موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

هل التأمل ضد السياسة؟

التأمل ضد السياسة بشدةٍ لدرجة أنه لا يتحدث عنها أبداً... إنه ضد السياسة لدرجة أنه حتى لا يمكن أن يكون ضدها!... إذا كنتَ ضدها ستؤثر بك.. وعندها بطريقة ما ستبقى مرتبطاً بها.

 

أن تكون ضد شيء ما، يعني أن ترتبط بذات الشيء... وعندما تكون ضده بشدة كبيرة ستكون مرتبطاً به كثيراً... هذا نوع من العلاقة بينكما، مثلما أنت مرتبط بعدوك وأحياناً ارتباطك به يكون أكبر من ارتباطك بصديقك.

 

التأمل ضد السياسة كثيراً حتى أنه لا يقول أي شيء عنها، لكنه ضدها.. وأي دين، أي دين يستحق أن ندعوه ديناً، لا بد أن يكون ضد السياسة لأن ظاهرة الدين بحد ذاتها شيء غير سياسي.

 

ما هي السياسة؟ ..السياسة هي الطموح، السياسة هي الأنا المستكبرة، السياسة هي القسوة والعنف، السياسة هي فخ من الأنا..

كيف يمكن للشخص المتديّن أن يكون سياسي؟ يمكنه أن يتظاهر بأنه متدين لكنه لا يقدر أن يكون متدين..... وكيف يمكن للشخص السياسي أن يكون متدين؟ يمكنه أن يتظاهر بأنه متدين لكنه أيضاً لا يقدر أن يكون متدين.

هذان الشيئان الكبيران لا يمكن أن يسيران سوية، لأن الشخص إذا أراد الدّين يجب أن يرمي الطموح..... وإذا رميت الطموح ستختفي السياسة..

 

حتى يكون المرء متديناً عليه رمي الأنا، وعندما ترمي الأنا سترمي السياسة أيضاً.

المتدين يجب أن يخلو من الأنا ومن أي نوع منها مهما كان...

الدّين إذاً مضاد للسياسة وبالأحرى هو شيء غير سياسي، لكن الأديان التي تراها حولك في العالم، المسيحية والإسلامية والهندوسية واليهودية والبوذية جميعها سياسية تسوس الناس... لم تعد متدينة أبداً... حالما يصبح أي دين منظماً ومنظمة ومؤسسة ثابتة، حالما يصبح للدين مصالح خاصة في المجتمع وفي بنيته وطابور الحكام فيه، فهو لم يبقى ديناً على الإطلاق، وما هو إلا تجارة ونفاق.

 

المسيح شخص متدين، لكن المسيحية ظاهرة غير متدينة..

النبي شخص متدين، لكن الإسلامية ظاهرة غير متدينة، وهكذا...

ولهذا تحديداً قام السياسيون في كل تاريخ بصلب المسيح ورجم النبي...

النبي متدين، لكن المسلمين سياسيون جداً... المسيح متدين، لكن المسيحيين سياسيون جداً..

 

كان هناك مؤتمر كبير بين السياسيين، وبالصدفة أتى ولد صغير ليبيع أربعة كلاب صغيرة.. بعد عدة محاولات أتى رجل إليه وقال مازحاً: هل هذه كلاب سياسية ذكية يا ابني؟

رد الولد: نعم يا سيدي

قال الرجل: حسناً سأشتري اثنين منها....

بعد أسبوع وفي نفس المكان، كان هناك مؤتمر ديني بين رجال الدين وعلمائه، وأتى نفس الولد ليبيع الكلبين الباقيين.... أتى رجل إليه وسأله: يا صغيري اللطيف، ما هو نوع هذه الكلاب التي تبيعها؟

رد الولد: كلاب متدينة ومهذبة يا سيدي

لكن الرجل السابق الذي اشترى أول كلبين، صادف أن سمع رد الولد فقال: أيها الصغير، ألم تخبرني أن الكلاب التي اشتريتها منك الأسبوع الماضي كانت كلاب سياسية؟

رد الولد: نعم يا سيدي، لكن هذين الكلبين غير سياسيين لأنهما الآن كبرا وتفتحت عيونهما.

 

السياسة عمياء، فخ أعمى من أفخاخ الأنا.. يستمر فيه المرء بالبحث جاهداً عن مصدر للقوة والسلطة بحيث يشعر أنه "أحدٌ ما".... السياسة تأتي أصلاً من عقدة نقص.

عميقاً داخلك تشعر أنك لا أحد، عميقاً تشعر بالخوف من الفراغ والفناء..

لا تقدر أن تقبل به، وعليك أن تنكره... السياسة هي إنكار للفناء الداخلي، والدين هو ابتهاج به.

 

دعني أكرر... السياسة هي محاولة لإنكار الفناء الداخلي... طبعاً، لن تنجح أبداً في هذا لأن ذلك الفناء هو جوهر طبيعتك ووجودك ولا يمكن إنكاره... المشكلة تكمن في تفسيرك له وهنا الخطأ الذي حدث.

ذاك الفناء الداخلي ليس له علاقة بعقدة النقص، بل تفسيرك له هو ما يصنع عقدة النقص.. وانطلاقاً من عقدة النقص ستبدأ تصبح أعلى وأقوى وأفهم وأغنى.. ستصبح رئيساً أو ملكاً أو شيئاً ضخماً ما... هذا الفناء الداخلي يدفعك لمكان ما: قد يكون المال أو يكون السلطة أو الشهرة أو المعرفة وقد يكون حتى الزهد والتقشف، لكن هذا الفناء الداخلي يدفعك لإيجاد طريقة تنسى فيها أنك لاشيء، طريقة تبدأ تشعر فيها أنك شيء... شيء كبير ومهم وعظيم القيمة وأن الدنيا من دونك ستخسر الكثير..

 

هذا الفناء الداخلي هو قوة دافعة للشخص تجاه السياسة، لكن لن يقدر أحد على إنكاره... ربما تقدر على تأجيل مواجهته، لكنه سيعود ويعود مجدداً ليؤكد ذاته، يعود مجدداً ليجلس على عرش ذاتك، وكلما اعتقدتَ أنك وصلت، ستعرف، عميقاً داخلك متى ما نظرت هناك، ستعرف أنك لم تصل أبداً.

الفناء الداخلي لا يمكن أن يلمسه أي شيء تفعله ولا أي شيء تجمعه أو تحققه، سيبقى هناك كما كان وسيكون، فناء دائم أبدي... وهذه هي معاناة الشخص الناجح.

 

لا شي يفشل مثل النجاح.... الفشل ليس فشلاً بمقدار فشل النجاح، لأن الذي فشل لا يزال لديه بعض الأمل... في الفشل سيبقى هناك أمل بأنك ستنجح يوماً ما، لكن في النجاح يختفي كل الأمل.

 

سمعتُ عن الرئيس الأميركي كوليدج وكان من أعظم الرؤساء.. عندما انتهت فترة رئاسته رفض الترشح مرة ثانية للرئاسة رغم الاحتمال الكبير لنجاحه واختياره مرة ثانية.. لقد كان محبوباً جداً وكان رجلاً ودوداً صامتاً..

هكذا بدأ الناس يأتون إليه ويسألونه: لماذا؟ لماذا لا تريد الترشح مرة ثانية للرئاسة؟ بالتأكيد سيتم اختيارك أنت ولا أحد غيرك... لكن كوليدج كان يقول لا.. كان يقولها بعيون عميقة وحزينة... في النهاية أجبره أحد الأشخاص على تفسير رفضه وإصراره فقال: "لأنني قد توصلتُ لمعرفة أن الرئاسة ليس فيها شيء، وتكرارها مرة ثانية سيكون شيئاً غبياً... لقد عرفت أنه لا يمكن ربح شيء بربح مثل هذه الأشياء، فقد بقيتُ أنا الشخص ذاته".

 

طبعاً، كيف يمكن لكرسي أن تغيّرك؟ يمكنك الجلوس على كرسي من الذهب والألماس أو على مقعد خشبي عادي ولن يصنع أي فرق داخلك، ستبقى أنت كما أنت... كيف يمكن لكرسي أن يغيرك؟ كيف يمكن لتغيير الكرسي أن يغيرك؟ لكن هذه هي الطريقة التي يستمر بها السياسي في خداع نفسه.

لا.... الشخص المتدين لا يمكن أن يكون سياسي... المتدين وبسبب تدينه تحديداً ليس له علاقة بالسياسة... إنه ينظر للحياة بطريقة مختلفة تماماً... وما هو الفرق؟

ما هو الفرق الكبير الجوهري؟ الفرق هو أن المتدين لا يفسر فناءه كعقدة نقص... هذه هي الثورة الداخلية... في اليوم الذي لا يبقى فيه الفناء الداخلي يشكل عقدة نقص عندك، عندما يصبح فناؤك هو جوهر كيانك... هذه هي طريقة حضور الله داخلك.. طريقة الله في حضوره هي غيابه.. هو الاسم المائة بعد التسع والتسعين.. هكذا يوجد الله في الدنيا.. إنه لطيف جداً وغير عنيف لدرجة أنه يبقى غائباً.....

 

عميقاً داخل نفسك، تلك الفجوة التي تشعر بها كثقب، كثقب أسود، ليس ثقباً أسود وليس مظلماً... بل هو يبرق بالنور والنجوم..

ادخل فيه وتأمل فيه.... وهو ليس لاشيء... إنه بالذات سر الحياة والوجود بكامله... الفناء هو كل الأشياء... ذلك الفناء هو تماماً طريقة ظهور الله لأولئك الأشخاص الذين لا ينظرون بعمق... وهذا سوء فهم.

 

الإنسان المتدين يقبل ويصادق فناء ذاته... وهذا هو جوهر كل التأمل: أن تصبح صديقاً للفناء داخلك.... المتدين يستمتع بالفناء، يحتفل به ويرقص معه ويغني لأجله.. يعود مراراً وتكراراً إليه... متى ما سنحت له الفرصة، يغلق عينيه، يغوص في فنائه ويختفي هناك..... ذاك هو تحديداً الباب للوصول لله... من هناك تصل نفسك بالقداسة والألوهية الكونية...

حالما تبدأ بالاستمتاع بفنائك، فمن سيهتم بالسياسة؟

 

كان أحد الزعماء العرب يتمشى على شاطئ البحر وقرر السباحة قليلاً... بدأ يسبح لكن الأمواج جرفته فجأة وبدأ يغرق... بالمصادفة كان ثلاث شباب صغار بالقرب منه، سبحوا إليه وأنقذوه.. وبعد أن ارتاح واستردّ أنفاسه شكر الزعيم الشباب وقال لهم: تعبيراً عن شكري لكم سأساعدكم بأي شيء تطلبوه.. هل ترغبون بشيء محدد؟

قال الأول: أريد الذهاب إلى دبي وبرج العرب...

أجاب الزعيم: نعم يمكنني إرسالك إلى هناك

قال الثاني: أريد الذهاب إلى بيروت ثم الإسكندرية وجولة بحرية

أجاب الزعيم: نعم، لك ما طلبت

قال الثالث: أريد أن أُدفن في أفخم وأضخم مقبرة في البلد

أجاب الزعيم: هذا طلب غريب جداً... لماذا تطلب هذا أيها الشاب الصغير؟!

رد الشاب: حسناً، في الحقيقة والدي رجل تقي متدين جداً، وعندما أعود للبيت وأخبره من أنقذت اليوم من الغرق، لا بد أنه سيقتلني!

 

تذكّر، السياسي دائماً موجود هناك... ما لم نرمي الأنا تماماً سيبقى موجوداً.. الأنا هي السياسي داخلنا... إذا كنتَ مستكبراً فأنت سياسي... ربما لا تتقدّم للترشيح والانتخابات وربما لا تركض وراء أي سلطة سياسية، لكن إذا كان عندك الأنا ستبقى سياسياً بطرق خفية... قد تتحكم وتسيطر على زوجتك أو زوجك، قد تسيطر على أولادك، أو على خدمك والموظفين عندك... ستبقى ماكراً، ولن تفوّت أي فرصة للسيطرة.

لذلك عندما أستخدم كلمة "سياسي" فلا أعني بها فقط شؤون الحكم والدولة والمؤسسات، لا، بل أعني كل المجالات التي تدخل فيها رغبة السيطرة.

إذا كنتَ تريد امتلاك المزيد من المال فأنت سياسي، لأن امتلاكك للمزيد يعني أن عليك استغلال الناس.... إذا كنت تريد المزيد من السلطة فعليك أن تقاتل.... إذا أردت المزيد من السمعة والشهرة فعليك أن تنافس الآخرين... وهؤلاء المدعوون رجال الدين ليسوا إلا سياسيين مقنّعين عن العين.. كلهم ممتلئون بالطموح، كل واحد يريد مرتبة ومنصب أعلى ولهذا هو سياسي مثل غيره، عليه أن يقاتل غيره من رجال الدين المتنافسين.

 

الشخص المتدين غير منافس لأي أحد، ولذلك أشدد دوماً وأكرر ولا أضجر أبداً من تكرار أن عليك أن تصبح متأملاً في كل لحظة، لأن التأمل هو المتعة الوحيدة غير التنافسية، هو الفرحة الوحيدة التي يمكنك تحقيقها دون أن يخسر أحد شيئاً لأنك حققتها.. في التأمل لا يوجد أي خاسر.

إذا عندك مال أكثر، سيكون هناك شخص عنده مال أقل..

إذا عندك سلطة أكثر، سيكون هناك شخص عنده سلطة أقل..

إذا نجح أحد المرشحين للانتخابات أو في الحروب والصراعات سيكون على الحاكم السابق أن يخسر لكي تربح أنت... هكذا دوماً ربحُ شخصٍ ما لأي شيء سيكون على حساب خسارة شخص آخر.

لكن الشخص المتدين لن يرغب بفعل أي شيء يسبب خسارة لأي أحد... هذا عنف وقبح وشيء غير إنساني...

 

إذن ماذا بقي للشخص المتدين؟

يمكنه الاحتفال بكيانه ووجوده... يمكنه التأمل.... في التأمل أنت تربح ولا أحد يخسر.

الله فقط هو الشيء الغير محدود، وكل ما عداه فاني ومحدود...

المال محدود، السلطة محدودة.. إذا امتلكته فعلى شخص آخر أن يفقده.

الله فقط غير محدود... يمكنك الحصول على نوره وحضوره بقدر ما تشاء..

يمكنك الحصول عليه كله ورغم ذلك لن يخسر أي أحد...

هذا هو جمال الدّين... إنه متعة غير عنيفة وغير منافسة لأحد...

 

أوقف شحاذ مسكين أحد الوزراء العرب في الطريق وطلب منه درهماً...

قال له الوزير: الدرهم لا يمكن أن يشتري لك شيئاً في هذه الأيام... ألا تريد دولاراً؟

أجاب الشحاذ: لا... بسبب كثرة السياسيين والمخابرات المختبئين حولي، أخاف أن أحمل كل هذا المال كاش!

معه حق... وهذه حادثة أخرى...

في نشرة الأخبار المسائية، قام أحد المذيعين في محطة فضائية عربية هامة جداً بمفاجأة المستمعين عندما أعلن خبراً عاجلاً جداً:

"لدينا اليوم أخبار جيدة وأخبار سيئة لكم أعزائي المشاهدين النصف نائمين...

الأخبار السيئة أولاً: يتم الآن احتلال كوكب الأرض بكائنات غريبة جداً من المريخ.

أما الأخبار الجيدة: هذه الكائنات تلتهم الحكام والسياسيين وتتبول البترول".

 

أضيفت في:23-6-2014... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد