موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الطفل والإبداع

HTML clipboard

في البداية وأهم شيء يجب أن لا يُفرض أي نموذج على الأطفال... بل أن نساعدهم على أن يكونوا أنفسهم... لذلك لا داعي لوجود أخلاق ومُثل عليا عليهم تطبيقها وعلينا فرضها عليهم... يمكننا أن نوّفر الرّعاية من حولهم لمساعدتهم على فعل الأمور التي يحبونها بإتقان وطرق أفضل... وبالطبع يجب أن ننسى لعبة الطموح التي يلعبها المجتمع الآن مع الأطفال...


يجب ألا نحاول أن نخلق داخل أطفالنا بذور الشهرة والقوة والثروة الخارجية وغيرها من الأهداف التي تُشبع رغبات الأهل فقط... أهم الأمور هي أن نجعل الأطفال محبين، يحيون بفرح وحنان، وأن نعيد ثقتهم بالكون والمكوّن... كما يجب ألا نزرع في قلوبهم فكرة الصراع مع الحياة والنضال من أجل العيش بل نريهم كيفية الانصهار مع الحياة دون نزاع أو خلاف...

 

أما بالنسبة للتعليم فيجب أن نساعدهم على أن يكونوا مبدعين في أي عمل يقومون به... هذا هو المعيار والخيَار أمامنا... مثلاً يمكن أن نعلّمهم الرَّسم... يمكنهم تجربته أو تجربة أي عمل أو فن آخر يمكن أن يبدعوا فيه... ولكن علينا أن نتركهم على إمكاناتهم وبالطريقة التي يحبّون العمل بها، تاركين جميع المقاييس ومعايير الحكم عليهم وعلى أعمالهم...

 

كمثال: عندما يرسم الطفل لا داعي لأن نقول له بأن عملك ليس جيّداً إنه بعيد جدّاً عن فن بيكاسو، عليك أن تعمل بجهد أكبر... أو أن نقارن بين لوحته ولوحة طفل آخر... "انظر إلى لوحة صديقك، إنها أفضل بكثير من لوحتك، في المرّة القادمة عليك أن تعمل بجهد أكبر لتكون أنت الأفضل"... بهذه الطريقة نحن ندمّر كِلا الطفلين... الطفل الذي أعجبك عمله، لأنك خلقت داخله فكرة الأنا والاستكبار، والطفل الآخر الذي لمته على عمله لأنه سيبدأ بالحكم على نفسه ويعاني من الصراع الداخلي... وكِلا الأمرين (الأنا والصراع الداخلي) هي أكثر الأمراض التي يعاني منها مجتمعنا الحالي... لذلك فالمقياس الوحيد الذي يمكن أن نأخذ به هو إن كان الطفل قد استمتع وهو يرسم أو لا، هذا هو المقياس الوحيد الذي يجب أخذه في الحسبان... إذا اندمج الطفل مع لوحته فهذا كافٍ... عندها تكون اللوحة رائعة... وليس المقياس هو مجموع الألوان على القماش... لأن الرّسمة قد تكون مجرّد ألوان منشورة على الورق، قد تكون ألوان بدون أي معنى... ولكن يجب أن تكون اللوحة كذلك لأن الطفل هو طفل بالنهاية ولديه رؤية بريئة للأمور تختلف عن رؤيتنا نحن الأهل...

 

راقب عندما يرسم الطفل وجه الإنسان، سيرسم عيون كبيرة جداً وأنف صغير، وفي كثير من الأحيان قد ينسى الأذنين لأنه لم ينظر إليهما من قبل، ولكن العيون مهمة جدّاً لدى الأطفال... وإذا رسم إنساناً كاملاً فقد يرسم الوجه واليدين والرِّجلين فقط... أما الجزع من الجسم فلن يهتم الطفل به أبداً... ولكن تذكر بأنه ينظر إلى الإنسان بهذه الطريقة الطفوليّة: رأس، يدين وقدمين... لذلك يجب أن لا نحكم على اللوحة بأنها جميلة أو قبيحة... لا داعي لجعل الطفل يحس بالفخر أو بالقهر من اللوحة... إذا اندمج الطفل مع رسمته وهو يرسمها فهذا أمر كافٍ... لأنه في هذا الحال يكون في تأمّل عميق مع ألوانه وخياله... وبذلك تكون اللوحة رائعة لأن الرّسام قد ضاع وهو يبدع رسمته... عليك أن تساعد الطفل على هذا الاختبار... وعليك الانتباه إلى أن الطفل عندما يرسم من تلقاء نفسه بدون تدخّل أو إجبار فإنه سيدخل مع لوحته في عالمه الخاص، يضيع فيه مع اللوحة ويذهب عميقاً في ذاته وألوانه... أما عندما نجبره على مسك الألوان عندها سيسكن على كرسيه ويرسم لوحته من يده وليس من كيانه... لذلك فمهما كان الأمر الذي يريد أن يقوم به الطفل، دعه يقم به، بل وساعده على ذلك... يمكنك مساعدة الطفل في كثير من الأمور التقنيّة... مثلاً يمكنك أن تجعل الطفل الذي يريد أن يرسم يرى كيف يمزج الألوان أو كيف يستخدم الفرشاة أو كيف يثبت الخلفية... يمكنك أن تساعده في هذه الأمور التقنيّة... فبدلاً من أن تكون مرشداً له، عليه أن يتقيّد بتعليماتك وخطواتك، ساعده على إنجاز ما يريد أن يقوم به هو...


انظر إلى الفلاح كيف يعتني بأشجاره... هو لا يمكنه أن يخلق الشجرة ويضعها بسرعة في مكانها... وإنما يزرع البذرة، يقوم بريّها، يعطيها ما تحتاجه من عناية وغذاء ثم ينتظر... الشجرة تأتي كنتيجة لما فعل، فالشجرة نمت لوحدها ولم يخلقها الفلاح... عندما تنمو الشجرة يمكنك حمايتها من أذيّة الآخرين... ذلك هو عمل المعلّم... عليه أن يكون بستانيّاً وفلاحاً... لا أن يقوم بخلق الطفل، لأن الطفل يأتي من تلقاء ذاته والله هو الخالق... لذلك ساعد الأطفال على أن يكونوا مبدعين وفرحين في حياتهم وهذا هو الشيء الذي ينقص مدارسنا في هذا الزمان... راقب الأطفال في المدارس كلهم حزينين... والطفل الحزين سيخلق مجتمع حزين لأنه سيرث المجتمع ونحن اللذين ندمّر سعادتهم وبالتالي سيدمرون هذا المجتمع في المستقبل... إن أردت مساعدتهم، ساعد فرحهم واحتفالهم في هذا الكون... لأنه لا شيء أكثر أهمية من البقاء في حال من الفرح والاسترخاء... إن أراد الطفل ألا يتعلّم الرياضيات، فما المشكلة في ذلك... فالرياضيات هي ليست المقياس... المقياس الوحيد هو السعادة...

 

إن أراد ألا يتعلّم اللغة فأيضاً لا داعي لذلك... لأنهم يتعلمون شيئاً أكثر أهمية من اللغة... وفي جو من المتعة والسعادة إن أردت أن تعلّمهم الرياضيات واللغة، يمكنك ذلك... أما التاريخ فهو شيء لا معنى له إطلاقاً ويجب رميه من جميع المدارس والمعاهد... ولكن تذكر إن أردت تعليمهم الرياضيات فقليل من الرياضيّات ستفي بالغرض حتّى يمكنهم إجراء الحسابات البسيطة التي تساعدهم في حياتهم... ولكن لا تجعل من الرياضيات هي الهدف... فنحن لا نريد أن نخلق رياضيين... وكذلك الأمر بالنسبة للغة... قليل من اللغة حتى يمكنهم الاستمتاع بشعر جميل أو كتاب رائع...

 

يجب أن تُلغى كل الامتحانات والدرجات من تسلسل النجاحات... الكل متساوٍ... نحن خلقنا الجو للتعليم وكل منهم تعلّم حسب إمكاناته وطاقاته، فمن نحن حتّى نحكم عليهم بالفشل أو بالنجاح؟؟

 

وعندما ينمو الأطفال أكثر يمكن تعليمهم أشياء عملية في الحياة مثل فن النجارة أو النسج أو الفخار والجميع سيستمتع بهذه الأشياء... وعندما يصبحون أكبر يمكن أن يتعلّموا أكثر عن الكهرباء والسيارات والآليات وغيرها من الأشياء العمليّة في الحياة...

 

يمكن إنقاذ الإنسان عندما يتغير نمط المدارس من المجتمعات أو عن طريق إلغاء المدارس منه كليّاً، عندها فقط سيكون هنالك أمل في إنسان كامل متكامل...

أضيفت في:30-12-2010... أطفال وأجيال> كيف نربي أطفالنا؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد