إشارات وبشارات من الله
حدث
في إحدى الليالي المقمرة والقمر بدر... كنتُ ليلاً في رحلة بقارب في البحيرة منتصف
الليل... الأصدقاء كلهم حولي في القارب... وحول القارب كان هناك صخور متلألئة بضوء
القمر... كل شيء كان جميلاً وساحراً جداً.. وكأنني في مدينة الأحلام... أوقف سائق
القارب التجديف واستقر القارب ساكناً في منتصف البحيرة.
لكن أصدقائي لو يكونوا هناك... صحيح لقد جلبوني معهم، لكني لا أعرف ما إذا كانوا
ظلوا خلف القارب أو سبقوه للأمام... مع أنني كنتُ محاطاً بهم لكنني كنت وحيداً في
البحيرة، لأن كلاً منهم مشغول ضائع بعدة أشياء لا أعرفها.... أحاديثهم كلها تعود
إما للماضي الذي لم يعد موجوداً أو للمستقبل الذي لم يأتي بعد... لكن وعيهم لم يكن
معهم... لم يكونوا حاضرين لهذه البحيرة المدهشة ولتلك الليلة من الأحلام الهائمة،
وكأن الزمن الحاضر غير موجود بالنسبة لهم.
وهنا فجأة سألني أحدهم: "هل الله موجود؟".... آه، أي جواب يمكنني أن أعطيه له؟...
كنت أفكر بذلك، لأنه كيف سيقدر من ليس عنده اتصال باللحظة الحية الحاضرة أن يملك أي
اتصال بالله؟
الحياة ذاتها هي الله... إدراك جوهر الحياة هو إدراك الله...
ومع ذلك قلتُ لهم حينها: "يا أصدقائي، هل هذه بحيرة؟ هل هذا هو القمر؟ هل الوقت هو
الليل؟ وهل نحن جميعاً حاضرون في هذه البحيرة وهذه الليلة الساحرة والقمر البدر؟
طبعاً تفاجأ الجميع وقالوا: "نعم... وهل هناك شك في هذا؟"...
قلت: "لا.. ليس لدي شك فيه... أنا مقتنع تماماً أنكم لستم هنا... رجاء فكروا بهذا
مجدداً؟... الشخص الحاضر فقط جسدياً يستطيع الحصول على فكرة الوجود الجسدي المادي
فقط من الدنيا، لكن من يحضر بكامل وعيه سيقدر على إدراك الله هنا والآن.... الله
موجود، لكن فقط لأولئك اليقظين المنتبهين الحساسين تجاهه.. إنه موجود بالنسبة لهم
فقط".
وهنا تذكرتُ حادثة فرويتها لهم: "اجتمع عدد من الأشخاص أمام باب مكتب البريد... كان
يلزم اختيار واحد منهم ليكون مدير الاتصال اللاسلكي... كان كل المتقدّمين
والمهندسين مشغولين بأحاديث تافهة...
عندها بدأت بالتدريج تصدر أصوات ضعيفة من جهاز استقبال الرسائل، لكنهم كانوا جميعاً
هائجين ومأخوذين بحديثهم، فلم تستطع تلك الإشارات الضعيفة أن تجذب انتباههم...
لكن أحد الشباب الذي كان جالساً لوحده بعيداً عنهم في زاوية ما، نهض فوراً ودخل إلى
المكتب... ولم يشاهده البقية عندما دخل المكتب... لم يشاهدوه إلا عندما خرج من
المكتب والابتسامة تعلو وجهه ويحمل رسالة التوظيف في يده!
طبعاً صمت الجميع من الدهشة والاستغراب... وفي غضب عارم سأله أحد الشباب: "أيها
الأستاذ المحترم، كيف حدث أن دخلتَ إلى المكتب قبل أي شخص آخر؟ نحن جميعاً أتينا
وانتظرنا هنا قبل أن تأتي أنت؟! أنت كنت الأخير في الدور! كيف يمكن اختيارك وتوظيفك
أنت وتجاهلنا جميعاً؟ ما هذا الافتراء وأين العدل في هذا البلد؟!!"
هنا بدأ الشاب يضحك وقال: "يا أصدقائي كيف يمكن أن تلوموني على هذا؟ كان من الممكن
اختيار أي شخص منكم، وربما فعلاً تم اختياري دون تجاهلكم... ألم تسمعوا تلك الرسالة
التي استقبلها الجهاز؟"
قالوا جميعاً بصوت واحد: "أي نوع من الرسائل هذه؟ أي رسالة؟"
قال الشاب: "ألا تفهمون وتدركون ما هي الرسائل اللاسلكية المستقبلة؟ الصوت الذي
أصدره الجهاز ضعيف لكنه قال بوضوح: "أنا أريد شخصاً يقظاً دائماً ومنتبهاً... رسالة
التوظيف تم تجهيزها للشخص الذي سيسمع هذه الرسالة اللاسلكية ويدخل إلى المكتب قبل
أي شخص آخر"".
إن رسائل الله تأتي أيضاً كل يوم وتهطل كل ساعة... والطبيعة هي لغة رسائله
المقدسة...
في صمتٍ وانتباه... الشخص الذي يبقى حياً متيقظاً لهذه الإشارات..
بالتأكيد سيُدعى إلى العالم الداخلي عبر تلك البشارات...
أضيفت في:2-5-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|