موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

لماذا عندما أتمعن بحقائق نفسي وأتخلص من بعض العواطف، يأتي الضيق والمشاعر السلبية؟

هذا السؤال تكملة للموضوع السابق: تفكّر وتمعّن بحقائق نفسك، واكتشف سر التحويل الأصيل

حسب طريقة التفكّر والتمعّن بحقائق النفس، عندما يظهر الغضب أو العنف أو الجنس.. الخ، فعلى المرء أن يتمعن بها ثم فجأة يخرج منها... لكنه عندما يفعل ذلك، يشعر المرء أحياناً بالمرض والضيق.. فما هي أسباب هذه المشاعر السلبية؟

هناك سبب واحد هو أن تمعنك ليس كلي كامل.. كل شخص يريد ترك الغضب دون أن يفهمه، كل شخص يريد ترك الجنس دون أن يفهمه... ولا يوجد أي ثورة دون فهم... ستصنع مزيداً من المشاكل ومزيداً من التعاسة لنفسك.. لا تفكر في ترك أو إنكار أي شيء، فقط فكر كيف تفهمه: فهم وليس إنكار.
لا حاجة للتفكير بترك أي شيء.. الحاجة الوحيدة هي الفهم الكامل. إذا فهمته بكامله، سيتبع التحويل ذلك تلقائياً.
إذا كان جيداً لك، جيداً لكيانك، سينمو.... وإذا كان سيئاً سيختفي لوحده.. لذلك الشيء الحقيقي ليس ترك الشيء بل فهمه. لماذا تفكر بالأساس بإنكار الغضب؟؟ لماذا؟ ببساطة لأنه تم تعليمك أن الغضب سيء.
لكن هل قمتَ أنت بنفسك بفهم أن الغضب سيء؟ هل توصلت إلى استنتاج شخصي من خلال تعميق نظرتك وبصيرتك بأن الغضب سيء؟ إذا توصلتَ إلى هذا الاستنتاج من خلال بحثك الداخلي الخاص بك، فلا يوجد حاجة لتركه، سيكون قد اختفى لوحده.... مجرد حقيقة معرفة أن هذا شيء سام تكفي.. وعندها تصير إنساناً مختلفاً.
لكنك إذا بقيتَ تفكر بالإنكار وترك هذه الأشياء.. ولماذا؟ ﻷن الناس يقولون أن الغضب سيء، وأنت ببساطة متأثر بكل ما يقولون... عندها تبقى تفكر بأن الغضب سيء، وعندما تأتي تلك اللحظة تبقى غاضباً.
هذه هي طريقة صنع الفكر المزدوج.. تبقى مع الغضب ورغم ذلك تفكر دوماً بأن الغضب سيء.
هذا نفاق.. إذا كنت تفكر أن الغضب جيد، فقُم به ولا تقل أن الغضب سيء.. أو إذا قلت أن الغضب سيء، عندها حاول فهم هل هذا هو إدراكك أنت أم مقولة من شخص آخر.


كل شخص يصنع التعاسة حول نفسه بسبب الآخرين.. أحدهم يقول هذا سيء وآخر يقول أن ذلك جيد، ويستمرون بفرض هذه الأفكار على فكرك.. الأهل يقومون بهذا، المجتمع كله يقوم بهذا، ويوماً ما تجد نفسك تتبع أفكار الآخرين فحسب... والفرق بين طبيعتك وأفكار الآخرين يصنع انقساماً فتصاب بانفصام الشخصية.. ستفعل شيئاً ما وستؤمن بالشيء المعاكس تماماً.. وهذا سيصنع شعور الذنب، وكل شخص يشعر بالذنب.
ليس كل شخص مذنب، بل كل شخص يشعر بالذنب بسبب هذه الآلية.
يقولون أن الغضب سيء.. كل شخص قد قال لك ذلك، لكن لا أحد قال لك كيف تعرف ما هو الغضب... كل شخص يقول أن الجنس سيء، وكانوا منذ القديم يُعلّمون أن الجنس سيء ولا أحد يقول ما هو الجنس وكيف نعرفه... اسأل والدك وسوف يتضايق ويقول: ”لا تتحدث عن مثل هذه الأشياء السيئة!”.... لكن هذه الأشياء السيئة هي حقائق موجودة.. حتى والدك لم يستطع الهرب منها وإلا ما كنتَ أنت أتيت إلى الحياة.. أنت حقيقة شاهدة وعارية أمامه... ولا يهم مهما قال والدك عن الجنس، فهو لم يستطع الهرب منه... لكنك إذا سألته سيشعر بالضيق لأنه لم يقم أحد بإخباره، لم يقم والده بإخباره لماذا الجنس سيء.
لماذا؟ وكيف يمكن معرفته؟ وكيف يمكن التعمّق فيه؟ لن يقوم أحد بإخبارك عن هذا، سيستمرون فقط بإطلاق التسميات والأحكام على الأشياء: هذا سيء وذلك جيد.. هذه التسميات تصنع التعاسة وتصنع جهنم.
لذلك، تذكر شيئاً واحداً إذا كنتَ باحثاً حقيقياً عن الحقيقة، شيء أساسي جداً: ابقَ مع حقائق نفسك.. حاول أن تتعرف عليها، ولا تسمح للمجتمع بفرض معتقداته عليك.
لا تنظر إلى نفسك عبر عيون الآخرين.. لديك عيون ولستَ أعمى! ولديك حقائق حياتك الداخلية.
استخدم عيونك أنت، هذا هو معنى التمعن، وإذا تمعنت فلن يكون هناك مشكلة.

...لكن المرء عندما يفعل ذلك، يشعر أحياناً بالمرض والضيق:
ستشعر بهذا إذا لم تفهم الحقائق، ستشعر بالضيق لأنه كبت خفي.. أنت تعلم سلفاً أن الغضب سيء، إذا قلتُ لك تمعّن به، فأنت ستفعل ذلك فقط لتتمكن من تركه.. تلك الرغبة موجودة وحاضرة دوماً في فكرك.

في أحد الأيام، أتى رجل كبير لرؤيتي.. عمره 60 سنة وهو متدين جداً.. ليس متدين فحسب بل شيخ كبير حاج وله أتباع كثيرون.. كان معلماً لكثير من الناس وقد نشر عدداً من الكتب.. شخصٌ يدعو دوماً للفضيلة والأمر بالمعروف طوال عمره، والآن في عمر 60 سنة أتى لرؤيتي وقال: ”أنت هو الشخص الوحيد الذي أستطيع إخباره عن مشاكلي الحقيقية.. كيف يمكنني التخلص من الجنس؟”
كنتُ سمعته مرةً يتحدث عن بؤس وشقاء الشخص في البحث عن الجنس وممارسته.. وقد كتب كتباً وقام بتعذيب أولاده وبناته بالكبت والحرمان...
إذا أردتَ تعذيب شخص ما، فالفضيلة هي أفضل وأسهل خدعة...
بهذا تقوم فوراً بصنع شعور الذنب في الشخص... هذا هو أخفى وأحقر تعذيب...
تحدّث عن العفة والعزوبية والله والجنة وستصنع شعور الذنب، ﻷنه من الصعب كثيراً أن تكون عفيفاً دون جنس.. صعب جداً.. وعندما تتحدث عن العفة والآخر لا يقدر عليها، سيشعر حتماً بالذنب.
لقد صنعتَ الذنب، الآن يمكنك تعذيبه... لأنك جعلتَ الآخر شخصاً منحطاً وأدنى منك.. الآن لن يشعر بالراحة أبداً... فعليه أن يعيش مع الجنس وسيشعر بالذنب.. سيفكر دائماً بالعفة ولن يعرف ماذا يفعل.
عقله سيفكر بالعفة، وجسده سيستمر يعيش الجنس والرغبات.. عندها سينقلب الشخص ضد جسده، ويبدأ يفكر: ”أنا لستُ الجسد.. هذا الجسد شيء دنيوي.. مؤقت وسيء ويدعو لإتباع أهواء الشيطان”.. وحالما تصنع الذنب في شخص ما، تكون قد دمرتَ فكراً وسممته بالكامل.

أتى إلي الرجل الكبير وسألني كيف يتخلص من الجنس، فأجبته عليك أولاً أن تدرك الحقائق... طبعاً الآن فاتته فرصة كبيرة بعد وصوله لهذا العمر.. الآن طاقة الجنس ضعيفة عنده، والوعي سيحتاج مزيداً من الجهد.
عندما يكون الجنس عنيفاً والطاقة في أوج شبابها، يمكنك أن تكون واعياً لها بسهولة بالغة... فهي قوية جداً، من السهل رؤيتها ومعرفتها والشعور بها... أما هذا الشيخ في عمر 60 سنة أصبح واهناً ضعيفاً ومريضاً وسيواجه صعوبة في وعي وإدراك الجنس.
عندما كان شاباً، كان يفكر دوماً بالعفة... طبعاً لم يقدر على عيشها ﻷن عنده خمسة أولاد.. كان يفكر بالعفة بينما تفوته فرصة الوعي.. والآن صار يفكر ماذا عليه أن يفعل بالجنس... لذا أخبرته أن يراقبه بوعي.
أخبرته أن ينسى كل تعاليمه ويحرق كل كتبه، وألا يقول شيئاً عن الجنس لأي شخص دون أن يكون قد عرف واختبر بنفسه.
أجاب: ”طيب، وإذا حاولتُ أن أكون واعياً، فكم يوم سأحتاج لكي أتخلص منه؟”
هذه هي طريقة عمل الفكر....
إنه مستعد حتى ليكون واعياً، لكن فقط لكي يتخلص منه!!
أخبرته: ”إذا لم تكن واعياً له الآن، فمن الذي يقوم الآن بتقرير أنه عليك التخلص منه؟ كيف استنتجتَ أن الجنس سيء؟ هل هذا أمر بديهي من المسلّمات الجاهزة؟ ألا يوجد حاجة لاكتشافه داخل نفسك؟”
لا تفكر بترك أي شيء.. الترك يعني أن الآخرين يجبرونك على ذلك.. كن فرداً ولا تكن نعجة من القطيع... لا تسمح للمجتمع بفرض كثير من السيطرة عليك ولا تكن عبداً...


لديك عيون، لديك وعي، لديك جنس أو غضب أو غيره من العواطف والحقائق.. استخدم وعيك واستخدم عيونك وكن مراقباً مدركاً.
فكّر بنفسك وكأنك وحيد.. لا يوجد أحد يعلمك، فماذا ستفعل؟
ابدأ من البداية من الصفر من ألف باء واذهب إلى داخل نفسك.. كن واعياً تماماً.. لا تقرر شيئاً ولا تستعجل ولا تستنتج بسرعة.
إذا استطعتَ الوصول إلى استنتاج من خلال وعيك الخاص بك، فذلك الاستنتاج بحدّ ذاته سيكون أعظم تحويل أصيل.. عندها لن تشعر بأي ضيق ولن يكون هناك أي كبت.. عندها فقط يمكنك ترك أي شيء.. تذكّر، أنا أقول: إذا كنتَ واعياً، يمكنك ترك أي شيء.
لا تجعل الوعي تقنيةً لأجل الترك....
الترك هو مجرد نتيجة لاحقة.. إذا كنتَ واعياً يمكنك ترك أي شيء، لكن عليك ألا تقرر الترك ولا حاجة للقرار أبداً.
ربما لن تقرر أبداً ترك الجنس.. فهو موجود.. إذا أصبحتَ واعياً تماماً له فقد لا تقرر تركه.. إذا قمتَ في وعي كامل بتقرير عدم تركه، سيحمل الجنس عندها جماله الخاص.. وإذا قمتَ في وعي كامل بتقرير تركه، سيكون استغناؤك عنه جميلاً أيضاً.


حاول أن تفهمني...
كل ما يأتي، كل ما يحدث من خلال الوعي هو جميل..
وكل ما يحدث من دون وعي هو بشع...
لذلك نجد أن كل الشيوخ والرهبان والمتظاهرين بالعفة هم بشعين بالأساس.. كل طريقتهم في الحياة بشعة.. تلك العفة لم تأتي كنتيجة لاحقة، ليست ناتجة عن بحثهم الخاص.
انظر إلى تماثيل وصور معلمي الحب والتأمل سوية، علم التانترا أو تحويل الطاقات وتناغم المقامات... مثل شيفا وبارفاتي اللذان يعانقان بعضهما ويحلقان في سماء الحب... الجنس عندهم أجمل بكثير من عفة الشيوخ والرهبان، ﻷن الجنس عندهم بقمة الوعي والتأمل... من خلال البحث الداخلي توصلا إلى استنتاج أنهما يريدان العيش مع الجنس.. لقد قبلا الحقيقة الداخلية، والآن لا يوجد مشكلة أو عقدة أو ذنب... بل أصبح الجنس متوهجاً بالجمال والقداسة.
شيفا وبارفاتي في معبد الحب لهما جمالهما الخاص، وكذلك الحكيم بوذا المتأمل الواعي تماماً لحقيقته والذي توصّل إلى ترك الجنس، له أيضاً جماله الخاص.
كلا الطرفين جميلين! سواء شيفا أم بوذا... عمر الخيام أم الحلاج.. زوربا أم ديوجين... كلاهما جميلان! لكن الجمال لا يتعلق بعيش الجنس أو هجر الجنس، بل الجمال هو جمال الوعي.

يجب تذكر هذا على الدوام:
أنت ربما لن تصل إلى نفس استنتاج بوذا، ولا حاجة أصلاً لتقليد أحد... ربما لن تصل إلى استنتاج شيفا أو عمر الخيام... لا يوجد أي حتمية في عملية البحث الداخلي... إذا كان هناك حتمية، فهناك حتمية واحدة فقط وهي حتمية الوعي... عندما تكون واعياً تماماً، فكل ما يحدث لك يكون جميلاً ومقدساً.
انظر إلى الحكماء القدماء... شيفا يجلس مع حبيبته بارفاتي، وهي تجلس في حضنه في حال حب عميق... لا يمكنك تخيّل بوذا أو ديوجين في هكذا وضعية مطلقاً! لكن انقسم البشر إلى قسمين بسبب سوء الفهم... قسم ينظر للجنس على أنه حتمي ومقدس ومهم جداً، وقسم ينظر للجنس على أنه دنيوي منجس والمهم تركه بسرعة!
ضاع الوعي وضاعت الوسطية في الميزان.. وصار كل قسم من البشر غير قادر على رؤية جمال واستنارة القسم الآخر، بل يريد منه أن يكون مثله.


بالحقيقة، رغم أن شيفا في حضن حبيبته لكن لا يمكنك إيجاد شخص أكثر وعياً منه...
ورغم أن بوذا بعد استنارته عاش دون علاقة، لكن لن تجد شخصاً أكثر حباً منه...
لكن الفكر ينظر إليهما ويحتار... أي منهما هو الصحيح؟ شيفا أم بوذا؟
المشاكل تظهر لأننا لا نعرف أن كل شخص يُزهر ويستنير بشكل فردي فريد..
بوذا وشيفا كلاهما واعي بشكل تام، لكن حدث أن بوذا قد ترك شيئاً في وعيه الكامل، ذاك كان خياره.... وحدث أن شيفا في وعيه الكامل قد قبل كل شيء... كلاهما في نفس نقطة ومرحلة الإدراك والوعي، لكن تعبيراتهما مختلفة.

لذلك لا تقع في أي نمط أو طرف... لا أحد يعلم ماذا سيحدث عندما تصبح واعياً...
لا تقرر قبل أن تصبح واعياً بأنك ستترك هذا أو ذاك..
لا تقرر فلا أحد يعرف.. انتظر! افتح عيونك ودع كيانك يزهر..
لا أحد يعرف ﻷن كل شخص يحمل إمكانية مجهولة من التفتح والعطور..
ولستَ بحاجة لإتباع أحد، ﻷن كل إتباع خطير ومدمر، وكل تقليد هو انتحار... انتظر!

كل تقنيات التأمل هدفها هو جعلك واعياً، وعندها تستطيع ترك أي شيء أو قبول أي شيء..
عندما لا تكون واعي، تذكر ماذا يحدث:
لا يمكنك أن تقبل ولا يمكنك أن تترك...
لديك رغبة بالجنس، لا يمكنك قبولها تماماً ونسيان أمرها، ولا يمكنك تركها ونسيان أمرها أيضاً!
لن تقدر على فعل أي من الشيئين، بل تقوم دوماً بفعلهما سوية.
سوف تقبل ثم تفكر بالترك، وهذه حلقة مفرغة تتكرر...
عندما تمارس الجنس، بعده لبضعة ساعات أو أيام ستفكر بترك الجنس كله... في الواقع، أنت لا تفعل شيئاً سوى تخزين الطاقة من جديد... وعندما يمتلئ الخزان ستفكر بالجنس من جديد.. ويستمر هذا ويتكرر طوال حياتك... وقد استمر سابقاً عبر حيواتك... عندما تصبح واعياً تماماً يمكنك أن تقرر: إما أن تقبله وهذا القبول يعطيه جمالاً رائعاً، أو أن تتركه وتركك سيكون جميلاً أيضاً.


شيء واحد مؤكد:
عندما تكون واعياً يمكنك نسيان أمره، سواء أي من الطريقتين تختار لا فرق.. لن يعود هناك مشكلة أو تردد يشغل بالك.
قرارك كلي وواعي، والمشكلة تختفي...
أما إذا شعرتَ بأي ضيق فهذا يعني أنك لم تتمعن بعد ولم تكن واعياً له.
كن واعياً أكثر...
تمعن بحقائق نفسك أكثر...
بعمق أكبر.. وبشكل فردي..
رامياً كل استنتاجات الآخرين لأنك كائن فريد


 

أضيفت في:16-3-2016... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد