موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

أنـــت المصـــدر

ملف وورد للطباعة

تقول الأسرار:

سوء التصرف منك أنت

والأسى... منك أنت

 

لكن الفضيلة والاستقامة منك أيضاً

وكذلك النقاء...

 

أنت هو المصدر

مصدر كل النقاء ومصدر كل التلوث

 

لا أحد ينقّي أي أحد آخر...

 

لا تتجاهل أبداً عملك أنت،

وتعمل لشخص آخر، مهما كانت حاجته عظيمة

 

إن عملك هو اكتشاف ما هو عملك

وبعدها أن تقدّم نفسك له بكامل قلبك

 

...يمكن للإنسان أن يكون في النار أو في الجنة، وهذا هو خياره واختياره.. الجنة والنار ليست أماكن جغرافية على الخريطة، ليست أماكن خارج ذاتك لكنها فضاءات داخلك تحديداً.. وكلا الخيارين موجودان في كل إنسان.

الإنسان مثل السلّم: يمكنك الصعود للأعلى أو الهبوط للأسفل.. على نفس السلم... فقط غيّر الاتجاه وستبدأ بالصعود.. إنها نفس الطاقة إما أن تصبح ناراً أو تصبح جنة واستقراراً.. تحتاج فقط لفهم عميق لطاقاتك وإمكانياتك وطاقاتك الكامنة.

الجنة والنار لا تحدث أو تظهر وقت وفاتك، بل هي إمكانات موجودة هنا والآن.. في هذه اللحظة بالذات يمكن للمرء أن يكون في الجنة أو يكون في النار... ويمكن أن تكون أنت في نار ويكون جارك في الجنة... ويمكن في لحظة ما أن تكون في النار، وفي لحظة أخرى أن تكون في الجنة... فقط راقب عن قرب: يتغيّر الجوّ باستمرار من حولك.. أحياناً يصير غائماً بكثافة ويبدو كل شيء مظلماً وكئيباً، وأحياناً أخرى تشرق الشمس ويظهر الجمال والفرح والاحتفال.

لكن الخطأ، وهو أعظم خطأ يمكن أن يرتكبه إنسان، أن يعتقد بأن الجوّ مصنوع من قوى وعوامل خارجية.... لا يوجد شيء خارجي يصنعه، بل هو قرارك أنت داخلك، إرادتك الداخلية.. خيارك.. صحيح أنه يحدث في الخارج، لكنه ينشأ أولاً من أعمق نقطة في كيانك ووعيك.... نحتاج لمراقبة ويقظة بالغة حتى نرى هذه النقطة... حالما تراها لن تحتاج لأن تعيش في النار مطلقاً... لماذا ستختار النار إذا فهمت المقصود بأن هذا مجرد خيار تختاره أنت؟

 

لكن وطوال قرون كان الإنسان ولا يزال يحاول إيجاد الأعذار والتبريرات والأسباب الواهية خارج نفسه، لسبب محدد: إذا كنتَ أنت مَن يصنع كل معاناتك وشقائك فهذا يعطي شعوراً مزعجاً جداً.

أولاً هناك المآسي والمعاناة، وثانياً مجرد فكرة أنه "أنا من يصنع كل هذه المآسي" تجرح حتى أكثر من المآسي ذاتها!

لتجنّب هذا الألم وهذا الجرح، لتجنب هذه المسؤولية العظيمة، كان الإنسان دائماً يوجد آلاف الطرق والأفكار.

 

في الماضي القديم، صنعنا فكرة الإله: بأن الله هو الذي يخلق ويقرر كل شيء، وكل شيء هو قدر محتوم ومكتوب سلفاً، وأن الطفل يولد مع قدر محدد تماماً... الله يقرر له ماذا سيكون، وهو ليس حراً ولا يملك أي ذرة حرية.

إذا لم يكن هناك حرية، فلا يمكن وجود مسؤولية... وإذا كان هناك حرية، فهناك مسؤولية.. إنهما يأتيان معاً أو يذهبان معاً ولا يمكن الفصل بينهما... وكان الإنسان مستعداً لنيل حريته، لكنه خائف جداً من قبول المسؤولية.

بالرغم من تكلفة خسارة الحرية، أراد الإنسان أن يكون بلا أي مسؤولية... على الأقل يمكنه قول: "إن معاناتي ليست من صنع يدي... فماذا يمكنني أن أفعل؟ أنا بلا حول ولا قوة.. الله قد كتب هذا أو القدر أو القسمة والنصيب"..

 

وفي الأديان التي لا تؤمن بالله ولا تؤمن أيضاً بالقدر، كان عليهم إيجاد بعض الشروحات الأخرى، لكنه نفس الشيء لم يتغير... قاموا بإيجاد نظرية التقمص، ونظرية الكارما: حياتك أو حيواتك الماضية هي التي تقرر حياتك الحالية... مجدداً أنت بلا حول ولا قوة! ..الآن لا يمكن فعل أي شيء لحيواتك الماضية ولا يمكن تغييرها مطلقاً، ولا يمكنك التراجع عنها، لذلك على المرء ببساطة أن يقبل الحالة مهما كانت... إذا كنت بائساً فأنت بائس.. اقبل بذلك.

بسبب هذا القبول تحديداً، بقي الشرق فقيراً وجائعاً ومحروماً ومريضاً... إذا قبلتَ بأن أي شيء يحدث معك يحدث بسبب كارما ماضية، إذن لا بد أن يحدث ولا يوجد أي طريقة لتغييره... ومن هذا القبول ظهرت أفكار سخيفة جداً قد توجد عندنا جميعاً وقد تبدو منطقية جداً إذا قبلتَ الافتراض الأساسي للفكرة.

في الهند هناك طائفة من اليانية، تقول أنه إذا وقع شخص ما في بئر فلا تساعده للخروج.. ستفاجأ كيف يمكنهم قول هذا؟ أنت تقف قرب البئر والشخص أسفل البئر يصرخ ويستغيث النجدة، لكن هذه الطائفة تقول: "لا تساعده.. لأنه الآن يعاني من كارما حيواته السابقة.. فلا تتدخل.. إذا تدخلتَ وأخرجته لا بد أنه سيقع مجدداً، لذلك أنت لم تقم فعلاً بمساعدة حقيقية.. بالعكس، لقد قمتَ بتأخير العملية التي كان ممكن أن تكتمل الآن وتصفى الكارما والطاقة السلبية منه... وبتدخلك أنت في حياته وفي الكارما عنده، أنت تصنع كارما محددة عندك أنت، لأن التدخل في حياة الآخرين وتشويش عمليات تطهريهم ونموّهم هو خطيئة ولها ثمن".

هكذا لا يقوم أتباع تلك الطائفة بمساعدة أي أحد في أي ظرف... المساعدة خطيئة ومعصية.. يبدو لنا هذا شيئاً تافهاً وأحمقاً لكنك إذا قبلتَ الافتراض الأساسي عندهم فلن يكون شيئاً تافهاً بل استنتاجاً منطقياً.

 

ربما يوجد عندنا نفس الفكرة بلغة وكلمات أخرى... قد نقول: لماذا نساعد فلان الواقع في مشكلة أو مرض؟ إذا كان الله هو من كتب عليه هذا المرض وهو الذي أوقعه في المشكلة، فمن أنا حتى أتدخل وأغيّر في حياته؟ دع الله القادر على كل شيء هو يهديه وينقذه... أو دع هذا الشخص يدفع ثمن أعماله السيئة وذنوبه وخطاياه، أو نقول ألف كلمة وعذر وتبرير لكي لا نتدخل ونغير المصير!

 

لقد نشأت فلسفات غبية جداً انطلاقاً من سبب واحد وحيد: كيف نتجنب المسؤولية؟ قم برميها على أكتاف شخص آخر!! قد يكون الله، القدر، نظرية الكارما والحياة الماضية.. أو إذا لم تكن متديناً، وإذا كنتَ شخصاً وجودي أو مادي، عندها يمكنك رميها على التاريخ مثلما فعل هيغل، الذي قال أن التاريخ هو المسؤول.

هذه هي نفس اللعبة مجدداً... الأسماء فقط تغيّرت والعناوين... لم يعد الماضي، بل صار اسمه الآن التاريخ... لم تعد كارما الأفراد، بل كارما المجتمع هي التي تحدد والأفراد لا حول لهم ولا قوة!.. في الواقع حسب هيغل، الفرد هو وهم، المجتمع هو فقط الموجود والتاريخ هو العامل المحدد المسؤول عن كل شيء.

ملايين وملايين السنين قد مضت! كيف يمكنك مصارعتها؟ ماذا يمكنك فعله تجاهها؟ لا يوجد لديك أي قدرة أو قوة على أي شيء! كل ما يمكن فعله هو: القبول.. أو يقولون الرضى والتسليم.. اقبل بالحالة وكن جزءاً منها... مهما كانت الحالة سعادة أم معاناة أنت غير مسؤول عنها.. كيف يمكن أن تكون مسؤولاً عن التاريخ بكامله، ومنذ بدايته إذا كان هناك بداية؟؟

 

كارل ماركس يقول أن المسؤول ليس التاريخ، بل البنية الاقتصادية للمجتمع...

سيغموند فرويد يقول أن المسؤول ليس البنية الاقتصادية للمجتمع، بل البنية اللاواعية للنفس عندك.. لاواعية! لا يمكنك فعل أي شيء تجاهها لأنها أبعد من حدود وعيك... أنت واعي وهي لاواعية، لا يوجد جسر واصل بينكما.. وأنت غير مدرك أبداً لوجود اللاوعي عندك... هكذا يستمر العدو بالعمل من زاوية مظلمة بعيدة داخلك ولا يوجد أي إمكانية لجلب أي نور إليها.... أقصى ما يمكننا فعله هو التحليل النفسي، وأن نفهم الحالة، ثم علينا أن نتكيف معها.

 

كل هذه الفلسفات وعلوم التحليل النفسي وعلوم الاجتماع هي اختراعات الإنسان لتجنب ظاهرة واحدة: ظاهرة المسؤولية.

 

إنسان الحق، أو الإنسان المتدين فعلاً، يولد فيك حالما تقبل مسؤوليتك عن نفسك، حالما تقول: "مهما كنت وكانت حالتي فهذا خياري أنا، ليس في الماضي بل الآن.. هذا خياري في هذه اللحظة، وإذا أردتُ تغييره فأنا حر تماماً لتغييره.. لا يمكن لأحد أن يمنعني عن ذلك، لا قوى اجتماعية خارجية ولا حكومة ولا تاريخ ولا أزمة وحالة اقتصادية ولا لاوعي يمكن أن يمنعني.... إذا كنتُ عازماً على تغييره سأقدر على تغييره".

نعم، في البداية ستبدو المسؤولية حملاً ثقيلاً، ومن المريح رمي المسؤولية على شخص آخر... على الأقل يمكنك الاستمتاع بأنه: "أنا غير مسؤول ولا علاقة لي".. ويمكنك الاستمتاع بأنك مجرد ضحية بلا أي إرادة أو قدرة... في البداية، قبول مسؤوليتك عن نفسك بشكل كامل دون شرط أو أعذار هو شيء ثقيل.. يصنع اليأس والكرب والقلق، لكن فقط في البداية... حالما تقبل المسؤولية، تدريجياً ستدرك الطاقات الكامنة والحرية العظيمة التي تجلبها لك.

إذا كنتُ أنا المسؤول عن أي مأساة أو معاناة، فهذا تلقائياً يعني أيضاً أنني أنا المسؤول عن سعادتي.

إذا كنتُ أنا المسؤول عن تعاستي، سأقدر على إيقافها فوراً... لنركّز على كلمة فووووراً.. ليس عليك الانتظار حتى للحظة واحدة... فالموضوع ليس تغيير للمجتمع بكامله ولا تغيير لحيواتك الماضية، وليس إزالة الدكتاتورية وإعطاء الحق للعمال، ولا الخوض في سنوات طويلة من التحليل النفسي... بل هو موضوع بسيط مجرد قبول المسؤولية: أنه مهما كنتُ وأينما كنت، فأنا الذي صنعتُ جوّي وكياني.

 

يولد الإنسان كإمكانية أو قدرة كامنة فحسب... يمكنه أن يصبح شوكة لنفسه وللآخرين، ويمكنه أن يصبح وردة لنفسه وللآخرين...

وتذكر، كيفما تكون مع الآخرين تكون مع نفسك، والعكس صحيح.. إذا كنت وردة مع نفسك، لا بد أن ينتشر عطرك ويصل للآخرين... وإذا كنت شوكة مع نفسك فكيف يمكن أن تكون وردة مع الآخرين؟

 

هذا أعظم شيء يمكن أن تتعلمه وتعلمه لأهلك وأصدقائك.. أن الفرد هو المسؤول بشكل مطلق وقاطع ودون مساومة!

طبعاً، فقط الشجعان سيقبلون بهذا وهم قلائل.. أكثر الناس للحق كارهون لأنهم جبناء ومن المسؤولية هاربون..

فقط الشجعان سيقبلون، الأفراد الذين يمتلكون الجرأة للمخاطرة بكل شيء وقبول آلام الولادة من جديد... حقاً، إن رمي كل هذه الفلسفات التي تجعل شخصاً آخر مسؤولاً عنك وعن حالتك، هو ولادة ثانية حقيقية... قبول المسؤولية الكاملة عن كيانك مهما كنت سيء أم جيد عاهر أم طاهر، يعني أنك قفزت من جبل لجبل ووصلت برحلة الحج إلى معبدك الداخلي... لكن قريباً تتحول المسؤولية إلى حرية، وأقصى درجة تحرر وانعتاق من كل القيود... وإذا صدق السائل هلك المسؤول.

 

الجبناء لن يفهموا هذا الكلام أبداً.. وهذا الكلام أصلاً ليس موجهاً لهم.. يمكنهم إيجاد مكان آخر فيه كثير من الناس لمساعدتهم، لمساعدتهم على البقاء جبناء للأبد.

 

أسرار اليوم مخصصة فقط للشجعان والمغامرين، المستعدين للمجازفة بكل شيء ومستعدين للسير بكل قلبهم على طريق الحق وتقديم كل شيء لأجل التحرر والتحويل والحقيقة الأسمى.

الأسرار دوماً تكون عبارات قصيرة مختصرة لكنها تحمل الكثير... وهي من السهل الممتنع.. ملخص دون شروحات أو تفاسير.. تحوي فقط لب الحقيقة العارية... وكانت هذه الأسرار القصيرة منذ 2500 سنة مطلوبة لأنه كان على الناس تذكر الآيات في الصدور وليس طباعتها على السطور.. لم يكن هناك كتب أو طباعة، وعلى الناس تذكر هذه الحقائق الثمينة جيلاً بعد جيل، لذلك كانت دوماً مكثفة جداً ورمزية.. لهذا نجد الأسرار كالمفاتيح الصغيرة، لكنك إذا تذكرتها يمكنك دوماً فك ترميزها وفتح أبواب ضخمة، وهذا ما سيكتبه الكون هنا.

 

كان عند رجل ثلاث بنات... في أحد الأيام أتى صديق قديم لزيارته.. وأثناء الحديث سأله عن أسماء بناته.

أجاب الأب بأن البنت الكبرى اسمها ميم فاء.. والوسطى ميم ميم... والصغرى ألف غين.

سأله الصديق: وما معنى كل هذه الرموز!؟؟

أجاب الأب: الكبرى ميم فاء ولدت نتيجة عن (مجرد فضول).. الوسطى ميم ميم ولدت نتيجة عن (موافقة مشتركة).. والصغرى ألف غين ولدت نتيجة عن (إهمال غبي).

فقط راقب حياتك، ليست أقل أو أكثر من ألف غين! كائناً من كنت، تعيش عرضياً بالصدفة مثل خشبة طافية... لم تقم باختيار من تكون، لم تأخذ قراراً واعياً في ذلك، وتعيش بلا إرادة... تعيش على رحمة الرياح الهوجاء.. فقط راقب حياتك جيداً وكيف كانت تحدث الأحداث فيها.. كلها حوادث.

تقابل امرأة ما وتقع في حبها، لأن لديها أنفاً جميلاً.. والآن هذا الأنف يقرر حياتك!

أو عندها شعر أشقر أو جسم جذاب وأجزاء بارزة.. فقط راقب ما الذي يحدد سلوكك ومستقبلك؟ لون شعر المرأة أو طريقة مشيها أو صوت غنائها أو لون عيونها، أو قصّة شعر الرجل وشخصيته المندفعة أو عضلاته وسياراته وعماراته؟؟ هل هذه أشياء يمكن أن تقرر حبك؟ لأن حبك سوف يغير حياتك! لكن هكذا دائماً تجري الأمور.

منذ اختراع السيارة، تغيرت الأشياء كثيراً لأن مساحة الأحداث أصبحت كبيرة جداً.. وإلا الناس عادة ما يقعون في حب جيرانهم وجاراتهم.. الآن المجال أكبر، وحتى الشبان والشابات الصغار عندهم سيارات خاصة وخلال ساعات يقطعون مئات الكيلومترات.... في الماضي، اعتاد الناس على حب شخص من الجيران أو من سكان نفس البيت، لكن السيارة غيّرت كامل نمط حياة الناس وقصص الحب عندهم.

والآن، أي نوع من البشرية ذلك الذي تحدده أشياء ظاهرية مثل هذه؟ لكن هكذا هي الحياة ومن الأفضل رؤيتها مثلما هي.

 

لقد أصبح الناس أذكياء، أو ليس أذكياء بالأحرى بل مفكرين أكثر فكراً وثقافة وتحضراً وتعقيداً.. لكن نمط الحياة الأساسي عندهم لا يزال كما هو: غير واعي، عرضيّ، وحادثيّ... لا يعيش الناس انطلاقاً من جوهرهم ومعدنهم، بل يعتمدون ببساطة على الظروف والمصادفات... وليس فقط الناس العاديون، بل حتى الذين تعتقد أنهم عباقرة يتصرفون بطرق غبية جداً.

هناك عالم فيزياء شهير في القرن العشرين، نيلز بوهر، قدم مساهمات عظيمة للعالم عندما شرح البنية التفصيلية للذرة ووظائفها، وصنع قاعدة بناء نظرية الميكانيك الكوانتي، وكان فعلاً عالم العلماء...

في أحد الأيام، جاء صديق من أميركا لزيارة نيلز في بلده الدانمارك.. ووجد الأميركي تعويذة لجلب الحظ الجيد معلقة فوق مكتبه، وهي حدوة حصان نهاياتها للأعلى ومعلقة على الحائط.

قال الصديق متفاجئاً: "أنت بالتأكيد لا تؤمن بأن حدوة الحصان ستجلب لك الحظ الجيد.. أليس كذلك بروفيسور نيلز؟ نحن بالتأكيد علماء من مستوى أعلى بكثير من بقية العلماء"

أجاب البروفيسور: "بالتأكيد أنا لا أؤمن بشيء مثل هذا يا صديقي العزيز... أنا لا أصدق أبداً أشياءً تافهة عديمة المعنى مثل هذه الحدوة... ولكن قالوا لي أن حدوة الحصان تجلب الحظ الجيد سواء آمنت بها أم لا".

 

رجلٌ مثل نيلز هذا، وهو أحد عباقرة القرن، لا يزال يتصرف بنفس الطريقة الغير واعية مثلما يتصرف الناس العاديون! يبدو أن الدراسة والثقافة والعلم والحضارة لا تصنع أي فرق... يستمر الإنسان بالحياة وتكرار نفس الأنماط القديمة.

وأعظم وأقدم نمط سائد هو: عدم قبول المسؤولية عن نفسك....

تجنبك للمسؤولية هو تجنب لولادة روحك.. ويمكنك دوماً إيجاد الأعذار لتجنب تلك الولادة.. لأن كل ولادة حتماً مؤلمة، وكلما كانت الولادة أعظم كان الألم أكبر.

الناس يهربون وينكمشون من مسؤوليتهم.. ينكمشون لأنهم يهربون منها... عندما تأتي لحظة تستدعي التجاوب العفوي، أو حس البديهة، تجدهم ضائعين محتارين... يبحثون في ملفات ذاكرتهم، يبحثون في ماضيهم عن كيفية التفاعل ورد الفعل.

تذكر، رد الفعل ليس تجاوب.. رد الفعل يعني أنك تكرر نمطاً قديماً... أنت غير واعي للحالة الراهنة ولا تتجاوب معها... بل تتجاوب مع حالة أخرى ماضية لم تعد موجودة.

الحياة تستمر بالتغيّر وأنماط تجاوبك تصبح جامدة وثابتة، لأن الفكر هو آلة... الفكر لا يستطيع تغيير نفسه بنفسه.. ما لم تصبح أنت واعياً جداً وتبدأ باستخدام فكرك بوعي، سيستمر الفكر بإعطائك وصفات وقوالب جاهزة.. ربما كانت وصفات فعالة في مواقف سابقة، لكنها ليست صالحة للأبد، لأن الحياة لا تبقى كما هي حتى للحظتين متتاليتين.

 

الشخص المسؤول، هو الشخص اليقظ، المراقب، لا يتصرف أبداً من ماضيه بل من وعيه الحاضر...

إذا لم تكن حاضر في الحاضر، ستكون علبة مخلل فاقدة لمدة الصلاحية! هذا حال معظم الناس دائماً... يستمرون بإعطاء أجوبة لأسئلة لم يتم طرحها أصلاً.. يستمرون بفعل أشياء هي مجرد هدر للوقت والطاقة لأن الحالة لا تتطلب هذه الأشياء.

لقد أصبح الإنسان متقدماً علمياً الآن وقادراً على كل شيء، لكن نفسياً لم يصبح ناضجاً كفاية... والتقنيات بكل ما لها من قوة، عندما تتواجد في أيدي أشخاص غير ناضجين تكون خطرة جداً... هيروشيما وناكازاكي ستتكرر من جديد... الأمر يشبه إعطاء سيف عاري إلى طفل صغير لكي يلعب به: إما أن يجرح نفسه أو يجرح الآخرين.. الأذى حتماً سيحدث.

وهذا ما حدث للعالم الحديث... علمياً صار عندنا تقنيات هائلة يمكنها تغيير وجه الأرض بكاملها وتغيير الكون، لكن نفسياً نحن غير ناضجون، نفسياً نعيش في قرون عديدة للخلف.. هناك فجوة من ألوف السنين بين علمنا وعقولنا.

 

تذكر وتأمل بحادثة البروفيسور نيلز من جديد... يقول: "لكن قالوا لي أن حدوة الحصان تجلب الحظ الجيد سواء آمنت بها أم لا".... إنه يعيش حياة مليئة بالخرافات! نعم، لا بأس بالنسبة لشخص عادي أو بدائي بسيط، لكن نيلز بوهر الذي هو واحد من أهم وأعقد العقول العلمية، وقد ساهم كثيراً في بناء المعرفة الحديثة وينتمي إلى صف العلماء الكبار مثل أينشتاين وإيديسون ونيوتن... إنسان عنده فكر عظيم ويتصرف مثل رجل بدائي أبله أو مثل طفل صغير ساذج.

 

تذكر مجدداً، مثلما هناك فرق كبير بين التجاوب ورد الفعل، هناك أيضاً فرق عظيم بين التشبّه بالطفل والطفولية... لا تكن طفولياً.... نعم، براءة الطفل جميلة، لكن تصديق الخرافات الطفولية شيء بشع.

وتذكر، ما هو نوع الأعذار التي تستمر بإيجادها في حياتك؟ لأنه إذا بقيت تجد الأعذار لطريقة حياتك الراهنة، ستبقى كما هي تماماً... لن تتغير لأنه لا يوجد أي أحد سواك يمكن أن يغيرها.

 

حاولت إحدى نساء الليل أن ترمي شبكتها على رجل يسير في الحديقة...

أجابها: "لا أستطيع الذهاب معك لثلاثة أسباب... لقد وعدتُ زوجتي، ووعدت أيضاً والدتي، بأنني لن ألهو مع أي امرأة غريبة"

سألته: "وما هو عذرك الثالث إذن؟"

قال: "لا أملك إلا عشرة ليرات!"

فقط انظر وراقب أسبابك وأعذارك غير العقلانية... معظمها غبية.. إذا لم تكن يقظاً ومراقباً قليلاً ستبدو صحيحة بالنسبة لك، ولن ترى فيها خطأ.

 

 

نبدأ بالأسرار:

سوء التصرف منك أنت

لاحظ وانتبه.. لا تدعو هذا إثم أو خطيئة أو ذنب، بل مجرد سوء تصرف، خطأ، لكن ليس خطيئة.. في الحقيقة لا يوجد أي شيء مثل الخطيئة... إذا أطلقت اسم خطيئة على أي شيء فأنت تدينه، ولستَ فقط تدينه بل تُدين الشخص أيضاً... كلمة ذنب أو زنا أو خطيئة محملة كثيراً بالإدانة وثقيلة جداً.. دعونا نستخدم كلمة سوء التصرف أفضل.

إذا قلت أنها خطيئة، عندها عليك أن تعاقب عليها.. وعندها أنت خاطي وزاني وغيرها من الأحكام، وعليك أن تعاني وتدفع ثمناً ما في المستقبل.

 

المستقبل تم صنعه من قِبل رجال الدين، لأجل سبب محدد... في الحياة، نرى الكثير من الخطاة واللصوص والتجار منتعشين ومشهورين وعندهم السلطة والثراء.. إنهم الأثرياء... في الواقع، حتى تكون ملكاً أو رئيساً لبلدٍ ما فعليك أن ترمي كل أخلاقك أولاً.. عليك أن ترتكب كل المعاصي والمحرّمات الأخلاقية المتعارف عليها، عندها فقط يمكنك الوصول إلى أعلى كرسي قيادة وسيادة وفخامة... والوصول إلى الكرسي صعب جداً، لأن عليك أن تقاتل وتنافس غيرك سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة.

في السياسة لا يوجد شيء صح أو خطأ: كل شيء صحيح إذا كان يعطيك النتيجة.. استخدم كل أنواع السلالم لتصل إلى أعلى منصب، وحالما تصل هناك، لن يتذكر أي أحد ماذا فعلتَ في طريق الصعود.. حالما تصبح في السلطة، سينسى الناس ببساطة كل ما فعلته بهم.. ليس ذلك فحسب، بل يمكنك حتى إعادة كتابة التاريخ بكامله! هذا ما فعله القادة المشاهير مثل جوزيف ستالين وأدولف هتلر.

 

قام ستالين بكتابة كل تاريخ الثورة الروسية من جديد: تم حذف كل الأسماء التي كانت ضده... و"تروتسكي" الذي كان شخصية لامعة في الثورة أكثر بكثير من ستالين، تم حذف اسمه تماماً، وحتى حذفه من كل الصور.. بقي ستالين في السلطة لفترة طويلة وقام بتغيير كل التاريخ وكتب تاريخاً جديداً مصطنعاً!

بمجرد أن مات ستالين، تم تكرار نفس العمل معه من قِبل "خروتشوف"، قام أيضاً بتغيير التاريخ مرة ثانية... حتى جسد ستالين الذي كان محفوظاً مثل جسد لينين، تمت إزالته من مكانه، لأن جسده كان موضوعاً بجانب جسد لينين... ستالين قام فقط بتغيير الأسماء والصور، لكن خروتشوف قام زيادة برمي جسد ستالين! الناس ستتقاتل على قبره لذلك تم نفيه إلى مكان بعيد لا يقدر أي أحد على الوصول إليه.

اقترح عليه أحد أصدقائه: "لماذا لا ترسل جسده بعيداً إلى فلسطين؟".. أجاب خروفــتشوف: "أخاف من ذلك، لأنهم قالوا أن شخصاً هناك قد قام من الموت بعد ثلاثة أيام.. يمكنني إرسال جسده إلى أي مكان ما عدا فلسطين!.. من يعرف؟ ربما يعود للحياة!؟.. مجرد الفكرة ترعبني"

السبب هو أن خرووووتشوف كان طوال ثلاثين سنة يهز ذنبه أمام ستالين... طوال ثلاثين سنة كان كلباً وفياً ومطيعاً لا أكثر... بعد موت ستالين ووصوله إلى السلطة أخذ بالثأر وانتقم منه.

في إحدى المؤتمرات، سأله أحد الحضور الجالسين في الخلف: "إذا كنتَ ضد ستالين لهذه الدرجة، لماذا لم تقل وتؤكد ذلك عندما كان حياً؟ لقد كنتَ معه طوال ثلاثين سنة، لا يوجد أي حادثة أو حديث تتجادل فيه معه أو تقول أي شيء ضده ولا حتى مناقشة عادية... كنتَ معه طائعاً مطيعاً لا تعرف قول إلا نعم نعم نعم نعم... كيف تشرح هذا الآن؟ بعد ثلاثين سنة مع ستالين... لو أنه كان على خطأ، فأنت أيضاً كنت على خطأ!!".

وقف خروتشوف صامتاً للحظة، ثم قال: "رجاء، قف فقط وقل من أنت!".. لم يقف أي شخص من الحضور... ثم قال: "هل ترى الآن؟ هذا هو جوابي! أنت لا تستطيع الوقوف وقول اسمك أمامي الآن، وهذه كانت نفس الحالة معي في تلك الأيام... الآن يمكنني قتلك، وكذلك كان بإمكان ستالين أن يقتلني!".... ونفس الأمر تكرر وعملوه مجدداً مع خروتشوف.

التاريخ يتكرر بنفس الغباء حتى اليوم.. ونفس الأمر يتكرر في ربيعنا العربي المزهر.. لا زالوا يدعونه ربيعاً؟

 

هكذا الحال عبر التاريخ كله... في السلطة والسياسة، أنت لا تفكر بالوسائل الصحيحة أو الخاطئة.. في السياسة لا يوجد صح وخطأ مطلقاً، بل كل ما ينجح هو صحيح وكل ما يفشل هو خاطئ... والحالة نفسها موجودة في سوق الأعمال.. إذا نجحتَ بتجميع الأموال فأنت على حق.. والمال يتكلم.

أصبح رجال الدين مدركين لهذه المشكلة منذ زمن قديم.. والمشكلة هي: الخطاة ينجحون في الحياة... إذن كيف تشرح هذا؟؟ إذا كان على الخطاة أن يأخذوا العقاب والعذاب، فأي نوع من العذاب هذا الذي نراه؟.. في الواقع، يبدو أن الطاهرين والأتقياء هم الذين يتعذبون، والعاهرين والأغنياء هم الذين يُكافؤون.. كيف تشرحون هذا؟؟ وهنا كانت فكرة الحياة المستقبلية هي الحل الوحيد للهرب من المشكلة.

قام رجال الدين باختراع هذه الفكرة بوجود جنة ونار بعد الموت... في هذه الحياة يمكن للخاطي أن ينجح، لكن في الحياة التالية بعد موته عليه أن يعاني عذاب النار الأبدية.... والقديس التقيّ ربما يعاني في هذه الحياة، لكنه بعد الموت سوف يكافأ بجنات الفردوس وأنهار الخمر والحوريات الأبديات.

الآن، لا أحد يعرف أي شيء عن الحياة بعد الموت، هل هي موجودة أم لا... لم يرجع أي شخص من هناك ووصف لنا كيف تكون تلك الجنة أو النار وماذا يحدث فيهما... لكن كانت الجنة والنار وسيلة جيدة ساعدت رجال الدين على مواساة وإسكات عامة الناس.

 

الحكماء العارفون لا يستخدمون أبداً كلمة خطيئة، لأن فيها إدانة.. وعندهم احترام كبير للبشر والبشرية... ومن الصعب حقاً إظهار الاحترام للبشرية، لأنها دوماً تتصرف بطرق غبية، لكن المستنيرين لا يزالوا قادرين على إظهار الاحترام مهما فعل الناس، لمساعدة البعض على النمو والخروج من الصندوق.

سوء التصرف، كلمة لا تدينك.. بل تعني ببساطة أنك اخترت طريقاً خاطئاً... سوء التصرف منك أنت... أي أنه ليس محدد أو مقرر بواسطة الله أو القدر أو شخص آخر، بل منك أنت... والأسى الذي يلي سوء التصرف، أو بالأحرى الأسى الذي يحدث بالترافق مع سوء التصرف هو أيضاً منك... ليس هناك إله يعاقبك، ولا يوجد حاجة، لأنه لا يوجد أي إله أصلاً كشخص، مجدداً هذا اختراع رجال تجار الدين، وحتى لو كان هناك إله كحاكم أو قاضي، يمكنهم رشوته مثلما يفعل الناس في المحاكم كل يوم.

كان رجال الدين يقولون دوماً للناس: "ادعوا وصلّوا وصوموا لله وسبّحوه واستغفروه، وسوف يغفر لكم كل ذنوبكم"... ما هو الدعاء وما هي الصلاة؟؟ هذه رشوة واضحة لا أكثر ولا أقل!

لذلك، في بلادنا العربية التي كان فيها الناس منذ ألوف السنين كثيراً ما يتضرعون لله بالدعاء والاستغفار والحج لمسح الذنوب، نجد أن الرشوة سهلة جداً.. هل عرفنا الآن مصدر الفساد في كل بلاد؟ لا أحد يرى أن الرشوة شيء خاطئ (حتى لو كانت محرمة نظرياً) لكن الكل يتعامل بالرشوة لأنها شيء دينيّ الأصل!! إذا أمكن حتى رشوة الله ببعض الكلمات والآيات والركعات، فماذا عن شرطي السير المسكين؟!! إذا أمكن حتى رشوة الله ومطالبته بالواسطة ربما بالصلاة على بعض الأنبياء لكي يفعل أشياءً لمصلحتك، فماذا عن قاضي المحكمة المسكين أيضاً؟! وإذا كان الله ومغفرته ونعمه ليست خاطئة، فلماذا سنعتقد أن القاضي خاطئ؟

في بلاد الشرق ومنذ قديم الزمان، لم تكن الرشوة تعتبر شيئاً خاطئاً، ومفهوم أن الرشوة خطأ أتى حديثاً من الغرب.. الرشوة في الشرق تعتبر شيئاً بسيطاً وكثيراً ما يفعلها الناس... رجال الدين ليسوا إلا عملاء وسطاء بينك وبين الله، سماسرة يقبضون الرشوات منك، ويتضرعون ويلتمسون من الله أن يغفر لك ذنوبك....

طبعاً، في أشياءٍ مثل الرشوة، هناك حاجة للعملاء لأن إعطاء الرشوة بشكل مباشر يشعرك بالخوف.. الشخص الذي يقبض الرشوة قد يشعر بالإحراج أو الإهانة وانتقاص كرامته أمام الناس، الرشوة ستجرح مشاعره فيقول داخل نفسه: "ماذا تعتقد أنني فاعل، وكيف تنظر إلي؟ أنه بإمكانك شرائي بالمال؟"... وحتى لو أراد أخذ الرشوة، قد يقول لا وينكر الموضوع ويقول: "أنا لا أقبض أي رشوة على الإطلاق"... وهنا شعور الأنا التقية القديسة قد يتمالكه... لذلك، لا بد من عميل بينك وبينه كالعادة، مرسال بينكما يعرفك ويعرفه، يعرف كلا الفريقين ويقبض، وبهذا لن تحتاج لرؤية الآخر وجهاً لوجه.. هذه هي الحاجة للعميل الوسيط.

 

كان رجال الدين دائماً عملاء بين الإنسان والله... "هل ارتكبتَ معصية ما؟ لا تقلق أبداً.. يقولون لك.. فقط أعطني المبلغ المناسب من الرشوة وسيغفر لك الله كل ذنب.. والله غفورٌ رحيم طالما جيوبي مليئة بالدنانير"

طبعاً إذا لم تقدّم الرشوة، ولها عندنا عدة أسماء براقة، فعليك حتماً تحمل العذاب والعقاب..

 

لا يوجد إله، بل هناك تجربة من الألوهية الحية... يمكنك أن تعيشها أقرب إليك من حبل الوريد، لكي تصير أنت نبياً ومسيحاً آخر منك إلى نفسك.. بإزالة كذبة الإله يمكننا إزالة كل رجال الدين... وما لم نزيل الله كشخص فلا يمكن إزالة تجار الدين، لأنهم مجرد خيال لفكرة الله... نتيجة ثانوية لهذه الفرضية التاريخية.. أصلاً الله هو من اختراع رجال الدين! لذلك كل الناس والتجار سترجم وتصلب الأنبياء والحكماء... من سيفهم ماذا يقصدون؟ من سيفهم ماذا أقصد أنا هنا؟ كثير سيكفّرون أو يستغفرون لي أو يرجمون.. هذه الحقيقة تدمّر تجارتهم التاريخية باسم الله والأديان وتكشف سر هذه التجارة والدعارة، تكشف جذورها.

 

استغلال رجال الدين للناس قديم جداً منذ أكثر من عشر آلاف سنة... يعيشون كطفيليات على الناس دون أن يعملون أي عمل... وظيفتهم فقط هي العميل بينك وبين الله.

 

أسرار الحقيقة هنا تقطع شجرة التجارة بالدين من جذورها وكل المؤسسات الدينية المبنية عليها التي تستغل البسطاء باسم الله والدين.

سوء التصرف منك أنت

والأسى... منك أنت

لا يوجد هناك إله لكي يعاقبك، لأن كل عمل فيه سوء تصرف سيجلب الأسى لك تلقائياً... إذا وضعتَ يدك في النار سوف تحترق... ليس هناك حاجة لقاضي لكي يعلن أنه الآن سيتم معاقبتك بمرسوم من الله أو المحكمة، ستعاقب لأنك وضعت يدك في النار!... ليس هناك حاجة لأي أحد أو إعلان محاكمة... في لحظة وضع يدك في النار ستحترق فوراً... وهنا تعطيك الأسرار رؤية جليّة، بأن الفعل يجلب نتيجته مباشرة معه، ولا حاجة للقاضي.

 

سأل الطبيب: "كيف جرى الحادث معك؟"

أجاب المصاب: "حسناً سأقول لك.. كنت أمارس الحب مع صديقتي على السجادة في غرفة الضيوف، وفجأة سقطت علينا الثريا الكبيرة وتحطمت فوقنا".

قال الطبيب: "لحسن الحظ، لم تصاب إلا ببعض التمزقات البسيطة في الأرداف... أعتقد أنك رجل محظوظ جداً"

أجاب المصاب: "نعم أنت قلتها يا دكتور... لو أن الثريا وقعت قبل دقيقة فقط، كانت حطمت رأسي تماماً!"

هل ترى كيف أن كل شيء منك ويعتمد عليك! سوء التصرف منك أنت، والأسى... منك أنت.

 

لكن الفضيلة والاستقامة منك أيضاً

وكذلك النقاء...

لذلك لا تكن حزيناً... بل في الحقيقة، كن فرحاً مبتهجاً... لأن هذه الأسرار تعطيك الحرية الكاملة... ويمكنك الاختيار.

إذا كنتَ تحب الأسى فهذا خيارك.. عندها لا تشتكي أو تتذمر، لأنك أنت اخترته بنفسك، استمتع به إذا أردت الاستمتاع به، الأمر كله يعود لك.

 

رجعت العروس من شهر عسلها وكانت تروي تجربتها لأقرب صديقاتها... سألت الصديقة بلهفة: "كيف كانت الليلة الأولى؟"

أجابت العروس: "آآآه.. كانت رهيبة جداً!.... طوال الليل... للأعلى وللأسفل، للداخل وللخارج، للأعلى وللأسفل، للداخل وللخارج.... إياكي أن تستأجري غرفة فندق بجانب المصعد!"

..حياتك بكاملها هي خيارك أنت: يمكنك أن تكون في النار أو يمكنك أن تكون في الجنة... والجنة والنار ليست أماكن بعيدة عن بعضها.. في الواقع، ليس هناك حتى سياج بينهما ولا انقسام... يندمجان مع بعضهما، ويمكنك بسهولة الانتقال من مجال إلى مجال.

وقد جرّب الناس كل أنواع الأشياء دون أن ينجح شيء منها... أناس جرّبوا الكحول والمخدرات وأناس جرّبوا الذّكر والصلوات والدعاء والطقوس الدينية دون أن يعمل أي شيء... ربما للحظات، أو لبضع ساعات، تستطيع حبة مخدرات أو أركيلة أن تأخذك بعيداً عن بؤسك الحالي، لكنها في الواقع لا تأخذك بعيداً، بل هي ببساطة تجعلك غير مدرك له.

هناك فقط شيء واحد ينجح دائماً، وهو أن تصبح أكثر وعياً، وتقبل أن المسؤولية مسؤوليتك أنت.. إذا كنت في مأساة، انظر وابحث واكتشف كيف قمتَ باختيارها ولماذا قمت باختيارها... ومجرد رؤية أن الأمر هو خيارك تكفي: إذا كنتَ لا تزال تريد المزايا التي تأتي مع المعاناة......

نعم، هناك بعض المزايا، لذلك يقوم الناس باختيار المأساة والمعاناة وحتى المرض... لا أحد يريد المأساة، لكن المزايا التي تأتي معها... كل شخص يريد السعادة، لكن أيضاً هناك بعض العيوب، أو على الأقل تظهر أنها عيوب من وجهة نظرك الحالية... لذلك، يريد الناس السعادة لكنهم لا يختارونها، ولا يريد الناس التعاسة لكنهم يختارونها.

 

المعاناة تعطيك إحساساً بالأنا... المعاناة تفصلك عن الوجود، تحددك وتعطيك الحدود..

السعادة هي اندماج وذوبان النقطة بالمحيط... تختفي حدودك، وتزول الأنا...

لذلك، أولئك الذين يريدون أن يشعروا بـ"أنا.. أنا..." عليهم اختيار المعاناة أو التعاسة حتماً، لا يوجد طريقة أخرى.

"الأنا" تتغذى على مسرحيات المعاناة، قد لا تحب أنت المعاناة، لكنك تحب الأنا، وذلك هو الدافع الخفيّ لاختيارك المعاناة... أو أنك تحب السعادة، لكنك لا تريد أن تذوب.

 

يقول العارفون الحكماء دائماً: "سيكون هناك سعادة وغبطة ونشوة عندما نختفي ونذوب... لكن إذا لم نكن موجودين، فما هي الفائدة من تحقيق السعادة؟ إذا لم أكن موجوداً هناك لأستمتع وأفرح، فماذا سأستفيد؟"

ويسأل الناس: "إذا اختفينا، من إذن سيختبر تلك السعادة القصوى؟"... يبدو أن جدلهم وسؤالهم منطقي صحيح، لكن فقط منطقياً، ليس وجودياً حقيقياً.

السعادة ليست اختبار... ليس الموضوع أن هناك سعادة وأنت تختبرها... عندما تختفي ستكون أنت السعادة ذاتها، لا حاجة لأي شخص كي يختبرها، فأنت أصبحت السعادة.... فقط أفسح المجال وسيظهر حال السعادة فيك... أنت من تمنعه وأنت هو العائق الوحيد.

 

عليك أن تنظر بعمق في هذه الأسرار، وعندها ستنجلي لك الأنوار..

سوء التصرف منك أنت

والأسى... منك أنت

لكن الفضيلة والاستقامة منك أيضاً

وكذلك النقاء...

وما هو معنى النقاء هنا؟ أليست الفضيلة هي النقاء؟ ..لا، لذلك ذكروا الكلمتين بشكل منفصل.

النقاء هو حالة تتجاوز كلا الجيد والسيء، التعاسة والسعادة، الحزن والفرح...

هناك حالة تجاوزية، حالة من السلام... انعتاق وتحرر من كل الحالات، تحرر من الجيد والسيء، النهار والليل وكل التناقضات... المرء عندها يكون هناك فقط بحضور..

لا يوجد اختبار، لا شيء يحدث، لا يوجد محتوى ولا فكر، مجرد الذات النقية في صمت أبدي سرمدي.. هذا هو النقاء.

الفضيلة والاستقامة منك أيضاً... وأبعد من كل ذلك هناك النقاء أو الاستنارة والسيادة على النفس، أو اليقظة أو التجاوز أو أي اسم تريد... هذا أيضاً منك أنت.

 

أنت هو المصدر... مصدر كل النقاء ومصدر كل التلوث

هذا تأكيد مستمر على أنك أنت المصدر... الأسرار تذكرك مجدداً: أنت هو المصدر... لقد أتيتَ إلى الدنيا كإمكانية نقية متعددة الأبعاد والاحتمالات... يمكنك أن تصبح أي شيء... يمكنك أن تصبح قديس أو تصبح إبليس... يمكنك أن تصبح هتلر وستالين أو تصبح النبي والمسيح... أنت تجلب معك كل أنواع الطاقات الكامنة، وأنت تختار كل ما تريد أن تكون عليه... أنت لا تولد مصنوعاً سلفاً، بل تولد كاحتمالات وفرص لا نهائية.

وهذه هي الحياة.. فرصة لكي تنمو وتسمو.. مجال لتنمو فيه شجرة وعيك... لكن يمكنك النمو بطرق مختلفة، بطرق مختلفة ومتعاكسة أحياناً... كان من الممكن أن يصبح هتلر حكيماً مثل الحلاج، أو أن يصبح الحلاج مجرماً مثل هتلر... هتلر لم يولد كهتلر.

نحن نولد كأطفال بحالة صافية تماماً من الأفكار والأهداف والمعتقدات، لوحة بيضاء دون أي كلمة مكتوبة عليها... لاحقاً نبدأ نكتب عليها.. شخصٌ يصبح إنجيلاً أو قرآناً أو تلموداً، وشخص آخر يصبح مجلة تعرّي بلاي بوي... إنها نفس الورقة البيضاء التي نطبع عليها مجلات الدعارة نطبع عليها كتب الطهارة، ونستخدم نفس الحبر، ونطبعها حتى في نفس دور النشر... لكن هناك فرق كبير! كم هناك فرق بين الحجاج والحلاج؟! وكلاهما أتى مع نفس الفرصة لكن خياراتهما مختلفة.

 

ذكّر نفسك مراراً.. أنت المصدر.. مصدر النقاء ومصدر التلوث... حالما تقبل بهذا، ستظهر أصالة عظيمة عندك.

 

فريدرك الثاني ملك بروسيا، قام بإصدار أوامر للإصلاحات الاجتماعية وتحسين أوضاع البلد كلها... في أحد الأيام وبشكل غير متوقع، ذهب الملك إلى أحد السجون ليتفحص وضعها وخدمتها... تفاجأ مدير السجن بطلب الملك أن يتجول شخصياً في السجن كله ليرى ظروف المساجين بنفسه.

مع تجول الملك في السجن، أتى المساجين راكضين إليه، يتوسلون ويدّعون البراءة ويطلبون الإفراج عنهم.. واستمع الملك لهم جميعاً وتابع سيره... وأصبح محاطاً بعشرات الأشخاص الذين يدّعون أنهم أبرياء.

لكن أحد الرجال، بقي جالساً في زاويته.. تفاجأ الملك منه وسأله: "هيه أنت! لماذا أنت هنا في السجن؟"

أجاب السجين: "بسبب السرقة يا سعادة الملك"

سأل الملك: "وهل أنت مذنب؟"

قال السجين: "مذنب تماماً يا ملكنا، وأنا فعلاً أستحق عقوبتي"

قام الملك بتفريق حشود السجناء بعصاه وأشار بها إلى مدير السجن قائلاً: "أيها السجان، أطلق سراح هذا الرجل البائس فوراً... لن أحتفظ به هنا في السجن، لأنه سيكون مثالاً يُفسد كل هؤلاء الأشخاص الأبرياء الرائعين الذين يملؤون السجن".

 

في اللحظة التي تحمل فيها المسؤولية الكاملة، تتحقق أعظم حرية وخلاص... فجأة ستخرج من السجن... بمجرد حملك للمسؤولية... من الصعب جداً قبول أن "أنا هو المسؤول".. هذا يجرح الأنا.. لكن لا يوجد طريقة أخرى.

 

لا أحد ينقّي أي أحد آخر...

لهذا يجب جمع كل الهيئات الدينية ورجالها القديسين ورميهم في الحاوية... إذا لم يكن بإمكان أي أحد أن ينقي أي أحد آخر، عندها وظيفة كل المؤسسات الدينية تختفي من الوجود.

أضخم مؤسسة دينية في العالم اليوم هي الكنيسة الكاثوليكية.. وهل ترى ما هو سبب ذلك؟ لأنهم طوال عشرين قرن كانوا يزعمون أن الخلاص سيتم عبر السيد المسيح.. هذا هو الجذر الرئيسي في الكنيسة الكاثوليكية وهي تعتمد عليه.. إذا أمكن بطريقة ما إثبات أن المسيح لا يمكن أن يكون مخلّصاً لأي أحد آخر، عندها ستصبح كل هذه الكنيسة بلا عمل وبلا معنى.

الكنيسة لها وظيفة، والبابا له وظيفة، فقط بسبب الإدّعاء باسم المسيح بأن "المسيح ينقّيكم" و"المسيح ينقذكم ويخلّصكم"... والبابا يمثل المسيح: هو ممثل أو وكيل المسيح في الأرض، وكيل الله في الأرض... الله غير مرئي، المسيح لم يعد موجود في الأرض، لكنه ترك ممثلين عنه وعندهم اتصالات ساخنة مباشرة وواتس أب، يمكنهم الاتصال بالله في أي لحظة ومجاناً... يمكنهم التوصية بك ومكافأتك بالجنة، أو وضعك على القائمة السوداء للشواء في النار.

 

الحقيقة تقول لك: لا أحد ينقّي أي أحد آخر... لقد قمتَ بسوء التصرف بحق نفسك، والآن أنت فقط يمكنك التراجع عنه... لماذا تجلب شخصاً آخر إليه؟ إذا لم يكن المسيح أو النبي هو السبب وراء سوء تصرفاتك، فكيف يمكن أن يكون سبب نجاتك وتنقيتك من تلك التصرفات؟

الحقيقة فقط تشير لك إلى الطريق، لكن عليك أنت أن تسير.. الحكماء يعطونك مفتاح وأنت تفتح الباب... أنت تسير ولا يمكنهم السير بدلاً عنك، ولا أحد يمكنه حملك إلى الجنة... أنت إنسان ولست خروفاً!.. لكن الفكرة المسيحية أن المسيح هو الراعي والناس هم الرعية أو الخراف... والفكرة المسيحية أنه كلما ضعتَ أكثر وخطيت، كلما زادت فرصة أن يحملك المسيح على كتفيه ويوصلك إلى البيت الأبدي.

كل هذه فبركات واختراعات! المسيح يمكنه فقط تخليص نفسه، وبتخليصه لنفسه، يمكنه إظهار الطريق لك لكي تخلّص نفسك بنفسك، لكنه لا يستطيع تخليصك... وكذلك النبي يصلي على نفسه وينقذ نفسه فقط.

لهذا، نجد أن الحقيقة في قلب كل نبي ومستنير تقف دائماً خارج كل الأديان المنظمة.. الحقيقة لا تسمح بظهور أي فرصة لتشكيل أي نوع من المؤسسات الدينية بعدها، لكننا بعد كل مسيح ونبي نحوّل الدين إلى منظمات ومتاجرات... لأن رجال الدين هم أعظم أعداء للدين... ورجال الدين ليسوا جسراً بينك وبين الله، بل على العكس هم أعلى جدار.

 

صعد رجل يهودي كبير في السن إلى القطار.. وبعد قليل بدأ يتحدث ويتناقش مع مسافر آخر في نفس الغرفة، الذي قال أنه كان رجل الدين الكاثوليكي في القرية.

سأل اليهودي: "وماذا بعد أن تكون رجل الدين في القرية؟ ماذا تصبح في كنيستك؟"

أجاب رجل الدين: "حسناً، يمكنني فقط أن أنتقل إلى أبرشية المدينة"

"وبعد ذلك؟"

...آه، لا! لا يمكن أن يضعوني في مرتبة أعلى منها"

"لكن إذا كنتَ جيداً جداً في عملك ماذا يمكن أن تصبح؟"

..."حسناً، يمكن أن أصبح مونسنيور"

"وبعد ذلك؟"

..."إذا كنت محظوظاً جداً جداً، يمكن أن أصبح أسقف أو مطران"

"وبعدها؟"

..."رئيس الأساقفة المطران الأكبر"

"وبعدها؟؟"

..."حسناً، كاردينال في روما"

"وماذا بعدها؟؟"

..."يتم اختيار البابا من بين الكاردينالات"

"أوه.. البابا، نعم... وماذا بعده؟"

..."ماذا؟!! لا يوجد مرتبة أعلى من البابا.. إنه رجل دين الله على الأرض!"

"وماذا عن السيد المسيح؟"

..."لااااا... هذا كفر! لا أحد يستطيع أن يصبح المسيح!"

قال اليهودي: "أوه!!... لأن واحداً من جماعتنا قام بذلك!"

 

إنه ليس كفراً... كل شخص يمكنه أن يصبح نبياً ومسيحاً، لأن المسيح والنبوة هي حالة من الوعي، لا علاقة لها أبداً بشخص المسيح أو شخص النبي... المسيح صفة وهي الممسوح بالغار والنور، ومحمّد صفة وهي الذات المحمدية الراضية المرضيّة... المسيح لا علاقة له بعيسى كشخص، وكذلك محمد لا علاقة له بأحمد كشخص.. أي شخص يستيقظ ويدرك سر الرحمة في قلبه هو نبي... وأي شخص يستيقظ ويُتوّج بإكليل غار من اليقظة هو المسيح... لنفهم هذا جيداً.. المسيح صفة وليست شخص، صفة الذي عاد إلى بيته وتكلل بتاج التوحيد مع الله الواحد.

قال المسيح: أنا أتيت لكي تكون أنت مسيحاً آخر.... وقال النبي: ما أنا إلا بشرٌ مثلكم!

أنت يمكنك أن تصبح مسيحاً ونبياً..

كان هناك العديد من المسيح ومن الأنبياء قبل المسيح والنبي، وسيكون هناك العديد من بعدهم... في الواقع، في النهاية على كل شخص أن يصل إلى حالة الممسوحيّة وحالة المحمّدية.. وهذا ليس كفراً... لكن على رجال الدين أن يسمّوا هذا كفر وشرك... لا يمكنهم السماح لك بأن تصبح مسيحاً، لأنك إذا صرت مسيحاً لن تبقى هناك حاجة لرجل الدين... حتى مجرد فكرة أنه بمقدورك أن تصبح المسيح أو النبي على نفسك، تعني أنك هربتَ بعيداً جداً عن براثن المؤسسات الدينية.. مجرد الفكرة تهدد كل مصالح تجار الدين، لذلك يعتبرونها أكبر كفر.

لكن أسرار الحقيقة تقول لك: لا أحد ينقّي أي أحد آخر...

لا تتجاهل أبداً عملك أنت،

لذلك، لا تعتمد على أي شخص آخر حتى ينقذك ويخلصك... عملك أنت فقط على نفسك يمكن أن يخلصك.

لا تتجاهل عملك... من الشاق جداً تحويل نفسك من أنماط خاطئة إلى أنماط صحيحة، ثم من أنماط صحيحة إلى مستوى التجاوز.. هذه رحلة حج عظيمة وشاقة مثل صعود الجبال.. لا تستمر بالاعتقاد وبخداع نفسك بأن شخصاً ما سيأتي كالمسيح أو المهدي وينقذ الجميع من الخطايا والقيود.. هذا مجرد أمل، وإشباع الرغبات اللاواعية بالأحلام والأوهام... وكان الناس ينتظرون الشخص المخلص منذ ألوف السنين ولم ولن يأتي أحد.

ليس الموضوع أنه لم يكن هناك مستنيرون وأولياء ومسيح وأنبياء، بل هناك الكثير... محمد، عيسى، موسى، بوذا، كريشنا، زرادشت، رابعة، الحلاج، الرومي وغيرهم... كلهم شاهدوا حقيقة أنفسهم.. لكن لا أحد يمكن أن ينقي أي أحد.. ما لم تأخذ أنت القرار وتصبح أنت ملتزماً بتحويل نفسك.

لا تنتظر أي طريق مختصر.. لا يمكنك خداع الوجود والحياة.. لا يمكن لأي أحد أن يحملك على كتفيه، بل عليك الصعود لأعلى قمة على قدميك أنت.

 

لا تتجاهل أبداً عملك أنت،

وتعمل لشخص آخر، مهما كانت حاجته عظيمة

هناك دوماً أشخاص محتاجون حولك.. هناك المرضى وهناك الفقراء، هناك المشلول والأعمى والأطرش والأعرج.. إذا بدأتَ بخدمة كل أولئك الناس ستنسى العمل الحقيقي... هذا ما حدث للمبشرين المسيحيين. صار المبشر يدير المدرسة والمشفى ويخدم الفقراء، وبالطبع يحترمه الناس كثيراً لأجل ذلك، لكنه يتجاهل العمل الحقيقي.

ليس المقصود ألا تخدم أي شخص محتاج، بل ألا تخدم على حساب عملك أنت... إذا أمكنك خدمة الناس دون تشويش عملك الحقيقي على نفسك، فلا مشكلة.. يمكنك أن تفعل ذلك على الهامش... لكن في الواقع، هذا غير ممكن، لأنه ليس عندك كل تلك الطاقة... في البداية، عليك أن تصبّ كامل طاقتك على تطوير وتنمية نفسك.

حالما تكبر وتصبح ناضجاً، واعياً ويقظاً، عندها يمكنك أن تخدم الناس وفقط عندها.. لأنك عندها ستمتلك شيئاً يمكنك المشاركة به: الحب، والرحمة... عندها ستمتلك شيئاً يساعدهم فعلاً: الفهم، والحكمة.... الآن ماذا يمكنك أن تفعل لهم؟ الآن أنت نفسك في فوضى وورطة، وإذا خدمتَ شخصاً ما ستصنع له ورطة أكبر.

وهذا ما كان ولا زال يفعله الدّعاة والمبشرون في العالم، يصنعون مزيداً من سوء التصرف والورطة والجهل.. يعتقدون أنهم يقومون بعمل عظيم، بعمل مقدس، لكن هذا غير ممكن! ما لم تصبح أنت مقدساً فلن يكون عملك مقدس... الأفعال لا تُحدد بالأفعال ذاتها بل بالمصدر الذي تنشأ منه.

 

الحقيقة تقول لك تذكر: لا تتجاهل أبداً عملك أنت.. في البداية كن أنانياً بشكل مطلق... أن تتأمل وتنمو وتنسى كل شيء عن الدنيا والدنيا في حالة حرب ومشاكل.. هذا في البداية ليس أنانية، حتى لو كان هناك فقراء وتعساء ومرضى وهناك حاجة ماسة للخدمة العامة.. أول وأهم خطوة هي أن تجلس وتتأمل أو ترقص وتبتهج.

هذه وصية كل الأنبياء والأولياء لكل الناس.. في البداية عليك بالهداية والاستنارة من نفسك إلى نفسك، املأ نفسك بالنور، بعدها افعل أي شيء انطلاقاً من هذا النور... إذا كانت الخدمة سهلة بالنسبة لك، جيد... إذا أردت تعليم الناس، جيد... أو مساعدة المريض والكبير، جيد.. لكنك الآن أنت أعمى تعيش في ليلة الروح المظلمة.. فماذا ستقدّم بخدمتك؟ ماذا ستعطي للناس؟ ليس لديك شيء لأنك وعاء فارغ.

لا تتجاهل أبداً عملك أنت، وتعمل لشخص آخر، مهما كانت حاجته عظيمة... مهما كانت حاجات الآخر عظيمة، لا تتجاهل مطلقاً عملك.. هناك شيء أساسي في هذا القول: يمكنك مساعدة الآخرين فقط إذا ساعدتَ نفسك أولاً.

 

في أحد الأيام، سقط رجل في نهر عميق، وبدأ يصرخ طالباً النجدة... ركض المعلم إليه بسرعة لكن مع وصوله للنهر تماماً، قفز رجل آخر قريب إلى النهر لينقذه.

لذلك توقف المعلم عن القفز، فلا يوجد حاجة الآن.. لكن الرجل الثاني بدأ يغرق! وصار على المعلم أن ينقذ الاثنين معاً!

سأل المعلم الرجل الثاني: "لماذا قفزت طالما أنت لا تعرف السباحة؟"

أجاب: "لقد نسيت تماماً! في لحظة سماعي لطلب النجدة والاستغاثة، نسيت أنني لا أعرف السباحة.. قفزت إليه ببساطة كردّ فعل آلي".

قال معلم السباحة: "انتبه... هذه ليست طريقة المساعدة! لو أنني لم أكن موجوداً لغرقتم أنتما الاثنان.. وكان هناك إمكانية كبيرة لوصول الغريق الأول إلى الضفة حتى دون تدخلك.. أنت لا تعرف السباحة، وعندما تمسك بالأول سيصبح معتمداً عليك وأنت معتمداً عليه، فيصبح احتمال غرقكما سوية أكبر.. وصنعتَ تعباً أكبر لي، لأنه وجب عليّ إنقاذك أنت أولاً الأقرب للضفة، وكان على الأول الانتظار أكثر".

 

لكن هذا ما يحدث في الحياة كل يوم: تبدأ فوراً بمساعدة الآخرين دون أي إدراك بأنك أنت بحاجة للمساعدة أولاً.

كنْ غيريّاً ومعطاءً عندما تشبع نفسك.. الأنانية والغيريّة ليست متناقضات.. الشخص الأناني حقاً لا بد أن يصبح غير أناني في يوم ما، لأن الأناني الحقيقي هو الشخص الذي يقترب من اكتشاف نفسه... الأناني الحقيقي لا يمكن أن يكون مهووساً بالمال، ولا عبداً للسلطة ولا طالباً للشهرة... إذا كان أنانياً حقيقياً، سيكون أول اهتمام له: "من أنا؟"

الناس المشغولين بالمال والسلطة والشهرة لا يعرفون الأنانية الحقيقية..

تعلّم هذه الأنانية الأصيلة الحقة، لأنه انطلاقاً منها فقط يمكن ظهور الحب الحقيقي للغير... هذه ليست متناقضات... ببساطة، عندما يشبع الشخص بالحقيقة والحب سيبدأ تلقائياً يفيض بالرحمة.

 

إن عملك هو اكتشاف ما هو عملك

أول خطوة من عملك هي: اكتشاف ما هو عملك؟.. وبعدها أن تقدّم نفسك له بكامل قلبك

ما هو معنى هذه السور والأسرار؟ عملك هو اكتشاف ما هو عملك... جملة خفية كاللغز ظاهرياً فقط، لكنها بسيطة ومنطقية.. هناك نوعان من الناس في العالم.. مثلما جسدياً هناك ذكور وإناث، وكذلك روحياً هناك ذكور وإناث... الذكر جسدياً قد لا يكون ذكراً روحياً، لا يوجد حتمية لترافق الاثنين معاً.. وكذلك الأنثى جسدياً ليست بالضرورة أنثى روحياً أو نفسياً.

قد يجد رجلٌ عميقاً داخل نفسه بأنه أنثوي أكثر من ذكري: أكثر لطفاً وهشاشة وقبولاً، يشبه الرحم أكثر، أقل اندفاعاً وأقل نشاطاً... وقد تجد امرأةٌ عميقاً داخل نفسها بأنها ليست متقبّلة ولطيفة بل مندفعة.

مثلما هناك ذكور وإناث جسدياً وروحياً، لذلك يمكن تقسيم الطريق الروحي إلى نوعين: الطريق المؤنث والطريق المذكر، ين ويانغ... هذا الانقسام الأساسي موجود في كل الطبيعة: موجب وسالب، مادة وروح، أرض وسماء، ليل ونهار... الطبيعة بكاملها تعتمد على هذه الثنائية الازدواجية، ونحن جزء من الطبيعة حالياً.

عندما تصبح مستنيراً ستتجاوز الثنائية والطبيعة، عندها لا ازدواجية في نظرك لأنك وصلت إلى الأحديّة... لكن قبل أن تصل إليها عليك إيجاد ما هو نوع العمل المناسب لك.

 

هذان هما نوعا العمل: الحب والتأمل...

الحب هو الطريق الأنثوي، والتأمل هو الطريق الذكري...

التأمل يعني القدرة على البقاء وحيداً بشكل مطلق،

والحب يعني القدرة على البقاء سوية بشكل مطلق.

الحب يعني الاحتفال بالتواصل والاتصال

التأمل يعني الاحتفال بحال الوحدة والمعزلة

 

كلاهما يؤديان نفس العمل والهدف، لأن الأنا في كلا الطريقين تختفي..

إذا كنتَ تحب فعلاً فعليك رمي الأنا، وإلا فلن يكون الحب ممكناً

وإذا أردتَ الغوص بعمق في التأمل، عليك أيضاً ترك الأنا خلفك، وإلا فلن تكون وحيداً

الأنا ستكون هناك وستبقى الثنائية موجودة: الذات والأنا، الوعي والفكر.

عليك رمي الفكر إذا أردت الدخول في التأمل،

وعليك رمي الفكر إذا أردت الدخول في الحب

 

لذلك الآلية الأساسية هي نفسها في كلا الطريقين، لكن الاتجاهين مختلفين

المتأمل يذهب للداخل، وهو انطوائي، يبحث ويلتمس الحقيقة في باطن نفسه

والعاشق يذهب للخارج، وهو منفتح، يبحث عن كيان الآخر..

 

في الحب، يتحوّل الآخر إلى المرآة التي تجد فيها وجهك الأصيل.

في التأمل، ليس هناك حاجة لأي مرآة، أنت تدخل ببساطة إلى داخلك وتجد نفسك دون حاجة للانعكاس

هذان هما النوعان الأساسيان من العمل على النفس

 

إن عملك هو اكتشاف ما هو عملك.. أول شيء هو أن تكتشف أي نوع من الأشخاص أنت؟ بوذا ولاوتسو ومعلمين الزّن هم من النوع المتأمل والأشخاص الفرادى المتأملين... لكن المسيح وكبير والرومي ومعلمين التانترا هم من النوع المحبّ، يحتاجون إلى حوار مع الوجود... في التأمل ليس هناك صلاة لأنه ليس هناك آخر، وفي الصلاة هناك حوار بين أنا وأنت.

سواء كان الله موجوداً أم لا، غير مهم... قال باتانجالي مؤسس اليوغا منذ ألوف السنين أن فكرة الله هي مجرد وسيلة للنوع المحبّ، للشخص الذي لا يستطيع إيجاد نفسه دون صنع مرآة، عندها الله هو أعظم مرآة يمكن أن تصنعها... سواء كان الله موجوداً أم لا، هذه ليست النقطة المقصودة أبداً... هذه فقط وسيلة، وسيلة لأجل الصلاة والصلة بنفسك... الشيء الحقيقي هو هذه الصلة بين نفسك الصغرى ونفسك الكبرى، وليس الله.. تذكر هذا: الشيء الحقيقي موجود في الصلاة وليس الله... الشيء الحقيقي هو الحب وليس المحبوب.

 

إذا استطعت أن تحب، وأن تصلي، فلا يهم سواء وُجد الله أم لم يوجد، سواء تُسمع صلاتك أم لا تُسمع..

الصلاة بحدّ ذاتها هي عملية تحويل، سواء سمعها أحد أم لم يسمعها هذا شيء ثانوي.

في الصلاة العميقة، تذوب الأنا عندك... لكن لأجل الصلاة أنت بحاجة لعذر أو سبب: لمن ستصلي؟ لهذا فكرة الله أو فرضية وجود الله في السماء لكي تصلي إليه.. تذكر أن هذه فرضية وليست الشيء الحقيقي.

لا يوجد أي شخص اسمه الله يجلس في مكان ما من السماء ويستمع إلى صلاة ودعاء كل شخص... لو كان هناك مثل هذا الشخص لأصيب بالجنون منذ زمن بعيد جداً، لأن مليارات الناس على الأرض يصلون له... والآن اكتشف العلماء وجود خمسين ألف كوكب مثل الأرض على الأقل في الكون وكلها مسكونة.. تخيل مليارات ومليارات الصلوات والأدعية تنطلق كل يوم ويوم والله هو شخص واحد مسكين بين كل هؤلاء العبيد؟!!

 

سمعتُ أن الله كان في البداية يسكن في إحدى شوارع دمشق القديمة المزدحمة، لكن عندها بدأ الناس يزعجونه كثيراً... ليل نهار يأتون ويطرقون بابه مع آلاف الشكاوي والطلبات: افعل هذا ولا تفعل ذلك.. يقول له أحد الأشخاص: غداً نحن نحتاج للمطر لكي نزرع... وبعدها يأتي شخص آخر ليقول: غداً لا تنزل المطر لأن زوجتي تغسل الثياب..

بدأ الله يشعر أنه سيصاب بالجنون من كل هذه الطلبات... سأل المستشارين الحكماء فقالوا له: يمكنك الذهاب إلى أعلى قمة في الهيمالايا.. لكن الله قال لهم: "هذا لن يساعد كثيراً، لأنني أستطيع النظر في المستقبل".... الوقت بالنسبة لله يمضي بسرعة هائلة، بالنسبة لنا يبدو قروناً طويلة أما بالنسبة له هي مجرد لحظات.

 

هناك قصة عشق حدثت بين الديناصورات... كان هناك ديناصور ذكر معجب بديناصورة أنثى... انتظر طوال عشر آلاف سنة حتى يقول لها: "أنا أحبك".... بعدها، طوال عشر آلاف سنة صار يتقرّب ويتودد لها... ثم طوال عشر آلاف سنة يقول كل كلام العشق والغزل الذي يقوله المحب لمحبوبته... بهذا مضت ثلاثين ألف سنة... بعدها في أحد الأيام قال: "يا حبيبتي، لقد آن الأوان.. ألا يمكن أن نمارس الحب بعد كل هذا الوقت؟"

وهل تعرف ماذا أجابت الديناصورة؟ قالت: "آسفة، لأنني أمرّ بدورتي العشر سنوية!"

إذا كان الوقت يمضي بهذه السرعة عند الديناصورات، فما بالك عند الله؟ مقاييس الزمن مختلفة.

 

قال الله: "أنتم لا تعرفون... قريباً هناك رجل اسمه هيلاري، سيساعده رفيقه تينزينغ وسيصل إلى قمة الإيفيرست... وبمجرد أن يصل شخص واحد إلى هناك سينتهي الموضوع! بعدها ستأتي الباصات والطائرات ويفتحون الفنادق والمطاعم وسأكون مجدداً في شارع من شوارع دمشق! هذا لن يساعد أبداً".

 

بعدها اقترح أحد الحكماء: "لماذا إذن لا تذهب بعيداً إلى القمر؟"

قال الله: "هذا لن يساعد أيضاً... لأنه بعد فترة سيصل الإنسان إلى القمر ويمشي عليه.. وإذا وجدوا أي أثراً لي هناك، سيندفع العالم بأكمله إلى القمر".

بعدها اقترب أحد الناصحين من الله وهمس في أذنه، عندها أصبح الله سعيداً فعلاً وقال: "هذا صحيح!"

ماذا قال له؟ لقد قال: "لماذا لا تختبئ داخل الإنسان نفسه؟"

قال لله: "هذا صحيح! هذا المكان خفيّ جداً ومن النادر أن ينظر الناس إلى داخل أنفسهم... أحياناً قليلة كل فترة ينظر نبي أو مسيح أو حكيم إلى داخل نفسه.. وإلا فلا أحد ينظر داخله... والأشخاص الذين ينظرون إلى داخلهم ليسوا خطرين أو مزعجين.. كلما ذهبوا داخلهم أعمق أصبحوا أكثر هدوءاً وسلاماً... ومع وصولهم إلى مركزهم سينسوا كل الكلمات واللغات، بهذا لا يستطيعون الشكوى ولا حتى الصلاة! مع وصولهم إلى الجوهر سيذوبون في محيطي وسأذوب أنا في قطرتهم".

 

ومنذ ذلك الوقت، بقي الله مختبئاً في داخل الإنسان... هذا سر الأسرار فلا تقل هذا لأي أحد!

 

إن عملك هو اكتشاف ما هو عملك.. أول خطوة هي تقرير ما إذا كنتَ تشعر بالفرح عندما تكون وحيداً... لا تستغرب إذا لم يقدر الناس من حولك أن يفهموا كيف يمكن أن تستمتع بالوحدة المطلقة... إذا قدرت على الاستمتاع بهذه الوحدة، سيكون طريقك عندها هو التأمل... لكن إذا شعرت أنك عندما تتواصل مع الآخرين وتعيش معهم يأتيك الفرح والابتهاج وتشعر بالحيوية، عندها سيكون طريقك هو الحب بالتأكيد.

 

راقب بهدوء وصبر... وستجد أنه ليس صعباً تقرير ما هو طريقك... حالما تجد ما هو عملك، عليك أن تقدّم نفسك له بكامل قلبك... عندها لا تنتظر حتى للحظة واحدة، ولا تحتفظ بأي ذرة من الطاقة... التزم وانشغل بعملك بشكل كلي كامل مطلق، لأن التحويل ممكن فقط عندما تغلي الماء على درجة 100 بالضبط.. وليس الماء الفاتر... الفتور لن يفيد شيئاً، عليك أن تغلي كيانك.. أن تكون كلياً مخلصاً في عملك.

 

في البداية خذ بعض الوقت لاكتشاف نوع العمل.

وظيفة المعلم هي مساعدتك على اكتشاف ما هو عملك الحقيقي وما هو نوعك.

إذا لم تستطع اكتشاف ذلك بنفسك، استعن بمعلم صادق..

اقرأ جيداً وتعلّم ما هو التأمل؟ وما هو الحب؟..

نحن لا نولد ونعرف فطرياً ما هي حقيقة التأمل وما هي حقيقة وعلوم الحب..

الكتاب هو خير معلم وجليس.. يُظهر لك الطريق..

وعندها إذا مشيت في الطريق امشي بكل قلبك...

لا يمكنك التردد أو السير خطوة للأمام وخطوة للخلف.. التردد يعيق التحويل الأصيل.

وإذا كنتَ تسير على طريقك الداخلي بكامل قلبك،

في لحظة واحدة يمكن أن تصير نبياً أو مسيحاً..

وتذكّر، فقط أنت مَن يستطيع القيام بهذه المعجزة،

ولا يمكن لشخص آخر أن يفعلها بدلاً منك..

 

شكراً لك

 

أضيفت في:23-2-2015... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد