا جميعاً منجذبين إلي.. ربما يكونوا قد تعبوا ويريدون الراحة قليلاً.

عندما نظر الجميع إلي، كان علي أن أقول شيئاً... فأخبرتهم قصة:

"في إحدى القرى، كان هناك عادة منتشرة في الأعراس، وهي أن على العريس أو العروس أن ينفقا على الأقل 5000 ليرة على حفلة الزفاف... كانت القرية غنية جداً، ولم تحدث أي حفلة زفاف بتكاليف أقل من ذلك المبلغ... حتى في الكتب المقدسة لتلك القرية كان المبلغ مكتوباً ومحدداً... لم يقرأ أي شخص تلك الكتب، لكن تلك كانت أقوال رجل الدين شيخ القرية الكبير.. ومن يجرؤ على مناقشة الشيخ؟.. إنه يحفظ كل الآيات والنصوص القديمة بلغات لا يفهمها أحد سواه، والنصوص المقدسة دوماً ما تكون مُنزلة من السماء ومثبتة لنفسها بنفسها... كل ما يوجد في الكتاب هو حقيقة مؤبدة... طبعاً، ماذا سيكون الرمز للحقيقة سوى هذه الكتب؟.. إذا كان هناك شيء مذكور في الكتاب فهذه إشارة أنه حق حقيقي...

لكن في أحد الأيام، حدث أن شاباً أقام حفلة زفافه بمبلغ 500 ليرة فقط وأتت إليه العروس وقبلت... لا شك أن ذلك الشاب كان ثائراً متمرداً، وإلا كيف تجرأ على فعل ذلك؟... سأله أهل القرية: "كم ليرة أنفقت على الزفاف؟".. فأجاب: "500 ليرة".... فاستدعى الناس الشيخ الكبير الذي أتى وبدأ موعظة صاخبة: "يا ابني هذا خطأ وفاحشة كبيرة.. الزواج لا يمكن أن يقام بحفلة تكلفتها أقل من 5000 ليرة"...  ضحك الشاب وقال: "سواء إذا أمكن إقامة الزواج ب500 ليرة أم لا فهذا ليس له معنى... استمروا أنتم بنقاشكم.. لقد حصلتُ على زوجتي وأنا سعيد الآن"... وبعد قوله هذا ذهب الشاب إلى منزله.

وأنا نهضتُ أيضاً وقلت لأولئك الكبار في العمر: "وداعاً الآن يا أصدقائي... استمروا أنتم في مناقشاتكم، وأنا سأذهب".

أضيفت في:7-4-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد