قرار من بحر الأسرار عندما يكون قرارك نابعاً من القلب، من الروح، من الوجود العميق فيك الموصول بالأصول، من كل حال وكل مقام... يكون قراراً ناجحاً بنّاء.. لكن عندما يصدر من العقل والفكر فحسب... سيكون وبالاً وعقاباً، ولن يكون قراراً حاسماً بل نزاعاً وصراعاً متواصلاً.... وستبقى عندها كل الخيارات مفتوحة، معروضة للبحث والمباحثة، للنظر والمناظرة، ليواصل الفكر مسيرته منطلقاً من هنا إلى هناك.. مُحدثاً الخلاف والشجار..
الجسد يعيش اللحظة ذاتها باستمرار... لكنَّ الفكر ليس كذلك، وهذا هو الخلاف الأساسي...
إننا نتنفّس هنا والآن، ولا نستطيع أن نتنفس في الغد، أو في البارحة.. بل نتنفس اللحظة الحالية التي نحياها، لكننا نستطيع التفكير بالغد، ونستطيع التفكير بالبارحة.
لهذا الجسد يعيش الحاضر دوماً... أما الفكر فيمضي قافزاً بين الماضي والمستقبل فيخسر الحاضر كله!.. مما يولّد انقساماً وانفصالاً بين الجسد والفكر.. فنغرق في بحر من القلق والتوتر.. من التعاسة والتذمّر...
علينا إعادة الفكر إلى الحاضر والحضور في النور، إلى الآن... لا وجود لوقت آخر... إذا لم يكن الآن فمتى؟؟ وإذا لم نكن نحن فمن غيرنا؟؟..
لا نملك سوى هذه اللحظة وهي أغلى نعمة ورحمة.. فلنعشها بوعي مهما حملت لنا من مخاطر ومصاعب، من أحزان وأفراح، من خلاف ووئام... والمفتاح هو التأمل... حتى نعود إلى سكينتنا.. إلى ذاتنا... ونلملم بعضنا لنتوحد من جديد.. الخلاص بيدنا لأنه إذا لم نتوحد مع أنفسنا أولاً لن نستطيع أن نتوحد مع الكون والأكوان من حولنا....
لذلك كلما بدأتَ بالتفكير بالماضي أو المستقبل بشكل كبير، استرخي لمدة ساعة على الأقل بوضع مريح، أغمض عينيك وركّز على التنفس.. راقب تنفسك فحسب، دون أن تغيّر أي شيء فيه، وبمراقبتك له سيصبح أبطأ فأبطأ تدريجياً...
إذا كنتَ تتنفس ثماني مرات بالدقيقة الواحدة في الحالة العادية ستبدأ بالتنفس ست مرات، ثم خمس، أربع، ثلاث، ثم مرتين بالدقيقة الواحدة. وخلال أسبوعين لثلاثة أسابيع ستأخذ نفساً عميقاً واحداً في الدقيقة، وعندها سيصبح الفكر قريباً من الجسد..
وسيأتي وقت يتوقف فيه التنفس لعدة دقائق، حيث ستنقضي ثلاث أو أربع دقائق ومن ثم ستأخذ نفساً واحداً، عندها ستغدو متناغماً مع جسدك.. متآلفاً معه.. ستدرك أهمية اللحظة وروعتها... وستتذوق طعم الحاضر والحضرة لأول مرة...
من دون هذا سيبقى الحاضر مجرد كلمة غير معروفة.. غير ملموسة لم يختبرها الفكر ولم يعشها بعد... سيبقى أمراً غريباً.. مجهولاً بين الماضي والمستقبل....
لذلك استرخي و تنفّس، دع هذا التنفس يتواصل من تلقاء ذاته.. ستتشكل رويداً رويداً فواصل زمنية، ضمنها ستختبر الحاضر للمرة الأولى... حاول ذلك على مدار أربعة وعشرين يوماً ولمدة ساعة واحدة كل يوم... ويوماً ما سيتجلّى لك القرار فجأة... النتيجة التي يتوصل إليها ذلك القرار غير مهمة.. وإنما الأمر الأكثر أهمية هو من أين جاء.. ومن أي جهة صدر... فإذا كان القرار صادراً من العقل فإنه سيجلب معه البؤس والشقاء وسيكون وهماً وسراباً.. حُكماً جائراً ظالماً، لا قراراً عادلاً راحماً... أما إذا كان نابعاً من أعماقك.. من ذاتك الكلية.. فلن تندم ولن تأسف أبداً.
إن الإنسان الذي يعيش الحاضر بكل كيانه، بكل نبض وكل نفس، لا يعرف معنى الندم، لا ينظر إلى الوراء ولا يهتم به، لا يغيّر ماضيه.. ولا ذكرياته.. ولا يخطط لمستقبله..
بل يعيش الآن.. يعيش اللحظة ذاتها.. فالماضي مضى، والمستقبل غيب غريب... وهذه اللحظة هي كل ما لدينا.. الرحلة هي من "قبل" ومن "بعد" إلى "الآن"... من مكان ومكان إلى هنا وفي هذه اللحظة من الزمان.
الحُكم والأحكام والمحاكمات سُحب تحجب عنا نور الحقيقة وتباعد بيننا وبينه... وهذا ما يقوم به الفكر باستمرار.. إنه يقطع علينا الدرب المؤدي للحقيقة السامية الخالدة ويشغلنا عنها.. بضجيج الأفكار وصخب الكلمات والخطط والذكريات...
لنرحل من صحراء العقل إلى واحة القلب....... من وطن الشك والظن إلى وطن الصدق والثقة...... لأن الحقيقة في صمت القلوب لا في لغو العقول.... في بيت الحب والأسرار لا في دنيا الجدال والشجار...
أضيفت في:16-1-2006... صيدلية الروح> علاجات الرأس .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|