كيف تحوّل العدو إلى صديق؟ منذ لحظة
استيقاظي في الصباح الباكر، وصلني خبر أن أحد الجيران تم قتله...
كان الجميع مشغولين بالحديث عن الجريمة الشنيعة... وهناك شعور في الهواء وفي عيون
الرجال، شعور غريب يكون باهتاً في العادة لكنه كان يبرق
أثناء الحديث.. لم يكن عند أي شخص منهم أي أسى أو تعاطف، بل فقط شعور مريض وكريه.
هل يمكن للموت والجريمة أيضاً أن تعطي المتعة لأحدٍ ما؟؟ هل يمكن للدمار أيضاً أن
يجلب السعادة؟؟ ربما يكون كذلك... وإلا فلن تجد فكر الحشود متحمساً مثاراً كثيراً
في الحروب.
عندما لا يقدر تيار الحياة أن يجري في مجرى الخَلق، فجأة سيتحول وينشغل في مجرى
الدمار، لأن البديل الوحيد لتجسيد هذه الطاقة هو الدمار.
الشخص الذي لا يجعل نفسه مبدعاً كل يوم، سيحوّل اتجاه حياته إلى الدمار رغماً عن
نفسه.
هذه الحقيقة قالها أيضاً ويليام رايخ.. طاقة الحياة الأورغون.. هي ذاتها طاقة
الخَلق والإبداع والحب الفطري والنشوة.. إذا تمّ كبتها ستتحول إلى طاقة دمار للشخص
وللعالم..
في الأفراد، في المجتمعات، وفي الأمم، هناك دوماً قلق يدفع للدمار... الإنسان في
مسيرة تطوره تجاه الدمار يصبح انتحارياً منتحراً... إذا تطوّر عنده طعم الدمار،
سيُدمّر هذا النفسَ بالنهاية.... لا يوجد فرق كبير بين القاتل وقاتل نفسه.. التطرّف
في العنف يتحوّل إلى عنف ضد النفس.
لقد عرفتُ ذلك الشخص الذي قُتل ليلة البارحة، وعرفت أيضاً الشخص الذي قتله... لقد
كانا أعداء قدماء، وطوال سنين يبحثون عن فرصة لقتل بعضهم البعض.
ربما لم يكن عندهما أي طموح في الحياة سوى هذا العمل الكبير... ربما للسبب نفسه قام
القاتل بتسليم نفسه للشرطة بعد الجريمة... ماذا عليه أن يفعل في حياته بعد الآن؟
فالشخص الذي عاش لأجله لم يعد موجوداً!
أليس مفاجئاً أن معظمنا يعيش فقط لأجل أعدائه؟؟ أولئك الذين يعيشون ويموتون لأجل
الأصدقاء نادرون جداً!
لم يعد الحب قاعدة الحياة بل أصبح الكره هو الأساس: عندها من الطبيعي جداً أن يجد
المرء متعةً مخفية في الموت، وأنْ تمتلئ حياتنا بقلق عاجز وانجذاب إلى الدمار....
رايخ دعى هذا بالقلق الهابط أو قلق السقوط.
إن الناس لا ينجذبون إلى العنف دون سبب، وكذلك انجذاب الأمم إلى الحروب ليس دون سبب.
ما هي هذه الكراهية؟؟
أليست انتقاماً من الآخرين لأن المرء عجز عن الوصول بحياته إلى قمم السعادة؟...
بالتأكيد، كل ما نعجز عن تحقيقه نجعل الآخرين مسؤولين عنه، ونجد طريقةً سهلة بسيطة
كمهرب من الندم الذاتي.
ما هي هذه العدائية؟؟
أليست إعلاناً عن فشل الشخص ذاته في أن يكون صديقاً؟
وهل تنتهي العدائية بإنهاء العدو؟
يا صديقي، العدائية هي مَن يعطي الولادة للعدو... لذلك، يمكن تدمير العدو لكن
العدائية ستبقى.
هل يمكن للصداقة أن تُدمّر بموت الصديق؟ ...لا؟ إذاً كيف يمكن للعدائية أن تُدمّر
بإنهاء العدو؟؟
الصديق والعدو... يظهران من الخارج، لكن الأصل موجود في النفس...
تتعدد الأنهار والجداول لكن نبعها واحد داخل الأرض... وأنا كشخصٍ أسمع صدى نفسي في
كل شخص آخر... كيفما أكون ستنعكس صورتي في الآخرين.
تذكرتُ حادثة ما.... كانت ليلة مظلمة تماماً دون قمر... قام شخصٌ بقتل شخص آخر
والدخول إلى منزله.
كان الصمت يسود في كل المكان... لكن داخل السارق كان
هناك كثير من الضجة والتشويش... فتح الباب وهو مليء بالخوف مرتجف اليدين...
والمفاجأة أن الباب لم يكن مقفولاً من الداخل بل فقط مغلق قليلاً.... لكن ما هذا؟؟!
بمجرّد أن فتح الباب رأى رجلاً قوياً ومجرماً وقف في وجهه حاملاً المسدس... ربما
هذا هو حارس المنزل؟
لم يكن أمام اللص أي طريق للهرب.. الموت واقف أمامه وجهاً لوجه... لم يكن هناك وقت
حتى للتفكير.. وكدفاع عن النفس قام بإطلاق رصاصة من النار... في لحظة انتهى كل شيء.
اهتز المنزل بأكمله مع صوت الرصاصة، ومع إطلاقها تحطّم شيء ما وتناثر قطعاً على
الأرض... ماذا كان ذلك؟.. تفاجأ السارق بشدة... لم يكن هناك أي شخص أمامه، هناك فقط
دخان الرصاصة ومرآة كبيرة تحطمت إلى أشلاء.
إننا نشهد ونشاهد الشيء ذاته أيضاً في الحياة... في مخيلتنا وكدفاع عن النفس، نبدأ
بالقتال مع المرايا...
بسبب وجود الخوف في الداخل، يبدأ العدو بالظهور في الخارج...
بسبب وجود الموت في الداخل، يبدأ المجرم بالخوف في الخارج...
لكن هل يمكن إنهاء الأعداء بتكسير المرايا؟؟؟
يمكن تحطيم العدو بالصداقة وليس بموته.... كل شيء آخر سوى الحب هو هزيمة وخسارة
للكل.
العدو يعيش في النفس، في كراهية النفس، في الخوف من النفس، في العدائية والغيرة...
لكنه يبدأ بالظهور في الخارج.
إن الاصفرار موجود في عيون المريض المصاب باليرقان، لكنه يرى اللون الأصفر يغطّي كل
شيء في الدنيا.... ما هو العمل الصحيح لشفاء مثل هذه الأمراض؟ هل من الصحيح مسح
اللون الأصفر من الدنيا، أم علاج عيون المريض؟
إن الدنيا دوماً تكون كما تراها العيون....
في عيون الشخص تختبئ كل ألوان العدو وكل ألوان الصديق...
لا أحد يريد عدواً له، لكننا نستمر بتمجيد العدائية، باسم الدين والوطن والشرف
والأمانة والخيانة ووووو....
حتى من الرغبة بإنهاء العدو، نجد بوضوح أننا لا نريد عدواً بل نريد صديقاً!! لكننا
نغذّي الكراهية في دمائنا... هذه حماقة مطلقة... نريد ولادة صديق وإعطاء الحياة له،
لكننا لا نعطي الحياة للحب أولاً!!
في تلك الحالة، نحن نريد أصدقاء، يولد الأعداء ثم يتمّ قتلهم.. لكن في الواقع،
الأصدقاء فقط هم من يتم قتلهم...
ننثر بذور السموم ونرغب بالأزهار الجميلة والثمار الشهية؟؟!
هذا مستحيل..... هل بقي عندنا بعض العقل؟ بعض الحب؟؟
أضيفت في:29-9-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|