موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

من أمان القبور.. إلى حياة الزهور...

من الأمان إلى عيش الآن... كيف تعيش يا إنسان هذا الزمان؟

يقوم كل شخص بصُنع أمان نفسي معيّن حوله، دون إدراك حقيقة أن أمانه هو ذاته سجنه.. الأمان هو السجن وأنت لنفسك السجان.

الناس محاطون بكل أنواع المخاوف وتهديدات الأمان، لذلك هناك رغبة طبيعية لصنع الحماية.. وهذه الحماية تكبر أكثر كلما صرتَ يقظاَ أكثر تجاه المخاطر التي تعيشها في حياتك.. وهكذا تصير زنزانة سجنك أصغر، وتبدأ تعيش بحماية كبيرة لدرجة تستحيل فيها الحياة..

الحياة ممكنة فقط في انعدام الأمن والأمان والضمان...

هذا شيء أساسي يجب فهمه: الحياة في لب جوهرها هي حالة من انعدام الأمان.

بينما تقوم بحماية نفسك، أنت تدمر حياتك بالذات.. الحماية هي موت، لأن الموتى فقط الذين في قبورهم لديهم حماية مطلقة.. لا أحد يستطيع أذيتهم ولا إزعاجهم ولا حتى قتلهم، كل ذلك قد حدث.. والآن لم يبق شيء للحدوث.

 

هل تريد أمان القبور.. أم حياة الزهور؟؟

للأسف معظم الناس يركضون وراء أمان القبور دون أن يعرفون.. قد تكون طرقهم مختلفة لكن الهدف هو نفسه.. بالمال، بالسلطة، بالشهرة، بمُسايرة المجتمع والمظاهر، بالانتماء إلى أي قطيع ديني أو سياسي، بكونك جزءاً من عائلة أو بلد، ما الذي تسعى إليه؟؟ إنه مجرد خوف مجهول يحيط بك، فتبدأ بصنع أكبر قدر ممكن من الحواجز بينك وبين الخوف.. لكن هذه الحواجز ذاتها ستمنعك من العيش.

حالما تفهم هذا، ستعرف معنى عيش الحق وأن تكون من جماعة أهل الحق..

إنه قبول للحياة بأنها انعدام للأمان، إنه رمي كل الدفاعات والسماح للحياة بأن تمتلكك وتحملك مع أمواجها... وهذه خطوة خطرة، لكن أولئك القادرين على أخذها يُكافئون بأعظم الكنوز، لأنهم هم فقط مَن يعيش حقاً... البقية يبقون على قيد الحياة فحسب..

 

هناك فرق بين العيش وبين البقاء حياً.. البقاء هو مجرد جر نفسك من المهد إلى اللحد.. ومتى يأتي هذا القبر؟

بين الولادة والموت لماذا تخاف؟ الموت مؤكد وليس عندك شيء تخسره، فقد أتيتَ إلى الدنيا غير حامل لشيء.. مخاوفك هي مجرد إسقاطات فكرية.. لا تمتلك شيئاً، وفي أحد الأيام سيختفي كل شيء معك.

لو كان الموت غير مؤكد، لكان هناك مغزى أو نفع من صنع الأمان..

لو قدرتَ أن تتجنب الموت، عندها من الطبيعي والصحيح أن تصنع حواجزاً بينك وبين الموت.. لكنك لا تستطيع تجنبه.

الرضى والتسليم.. قبول الشيء المحتوم هو أمر أساسي للوصول للاستنارة.. لعيش الاستنارة هنا والآن.. الموت يقبع هناك، بمجرد قبوله سيفقد الموت قدرته على إخافتك.. لا يمكن عمل أي شيء تجاه الموت المحتوم.. عند القبول، مَن سيهتم أو ينشغل بالموت؟

 

من الحقائق المعروفة جيداً أن الجنود الذاهبين إلى المعركة يرتجفون من الخوف والرعب.. يعرفون في أعماقهم أنهم لن يعودوا جميعهم أحياء من المعركة في ذلك المساء.. مَن سيعود ومن لن يعود لا أحد يعرف، لكن هناك احتمال ألا يعودوا للبيت.. الغريب أن علماء النفس شاهدوا ظاهرة غير منطقية: مع وصول الجنود إلى جبهة القتال، تختفي فوراً كل مخاوفهم ويبدؤون القتال بمرح غريب..

بمجرد قبول الموت، أين هي إبرته اللاسعة؟؟ حالما يعرفون أن الموت قادم في أي لحظة، يمكنهم نسيان أمر الموت تماماً... راقب إذا عندك أصدقاء ضباط في الجيش، ستجدهم من أكثر الناس فرحاً واسترخاء واستمتاع بحياتهم.. غريب.. رغم أن الضابط قد يأتيه اتصال في أي لحظة ويقول له: "أنت مطلوب للاحتياط وللقتال"... لكنهم يلعبون الكرة والورق ويسكرون ويرقصون محتفلين بالحياة لأقصى درجة... رغم أنهم معرضون في أي يوم للموت، لكنهم يقدرون على العيش بمتعة... طبعاً سيفعلون ذلك!.. إذا كان الموت مؤكداً فماذا سيفعلون سوى الاحتفال باللحظة الحاضرة؟

 

حالما يتم قبول الشيء المحتوم الذي لا مهرب منه، عندها بدل البكاء والنحيب والتذمر وجرّ نفسك إلى القبر، لماذا لا ترقص؟ لماذا لا تستغل كامل الوقت بين الولادة والموت؟ لماذا لا تعيش كل لحظة بشكل كلّي بحيث حتى لو لم تأتِ اللحظة التالية، ليس عندك أي تذمر أو ندم؟ يمكنك الموت في احتفال وفرح لأنك عشتَ حياتك باحتفال ومَرح...

لكن قليلاً جداً من الناس قد فهموا الآلية الداخلية لعمل النفس عندهم.. الغالبية، بدلاً من العيش بدؤوا بالحماية.. نفس الطاقة التي كان يمكن أن تصبح رقصةً وأغنية، صارت مشغولة بصنع المزيد من المال والسلطة والطموح والأمان... نفس الطاقة التي كان يمكن أن تصبح زهرة فواحة من الحب، صارت مجرد سجن اسمه زواج.. الزواج ضمان وأمان: بالقانون، بالعادات الاجتماعية، بفكرتك أنت عن الاحترام وعما سيقوله الناس عنك.. كل شخص خائف من كل شخص آخر وهكذا يستمر الناس بالتمثيل والتظاهر.

 

الحب قد يختفي.. ليس شيئاً أو سلعة بين يديك.. يأتي مثلما تأتي نسمة الهواء ويذهب مثلما تذهب.. أولئك اليقظين الواعيين يرقصون مع النسمة، يستمتعون بها لأقصى درجة، يتذوقون برودتها ويستنشقون عطرها.. وعندما تذهب، لا تجدهم حزانى أو متأسفين.

لقد كانت هديةً من المجهول وقد تأتي من جديد.. سينتظرون.. ستأتي مراراً.. سيتعلمون ببطء الانتظار والصبر العميق..

لكن معظم البشر عبر العصور قد فعلوا العكس تماماً... بسبب خوفهم من رحيل نسمة الحب، قاموا بإغلاق كل الأبواب والنوافذ وحتى الشقوق التي قد تهرب منها.. هذا هو تدبيرهم لصُنع الأمان.. هذا هو ما يدعونه الزواج.. لكنهم مصدومون الآن بشدة! عندما يغلقون الأبواب والنوافذ وحتى الشقوق الصغيرة في الجدران، بدلاً من حصولهم على نسمات عليلة عظيمة معطرة، حصلوا على هواء ساكن فاسد وميت...

كل شخص يشعر بذلك.. لكنك تحتاج للشجاعة حتى تدرك وتعترف أنك دمّرتَ جمال النسمة بسجنها وحجزها...

 

لا يمكن لأي شيء في الحياة أن يُمتلك أو يُحتجز..

على المرء أن يعيش في الوجود بانفتاح ويسمح لكل أنواع التجارب بالحدوث، شاعراً بكل الامتنان طالما هي موجودة، شاكراً كل لحظة لكنه غير خائف من الغد.

إذا جلبَ اليوم صباحاً جميلاً وشروقاً مبهجاً بأغاني الطيور وعطور الزهور، فلماذا تقلق حيال الغد؟؟ الغد لن يكون سوى يومٍ آخر.. قد يكون شروق الشمس فيه يحمل ألواناً مختلفة، وربما الطيور تغيّر ألحانها قليلاً، ربما يكون هناك غيوم فتجعلك ترقص تحت أمطارها، لكن ذلك أيضاً له جماله الخاص به، له حياة وحيوية خاصة به تغذي روحك...

من الجيد أن الأشياء تستمر بالتغير، وأن كل صباح ومساء جديد وفريد.. وأن لا بوجد يوم يتكرر مطلقاً.. دوماً شيء جديد.. هذه هي إثارة ونشوة الحياة ذاتها، وإلا فسيكون الإنسان ضجراً جداً.

وأولئك الذين جعلوا حياتهم آمنة تماماً صاروا ضجرين.. ضجرين من أزواجهم وزوجاتهم، من أطفالهم ومن أصدقائهم.. الضجر يصيب ملايين الناس رغم أنهم يبتسمون لإخفائه.

قال نيتشه: "لا تعتقد أنني شخص سعيد.. أنا أبتسم لمجرد منع دموعي.. أصير مشغولاً بالابتسام بحيث أقدر أن أمنع انهمار دموعي.. وإذا لم أبتسم ستنهمر فوراً"..  لقد تم تعليم الناس مقاربات خاطئة تماماً: خبّئ دموعك، ابقَ دوماً على مسافة منها، ولا تسمح للآخرين بالاقتراب منك أكثر من متر على الأقل.. فالآخرون إذا اقتربوا منك قد يعرفون بؤسك الداخلي وضجرك ومعاناتك، قد يعرفون مرضك.

كامل البشرية مريضة لسبب بسيط هو عدم سماحنا لانعدام أمان الحياة بأن يصبح جوهر ديننا ووعينا... صارت الآلهة أماناً لنا، صارت الحسنات أماناً لنا، معارفنا ومناصبنا وعلاقاتنا... نحن نهدر كل حياتنا في بناء علاقات الأمان وأشياء الضمان.

أعمالنا وحسناتنا وحتى تقشفنا أو زهدنا ليست سوى جهد ومحاولات لضمان الأمان حتى بعد الموت... إنها صنع حساب بنك في العالم الآخر.. لكن أثناء ذلك، تنزلق من بين يديك حياةٌ جميلة جداً....

الأشجار جميلة معطرة لأنها لا تعرف الخوف من انعدام الأمان... الحيوانات البرية لها حضور وهيبة رائعة لأنها لا تعرف أن هناك موت وانعدام أمان.. الأزهار تستطيع الرقص تحت الشمس وتحت المطر لأنها لا تهتم بماذا سيحدث في المساء.. ستسقط بتلاتها، وتماماً مثلما أتت من مصدر مجهول، ستعود لتختفي ذاهبةً إلى نفس المصدر المجهول.. لكن أثناء ذلك، بين تلك النقطتين من الظهور والاختفاء، عندك فرصة إما للرقص أو لليأس.

 

يذهب الناس إلى الكنائس والمساجد ليس لأنهم متدينون، بل لأنهم جبناء... لأنهم لا يستطيعون العيش، يجدون طرقاً لحماية أنفسهم.. حتى أنهم يدفعون الأموال والصدقات لرجال الدين لكي يضمنوا لهم مكاناً مميزاً في الجنة!.. رجل الدين يقدّم لنا الدعاء والعزاء والمواساة بطرق مختلفة وفي مختلف الأديان.. رجال الدين والسياسيين الماكرين.. كلهم يجعلون حياتك "آمنة"، وكلهم يقومون بتدمير روحك.

الشخص المتدين الحقيقي يرمي ببساطة فكرة الأمان، ويبدأ بعيش انعدام الأمان التام هنا والآن، لأن هذه هي طبيعة الحياة... لا يمكنك تغييرها.. الشيء الذي لا تستطيع تغييره، اقبله، واقبله بفرح... لا تقم بضرب رأسك بالجدار دون لزوم، فقط اعبر من الباب!

 

الآن إليك السر الأول: "هل تريد الوصول إلى قبول حقيقي للفكر وللأشياء؟ إنه يتطلب انقطاعاً كاملاً ومفاجئاً"... تذكر.. يحتاج الأمر فجوة وانفصالاً فورياً عن الطريقة التي كنتَ تعيش بها حتى الآن.. يجب أن تتوقف عن العيش وفق منطق النعامة.

النعامة حيوان منطقي جداً.. حالما ترى أي عدو مثل الصياد، تضع رأسها عميقاً في الرمل.. بهذا لا ترى العدو، فتشعر بالأمان التام.. في الواقع، لقد صارت أقل أماناً! لو بقيت تنظر إلى العدو لكان بإمكانها الهرب بطريقة ما، أو على الأقل محاولة الهرب.. لكن النعامة عندما تضع رأسها في الرمل مغلقة عيونها لا تملك أي حماية أو قوة.

هذا أصبح نمط الحياة عند كثير من الناس.. نمط حياة النعامة.. أي شيء يبدو خطراً يقومون بتجاهله، ولا ينظرون حتى باتجاهه أبداً.. يعتقدون أنهم إذا لم يشاهدوه فسوف يختفي.

هل قمتَ يوماً ما بالنظر إلى الموت بشكلٍ واعي؟

هل ذهبتَ يوماً ما وجلستَ في المقبرة وفكرتَ بالناس المستلقيين في قبورهم؟

لا.. سوف تذهب فقط مرة واحدة، ذهاباً دون عودة..

لماذا نضع المقابر بعيداً عن المدن وبعيداً عن طرقاتنا، بحيث لا نضطر للمرور بجانبها؟ في الواقع، يجب وضع المقابر بالضبط في مركز المدينة بحيث تمر جانبها عدة مرات كل يوم، مدركاً تماماً أن أولئك الناس في قبورهم كانوا أحياء أيضاً مثلك أنت، وفي أحد الأيام، ستنام أنت أيضاً في نفس النوع من القبور.

انعدام الأمان يجب أن يصير ظاهراً وواضحاً تماماً.. في ذلك الوضوح، هناك إمكانية للقبول، وليس هناك طريقة أخرى.. لا يوجد مهرب لذلك لا تضع وقتك في الهرب.. نفس الوقت يجب استعماله لتحقيق معرفة حياة أعمق لا تعرف الموت، معرفة حب أعمق ليس مؤقت، حب ليس له علاقة بأي نوع من الانجذاب والانفتان، حب يشبه النبض بالنسبة لقلبك وليس موجهاً لأي شخص بالتحديد.. ليس حب شخص ما، بل حب مجرد ببساطة، إنه كونك حباً... وذلك شيء أبدي.

لكننا نحتاج انقطاعاً كاملاً وفجائياً في نمط حياتنا.. أنماط حياتنا كلها مبينة على مقاربات خائفة وجبانة تجاه الحياة..

 

لتحقيق ذلك السر: "التقط ذلك الذي يسكن داخل جمجمتك، ذلك الذي يقوم بالتفكير المزيف، واقتله بضربة واحدة"... هذا يعني، أنك إذا كنتَ ذكياً لدرجة كافية، سوف تغير نفسك في لحظة واحدة.. هنا والآن... لن تقول: "سأقوم بتغيير نفسي ببطء وبالتدريج جزءاً تلو الآخر"... لن تقول: "التغيير يحتاج إلى وقت"... بل ستقول: "لقد شاهدتُ وشهدت، الآن لا يوجد أي فكرة عن تغيير نفسي لأنني قد تغيرت".

 

هناك قصة جميلة عن الشيخ فريد.. كان هناك أميرة جميلة تحب فلسفته وكلامه، وكان الشيخ يومها في المدينة يتحدث مع الناس.. بعد رجوعها من عنده، كانت ممتلئة بالامتنان والإعجاب بأفكار فريد الفريدة.. في تلك الأيام القديمة، كان إعطاء المرأة لزوجها حماماً وفركها لجسمه، هو تعبير عن الحب وليس استعباد للمرأة.. أثناء الحمام، قالت لزوجها: "بالمناسبة، إن أخي أيضاً يفكر دوماً بأن يصبح مريداً عن فريد".

ضحك زوجها وقال: "هذا سخيف.. يفكر؟ كم سنة صار له وهو يقوم بالتفكير؟"

قالت المرأة: "حسب معرفتي، حوالي خمس سنوات"..

قال الزوج: "لن يصبح مريداً أبداً.. سيستمر بالتفكير فقط.. الشخص الذي يستطيع التفكير خمس سنوات، يستطيع التفكير خمسين سنة".

هذه قضايا لا يجب التفكير بها، إما أن تفهمها أو لا تفهمها... إنها قفزات كونية وطفرات فورية.. في لحظة رؤيتك للأفعى في الطريق، لن تفكر هل ستبتعد أم ستقفز، بل ستفعل شيئاً فورياً في نفس اللحظة.. عندما ترى بيتك يحترق، لن تجلس أمامه خمس سنوات تفكر ماذا يجب أن تفعل.. حالما تراه يحترق لن تهتم حتى بارتداء ثياب أنيقة.. إذا كنتَ تأخذ حماماً ستقفز فوراً منه ودون ثياب، فهذا ليس وقت إتباع الإتيكيت والتقاليد الاجتماعية ولا الاهتمام بالشرطة والناس... فكرة الثياب ببساطة لن تخطر على بالك حينها.

قال الزوج: "إن أخاكي يستمتع ببساطة بفكرة أنه يوماً ما سيصبح مريداً وربما يحقق حالة النشوة والنور الإلهي.. لكنني أستطيع إخبارك أن هذا لن يحدث.. هذه الأشياء تحدث فورياً فقط".

طبعاً شعرت الأميرة بالإهانة لأنه تم انتقاد أخيها.. ولكي تدافع عنه قالت لزوجها: "هل تستطيع أنت فعل ما تقوله؟ وفورياً؟ لأنك أنت أيضاً تستمع للشيخ فريد".

لم يقل الزوج أي جواب.. بل ببساطة قفز من نافذة الحمام!..

قالت الزوجة: ماذا تفعل؟؟!.. أجاب الزوج: انتهى.. انسِ كل الموضوع.

قالت الزوجة: على الأقل ارتدي ثيابك!.. فأجاب: فورياً يعني فورياً.

لم يستطع الناس في الشارع تصديق عيونهم.. الأمير يمشي عارياً.. سألوه: ماذا حصل؟

أجاب: لقد انقطعتُ عن كامل حياتي الماضية! ..ووصل إلى الشيخ فريد عارياً.

قال له الشيخ: على الأقل ارتدي بعض الثياب.. فقال الرجل: لقد كنتُ في حالة معينة استلزمت أن أقفز منها فورياً.. لذلك اقبلني مريداً عندك في هذه اللحظة!

أتت الزوجة راكضة خلفه وأتت العائلة بكاملها، وقالت: ماذا تفعل؟ لقد كنتُ فقط أجادلك وأمازحك بالكلام!

رد الرجل: لا يمكنني الآن التراجع عما فعلته..

...هذا الرجل، بفضل شجاعته وفهمه المباشر، أصبح من أعظم المريدين المستنيرين.. واحد من أكثر الناس حباً ورحمة واحترام.. طبعاً هو يستحق ذلك.

 

الحقيقة دائماً تقترح عليك نفس الشيء: انقطاع كامل وفجائي عن نمط حياتك السابق الذي ليس سوى حماية ومواساة وأمان وضمان وهذيان...

 

سر جديد: "ألم تسمع يا رفيق الطريق.. حالما يصير عندك شيء تعتبره مهماً لك، سيصبح عشاً لك"... حالما تفكر بأن شيئاً ما مهم، مال، معرفة، سلطة.. سيصبح عشاً مريحاً وتبدأ العيش في هذا العش الصغير.. فيصبح سجناً لك.

الإنسان الطموح لا يمكن أن يكون شخصاً حراً.. الذي يحمل الرغبات، لن يتذوق جمال الحرية، رغباته هي سلاسل قيوده.. وأي شيء يصير مهماً هو تحديداً يصير السجن.

 

يجب ألا يكون عندك أي شيء أكثر أهمية من وعيك أنت بالذات...

أي شيء أكثر أهمية من وعيك، سيصنع سجناً لك، وأنت تصبح ثانوياً بالنسبة له..

أنت تُهين نفسك، وتهبط قيمة نفسك حتى في عيونك أنت...  

 

يقول لك السر أيضاً: "جميعكم أيها الناس قد قضيتم كل حياتكم تبحثون عن هذا الأمر دون أي نتيجة.. جالسين في أعشاشكم طوال حياتكم دون أن تقدروا على الخروج منها، غير مدركين أبداً لخطئكم"..

الخطأ الذي فعلتَه هو جعل شيء ما أكثر أهمية من كيانك، وأعلى من ذاتك... ربما يكون حتى الإله... لا تضع أي شيء كهدف لك ولا في منزلة أعلى منك... أنت البداية وأنت النهاية ولا شيء أعلى... وعليك أن تستكشف نفسك دوماً.. انتبه أنك حالما تعتبر شيئاً ما مهماً، ستتوقف عن استكشاف نفسك وتبدأ بالركض خلف ذلك الشيء مهما كان.

 

"أولئك الذين أصبحوا مفتونين بكلمات وأفكار القدماء، يجعلون الكلمات الجميلة والأفكار العميقة عشاً لهم".... ماذا يفعل الناس المتعلمون والمثقفون حولك؟ رجال الدين والعلامة والبروفيسور؟ كلمات، كلمات جميلة، أصبحت مهمة جداً بالنسبة لهم لدرجة أنهم نسوا أنفسهم.. الكلمات أصبحت كل حياتهم، ويستمرون بتكديس الأفكار والمقولات الجميلة.. ماذا يفعلون؟ إنهم سجناء في الكتب الدينية والفلسفية.

 

"وأولئك الذين يبتهجون بالمعاني الكلامية للنصوص الدينية، يجعلون النصوص عشاً للنفوس"... لا يهم ما هو الشيء... قد يكون المال، أو حتى الحكمة أو الاستنارة.. إذا جعلتهُ هدفاً بعيداً يجب تحقيقه، فقد فاتتك النقطة.. الاستنارة ليست شيئاً يجب تحقيقه، بل هي شيء يحدث لك عندما تكون في حالة انعدام الرغبات حتى الرغبة بالاستنارة، في حالة ليس فيها شيء هام عندك، لا طمع ولا رغبة ولا طموح... عندها فجأة تستقر داخل نفسك، لستَ ذاهباً لأي مكان، فالرغبة هي دوماً ابتعاد عن نفسك.

عندما لا تذهب لأي مكان، يتجمع وعيك في مركز كيانك.. وعندها انفجار الأنوار، لكن لا يمكنك جعل ذلك هدفاً... هذا الانفجار هو حرية قصوى، لكن لا يمكنك جعلها هدفاً.

 

"جميع أولئك الناس عندهم أشياء يعتبرونها هامة، حيث تكمن أهواؤهم والأمور التي تفتنهم.. ولأنهم يفتقدون صفات الرجال العظماء وقدرتهم على أخذ خطوة للخلف لاستدراك خطئهم، يعتقدون ما يعتبرونه مهماً، شيئاً مذهل وفائق وخارق، يعتبرونه سلاماً وأماناً وأقصى درجات سعادتهم وتحررهم"...

 

الإنسان.. هو حيوان يخدع نفسه كثيراً... يستطيع حتى أن يخدع نفسه..

يستطيع تسمية سجنه قصراً، يستطيع تسمية قيوده مجوهرات،

يستطيع تسمية المعرفة المستعارة خبرة ومهارة...

إنها ليست جريمة عظيمة عندما تخدع شخصاً آخر،

لكن أن تخدع نفسك هي أعظم الجرائم...

الشخص الذي لا يستطيع خداع نفسه، لا يستطيع خداع أي شخص آخر...

والشخص الذي يستطيع خداع حتى نفسه، لا بد أن يخدع كل شخص.

 

"أولئك الحاملين لهذه الأفكار.. حتى لو ظهر حكيم مستنير أمامهم فلن يكون ذو فائدة".. أولئك المفتونين والراكضين خلف إسقاطات معينة من فكرهم، حتى لو صادفوا مستنيراً لن يقدروا على معرفته ورؤيته.. فمعرفة المستنير تحتاج فكراً بريئاً غير طماع... تستطيع معرفته فقط إذا كان لديك شيء من نفس النوعية... إذا لم يكن عندك أي شيء من اليقظة والصحوة، كيف ستستطيع معرفة قمة الوعي والنشوة الكونية؟ ستفوتك حتماً...

ألوف المستنيرين قد حدثوا في الأرض، وملايين الناس عبروا بالقرب منهم دون حتى أن يلتفتوا للخلف... الحشود مفتونة كثيراً، عيونهم ممتلئة بالطمع فلا تستطيع الرؤية بوضوح.. والمستنير لا يمكن رؤيته إلا بعيون نظيفة من الغبار، عندما تكون مرآة ذاتك نظيفة لامعة.

 

"عندما لا تعتبر أي شيء مهماً لك، طبيعياً ستمتلئ عظامك بقدرة هائلة، دون أي رغبة أو اتكال.. وستكون سيداً على النظام الكوني"... هذه مقولة بسيطة جداً لكنها دعوة عظيمة جداً لك... دعوة للصحوة.. أنت هو أكثر شيء أهمية في الوجود، فلا تضع أي شيء أعلى منك، وإلا سيصبح ذلك هو العش والعائق والعقبة..

حافظ على وضوح الحقيقة دوماً: أعظم الأشياء تكمن وتنبض داخل قلبك أنت... يجب أن يتم استكشافها وبحثها واختبارها، لكن تذكر أن جوهرة المجوهرات هي داخلك.

في لحظة ثبات عيونك على شيء آخر، تقوم بإنقاص قدر نفسك إلى شيء ثانوي بينما أنت هو الأصل والأساس الأولي...

يعيش الناس معظم حياتهم في سجون نفسية.. الثورة الدينية الحقيقية هي قفزة فجائية من خلية سجنك... ولا أحد يعرقل طريقك أبداً.. أنت الذي صنعتَ السجن، وإذا كنتَ شجاعاً لدرجة كافية، تستطيع القفز خارجاً منه.

 

معرفة الحياة في انعدام أمانها، هي معرفة الحياة في أوج جمالها...

هي معرفة الحياة في جوهر حقيقتها...

معرفة الحياة في انعدام أمانها، دون أي خوف، هو تجاوز للموت..

لأن الحياة لا تموت أبداً...

أي شيء يموت ليس بحياة.. بل مجرد البيت الذي كانت تعيش فيه الحياة..

يستمر لهب الحياة بالاشتعال للأبد..

بسبب الأمان والمواساة والمعتقدات التي تحملها، تبقى دون معرفة لأعظم الكنوز..

فتعيش في معاناة وتموت في بؤس..

لكن من الممكن العيش في غبطة هائلة، والموت برقصة منتشية،

وتذوب في سلام واستسلام للوجود اللامحدود...

أضيفت في:13-9-2018... حياة و موت> ولادة و موت و نمَوت
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد