موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

طرق تأمل للطفل

يا جبار :

 

جبّار كان شخصاً مميزاً مجنوناً يعيش دائماً في الشوارع، مجنون لأنه لا يتحدث بلغة الناس، لغته ليست لغة العقل بل ثرثرة من القلب، مجرد كلمات متتالية دون معنى...

في إحدى المرات رأى امرأة تمشي، فهجم وأمسك بصدرها فجأة.... اجتمع عليه الناس وأرادوا أن يضربوه ويؤدبوه... لكن المرأة أوقفتهم وقالت: دعوه وسامحوه، أنا امرأة مرضعة ولم يكن في صدري حليب والآن أتى... وقالت امرأة أخرى: لقد وضع يده على أخي المشلول منذ شهور فنهض ومشى.... عندها فقط اكتشف الناس أنه من أصحاب النور والكرامات لا من أصحاب الجنون والعاهات.

 

في طريقة التأمل هذه، أخبر الأطفال أن يغلقوا عيونهم، ثم يبدؤوا بالكلام المشوش، أي نوع من الأصوات دون معنى... وصوت ما سيقود إلى صوت آخر وهكذا، بمجرد البداية دون غاية....

 

وخلال هذه الأصوات يمكنهم ترك جسمهم على راحته، أيديهم تتحرك أو جسمهم يتمايل، يرقص أو يقفز... ويمكنهم إطلاق الأصوات العالية كما يريدون.

 

دعهم يقومون بهذا عشرة دقائق...

وبعدها سيشعرون بصمت وهدوء عميق...

سيغوصون في ذاتهم بسلام دون كلام...

وسعادة لطيفة تفوح كالأنسام....

 

 

 

الطواف :

 

*الأطفال يفرحون بهذا كثيراً لأنه فيه متعة هائلة... والأهل لا يسمحون لأولادهم أبداً أن يدوروا حول أنفسهم.... لكن هذا ليس أمراً جيداً ويجب أن تسمحوا لهم، لا بل شجعوهم عليه!.... وإذا أمكنكم أخبروهم عن الطواف الداخلي أيضاً وهذا باب سهل للتأمل.

 

الأطفال يفرحون به لأنه يعطيهم شعوراً بأنهم بلا جسد...

عندما يدور الطفل حول نفسه، فجأة سيدرك أن جسمه يدور لكنه هو لا يدور...

سيشعر أن هناك مركز هادئ داخله مليء بالنور...

لا يمكننا نحن الشعور به بسهولة...

لأن جسد الطفل وروحه لا يزالان منفصلان قليلاً

وبينهما هناك فجوة صغيرة تسمح بالصحوة

 

 

التأمل بذرة المستقبل:

 

إن الطريقة الوحيدة لجعل الإنسان إنساناً حقيقياً متحضراً، هي تربية الأطفال في جو براءتهم وفطرتهم الأصلية، مساعدة أجسادهم لتكون صحيحة، ومساعدة براءتهم لتتحول إلى تأمل.

 

الطفل يمكنه الوصول إلى مركز ذاته بسهولة فائقة لأنه بلا حواجز، ليس لديه أفكار أو أحكام... ليس كاثوليكياً ولا هندوسياً ولا سنياً أو شيعياً ولا يعرف شيئاً عن كل هذا.

لذلك عندما تقول له: ادخل إلى ذاتك، ببساطة وبراءة سيدخل ويتأمل... والطريق أمامه نظيف: ليس فيه أي كتاب مقدس أو تفسيرات وفلسفات ونظريات تقف مثل سور الصين العظيم تربطه وتمنعه من الدخول... الأطفال يمكنهم تعلم التأمل بسهولة كبيرة.

 

كل طفل يولد كبذرة من البراءة، ليس بربري من العصر الحجري وليس شخص مثقف متحضر ومتدين... إنه فقط بريء... لا يحتاج أبداً لأي معرفة... بل كل ما يحتاجه من الأهل والمجتمع هو تعميق براءته.

 

والتأمل هو الطريقة الوحيدة.... وإذا كبر الطفل وتفتحت زهرة مركز حياته، سنحصل للمرة الأولى على مجتمع فعلاً متحضر وحاضر للنور، مجتمع من الصاحيين الواعيين... أصحاب الصحوة والجلوة والخطوة...

 

لنعلّم الأطفال أن ينظروا إلى الغيوم الطافية في بحر السماء....

إلى الشمس الشارقة... والقمر اللامع في المساء...

لنعلّمهم كيف يُحبّوا... وكيف لا يصنعون حاجزاً ضد الحب والتأمل والصلاة...

لنعلّمهم كيف يفتحون ذواتهم وعقولهم ويستقبلون الحياة....

طبعاً سنعلمهم الكلمات، لكن معها سنعلهم الصمت...

لأنه حالما تنزرع الكلمات وتصير الأساس...

سيصير الصمت صعباً ويضعف الإحساس...

 

يمكننا تغيير المجتمع بكامله إذا بدأ الأطفال الصغار بالتأمل.

الأطفال ليسوا جديين أو رسميين لذلك جاهزين للتأمل...

الأطفال يلعبون بمرح، ويأخذون كل الأمور كتسلية وفرح...

وهذه أفضل بداية للتأمل... والتأمل هو النهاية...

 

كل طفل يجب أن يتعلم التأمل وخطواته، خاصة في سنواته الأولى...

التعليم الخاطئ ضد جسمه وحواسه ورغباته الجسدية والجنسية يجب إيقافه، ووضع التأمل في كل عمل... التأمل باب إيجابي إلى النور أعلى من أي سد...

لا تنكر أو تدين الجنس أبداً، بل علم الطفل أن يتأمل...

 

إن رفض تعليم الطفل شيئاً عن الجنس حسب عمره ووعيه، يؤدي فقط إلى تنبيه الطفل بأن الجنس موجود، ممنوع ومرغوب... وهذا أسلوب خطير جداً، سيؤدي لاحقاً إلى الانحرافات مثل الهوس الجنسي قبل البلوغ والشذوذ بعده....

 

عندما يكون الطفل صغيراً، ولم يفتح أمامه أي باب، وطاقته لا تزال بأمان، هنا يمكن فتح أي باب نختاره، التأمل أو الجنس، لكن هذا التشديد والرفض المتواصل للجنس هو تماماً طرق متواصل على بابه!

 

العلم في الصّغر كالنقش في الحجر... والنبتة الصغيرة لينة ويمكن ثنيها بسهولة لتنمو في أي اتجاه... لكن مع نموّها ستقسو وتتصلب... عندها إذا حاولت ثنيها ستتشوه أو تنكسر، وهذه هي الحالة هنا.

 

من الصعب أن تصل إلى حال التأمل عندما تكبر، والناس الكبار يحاولون التأمل لكن هذا كأنك تنثر البذور بعد انتهاء الموسم...

 

بذرة التأمل يمكن بسهولة أن نزرعها في الأطفال، لكن للأسف، لا يُظهر الإنسان أي اهتمام بالتأمل إلا في آخر حياته... بعد نفاذ طاقته تقريباً يبدأ بالبحث والتأمل بلا أمل...

يريد أن يصلح ويغير نفسه بسرعة لكن بعد فوات الأوان...

إنسان إحدى رجليه في القبر ويسأل كيف يمكنني تحقيق الحرية من خلال التأمل... سؤال غريب ومجنون!

 

لا يمكن لكوكب الأرض أن يرى السلام قبل أن نزرع رحلة التأمل في كل فكر شاب يانع... ولا أمل كبير في الناس الكبار في أواخر أيام حياتهم... ولو حاولنا، سيحتاجون منا جهوداً ضخمة دون فائدة كبيرة...

 

لذلك الخطوة الأولى في تحويل الجنس من دنس إلى طهارة هي بدء التأمل عند الأطفال الصغار... أن نعلمهم الهدوء والدخول إلى أنفسهم، أن يكونوا في صمت ونشرح لهم حالة اللافكر...

 

مع أن الأطفال هم أصلاً هادئين ومسالمين بمقاييس الكبار، لكن إذا وضعناهم في الطريق الصحيح وعلمناهم الهدوء والسكون والصفاء، ولو لفترة قصيرة كل يوم، سيفتح أمامهم باب جديد قبل بلوغهم الرابعة عشرة من العمر... عندها، عندما تظهر أولى بدايات الجنس، عندما تتراكم الطاقة وعلى وشك أن تفور، سوف تتدفق من خلال ذلك الباب الجديد..

 

لقد أدركوا واختبروا من قبل ما هو الهدوء والغبطة والفرح الداخلي، اختبروا اختفاء الزمان والمكان وزوال الأنا في التأمل بفترة طويلة قبل اختبار الجنس... هذا الاختبار المسبق سيمنع تدفق طاقته في قنوات خاطئة وستسير دوماً على صراط مستقيم.

 

لكننا بدل أن نعلم أولادنا التأمل وسكونه، نعلمهم القرف والاشمئزاز من الجنس، ونقول لهم دائماً: الجنس خطيئة... زنى... شيء حيواني قذر...

نخبرهم أنه سيء وبشع، أنه النار وبئس المصير...

لكن تسمية الأشياء بالأسماء والصفات لا تغير شيئاً من الواقع الحقيقي...

بل على العكس، يصبح الأطفال فضوليين جداً، يريدون معرفة المزيد عن هذه النار وعن هذا الإثم العظيم، عن هذا الشيء القذر الذي يخيف أهلهم وأساتذتهم ويصيبهم بصدمة من الرعب!... يبحثون في كل مكان عن الجواب ليفهموا سبب هذا الهيجان في كل إنسان....

 

 

الشيء الأساسي الثاني هو الحب: يجب أن نعلم الأطفال الحب منذ نعومة أظفارهم وليشربوه مع حليب أمهاتهم.... الخوف المنتشر عادة يقول أن تعليم الحب سيقود الإنسان إلى الركض وراء متع ومتاهات الجنس... لكن هذا الخوف ليس له أساس من الصحة:

 

تعليم الجنس جيداً يمكن أن يقود الإنسان إلى الحب، أما تعليم الحب فلن يقود الإنسان أبداً إلى الجنس أو الهوس... الحقيقة عكس الخوف السائد... طاقة الجنس تتحول بسهولة إلى حب.

 

يمكن للإنسان أن ينشر الحب إلى الناس المحيطين به بمقدار الحب الذي ينمو داخله... وأولئك الفارغين من الحب ممتلئين بالجنس، وسيظلون مهووسين جنسياً فكرياً.

 

وكلما نقصت محبة الإنسان ازدادت كراهيته، كلما نقصت المحبة من حياته سيأتي الحقد ليملأها.... كما أن الفارغين من الحب يمتلئون أيضاً بالغيرة إلى نفس الدرجة، وبالصراع والقلق والحزن...

 

وكلما امتلأ الإنسان بالغيرة والغرور والكذب، ستضعف طاقته أكثر، ويصير واهناً وضعيفاً، سيكون متوتراً طوال الوقت.... والمنفذ الوحيد لهذه العواطف السلبية المطبقة المتراكمة هو الجنس.

 

الحب يحوّل الطاقات ويعطي البركات...

 

الحب يجري بسيولة مثل النهر...

 

يروي ويبدع ويشفي ويملأ القلب...

 

وفرحة الحب أعمق وأثمن بكثير من متعة الجنس...

 

الإنسان الذي عرف سعادة الحب تلك لن يبحث أبداً عن أي بديل، لأن لديه الأصيل...

 

مثل الذي حصل على الجوهرة ولن يبحث بعدها عن الحجرة.

أضيفت في:30-12-2010... أطفال وأجيال> كيف نربي أطفالنا؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد