موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

سنة وشيعة.. اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا

لقد أصبح إنسان اليوم مهووساً بفكرة التقسيم والتخصيص والتعليب... فلم يسلم شيء من هذه الفكرة حتى أصبحت واقعاً نعيشه...

فبعد أن قسم جسده إلى أجزاء منها رفيع المستوى كاليد والرأس... ومنها ما هو في مرتبة دونية كالقدم...

ثم قسم البلدان والشعوب إلى دول ودويلات محدودة...

اتجه أيضاً إلى تقسيم الدين والشريعة إلى مذاهب وفرق وعلب... وربما تجد في العلبة الواحدة علباً أصغر فأصغر...

فأصبح لأتباع الدين الإسلامي العديد من الفرق بأسماء ومناهج وشرائع وأحكام مختلفة عن بعضها البعض...

وأكثر الطوائف شهرة وانتشار هما الطائفتين السنية والشيعية لكبر حجمهما عن باقي الفرق...

لكن النزاع وصل بينهما في السنوات الأخيرة بالتحديد إلى درجة لا تحتمل أبداً بسبب الجهل والتعصب والمصالح هي التي تحكم...

فنجد الكثيرين من أبناء الطائفة السنية ينظرون إلى الطائفة الشيعية على أنها فرقة جديدة مستحدثة هبط أبناؤها في السنوات الأخيرة من كوكب بعيد على سطح كرتنا الأرضية !! 
فكثير منهم لم يسمع عن وجود الشيعة في عالمنا إلاّ منذ الغزو الأمريكي للعراق!!!...
لكن لو عدنا وقرأنا تاريخنا ودققنا فيه..لوجدنا أن الطائفة الشيعية كان لها دور لا يخفى على أحد في بناء حضارة الإسلام في كل جوانبها...ولم يكونوا منعزلين عن العالم...
فنجد أن الدولة الحمدانية التي حكمت الشام...والدولة الفاطمية التي حكمت تونس ومصر والشام وأسست الأزهر الشريف... وبنو الأحمر الذين حكموا الأندلس التي لا يخفى سحرها وجمالها على أصحاب الذوق الرفيع...كل أولئك كانوا من الطائفة الشيعية ..
بالإضافة إلى ابن سينا أول مدون لعلوم الطب البشري...وابن الهيثم مؤسس علم الضوء...وأبو فراس الحمداني وأبو الطيب المتنبي والشريف الرضي وغيرهم....كلهم كانوا من الطائفة الشيعية!!
إذن فالشيعة كان لهم دور مهم في بناء حضارة الإسلام...ونشر العلوم والمعرفة في شتى أنحاء العالم...ولم يكونوا غائبين عن التاريخ الإسلامي...
فلماذا ينظر اليوم بعض أبناء الطائفة السنية إلى الشيعة على أنهم أعداء للدين وللإسلام بل وأخطر على المسلمين من اليهود والصهاينة...ووجهوا كل غضبهم وحقدهم لمواجهة فكر وعقيدة الطائفة الشيعية بشتى الوسائل الممكنة... طبعا وكله تحت شعار حماية الدين والدفاع عن السنة وأصل العقيدة....الخ..
حتى وصل بهم الحال إلى أن قام بعضهم بتكفير الشيعة وأعطى لنفسه الحق بإهدار دمائهم!... ونتيجة لتلك الأفكار قام بعض المتطرفين بالعمليات التفجيرية الانتحارية التي راح ضحيتها الكثير من الشيعة وفي أماكنهم المقدسة...


هذا من الجانب السني... أما عند الجانب الشيعي فنراهم أيضاً لا يختلفون كثيراً عن أهل السنة في التطرف الفكري والتعصب عند بعضهم ضد أبناء الطائفة السنية... فنجدهم جهاراً نهاراً لا يتوانون عن سب ولعن أصحاب رسول الله وبعض زوجاته... في خطبهم ومحاضراتهم وحتى في صلاتهم... حتى صار شغلهم الشاغل مقصوراً فقط في لعن الصحابة ومدح آل البيت رضوان الله عليهم وعليهم السلام...
فلا أدري كيف نتكلم عن الإسلام وسماحته وكل أبنائه تملؤهم شحنات سوداوية من الحقد والغضب على بعضهم البعض...
فأصبحنا لا نسمع عن فضائل آل بيت رسول الله إلا عند الشيعة... كما لا نسمع عن فضائل الصحابة إلا عند أهل السنة فقط...
لدرجة أنك لو ذكرت مثلاً الإمام علي أو الحسين عليه السلام ومدحته أمام جمع من أهل السنة لتبادر إلى ذهنهم فوراً أن يسألوك هل أنت شيعي؟؟!!!!
فأي درجة وضيعة حقيرة التي وصل إليها المسلمون اليوم بين باقي الأمم والشعوب الذين سبقونا مئات السنين في العلم والتقدم والصناعة وحتى في الأخلاق واحترام النظام... حتى سيطروا علينا وعلى عقولنا وأصبحنا مكب لنفايات الشرق والغرب ..ولعبة في أيديهم يحركوننا كيفما شاءوا...ومتى ما شاءوا...

و والله إن الإسلام الحقيقي الأصيل بريء من هذا كله... ولكن لا يوجد مصيب وخاطئ فالكل مسؤول ...
ويجب على كل من ينتسب إلى طائفة أن يحاسب نفسه أولاً قبل غيره ويتحمل المسؤولية ويسأل نفسه :
لماذا أصبحت الفكرة السائدة في عقولنا هي كيف نلغي ونبيد الطرف الآخر... دون أن نفكر في المشاركة والاحتواء بكل حب وسلام..؟؟؟
ألم يقل الله تعالى في القرآن الكريم الذي نقرؤه جميعنا سنة وشيعة :
((يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم))
((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فآلف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً))...
وهذه الآية تتكلم عن الناس جميعاً وليس عن أتباع مذهب معين أو طائفة معينة..

وقال تعالى :
((قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً))
وهنا الآية تشير بوضوح إلى تعايش المسلمين مع غيرهم من أهل الكتاب وإيجاد أرضيات مشتركة يمكنهم التعايش عليها فيما بينهم....

ألا نجد في القرآن الكريم أيضاً قوله تعالى:
((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ))
وهنا تتكلم الآية عن غير المسلمين الذين لم يحاربونا ولم يعتدوا علينا بأن واجبنا اتجاههم البر والقسط والعدل...

فلماذا نتناحر ونتقاتل نحن... مع أن نبينا واحد... وكتابنا واحد... ولغتنا واحدة...وتراثنا واحد...ومع أن الإسلام يدعونا لأن ننفتح ونتعايش مع كل البشر في العالم...!!!

لماذا إذا رأينا ما يسوؤنا من بعض أفراد طائفة معينة... لا نتوانى عن التعميم والسب والتجريح لكل أبناء تلك الطائفة ونضعهم بنفس الزاوية جميعاً ...!!
مع أن الله تعالى لم يجمع... عندما تكلم عن بني إسرائيل الذين اشتهروا بعنادهم وحبهم للدنيا وقتلهم الأنبياء... بل أنصفهم وبيّن أنهم ليسوا سواءاً فقال :
((ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون))
((من قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ))

فلننظر إلى هذه الآيات بعين التأمل والتدبر ونرى كم نحن بعيدين اليوم عن تعاليم الإسلام الذي نتحارب ونتصارع ونتقاتل باسمه ...لقد تمسكنا بالكلمات والقوالب والأواني... وجهلنا الروح والحكمة والمعاني...

لماذا لا نبادر دائماً إلا بالسب واللعن والتكفير والنيل من رموز بعضنا البعض وشخصياتنا الدينية؟؟؟؟ ...
مع أن الله تعالى نهى عن سب المشركين وسب رموزهم التي يقدسونها أيام رسول الله :
((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ))

أوليس المسلم الحق من سلم الناس من لسانه ويده كما قال الحبيب!!
ألم يرفض الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام تسمية الخوارج حينما سأله من حوله عنهم أهم مشركون أم منافقون..؟
فقال: هم من الشرك فروا ...وإن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ...ثم قال هم إخواننا بغوا علينا...
انظروا إلى رحمة هذا الإمام الذي سمى من يقاتلونه بالإخوة!!

ولماذا نغوص يوماً بعد يوم في بحر العصبية المذهبية الطائفية التي هي أقبح وأنتن من العصبية القبلية والعرقية؟؟...التي قال فيها رسول الله: ((دعوها فإنها منتنة ))

في الحقيقة يا إخوتي... إن المسلمين استطاعوا أن يعيشوا فترة طويلة من الزمن فيما بينهم بحب وسلام...
لكن ما يحصل اليوم فهو واضح وضوح الشمس... هناك أيدي خفية تعمل على مبدأ فرق تسد... ولكنني لا ألوم تلك الأيدي الخفية بقدر ما ألوم الضحايا أنفسهم... لأنهم هم من سمحوا لأنفسهم أن يكونوا عبيداً للدنيا وليس أحراراً واعيين... فكانت النتيجة الصراع والتخبط والمشي حسب مخططات الجهات الخارجية بسبب جهلنا وتخلفنا...

فالاختلاف موجود بين الطائفتين منذ أكثر من 1300 سنة... ومن الطبيعي أن يحصل بعض الخلافات الدينية على حسب فهمنا المختلف للنصوص القرآنية والنبوية... فالنص يا إخوتي لا يتغير...
ولكن فهمنا للنصوص هو الذي يتغير على حسب بيئتنا وأفكارنا ومعطيات حياتنا التي نعيشها...
بعد أن كفى الله المؤمنين القتال في غزوة الخندق وعاد المشركين إلى مكة ...جاء وقت القصاص من يهود بنو قريضة الذين كان بينهم وبين رسول الله عهد وميثاق لكنهم خانوا العهد وكاد المشركين أن يدخلوا المدينة من ناحيتهم إلى المسلمين...لكن مخططهم فشل بفضل الله...
فقال رسول الله للمسلمين: (( لا يصليّن أحد فيكم العصر إلاّ في بني قريضة))
فتحرك المسلمون على الفور إلى بني قريضة...لكن وقت أذان المغرب اقترب وخشي بعضهم أن تفوته صلاة العصر في وقتها...فانقسم المسلمون في تلك اللحظة إلى قسمين..
قسم فهم حديث رسول الله على أن المقصد منه الإسراع إلى بني قريضة...فبذلك صلوا العصر في طريقهم قبل دخول وقت أذان المغرب..
وقسم آخر فهم حديث رسول الله بشكله الظاهر الواضح...فقرر أن لا يصلي العصر إلاّ في بني قريضة حتى لو دخل وقت صلاة المغرب وهم في الطريق...
وهنا أحب أن أنبه إلى مدى تفهم وتسامح أصحاب رسول الله لاختيارات بعضهم البعض... فلم يُنكر أحد منهم فعل أخيه الذي اختاره وإن كان يعتقد خلافه في نفسه...
فلما وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم...سألوه في هذه القضية...فكانت المفاجأة حينما قال لهم...كلكم على حق!!!!!


يا إخوتي.. الطريق ليس مهماً بقدر صدق قلب الذي يمشي في هذا الطريق...
فالله تعالى لا ينظر إلى التفاصيل والأشكال.. ولكن لا ينظر إلاّ إلى صدق القلوب وإخلاصها..
((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))
(( إلاّ من أتى الله بقلب سليم ))
فرحمة الله وسعت كل شيء وليست مقتصرة على طائفة دون الأخرى...

وصدق رسول الله حينما قال:
((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها )) فقالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟؟ قال: ((إنكم كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم وليلقين في قلوبكم الوهن)) قالوا :وما الوهن يا رسول الله؟؟؟ قال: ((حب الدنيا وكراهة الموت))

هل علمتم يا إخوتي سبب ما يحصل لنا؟... كله بأيدينا نحن كما يشير حديث رسول الله... فقد تعلقنا بهذه الدنيا وكأننا مخلدين فيها وبنينا فيها كل آمالنا وأحلامنا... ونسينا ساعة اللقاء والموت... مع أنها الحقيقة الوحيدة في عالمنا...


فأصبحنا بذلك عدداً لا عدة ...لا يحسب أحد لنا حساباً!!


يا أمة نسيت كل مجدها ودفنته حياً يستغيث في التــــــــابــــــوت

يا أمة عشقت الذل، ولم تعرف إلا العيش تحت جناح من ظلم أو كان له جبــروت

يا أمة دمرت عراقها, واستباحت فلسطينها, ونار الصراع لم تخمد في بيــروت

ولبست ما نسجته مافيات أمريكا لها, فتقاتل أبناؤها حتى لم يبق للأوان إلا أن يفــوت

وأما علماؤها فشر علماء, لم يعرفوا من نور الله إلا اسمه, منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود

يا أمة الأمّي أفيقي قبل الضياع وقبل الهوان وأدركي الأمل قبل أن يــمــوت

ولا تخشي أسياد ظلم وإن طغوا, وتأملي أين فرعون وهامان أم أين جــالــوت

ولا تخشي غدة خبيثة فيك تفشت, هي في نظر رجال الله أهون من بيت العنكبــوت

وضمي إليك كل أبناءك واحتويهم بطهرهم وسوادهم ولا تقبلي من الغرب الشــروط

عودوا كالأطفال في حبكم ,قالها المسيح إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا لله ملــكوت



شكراً جزيلاً أخي عبد الرحمن.. كلماتك محبة ونور في هذا الزمان..

وكلما كتبت أكثر وسحبت من بئر قلبك فاض أكثر... ببساطة أكثر.. بلطف ورهافة..

نحن بحاجة لأي كلمة توحيد تجمع الناس.. خاصة في زمن الفتن والمصالح التي تحكم..

الجهل لا ينتمي إلى أي طائفة أو دين أو بلد.. حتى أميركا فيها الخير الكثير والشر الكثير معاً.. وكل بلد آخر...

المهم نحن أن نعيش التوحيد.. وهو داخلنا.. كل واحد ضمن فكره..

أن يتأمل ويوحد بين نصفي المخ.. يمين يسار.. لا أحكام ولا جدال..

لا حياة ولا موت.. لا جيد ولا سيء.. لا أنا ولا أنت.. وأن نرى الله في كل شيء....

عندها الإنسان الموحد سينشر الحب والرحمة

بمجرد نظرة أو كلمة أو حتى بمروره بين الناس...

أضيفت في:12-4-2011... كلمة و حكمة> خواطر من عبد الرحمن
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد