موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

صدى الحياة

كنت في رحلة في الجبال مع بعض الأصدقاء.. في أحد الأيام وصلنا إلى وادي صخري حيث تعطي الصخور صدى واضح للصوت... صرخ أحد الأصدقاء صوتاً مثل عواء الكلب، فسمعنا كلباً ينبح فوق الجبال!.. وصديق آخر قلّد القطة فسمعنا مواء قطة هناك أيضاً!

قلت لهم: العالم الذي نعيش فيه يشبه هذا الوادي أيضاً... كل ما نرميه إليه يعود إلينا... الأزهار تلد الأزهار والأشواك تلد الأشواك... بالنسبة للقلب المليء بالحب، يبدأ العالم كله يهطل عليه بالحب والنعمة.. وبالنسبة للشخص المليء بالكراهية، تبدأ ألسنة مؤلمة من النار تلتهب حوله أينما ذهب.

بعدها رويت قصة لأصدقائي:

ذهب صبي صغير إلى الغابة لأول مرة في حياته... كان خائفاً كثيراً وقلقاً من الوحشة هناك... وعندها سمع صوت زحف خفيف في الشجيرات الكثيفة.. بالتأكيد هناك شخص ما يلحقه ويختبئ خلفه.. صرخ عالياً وسأل: "من هناك؟".. فسألته الجبال بصوت أعلى قليلاً: "من هناك؟؟".... والآن اقتنع الصبي تماماً بأن شخصاً يختبئ خلفه.... كان مرتعباً حتى قبل سماع الصوت.. بدأت يداه ورجلاه ترتجف وقلبه يخفق بقوة.. لكن، لكي يعطي نفسه بعض الشجاعة، قال للشخص المختبئ: "أيها الجبان!".. وجاء الصدى: "أيها الجبان!"

ولآخر مرة، تمالك نفسه واستجمع قواه وصرخ: "سوف أقتلك!".. ردت عليه الغابة والجبال: "سوف أقتلك!!"... فركض الصبي مذعوراً متجهاً إلى القرية... صوت مشي أقدامه ارتدّ أيضاً وكأن الرجل المختبئ صار يركض وراءه، والآن لم يمتلك الشجاعة حتى للنظر خلفه... عند وصوله إلى باب بيته وقع مغمياً على الأرض.

عندما عاد إلى وعيه، عاد النور إلى كل شيء... وعندما سمعت أمه ما حدث، ضحكت بصوت عالي وقالت: "اذهب مجدداً غداً وقل لذلك الشخص الغامض ما سأقوله لك... فأنا أعرفه تماماً... إنه شخص لطيف ومحبوب جداً."...

ذهب الصبي إلى الغابة في اليوم التالي، وعندما وصل قال: "يا صديقي!".. وأتى الصدى: "يا صديقي!"

اطمأن الصبي لهذا الصوت الودود وقال: "أنا أحبك!".. ورددت الغابة والجبال: "أنا أحبك!".

أليست قصة الصدى هي نفسها قصة الحياة التي نعيشها؟ ولا أحد يعيش هذا العيش؟

ألسنا جميعاً أطفالاً وغرباء في غابة هذا العالم، نسمع ترداد صدى أصواتنا فنخاف ونركض هاربين؟

أليست هذه حقيقة حالتنا في كل مكان وزمان؟

لكن تذكّر، إذا كان: "سوف أقتلك" هو صدى، فأيضاً: "أنا أحبك" هو صدى...

التحرر من الصدى الأول، والوقوع في حب الصدى الثاني ليس مهرباً من الطفولة الساذجة..

بعض الناس يخافون من الصدى الأول، وبعضهم يحب الثاني... لكن بالأساس لا يوجد فرق بين الاثنين.. عدم النضج مخفيّ في كليهما.

الإنسان الذي يعرف هذا، يعيش بحرية من كلا الوهمين....

حقيقة الحياة غير موجودة في أنواع الصدى... بل هي مخفية داخل النفس.

أضيفت في:28-9-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد