ما هو أهم عامل أساسي في البحث عن الحق والحقيقة؟
أقول:
الشجاعة... الشجاعة لتعرف الحقيقة الواقعية في نفسك... معرفة المرء لنفسه كما هي،
هي الخطوة الأساسية.
إنها صعبة جداً..
لكن دونها لن يكون هناك أي فهم للحقيقة.. ماذا هناك من كفّارة أعظم من معرفة النفس
عارية دون أي غطاء؟ لكن ذلك هو الثمن الذي على المرء دفعه للوصول إلى الحقيقة...
وهو البداية الوحيدة لظهور رغبة الإنسان تجاه الحقيقة.
الصدق مع النفس
هو تجسيد العطش الشديد للحق..
كيف يستطيع من
يربط نفسه على شاطئ الزيف أن يجذف بقاربه عبر بحر الحقيقة؟
يجب عليه أن
يتخلى أولاً عن شاطئ الكذب... فهو أول عقبة أمام السفر إلى الحقيقة.. نعم، هناك
أمان وضمان على ذلك الشاطئ، والرغبة بالأمان ذاتها هي حصن الكذب الوحيد... في سفرنا
إلى الحقيقة، يجب ألا يكون هناك محبة للأمان.. من ناحية ثانية، يجب التحلّي بشجاعة
لا تُكسر لاكتشاف المجهول.
من لا يمتلك
الجرأة على العيش دون أمان، لن يستطيع اكتشاف المجهول... دون قبول تحدي العيش دون
أمان، لن يقدر أي أحد على رمي الأغطية المصطنعة، ولن يتحرر من تلك القناعات التي
حملها للحماية والسلامة.
ألسنا نمثّل
ونظهر بحالة تختلف عن حالتنا، طلباً للبقاء بأمان؟ أليست كل تلك الخدع هي مجرد خطط
وضعناها للأمان؟ ما هي كل هذه الحضارات والثقافات التي صنعناها؟ المتكبر الفخور
يظهر كالمتواضع المسرور، الطماع يظهر كالزاهد الورع، المستغلّ يتمتع بالهدايا،
القاتل يلبس قناع اللاعنف، والرؤوس مليئة بأحاديث الكراهية بدلاً من لغة الحب...
خداع النفس هذا
سهل جداً.... متى كان التمثيل في المسرحية أمراً صعباً؟
في سوق الحضارة،
الدمى الجميلة تباع دائماً بأرخص الأسعار.. لكن ألن نتذكر بأن الصفقة الرخيصة
ظاهرياً تثبت أنها مكلفة جداً على المدى الطويل؟ لأن من يخفي نفسه بين الألعاب
يبتعد أكثر فأكثر عن الحقيقة.. صار بينه وبين الحقيقة وادي عميق، لأن روحه خائفة
دائماً من فقدانها لغطائها... بعدها يستمر بإخفاء نفسه: أغطية فوق أغطية وأقنعة فوق
أقنعة... الكذب والزيف لا يأتي لوحده، بل مع جيوش جرارة لحمايته... مثل هذه الشبكة
من الزيف والخوف تنتشر بحيث يستحيل أن نرفع عيوننا أعلى منها.. وكيف يستطيع شخص
يعاني من الخوف لفقدان أقنعته المصطنعة، أن يحشد القوة الكافية لفتح إناء الحقيقة؟
لا يمكنه الحصول على تلك القوة إلا بالجرأة على كشف الغطاء عن نفسه.
الفكر الخائف هو
عدو كبير لرؤية الحقيقة.... ومن هو الصديق في ذلك الاتجاه؟ الجرأة هي الصديق
الصدوق، وجرأة الفكر لا يحصل عليها إلا من يقدر على تعرية حقيقة نفسه ويصبح حراً من
الخوف.
الخوف يستمر
بالازدياد بتغطية النفس، والروح تصبح واهية دون طاقة.. لكنك إذا رفعتَ الغطاء
ونظرت، سيتبخر الخوف في ضوء تلك المعرفة وستكتشف مصادر جديدة وعديدة للقوة... هذا
هو ما أدعوه بالشجاعة، القدرة على كشف النفس ومعرفتها هي الشجاعة وأكبر استطاعة...
ولا يمكن تجنب ذلك إذا أردت الوصول للحقيقة.. تلك هي أول خطوة إلى الرحمة
والرحمن... وإليكم قصة ممتعة جداً:
ذهب شاب صغير إلى
كوخ كبير الشيوخ.. يريد أن يعرف الحقيقة ويصل إلى الله.. وعنده رغبة صادقة بمعرفة
الحكمة والرحمة... انحنى للشيخ العارف وقبّل يده، وقال الشاب الذي اسمه عادل: "يا
شيخي الكبير، لقد أتيت بحثاً عن الحقيقة.. فهل تكرّمت عليّ وعلّمتني معرفة الله
الرحمن الرحيم؟ أنا أعمى تماماً وأريد أن أرى النور".
سأله الشيخ: "وما
هو أصلك ونسبك يا ابني؟ من هو والدك؟ ما هو اسمه؟"
لم يكن عند ذلك
الشاب أي معرفة عن والده ولا عن نسبه.. فذهب إلى والدته، سألها ثم عاد.. وقال للشيخ
مثلما قالت له والدته تماماً: "يا الله! أنا لا أعرف ما هو نسبي.. ولا أعرف أيضاً
من هو والدي... والدتي أيضاً لا تعرف من هو.. لقد سألتها فقالت لي أنها في أيام
شبابها كانت تلعب مع كثير من الأشخاص المحترمين واعتادت أن تمتّعهم وتسرّهم.. وهي
لا تعرف من أي شخص قد حملت بي... والدتي كان اسمها سميرة، لذلك اسمي أنا هو عادل
سميرة.. هذا ما طلبت مني أن أقوله لك!"
تأثر الشيخ بهذه
القصة الحقيقية البسيطة... عانق الشاب وقال له: "يا ابني العزيز، أنت لا شك عارف
بالحقيقة والحق... كل هذا الإيمان بالحقيقة هو العارض المميز للعارفين المؤمنين...
ستقدر بالتأكيد على إيجاد الحقيقة، لأن الذي يمتلك الشجاعة للصدق مع نفسه، ستأتي
الحقيقة بذاتها لتبحث عنه وتطرق أبوابه".
أضيفت في:16-4-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|