<<<< | >>>> | |||
الدين والمال ورجال الأعمال
قام أحد الأثرياء العرب ببناء عدة مساجد ضخمة وعمارات وكتب على كل منها: "المُلك لله".. هذا الثري رجل أعمال ناجح جداً، يكسب عشرة أضعاف المال في أي مشروع.. وقام أيضاً باستثمار الثروات في الدين.. حتى في عالم أعمال الدين، لم يرغب البقاء خلف الآخرين. طبعاً إنه أثرى الأثرياء الذي يسبق الجميع.. فإذا كان الأول دوماً في الثروة والتجارة، لماذا لا يكون الأول أيضاً في الدين؟ في هذا العالم يقف في المقدمة، وفي ذلك العالم أيضاً لديه مشاريع.. الجنة محددة الأوصاف ومرسومة بدقة لذلك اطمأن رجل الأعمال.. ليس فقط الأرض، بل حتى جنة السماء يمكن شراؤها بالمال.. لذلك هناك أهمية ضخمة للمال والرأس مال.. المال يقف حتى فوق الدين، لأن المال لا يمكن شراؤه بالدين، لكن الدين حتماً يمكن شراؤه بالمال.. عندما يقدر المال أن يحصل على الدين، يختفي الخوف من تجميع الثروة بالفساد والاستغلال وتبييض الأموال.. وإلا لما أمكن أبداً تجميع الثروة بالفساد. الثروة بالأساس ليست إلا سرقة.. الثروة استغلال للدماء.. ولكن، في أنهار الدين يتم كثيراً غسل وغفر كل الذنوب.. وأنهار الدين تبدأ بالتدفق حالما يؤشر بيده صاحب الجلالة الوزير والأمير.. وبهذه الطريقة، الدين ذاته يصبح أساس الكفر ومسرح أبو جهل. لكن كيف يستطيع الدين أن يصبح أساس للكفر؟ بالتأكيد، ذلك الدين ليس دين... كل ما تستطيع الثروة شراؤه ليس ديناً. سمعتُ أن رجلاً ثرياً طرق على أبواب الجنة.. فقال له الملاك الحرس: "من أنت يا أخي؟".. أجاب الثري: "أنا؟ ألا تعرف مَن أنا؟! ألم تصل أخبار موتي إلى هنا بعد؟" سأله الملاك: "ما هو طلبك؟" أجاب الثري غاضباً: "هل هذا شيء يمكن السؤال عنه؟ أريد الدخول إلى الجنة".. ومع قوله لذلك، أخرج من معطفه حفنة من المال وقدمها للشرطي الملاك... ضحك الملاك بقوة وقال: "يا أخي، إن عادات عالمكم لا يمكن أن تعمل هنا.. ولا حتى هذه النقود لها أي قيمة هنا.. رجاءً احتفظ بمالك معك". بعد هذا، صار الرجل الثري فقيراً ومسكيناً في الحال.. فكل ما كان يعطيه القوة والسلطة في الدنيا ظهر دون أي قيمة. سأله الملاك: "ما هي الأعمال التي قمتَ بها حتى تستحق الدخول إلى الجنة؟" بعد كثير من البحث والتذكر قال الثري: "لقد أعطيت عشر ليرات هدية لامرأة عجوز فقيرة".. سأل الملاك فوراً مساعده: "هل هذا صحيح؟" نظر المساعد في أوراق الملفات وقال: "نعم يا سيدي صحيح". سأل الملاك الرجل الثري مجدداً: "ماذا فعلت أيضاً؟" تذكر الثري وقال: "أعطيت خمس ليرات إلى طفل يتيم".. بحث المساعد في الأوراق ووجد هذا صحيحاً أيضاً. سال الملاك: "هل هناك شيء آخر؟".. قال الثري: "هذا هو كل شيء أستطيع تذكره"... سأل الملاك مساعده: "ماذا يجب أن نفعل به؟" قال المساعد: "يجب أن نعيد إليه خمسة عشر ليرة ونرسله إلى جهنم... الجنة ستكون رخيصة جداً إذا دخل بسبب 15 ليرة!". لكن هل يمكن ربح الجنة بالمال؟ الليرة بعد كل شيء مجرد ليرة.. رغم أنك بتجميع أوراق المال فوق بعضها قد تصبح جبلاً من المال لكنه مجرد مال.. في الحقيقة، لا يمكن أبداً شراء الدين بأي طريقة، لا بمال أكثر ولا بمال أقل.. لأن سيولة الأموال لا تجري في عالم الدين. والدين لا يمكن شراؤه حتى بالزهد وإنكار المال، لأن شراء الدين بالتقشف لا يفرق أبداً عن شراء الدين بالملايين. في قيم الدين، لا المال ولا الفقر لهما قيمة.. لغة المال بحد ذاتها ليس لها معنى.. كل ما يمكن شراؤه ليس جزءاً من النفس. الدين هو شكل النفس وأيضاً الجنة هي شكل النفس، إنهما داخلها وليس خارجها.. الله والدين والجنة توجد دوماً داخل النفس.. وليس على المرء الدخول في الدين، بل عليه الاستيقاظ ومعرفة أنه كان دوماً ولا يزال داخل الدين.. تماماً مثلما السمكة الموجودة في البحر، نحن أيضاً موجودون في الدين.. لكن رغم أن السمكة في البحر، فهي في نومها فقط تخرج من البحر.. هذه هي حالتنا تماماً: كوننا في الدنيا يعني أننا في حلم.. الإنغماس في الملذات وكذلك التقشف وتعذيب الذات كلها أحلام.. القصور والمساجد والكنائس كلها أحلام... لا يمكن لأي قصر أو معبد تم بناؤه في عالم الأحلام أن يجلب اليقظة.. طريق الاستيقاظ مختلف تماماً. اليقظة تكمن في استرجاع الوعي، من الشيء المرئي إلى الرائي.. من المنظور إلى الناظر.. يبقى النوم عميقاً طالما بقي الفكر والأفكار مشغولة بالمشهد، واليقظة تقترب أكثر كلما تراجعت الأفكار والوعي إلى المشاهد. عندما يعود الوعي تماماً إلى الشاهد والمشاهد، سيختفي كل ناظر ومنظور، والاكتمال الذي يبقى هو الدين.. هو الحقيقة.. والحرية... |
أضيفت في باب:12-1-2018... > رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد