موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

النّفَس هو النّفْس.. فهل أنت تتنفس وتعرف نفسك؟

http://www.alaalsayid.com/images/articles/nafas/nafas-web.jpgالتنفس هو أعظم وأكبر دليل على وجود الحياة... أول شيء نفعله عندما نولد هو الشهيق، ورغم كل النقيق والنهيق لكن آخر شيء نفعله عندما نموت هو الزفير... التنفس هو الحياة ذاتها.

هذا النفَس الداخل والخارج.. ليس صدفة أن نفس الكلمة هي أيضاً النفْس.. النفس هو النفْس... مَن تنفّس عرفَ نفسه، ومَن عرفَ نفسه عرف ربه.

 

نفَسك هو الجسر الواصل بينك وبين جسدك... أي بين نفْسك وجسدك.. يقوم التنفس باستمرار بوصلك بالأصول.. بالجذور الموجودة في الجسد وهو أهم معبد.. التنفس يصلك ليس فقط بالجسد، بل يصلك بالكون كله... وما الجسد إلا الكون الذي أتى إلى قربك أقرب من حبل الوريد.

 

إحدى وظائف التنفس هي جلب الأكسجين إلى الخلايا وطرح ثاني أكسيد الكربون.. وكل الكائنات الحية تتنفس، حتى النباتات والجراثيم.. وعملية التنفس متطابقة عند الكل، تتكون من شهيق وزفير.

 

http://www.alaalsayid.com/images/articles/nafas/q1.jpgأجدادنا القدماء ربطوا التنفس بطاقة الحياة.. الكتب المقدسة تقول أن الله قد نفخ الروح في الطين عندما خلق أبانا آدم، وأن الروح أو هذه النفخة تعود إلى الله.. إنا لله وإليه راجعون.. لنفهم هذه الأسرار فالله ليس شخص، بل هو محيط طاقة الألوهية الكونية الحية كل لحظة، منها نولد وإليها نعود، ولا يوجد أصلا ولادة ولا موت... عندما نتنفس بوعي لا موت بل نمَوت.. نمو وسمو.

في كل اللغات، كلمات طاقة، نفَس، نفْس، روح، نور، برانا.. كلها تعود لنفس الجذر وهو التنفس.

التنفس هو حرفياً الجسر الواصل بين كل هذه المظاهر من وجودنا وكياننا مع الوجود بلا حدود..

ويمكن لهذا التنفس أن يصبح مسدود أو معرقل، وآثار هذا تسير عكس شعورنا بالحياة والحيوية والصحة العفوية.

 

عندما نتنفس بطريقة سطحية ضحلة في الحياة، نستطيع تجنب المشاعر والعواطف المزعجة، تجنبها بدرجة أكثر في العادة، أو درجة أقل (أثناء العلاجات بالتنفس مثلاً)... وهذه أيضاً طريقة للكبت المتواصل لهذه الأحاسيس، وهكذا من خلال طريقة التربية والتشفير من الأهل والمجتمع تتحول هذه المكبوتات إلى عادات.

 

http://www.alaalsayid.com/images/articles/nafas/q2.jpgالمشكلة هنا مضاعفة: بإنقاص مقدار الأكسجين الذي نتنفسه، ينقص الأكسجين الواصل للدماغ والجسم وعندها تنقص قدرتهم على أداء وظائفهم، وأظهرت الأبحاث أن هذا النقص سبب لعدة أمراض نفسية وجسدية مزمنة.... وكذلك، نقص التنفس يعني أنه بدلاً من معالجة القضايا التي نعيشها كل يوم، نقوم بكبتها وتخزينها في اللاوعي... هذه القضايا المخزّنة، إضافة لكونها تستهلك كمية ضخمة من الطاقة لكبتها، تحدد كيفيّة اختبارنا لواقعنا... انتبه!.. إذا كانت القضية متعلقة بخطر جسدي مثل الرعب أو الاعتداء وعندما نخزّن هذه في اللاوعي، سنعتقد بأن العالم هو مكان خطر وبهذا نجذب أو نفسّر الأحداث وفق هذا المعتقد، ونثبّت لذاتنا صحة الفكرة لأنها تتكرر دوماً!! مثل الذي يرتدي نظارات حمراء ويبدأ يرى أن كل شيء حوله لونه أحمر.

 

إن الكثير من معتقداتنا وأنماط سلوكنا تأتي من سنوات الطفولة الأولى... خلال هذه الفترة نكون مثل الاسفنجة التي تمتص الانطباعات ونحمل الاستنتاجات عن الحياة.. ولكن هذه الاستنتاجات لا تكون دقيقة دائماً، خاصةً إذا كانت مبنيّة على أحداث متطرفة أو صادمة للطفل.

لقد كبتنا هذه القضايا بشكل جيد وأصبحنا معتادين جداً على طريقة اختبارنا للحياة، على طريقة تنفسنا الضحلة تحديداً، بحيث صرنا غير مدركين عموماً لهذه العلاقة من السبب والنتيجة، لأننا بالعادة لا نرى إلا النتيجة.

http://www.alaalsayid.com/images/articles/nafas/q3.jpgلذلك من الضروري إذا أردنا تطوير أنفسنا جسدياً وفكرياً وروحياً، أن نحرر هذه القيود على النفَس ونرمي كل الحمولة العاطفية المخزونة داخلنا، فنقدر على اختبار الحياة وما فيها من سحر وأسرار بعيون غير مشفرة على الخوف.

 

من المعروف أن التنفس موصول بعمق بالحالة العاطفية التي نعيشها كل لحظة.. في العلاجات الشفائية مثل التي تعتمد على التنفس، صار مثبتاً طبياً وعلمياً أن التنفس لديه القوة والقدرة على الوصول إلى اللاوعي وكل ما فيه من صدمات وأنماط سلوكية مخزونة.. اختبرت بنفسي مع بعض المرضى حالات شفاء سريعة من أمراض نفسية مزمنة وحتى جسدية صعبة كالسرطان من خلال تدريب المريض على التنفس الصحيح أو أحياناً نحتاج جلسة تنفس لاسترجاع الماضي إذا كان هناك عقد أو صدمات.. التنفس لديه القدرة أيضاً على تحويل وتحرير هذه العواطف والذكريات العالقة.. على فكرة هناك عدة طرق شفاء تعتمد على التنفس يمكن البحث عنها مثل Rebirthing, Regression therapy, breathing work, past life therapy.. وأهم منها جميعاً طريقة سهلة وفعالة هي التأمل الديناميكي، لأنه مبني تحديداً على التنفس العميق والقوي وتفريغ اللاوعي.

هناك قليل فقط من الناس في العالم يعرفون كيفية التعامل مع القضايا العاطفية... جميعنا تقريباً نستخدم وسيلةً أو أخرى لنكبت مثل هذه المشاعر، سواء كانت الآيس كريم، الشوكولا، الجنس، الكحول أو الأدوية والمخدرات... من المعروف أن تجنب الشخص للعواطف المزعجة وكبتها يؤدي إلى القلق والاكتئاب ونقص الحيوية وكذلك زيادة توتر الجهاز العصبي الودّي (المسؤول عن الأفعال اللاإرادية، وأهمها استجابة قاتل أو اهرب) فيقوم بعدها بتثبيت الجسد على حالة جامدة مزمنة من التوتر.. ونجد أن كبت التنفس مرتبط دوماً بهذه القضايا.

 

إن التنفس والتفكير متصلان بعمق، لا بل هما شيء واحد تقريباً.. لا بدّ أنك لاحظت أحياناً، إذا كنت يقظاً قليلاً، أن الفكر عندما يتغير فإن التنفس أيضاً يتغير.. مثلاً إذا أصبحت غاضباً فإن التنفس يتغير فوراً ويفقد إيقاعه وتناغمه.. صار التنفس من نوعية مختلفة مشوشة مضطربة.

عندما تمتلكك الرغبة أو الهوى أو الشهوة، يتغير التنفس أيضاً ويصبح محموماً مجنوناً... وعندما تكون صامتاً ساكناً لا تفعل أي شيء، لا تشعر إلا بالراحة والاسترخاء، يتغير التنفس أو يعود إلى طبيعته الفطرية الحاملة للإيقاع الموصول مع نبض قلب الأرض.

 

التنفس هو أكثر شيء غير مادّي في وجودنا الجسدي المادي، هو وصلة تجسيد للفكر والروح الساكنة في كل شيء.. لهذا السبب، التنفس هو القاعدة الطبيعية والمنطقية للتأمل ومعرفة النفس ومحاولة الدخول في نهر الحياة.... التنفس هو مفتاح تنمية الوعي النقي، الذي يؤثر مباشرة على حالاتنا الجسدية والنفسية والعاطفية والروحية.. التنفس المكبوت، وهو منتشر جداً للأسف، يؤثر سلبياً على هذه الحالات.

http://www.alaalsayid.com/images/articles/nafas/q4.jpgالتأمل على التنفس موجود في كثير من الطرق للبحث عن الحق، في الغرب والشرق.. منذ ألوف السنين كان وعي الشخص ومراقبته لنفَسه كيف يدخل ويخرج هو أهم وأبسط طريقة للتأمل.

هناك في السوق عدة طرق للاسترخاء والعلاج، وجميعها تشترك بأنها تجعل التنفس يسترخي بعمق وبإيقاع.. أي شخص يمكنه الآن اختبار التأمل بطرق التنفس الهادئ ومعرفة أهمية التنفس المتناغم للحصول على السلام والسعادة داخله... مثال بسيط عن هذا هو الاستماع للموسيقى الكلاسيكية.. الأصوات اللطيفة المتناغمة فيها تقوم بتغيير تنفسنا بسرعة.. إذا انتبهتَ ستلاحظ أنك تتنفس بطريقة أعمق وأكثر استرخاء تلقائياً مع الموسيقى.. لذلك، بدل الانشغال ودفع المال لشراء التقنيات للاسترخاء، من الأبسط الذهاب مباشرة إلى التنفس وتنمية السلام والسعادة بنفسك.

 

الخطوة الأولى في التنفس الصحي السليم هو أن تصبح واعياً لطريقة تنفسك الحالية.. المدارس الروحية كلها تعترف بأن التنفس لا يقوم بجلب الأكسجين الضروري للجسد المادي فحسب، بل يستطيع أيضاً عندما نكون واعيين له، جلب الطاقات النورانية الأسمى الضرورية لتغذية أجسادنا الباطنية الأعلى مثل الجسد الأثيري والنجمي وغيرها... كل ما نؤمن به عن الله والروح أو الأثير، تنفسنا وطريقة تنفسنا مرتبطة به بعمق كبير في كل مظاهر وجودنا على الأرض.. التنفس هو أحد الوظائف الجسدية القليلة التي يمكن لدرجة ما التحكم بها في كل من الوعي واللاوعي.

كمثال، في أوقات الصدمة، إذا تنفستَ بوعي مع التركيز على الزفير، سيطرد هذا الانطباع السلبي للصدمة مع هواء الزفير الخارج... الحالة الغالبة عند الناس هي حبس أو ابتلاع النفس عندما نصاب بصدمة ثم نلهث.. من خلال التركيز على الزفير نستعيد تدوير نهر الطاقة ونسترجع حالة التناغم في الجسد والنفْس، ونستعيد العقل والصواب وحسن التقدير.. طريقة سهلة جداً بسهولة التنفس.

 

يمكن أيضاً استخدام التنفس بشكل واعي لشحن وتنظيف الجسم وشفائه، إليكم طريقة فعالة والاختبار سبق العلم:

الطريقة تعتمد على تحريك عضلات البطن إرادياً لمساعدة عمل الحجاب الحاجز (وهو الذي يملأ الرئتين ويفرغها من الهواء).. نقوم بتمديد وتقليص هذه العضلات مع كل نفس عميق من البطن وبطيء قدر الإمكان، ندفع البطن للخارج مع الشهيق ونبلعه للداخل مع الزفير، إلى أن نشعر بإيقاع ويأخذنا هذا الإيقاع ونذوب معه.. يمكن تشبيه هذا بصوت محرك القطار البخاري القديم الذي يدفع هذا القطار الضخم بقوة وثبات دون تعب بعد أن يحصل على ضغط كافي من البخار.

 

الطفل يتنفس بشكل طبيعي، وطبعاً يتنفس مزيداً من الطاقة أكثر من الكبار، ويقوم بتجميعها في بطنه.. البطن هو خزان للطاقة مثل البطارية... راقب أي طفل وتعلّم منه الطريقة الصحيحة للتنفس.. عندما يتنفس يبقى قفصه الصدري دون حركة، وبطنه هو الذي يصعد ويهبط.. وكأنه يتنفس من بطنه.. كل الأطفال عندهم بطن صغير جميل، سبب وجوده هو طريقة تنفسهم التي تملأ هذا الخزان بالطاقة والحيوية.

http://www.alaalsayid.com/images/articles/nafas/breathe.pngطريقة تنفس الطفل هي الطريقة الصحيحة للتنفس... تذكّر ألا تستخدم صدرك كثيراً... أحياناً يمكن استخدامه، في فترة الطوارئ أو المشاكل مثلاً.. أنت تركض لكي تنقذ حياتك، عندها يمكن استخدام الصدر لدعم التنفس.. التنفس من الصدر هو أداة للطوارئ، وهنا يمكنك التنفس بشكل سطحي سريع لكي تركض.. لكن يجب عدم استخدام الصدر في الحالة العادية.

وتذكر أيضاً شيئاً واحداً: التنفس من الصدر مخصص فقط لحالات الطوارئ لأنه من الصعب في الطوارئ والاستنفار ومواجهة الغضب والعدو والنار أن تتنفس بشكل طبيعي، لأنك إذا تنفست طبيعياً وفطرياً ستبقى هادئاً وساكناً جداً فلا تقدر على الركض ولا تقدر على القتال أو الغضب، فتكتشف أنك نبي من الرحمة على الأرض، وتصل هذه الرحمة للآخر فينقلب من عدو إلى وليّ حميم؟؟!!

 

اقرأ المزيد:

جديييد: ...هل تحب رئتيك وتعتني بهما؟

...التأمل الديناميكي

...تنظيف الحنجرة

 

 

أضيفت في:18-1-2015... جسد و ساجد> أنت والجسد
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد