هل تريد شهادة؟ هذه الجامعة ليست لك!
مع صدور نتائج
الشهادة الثانوية وكما يحدث كل عام، تصل إلينا عدة اتصالات ورسائل من طلاب يشكون من
الحزن والإحباط والاكتئاب أو يريدون الانتحار، أو أن أهلهم صاروا غاضبين متوترين
كالمجانين وهلمّ جراً...
والحق ليس على
المدارس والجامعات، بل على الذي يركض وراءها، على الذي يركض وراء الشهادة للحصول
على السمعة والمال والمكانة الاجتماعية أو لتسمح له أمه بالزواج مثلاً! والجامعات
العامة والخاصة صارت كثيرة وجاهزة لبيع الشهادات وأنت في البيت.
دائماً إذا تعرفنا
أو تحدثنا عن شخص جديد، فأول سؤال يكون ما هي شهادته؟ أو مِن أين هو؟!
فما هي شهادتك ودراستك؟؟
هذا السؤال يتكرر ورغم التكرار لا يتعلم الشطار، لكن الإنسان الأصيل يعرف أنه لا
يعرف مهما عرف...
طلب العلم فريضة... مِن لدنّي عِلماً وليس طلب المعلومات... لكن ماذا تعلمتَ
أنت في دراستك؟؟؟
هل فكرتَ مرةً بشهادتك وتحصيلك العلمي كما يُسمى؟
إنها لا شيء سوى تمرين بسيط على الذاكرة والحفظ، لا تظن أنك أصبحت أذكى من
خلالها... بل أصبحت أقل ذكاء وأكثر غباء...
يدخل كل الأولاد إلى المدرسة وهم أذكياء جداً، لكن من النادر جداً أن نجد متخرجاً
من أي جامعة وهو لا يزال محتفظاً بقليل من الذكاء.
المدرسة والجامعة تنجح دائماً في عملها... نعم ستتخرّج والخِرج مليء بالدرجات
والشهادات لكنك اشتريتها بثمن باهظ: لقد فقدتَ ذكاءك الفطري النافذ، فقدتَ فرحتك
وعفويتك، فقدتَ حياتك....
وماذا تعلمت؟؟؟
معلومات.... فكرك مليء بالذاكرة والأفكار.
تستطيع أن تكرر وتردد... تطبع وتنسخ عنها... هذه هي "الامتحانات" التي تقدمها.
نعتبر الشخص ذكياً جداً إذا استطاع أن يتقيأ كل ما رُمي داخله:
أولاً يجب إجباره على الزلع والبلع والاستمرار به ليل نهار، وبعدها في نهاية العام
تأتي أوراق الامتحان التي عليه أن يتقيأ عليها...
إذا استطعتَ أن تتقيأ جيداً فأنت ذكي وناجح... إذا استطعتَ أن تتقيأ كل ما أعطي لك
كما هو فأنت خارق الذكاء!
يجب فهم هذا الموضوع بدقة:
لا يمكنك تقيؤ الشيء المبلوع كما هو، إلا إذا لم تتمكن من هضمه... تذكر هذا...
إذا هضمتَ طعامك فلن يمكنك تقيؤه كما كان قبل تناوله، بل سيخرج كشيء مختلف... تناول
رغيفاً من الخبز، عند هضمه لن يبقى خبزاً بل سيتحول إلى لحم ودم.
اختفى الخبز وتحول إلى جسد... لذلك قال المسيح خذوا كلوا هذا هو جسدي واشربوا هذا
هو دمي للعهد الجديد والجسد وحبل الوريد...
إذاً، يجب عليك في "الدراسة" أن تحتفظ بالخبز في معدتك دون هضمه، وعندها يعتبرك
الناس ذكياً جداً جداً.... يعتبرون الأغبى هو الأذكى ولهذا وصلنا إلى هذا الحال من
الدمار للبشر والديار...
فعلاً شيء يدعو للأسى.. الذكيّ قد لا يتلاءم مع المجتمع...
هل تعلم أن الرسول والمسيح والخلفاء لم يتخرجون من جامعة السوربون؟
هل تعلم أن ألبرت أينشتاين لم يستطع النجاح في امتحانات القبول في الجامعة؟
ذكاء مبدع مثل هذا، طبعاً سيكون من الصعب عليه أن يتبع السلوك الغبي السائد عند
أكثر الناس، وأكثرنا للحق كارهون....
كل حاملي الألقاب والميداليات الذهبية والشهادات في المدارس والكليات والجامعات،
سوف يختفون ويخيبون مع موتهم... لم يكن لهذه الألقاب أي فائدة...
الدهشة والانجذاب إلى الميدالية الذهبية تنتهي عند وضعها حول العنق، مثل الدهشة
للزواج والزوجة الجميلة وتختفي مع انتهاء شهر العسل، ثم تلصق الشهادات على الحيطان
وتختفي هذه الشخصيات...
الحياة لا تدين بأي شيء لحاملي الألقاب والأوراق... ماذا ولماذا حصل لهم هذا؟
لقد تم تدميرهم...
اشتروا الشهادة وخسروا كل شيء...
ستراهم يحملون الشهادات وحروف الألقاب كالحمير المحملة بالأسفار!
هذا النوع من التعليم يجب تغييره من جذوره... علينا جلب المزيد من السعادة والمرح
إلى المدرسة، والمزيد من التنوّع والإبداع إلى الجامعة... جلب الفرح والرقص والغناء
وروح الشعر والإبداع والذكاء.
علينا رمي هذا الاعتماد الشديد على الذاكرة، ودفع الطلاب ليكونوا أكثر ذكاء.
عندما يجيب ويتجاوب الطالب بطريقة جديدة يجب تقديره، وطبعاً هنا لا يوجد أي "جواب
صحيح".
ولا يوجد أي جواب صحيح في الحياة كلها...
هناك فقط جواب غبي وجواب
ذكي.
تصنيف الجواب إلى صحيح وخاطئ، خاطئ!
لا يوجد صح أو خطأ..... إما أن يكون جواباً غبياً مكرراً، أو أن يكون تجاوباً
مبدعاً ذكياً.
حتى لو بدا الجواب المكرر صحيحاً يجب ألا نقدره كثيراً لأنه مكرر...
وحتى لو كان الجواب الذكي ليس كامل أو صحيح أحياناً، أو لم يتلاءم مع الأفكار
القديمة السائدة، علينا تقديره وتكريمه لأنه جديد... يظهر ذكاءً نافذاً ونوراً
فريد....
ماذا ربحتَ من علمك وثقافتك؟؟
ببساطة، انظر إلى الحياة... هناك كثير من الناس المثقفين وخصوصاً في الغرب.
كل شخص اليوم يحمل شهادة أو لقباً ما...
لقد فقدت الثقافة وعملية التعليم قيمتها اليوم... وفي الواقع، المفكرون العظماء في
الغرب يفكرون بكيفية فك البرمجة ومسح أثر المدرسة من المجتمع.
طرح العالم
Ivan Illnich
برنامجاً كاملاً لكيفية إيقاف وإلغاء تأثير المدارس على
المجتمعات.... كما أن
D.H.Lawrence
كان يقول ويردد دائماً: إذا أردنا إنقاذ
الإنسان، علينا إغلاق جميع الجامعات لمدة مئة سنة!
تنتشر كثير من أفكار الأحلام والأوهام، التي تقول أن البشرية عندما تصبح مثقفة
ومتعلمة وكل إنسان فيها لديه "محصول علمي" ومستوى ثقافي عالي، سنحقق الجنة على
الأرض...
لم تظهر هذه الجنة أبداً....
وفي الحقيقة، اختفت الجنّات كلها بسبب التعليم!
الناس الغير متعلمين أكثر براءة ومحبة، أكثر جمالاً وحكمة من "المتعلمين".
الإنسان عندما يتعلم ويتثقف يصبح أكثر مكراً وشطارة واستغلال.
هذا هو هدف عملية التعليم بكاملها:
كيف تجعلك أكثر كفاءة في استغلال الناس، وكيف تجعلك قادراً على بذل عمل أقل والحصول
على مردود أعلى...
هذه هي كل تقنية التعليم باختصار... ماذا فيها غير هذا؟
ما هي عملية التعليم غير الجلوس دون عمل والحصول على أعلى أجر؟
عندما تحصل على أعلى شهادة ستقوم بأقل كمية من العمل وتحصل على أكثر كمية من
المال....
وصاحب
الشهادة واللقب باع القلبَ باللقب وصار يستغل ويسلب.
لا... عملية التعليم لن تعطي الإنسان أي فهم ولا أي شيء مفيد...
لا تجبر أحداً على أي شيء وخصوصاً أولادك...
ولتكن عملية التعليم هي توعية وحياة واختبار لا نشرة أخبار...
وللإنسان القرار بأن يبقى شحاذاً يعيش ميتاً باستقرار...
أو يعيش الخطورة والمغامرة كإنسان مغوار...
مَن عرف نفسه عرف ربه
في نظرتي إلى الحياة... إذا أردنا مجتمعاً إنسانياً حقيقياً فعلينا عدم فرض أي شيء
على الطفل على الإطلاق.
طبعاً لا أقصد ترك الطفل لوحده كما الحيوانات، بل مطلوب مساعدته دون رفض أو فرض.
مساعدته ليبقى كاملاً، ليبقى موصولاً بالجذور.. بالجوهر الإنساني والعطور...
لن نجبره على تحويل طاقته ووعيه من الجوهر إلى الشخصية الوهمية.
التعليم في المستقبل لن يكون تعليماً وتعليباً لصنع شخصية بمواصفات قياسية مثل
الرجل الآلي، بل سيكون علماً يجمع الأبدان والأديان، ويهتم أكثر بالجوهر والسر
الكامن في اللب يا أولي الألباب.
وهذا هو معنى "التعليم الديني" الحقيقي... دين ودنيا معاً....
لم يظهر أي تعليم ديني أو روحي حتى الآن... وكل ما تسميه تعليم ديني ما هو إلا
تعليب في مئات الأديان وآلاف الطوائف تجعلك هندوسياً مسيحياً مسلماً وغيره، أي مجرد
تعليم وتحفيظ للشرائع دون أي شرح للصدور ولنور الأنبياء والحكماء والأولياء....
التعليم الديني سيساعد الطفل على تذكر البذرة الموجودة فيه... وعدم فقدان هذا النور
الإلهي المقدس مهما كبر بالعمر...
التعليم الحقيقي سيجعل الطفل أكثر تأملاً، بحيث لا يفقد أبداً الاتصال مع كيانه
العميق، مع صلة الأرحام الموصولة بالرحمة الكونية.
هناك إمكانية كبيرة لفقدان الصلاة.. الصلة الحقيقية مع الأصل... لأن الطفل سيحتك
ويتفاعل مع الآخرين: سيبدأ بتقليدهم وعليه أن يتعلم منهم عدة أشياء..
دعه يتعلم، لكن أيضاً اجعله مدركاً بأنه ليس عليه أن ينسخ أو يقلد أحد...
لكن للأسف هذا ما كان ولا يزال يحدث عبر العصور وحتى الآن في كل مكان... نعلّم
أولادنا أن يصبحوا ممثلين ومقلدين للشخصيات العظيمة في فكرنا: كن مثل بودا.. كن مثل
أفلاطون أو سقراط... كن مثل المسيح مثل النبي... حتى السيد المسيح بعظمته قال لنا:
أنا أتيت لتكون أنت مسيحاً آخر، ليس نسخة عني بل مسيح فريد وجديد... وحتى الحبيب
محمد قال لنا: ما أنا إلا رسول ومذكّر وبشر مثلكم وما على الرسول إلا البلاغ....
الطفل لا يستطيع أن يكون إلا حقيقة ذاته
لا نسخة عن أي شخص آخر...
وكل ما يحاول تقليده سيبقى وهماً مزيفاً...
فلنستيقظ من عتمة الجهل إلى نور العقل
ونتعرّف على أنفسنا...
من أنا؟... ولماذا أنا هنا؟
مَن عرفَ نفسه عرفَ ربه
أضيفت في:4-6-2010... الجامعة> منهاج تأسيس الجامعة .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|