موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

اعقلها وتوكل على الله...

ادعوني أستجيب لكم.. اطلبوا وسوف يُعطى لكم..

هو أعلم بحالي من حالي.. لا تطلبوا وسوف يُعطى لكم ملكوت السماء..

متى تكون لحظة الفِعل؟ ومتى تكون لحظة الاستسلام؟

...اعقلها وتوكل على الله.. هذه حكمة عربية قديمة جداً.. في الصحراء العربية وفي الليل، إذا ذهبتَ للنوم قد يسير جملك في أي اتجاه ولن تقدر على إيجاده مرة ثانية.. لذلك هذه الحكمة: "اربط جملك أولاً، ثم ثِق وتوكل على الله".

لم يقل هذه الحكمة أي حكيم ولا أي مسيح ولا نبي، بل قد أتت من عدة أجيال حملت اختبارات البشرية.. أي هي خلاصة استنتاجات ملايين البشر..

توكل على الله.. ثق به... لأنه لا يوجد أي إله، لكنك إذا أردتَ الثقة يمكنك أن تثق به... لكن اعتماداً على هذه الثقة لا تترك الجمل غير مربوط، وإلا ستقع في مشكلة.. الله لن يعتني بالجمل طوال الليل لأجلك!

هذه حكمة تراثية من أهلنا الحكماء.. وهي تقول: "لا يوجد إله، لذلك لا تهتم بموضوع الله، فقط اربط جملك جيداً"... لكن هذا هو المعنى الفعلي لها.. لا يمكن تواجد الفكرتين سوية، إذا كانت الثقة بالله كافية عندها فقط اطلب من الله: "رجاء اهتمّ بالجمل، لأنني سوف أنام"... وتجربة واحدة فحسب ستُظهر لك أنه لا يوجد أي إله ولا نفع من أي ثقة: لقد هرب الجمل!

الجمل لا يؤمن بإلهك ولا بثقتك ولا أديانك، إنه يؤمن فقط بالحبل المربوط! لذلك افعل ما يؤمن به الجمل لا ما تؤمن به أنت... استخدم لغة الجمل لا لغة دينك ومعتقدك... الجمل ليس مسيحي ولا مسلم ولا بوذي.. ما عدا الإنسان، لا يوجد أي حيوان يعبد أي شخص أو شيء... كل الحيوانات حرة من الأديان والطوائف والمعتقدات والمعابد.. والغريب أنك تظن نفسك أكثر تطوراً من الحيوانات؟ على الأقل في هذا المثال أنت لستَ أرقى منها... مَن هذا الذي تعبده؟ أنت لم تشاهده ولم تقابله مطلقاً وليس هناك أي شاهد عيان على وجوده، وأنت تثق بشيء مفترض نظري تماماً.

إنها حكمة أهلنا.. حكمة عملية وواقعية... أودّ أن أقول لك: انسَ كل شيء عن الله وعن الثقة: ببساطة اربط الجمل وهذا يكفي.

لماذا تجلب موضوع الله والثقة عندما يكون مجرد الربط كافياً؟ هذا هو المعنى الحقيقي لتلك الحكمة.

 

الله أعلمُ بحالي من حالي.. لا تطلبوا وسوف يُعطى لكم ملكوت السماء..

الطلب أو الدعاء يجعلك شحاذاً، وبركات هذا الوجود تنتمي فقط للملوك لا للشحاذين.. لا تطلب.. لا تدعو... والذي يخصك سيتم البوح به إليك.

في الطلب والركض والسعي والبحث، قد تنسى تماماً أن الشيء الذي تبحث عنه موجود داخلك.. وفيك انطوى العالم الأكبر.

هل تعرف قصة الغزال الذي شم رائحة المسك الجميلة؟ بدأ يمشي باحثاً عنها.. ثم صار يركض بسرعة خلفها.. إلى أن ناله التعب فتوقف ليستريح ووضع رأسه بين رجليه، عندها اكتشف أن رائحة المسك تنطلق من جسده هو بالذات..

الناس الذين يدعون ويطلبون ويبحثون راكضين عبر العالم لإيجاد الحقيقة، قد نسوا شيئاً واحدً: قبل بدء بحثك في أي مكان، رجاء انظر داخلك.. هذا هو أول مكان للبحث.. وكل مَن نظر داخل نفسه لم يقم بالبحث في أي مكان آخر.. لقد وجد الكنز... ودون استثناء: كل مَن بحثوا داخلهم قد وجدوه...

 

أنت مولودٌ مع الحقيقة داخلك..

الحقيقة هي طعم روحك وأصلك..

ربما تنساها فترة معينة، لكن لا يمكن أن تفقدها..

وهذا هو ما حدث: نسيتها..

أصبحتَ مشغولاً بأشياء كثيرة بحيث نسيتَ مَن تكون..

فمَن الذي ستسأله؟ ومَن الذي سيعطيك الجواب؟

 

رجال الدين يقولون لك دائماً: "اطلب وسوف تجد"... "ادعو الله وسوف يستجيب لك"... فكّر بهذه الأقوال... إنها تعني ببساطة أن الشيء الذي تبحث عنه موجود خارجك: اطلب وسوف تجد.... ولكن، إذا كان المطلوب هو الطالب بالأصل، اطلب ولن تجده مطلقاً!!

رجال الدين يقولون ذلك لإقناعك بالصلاة والدعاء.. هذا هو معنى الطلب: صلي، اطلب، وتضرّع داعياً، والله عطوف رحيم، إذا صليتَ بصدق وخشوع سيُلبي طلبك... ولكن لم تتم  تلبية أي صلاة منذ ألوف السنين وحتى الآن.. نستمر بقول اللهم انصر المسلمين بينما نستمر بالهبوط أسفل السافلين! وحتى صلاة المسيح ذاتها لم تُلبى: بينما كان ينتظر مُعلقاً على الصليب، ينتظر من الله أن يصنع معجزة ما تنقذه، وفي النهاية بسبب غضبه وإحباطه وزوال أوهامه صرخ قائلاً: "يا الله هل استغنيتَ عني؟"... رغم ذلك لم يأتي جواب من السماء.

ليس هناك أحد في السماء.. لا يمكنك التذمر، تلك كانت فكرتك بإسقاط صورة إله ما موجود فوق الغيوم... والآن، الأفكار لا تجاوبك.

طبعاً، لذلك أقول لك: "لا تطلب"... "الحقيقة مُعطاة لك مسبقاً.. فقط ابقَ صامتاً ساكناً"... أنا ضد الدعاء لأنني ضد التسول.. أنا ضد الدعاء والصلاة لأنه لا يوجد أحد في السماء ليسمع صلاتك ويلبي دعاءك.. أنت ببساطة تضيع وقتك، ليس ذلك فحسب، بل تعيش في الخداع.

لا يوجد حاجة للصلاة وللدعاء.. أنت تمتلك كل شيء داخلك! فقط أغلق عينيك وانظر للداخل.. اذهب بعمق أكبر بقدر ما تستطيع... وفي عمق جوهر كيانك، ستجد مفاجأة عظيمة: الشيء الذي كنتَ تبحث عنه ليس موجوداً هناك فوق الغيوم، بل داخلك أقرب إليك من حبل الوريد.. إنه أنت... وتلك اللحظة هي لحظة الحرية الكاملة والاستقلالية الكاملة.

 

قال المسيح: "اطرق وسوف تُفتح لك الأبواب"... تذكرتُ امرأة صوفية حكيمة.. هناك عدد قليل من النساء التي وصلت للاستنارة.. مثل رابعة العدوية.. كانت تسير في أحد الشوارع، ولم تكن معروفة كثيراً... العالم هو عالم ذكوري ومتعصب للذكور.. مَن يُبالي بامرأة حتى لو كانت مستنيرة؟ بينما كانت تسير رأت أمام الجامع شيخاً كبيراً ومشهور جداً هو الحسن البصري... كل بلاد الأرض تعرفه... كان حينها يرفع يديه للسماء ويدعو لله: "يا رب أعطني هذا وأعطني ذاك"...

كانت رابعة امرأة نادرة في تاريخ البشر.. ذهبت ووقفت خلف الشيخ وضربته على رأسه.. بالطبع، لم يقدر أن يصدق أنه بينما كان يطلب أشياء جميلة من الله، أتته ضربة قوية بدلاً منها! نظرَ خلفه ووجد امرأة.. قال لها: "هذا فِعل خاطئ، لا يجوز أن تشوشي شخصاً ما أثناء صلاته"... فقالت رابعة: "أيها الغبي! لقد كنتَ تطلب: يا رب رجاء افتح الأبواب.. وأنا أخبرك أن الأبواب لم تُغلق أبداً! لذلك مَن سيقوم بفتحها؟ لا يوجد أحد ليغلقها ولا يوجد أحد ليفتحها.. ادخل فحسب!"

لا يوجد أبواب في الوجود.. إذا طرقتَ سوف تطرق على الجدار.. وعندها يمكنك حتى الطرق برأسك ومع ذلك لن تُفتح الأبواب.

لا يوجد أبواب في الوجود.. إنه بحر لا محدود ومفتوح من كل الجهات.. فقط ادخل من أي مكان، وأقرب مكان للدخول يوجد داخلك أنت.. وأي مكان آخر سيكون بعيداً... لماذا لا تبدأ من النقطة التي أنت فيها هنا والآن؟

إذن أولاً كُن مكان كيانك.. متمركزاً ومتجذراً في داخل نفسك وطبقاتها المنطوية.. والمعجزة هي أنك لن تحتاج للذهاب إلى أي مكان.. لا حاجة لتطرق لأن الأبواب مفتوحة.

داخل نفسك هو الباب والجواب... هو الباب المفتوح إلى الكون بكامله...

 

أضيفت في:26-8-2018... في قلب الله> الله و الألوهية
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد