موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

لماذا أشجار الغابة سعيدة؟

كنتُ في الغابة في أحد الأيام... كان الفصل بداية الربيع.. المطر لطيف والأشجار ممتلئة بالسعادة... قلتُ لأصدقائي: هل ترون كم الأشجار سعيدة؟ لماذا؟ لأن كلاً منها أصبح ما هو فعلاً بالحقيقة... لو كانت البذرة شيئاً ما، والشجرة تتمنى أن تصبح شيئاً آخر، لما كان هناك مثل هذه السعادة المنتشية في الغابة... ولأن الأشجار لا تعرف شيئاً عن المُثل والقدوات، فقد أصبحت كما ترغب طبيعتها لها بأن تكون...

 

الجمال يكمُن ويتجلى عندما يكون تطوّر الكائن منسجماً مع بنيته وطبيعته... الإنسان في بؤس لأنه ضد نفسه.. يتقاتل مع جذوره ويصارع باستمرار ليكون مختلفاً عما هو عليه... لهذا يفقد نفسه ويفقد أيضاً الجنة التي هي حقّ لكل إنسان في كل زمان.

 

يا أصدقائي، أليس من الأنسب أن تتمنوا بأن تكونوا ما يمكن لكم أن تكونوا؟

أليس من الأنسب أن تستغنوا عن كل الجهود لتكونوا أي شيء سوى ذاتكم الخاصة بكم؟

 

أليست تلك الرغبة هي المنبع الرئيسي الذي تصدر منه كل أنواع البؤس والمعاناة؟

هل هناك محاولات أكثر استحالة وتفاهة من رغبة أن تكون مختلفاً عن النفس؟

 

كل إنسان يقدر فقط أن يكون كما يقدِر أن يكون، لأن تطوّر الشجرة غير موجود إلا داخل البذرة بالتحديد... الرغبة بأن تكون شيئاً آخر لا يمكن أن تقود إلا للفشل.. الفشل، لأنه كيف يمكن لشيء غير مخفيّ في النفس منذ البداية أن يظهر في النهاية؟

 

الحياة هي تجسيد لما هو منطوي ومختفي منذ لحظة الولادة بالضبط...

التطوّر هو مجرد كشف لما هو مغطّى... وحيثما لا يتجسد المخفيّ ويظهر، يأتي البؤس إلى الكيان... مثلما تجد الأم نفسها في حالة لا تُوصف ولا تُحتمل إذا حملت طفلاً في بطنها طوال حياتها، هكذا يشعر أولئك الأشخاص بالبؤس عندما لا يصبحون ما قُدّر لهم أن يكونوا... لكنني أجد أن كل شخص يركض في نفس السباق.. كلهم يريدون شيئاً ليسوا عليه ولا يمكن أن يكونوا عليه... وما هي النتيجة النهائية؟ النتيجة هي أنهم لن يصبحوا ما كان بإمكانهم أن يكونوا.

دائماً لا يمكن للشخص أن يصبح شيئاً لا يمكنه تحقيقه بالأصل، لكنه سيُحرم مما كان بإمكانه فعلاً تحقيقه.

 

كان هناك إحدى القبائل القديمة المحميّة حفاظاً على تراثها وتقاليدها...

ذهب ملكها إلى مدينة كبيرة لأول مرة.. أراد أن يلتقط صورة لنفسه، فأخذوه إلى محل تصوير..

وقد وضع المصوّر لافتة مميزة على الباب كتب عليها:

http://www.alaalsayid.com/flashs/articles/1411673348as%20u%20like%20photo.jpg

تفاجأ ذلك الملك البسيط كثيراً بهذا، وسأل المصور ما إذا قد أتى أشخاص يريدون نوعاً من الصور مختلفاً عن النوع الأول؟.. فأجابه: لم يأتي أي شخص للمحل حتى الآن يريد النوع الأول من الصورة!

هل لي أن أسألك أي نوع من الصورة أحببتَ أن تحصل عليها من ذلك المصور؟... ماذا يقول فكرك؟ ألم تتملكك رغبة داخلية بآخر نوع من الصور؟.. الأمر سيكون مختلفاً إذا لم تملك ما يكفي من المال للصورة.. قسوة الظروف شيء مختلف، وإلا مَن سيرغب بالحصول على أول نوع من الصور؟

لكن ذلك الملك الأحمق حصل على صورة من أول نوع وقال: "لقد أتيت هنا لأحصل على صورة لنفسي وليس صورة شخص آخر"...

يعني لا أستطيع إلا تذكر حكامنا وملوكنا العرب المحبوبين وظهورهم على الكاميرات والشاشات ليحصلوا على صورة من النوع... الواضح.... على كل حال، هناك لافتة مشابهة كانت ولا تزال معلّقة على باب الحياة... لقد علّقها الله هناك قبل أن يخلق الإنسان بكثير...

 

كل ما هو نفاق في هذا العالم، مولودٌ من الرعبة والرغبة بأن نكون مختلفين عن النفس... عندما يفشل المرء بأن يكون مختلفاً عن نفسه، سيصبح مشغولاً بالتظاهر بأنه مختلف عن نفسه... أليس هذا ما ندعوه النفاق الأبعد عن كل وفاق؟ وإذا فشل حتى في هذه المحاولة سيصبح قلقاً جداً.

عندها سيشعر بحرية أن يتخيّل نفسه كما يريد أن يتخيل...

لكن سواء كان نفاقاً أم جنوناً، فإن أصل أي منهما يكمن في رفض قبول النفس...

 

العارض الأول للصحة عند الشخص هو قبوله للنفس، أي عندما يأتي إلى الحياة ليحصل على صورة لنفسه وليس لشخص آخر...

جميع المحاولات لقولبة ذاتنا في قوالب وإطارات الآخرين هي دلائل على فكر مريض...

كل ما يدعونه "المُثل والقيم والأخلاق" ويعلّمونها للإنسان، وكل ما يعطونه من دوافع ومحفزات لكي يتبع الآخرين، لا تسمح له بقبول نفسه، وعندها ستأخذ رحلته اتجاهاً خاطئاً حتى منذ بدايتها.

 

لقد سيطر مثل هذا النوع من "الحضارة" على الإنسان مثل سيطرة الأمراض المزمنة... وكم أصبح الإنسان مشوهاً وبشعاً بسببها... لم يبقى أي شيء فيه سليماً أو طبيعياً.. لماذا؟ لأنه باسم الحضارة والثقافة والتعليم، كانت طبيعته ولا تزال تُذبح باستمرار.... إذا لم يستيقظ الإنسان وينتبه ويخرج من هذه المؤامرة، فسوف يتدمّر حتى أعماق جذور وجوده... وذلك لن يكون ذبحاً للثقافة، بل سيكون فقط تطوراً لها... الثقافة ليست معادية للطبيعة، بل هي تطوّر ناتج عنها ومعها.

 

لا يمكن تحديد مستقبل الإنسان ببعض المُثل الخارجية، بل حسب طبيعته الداخلية... عندها سيولد انضباط داخلي وطبيعي سيفتح ويكشف الغطاء عن وجه النفس إلى درجة يمكن فيها رؤية الحقيقة.

 

لذلك أقول: اختر نفسك... واقبل نفسك... دوماً وأبداً...

ابحث عن نفسك وطوّرها....

لا يوجد أي مثال أو قدوة سوى النفس لأي شخص ولا يمكن أبداً أن يوجد..

يا صديقي، التقليد لا يفيد بل سيجلب الانتحار...

وتذكر أن الله لا يمكن أبداً إيجاده بالاعتماد على الآخرين..

أضيفت في:25-9-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد