موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

التأمل والموسيقى الفوضوية والمجتمع

ما هو الفرق بين الموسيقى الفوضوية المستخدمة في التأمل الديناميكي النشيط، والموسيقى الفوضوية الصاخبة المنتشرة في الشوارع والحفلات وأغاني الروك والجاز؟

...إن فكرك في حالة فوضى مستمرة، ويجب إخراج تلك الفوضى والعمل على تفريغها.. الموسيقى الفوضوية أو الرقص العشوائي أثناء التأمل سيساعد على إخراج الفوضى منك... فيها ستذوب وتتدفق ويزول خوفك من التعبير عما تشعر به.. الموسيقى الفوضوية ستلامس فكرك الفوضوي فتساعده على الخروج.

موسيقى الروك أو الجاز والأغاني العربية الحديثة الصاخبة تساعد أيضاً بطريقة ما على إخراج شيء ما، وذلك الشيء ما هو إلا الهوس الجنسي المكبوت.

لكن هناك عدة أنواع من الكبت ويجب الاهتمام بها جميعاً.. الموسيقى الحديثة مهتمة فقط بالجنس المكبوت لوحده دون بقية المكبوتات..

تلك الموسيقى الصاخبة تنتشر في الغرب كثيراً وفي بلاد العرب حالياً بسبب الكبت الجنسي الناتج عن الجهل باسم الأديان المفروض على كل إنسان... هذا الجهل عبر ألوف السنين قام بكبت الجنس ودفعه للأعماق حتى صار كل إنسان منحرفاً جنسياً في أعماق ذاته.

لذلك، لكي يقوم المجتمع أو الناس بتحرير أنفسهم من الذنب والخطيئة التي فرضتها الأديان، نجدهم يستمعون للموسيقى الصاخبة والرقص والرسم والشعر الفوضوي في كل مكان.

الفكر المنتشر في مجتمعاتنا الجاهلة، لا بد من تحريره بأي طريقة من كل ذلك الكبت التاريخي القديم.. ويحاول الناس تحرير أنفسهم بأي طريقة، لذلك نجد أن أكثر أنواع الموسيقى انتشاراً هي الصاخبة الفوضوية المليئة بالضجيج.

لكن الجنس ليس هو الشيء الوحيد المكبوت المفلوت... هناك عدة أشياء.. رغم أن الجنس أساسي ومهم جداً لكن هناك أشياء أخرى.. مثل غضبك المكبوت... حزنك.. وحتى فرحك... الإنسان العادي كما هو عبارة عن كيان مكبوت.. ولا يُسمح له القيام بأي شيء سوى انتظار التابوت... وما عليه إلا إتباع القواعد والقوانين.. إنه ليس روحاً حرة متحررة بل عبد مكبوت، والمجتمع بكامله ليس إلا سجناً كبيراً.. جدرانه شفافة خفيّة مصنوعة من الزجاج... لا يمكنك رؤيتها لكنها موجودة حولك في كل مكان وزمان... قواعد الأخلاق والحضارة والثقافة والأديان ما هي إلا جدران.. شفافة لن تقدر على رؤيتها، لكنك متى ما أردت عبورها وتجاوزها ستصدمك وتعيدك للخلف.

هذه الحالة الفكرية حالة هستيرية مريضة والمجتمع مريض بأكمله.. لهذا نحن نحتاج كثيراً للتأمل الفوضوي النشيط.

قم بالتأمل وتحرير نفسك بنفسك... أخرج كل ما فرضه المجتمع الجاهل عليك.. وأي حالة اجتماعية أو نفسية مفروضة عليك... أخرجها كلها وخفف عنك حملك الثقيل.. قم بهذا التفريغ والاستفراغ والموسيقى المخصصة ستساعدك.

حالما تقدر على رمي كل ما كان مكبوتاً داخلك، ستعود طبيعياً من جديد.. ستعود طفلاً من جديد.. ومع ذلك الطفل تظهر أمامك عدة إمكانيات.. معك أنت كما أنت الآن كل شيء معلق ومغلق.

عندما تعود طفلاً من جديد، عندها فقط يمكن تحويل طاقاتك الكامنة.. عندها تعود نقياً وبريئاً.. ومع النقاء والبراءة يمكن حدوث التحويل الأصيل.

الطاقات المنحرفة لا يمكن تحويلها أبداً... لا بد من طاقة طبيعية وعفوية.. ولهذا نصرّ على إخراج المكبوتات الاجتماعية وكل رواسب المجتمع.

لقد دخل فيك المجتمع بعمق كبير.. لم يتركك وشأنك في أي مكان.. لقد دخل من كل حدب وصوب وأنت مثل الحصن المنيع كما تعتقد لكنك لست كذلك... المجتمع بما فيه من سياسيين وشرطة ورجال الدين فعلوا الكثير الكثير لكي يبقوك عبداً ذليل....

لستَ إنساناً حراً.. والإنسان يمكنه الوصول للبهجة والنعيم فقط عندما يصبح حراً تماماً...

لكي تصبح أنت حراً تماماً، يجب رمي المجتمع بكامله من داخلك، لكن ذلك لا يعني أنك ستصبح مضاداً للمجتمع أو شخصاً غير اجتماعي.

بمجرد أن ترمي المجتمع خارجك، بمجرد أن تدرك حريتك النقية داخلك، يمكنك عندها العيش في المجتمع... ليس هناك حاجة لتكون ضده أبداً.. لكن عندها لن يقدر المجتمع على الدخول إليك... يمكنك التحرك فيه والتصرف فيه لكن الموضوع بكامله أصبح مجرد مسرحية نفسية هزلية... أنت تمثّل فيها دوراً ما لا أكثر... المجتمع الآن لا يستطيع قتلك، ولا يستطيع تحويلك إلى عبد أو تابع.. فأنت تمثّل فيه بمعرفة وإدراك.

أولئك الذين يصبحون ضد المجتمع، يُظهرون ببساطة أنهم لا يزالوا عالقين بنفس المجتمع... جميع الحركات المضادة للمجتمع في الغرب والشرق ليست إلا ردات فعل وليست ثورات من الوعي والنور... أنت تنفعل ضد المجتمع نفسه فتبقى عالقاً به لكن بصورة معاكسة.. الآن أصبحت فقط تقف على رأسك بدل قدميك ولا تزال الشخص ذاته مع كل مأساته...

كل ما يفرضه عليك المجتمع ويشدد عليه، أنت تقوم بعكسه تماماً.. لكنك لا تزال تتبع المجتمع ولن يفيدك ذلك في شيء.

إذا كنت ضد المجتمع فلن ترتفع وتتجاوزه أبداً وستبقى دوماً جزءاً منه.. إذا مات المجتمع ستموت معه.. انظر لما يُدعى الأنظمة والمؤسسات اليوم، وهي المجتمع المنظم بنظام ما... وانظر إلى المجتمعات البديلة في الغرب مثل الهيبيين أو اليبيين وغيرهم.. إن وجودهم هو جزء أيضاً من النظام.. إذا زال النظام سيختفون معه.. لا يقدرون على الاستمرار لوحدهم لأنهم ردة فعل لا أكثر.

لا يمكنك خلق مجتمع من الهيبيين لوحدهم.. فهم مجتمع بديل فحسب لا يتواجد إلا بوجود نظام محدد كردّة فعل عليه.. مهما اعتقدوا أنهم منفصلون ومستقلون فهم ليسوا كذلك.

النظام هو مصدر وجودهم وحياتهم.. بمجرد زوال النظام لن يعرفوا إلى أين يذهبون وماذا سيفعلون... كل ما يفعله الهيبيون يُمليه عليهم المجتمع ونظامه.. صحيح أنهم يسيرون ضده لكن النظام ذاته هو من يعطي التعليمات!

إذا كان يدعو إلى تقصير الشعر يمكنك إطالة شعرك، لكن إذا لم يكن هناك نظام فماذا ستفعل؟ إذا كان يتحدث عن النظافة الجيدة يمكنك البقاء متسخاً قدر ما تريد، لكن إذا غاب النظام وغاب الاهتمام بموضوع النظافة فماذا ستفعل؟... يمكنك أن تفعل عكس ما هو سائد لكنك بهذا أيضاً تتبع النظام.

لذلك نجد أن الأشخاص المضادين للمجتمع ليسوا متمردين أو ثوار حقيقيين.. إنهم ردات فعل عمياء.. جزء ومنتج من نفس المجتمع.. أولئك الذين ساروا ضده بمرارة وعنف.

المتأمل.. المريد للحق.. ليس ضد المجتمع بل أعلى من المجتمع... ليس ضد النظام وليس معه.. لكنه يأخذه دون أي جديّة... يعرف أنها مجرد مسرحية، فيتحرك ضمنها كممثل لا أكثر...

وإذا قدرتَ على المضيّ في المجتمع كممثل على خشبة المسرح، لن يستطيع المجتمع أن يلمسك أبداً وستبقى أرقى وأعلى منه.. لذلك لا تكن معه ولا تكن ضده.

لكن كيف يمكنك فعل ذلك؟ يمكنك ذلك فقط عندما ترمي المجتمع خارجك.. إذا كان موجوداً داخلك فهناك طريقان أمامك: إما أن تتبعه أو أن تسير ضده.. لكنك في الحالتين تبقى متعلقاً مرتبطاً به.... عليك أولاً تنظيف نفسك من المجتمع وعندها فقط ستصبح فرداً فريداً لأول مرة.

أنت الآن لستَ فرداً.. بل وحدة اجتماعية كمستهلك أو مواطن لا أكثر..

عندما ترمي المجتمع وترمي كل حضوره من داخلك ستعود من جديد إلى طفولتك: لقد عدتَ بريئاً... وهذه البراءة أعمق بكثير من براءة الطفل العادي، لأنك قد عرفت الوادي وعرفت القمة.. الهبوط والنهوض.. إنه موت وولادة وقيامة... لقد اختبرتَ وعرفتَ كل نلك التفاهة بنفسك.. وأنت الآن نقي من جديد... هذا النقاء هو معبد المعبود المقدس الموجود في فناء قلبك.

حالما تقدر على رمي المجتمع خارجك.. دون أي مرارة وردود فعل.. لا ضد ولا مع.. ولا أي انشغال تافه.. إذا رميتَ المجتمع ببساطة، سيقدر الله أو الألوهية على الدخول والتجلي فيك.

بوجود المجتمع ستبقى الألوهية خارجك... وبخروج المجتمع ستأتي الألوهية داخلك... لأن الألوهية والقداسة تعني الحياة والوجود... المجتمع هو ظاهرة بشرية محلية، الوجود أكبر وأعظم وغير محدود... لا يهمه الإنسان وأخلاقه وتقاليده، بل يهمه أعمق جذور الكيان في كل كائن وإنسان.

على المرء أن يتجاوز المجتمع لا أن يصبح ضده... تذكر... وهذه الطريقة الحركية الفوضوية من التأمل تساعد كثيراً... إنها استفراغ وتفريغ لكبت عمره ألوف السنين... وصحوة وعودة إلى عيش اللحظة بيقظة.

 

اقرأ أكثر:

  ...ما أهمية التأملات النشيطة؟
  ...التأمّل الديناميكي

 

أضيفت في:15-11-2013... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد