موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

طيبة المتأمل الزائدة، وسهولة تأثره بالأفكار والذبذبات السلبية المؤذية

سأل أحدهم أوشو:

"إن الشخص المتديّن والمتأمل، سريع التأثر والعطب، المُستًقبل المنفتح المستسلم والمسلّم... يشعر أن هذه الصفات من الطيبة تجعله يعاني من تأثير المجتمع والأشخاص غير المتأملين ومن الذبذبات المتوترة السلبية المحيطة به... رجاء اشرح لنا كيف يمكن للمتأمل أن يحافظ على نفسيته الحساسة ويحميها من الذبذبات المؤذية والأشخاص المستغلين؟"

 

 

أجابه: إذا كنتَ فعلاً مستسلماً ومنفتحاً للحياة فلا شيء سلبي بالنسبة لك، لأن السلبية هي تفسير فكرك... لا يوجد شيء مؤذي لك لأن الأذية أيضاً تفسير فكرك.. إذا كنت متأملاً ومستسلماً فعلاً، لا شيء مطلقاً يمكنه أن يؤذيك أو يشعرك بالسلبية... أنت تشعر بذلك لأنك تقاوم، لأنك تقف ضده، لأنه لا يوجد عندك قبول له.. يجب فهم هذا بعمق.

العدو موجود هناك لأنك تحمي نفسك ضده.. العدو موجود لأنك غير منفتح... أما إذا كنت منفتحاً حقاً، سيكون الوجود كله صديقاً ودوداً لك، لا يمكن أن يكون غير ذلك.... عندها لن تشعر حتى بأنه صديقك لأنه صديقك فعلاً! لن يكون هناك حتى شعور بالصداقة لأن ذلك الشعور يمكن أن يوجد فقط مع وجود الشعور المعاكس من العداوة.

 

دعني أقولها بهذه الطريقة: إذا كنتَ طيباً ومستسلماً فهذا يعني أنك مستعد للعيش دون ضمان أو أمان.. عميقاً، هذا يعني أنك مستعد حتى للموت... لن تقاوم أو تعارض ولن تعاكس أي شيء... إذا أتى الموت فأهلاً وسهلاً، لماذا المقاومة.. سوف تسمح له بأن يحدث ببساطة.. وستقبل الوجود بكليته.. حياة وموت رقصة متكاملة.. عندها كيف ستشعر حتى أنه موت؟

إذا أنكرتَ ورفضت، عندها ستشعر أنه عدو لك.. إذا لم تنكره فكيف ستشعر أنه عدو لك؟

العدو يتم صنعه بإنكارك له.. والموت لا يمكنه أن يؤذيك، لأن الأذية هي تفسيرك أنت.

والآن لا يمكن لأحد أن يؤذيك، صار هذا مستحيلاً...

هذا هو سر التعاليم والحكمة في الشرق والغرب.. هذا هو سر الفناء للوصول للأبدية والبقاء..

التعليم الأساسي هو: إذا قبلتْ، سيكون الوجود بكامله معك... ولا يمكن أن يكون غير ذلك.

إذا أنكرت، فأنت تصنع العدو... كلما أنكرت أكثر، ستدافع أكثر، وستحمي نفسك أكثر، وستصنع مزيداً من الأعداء.

الأعداء هم من صنعك أنت... إنهم غير موجودين هناك في الخارج، بل موجودين داخلك في تفسيرك أنت.

 

حالما تقدر على فهم هذا، لن يظهر هذا السؤال... لا يمكنك قول: "أنا شخص متأمل، منفتح سريع التأثر والتحسس.. فكيف يمكنني أن أحمي نفسي من الذبذبات السلبية حولي؟"

لا يمكن لأي شيء أن يكون سلبياً الآن... ما هو معنى "سلبي"؟

السلبي يعني الشيء الذي تريد إنكاره، ولا تريد قبوله أبداً، وتعتقد أنه ضار ومؤذي... لكنك هنا لستَ منفتح أو مستسلم، ولستَ في حال التأمل بعد.

هذا السؤال يظهر فقط من المستوى الفكري، وليس سؤالاً تشعر به في كيانك.. أنت لم تتذوق التأمل ولم تعرفه بعد... أنت ببساطة تفكّر، وذلك التفكير هو مجرد افتراض... أنت تفترض: "إذا تأملتُ وأصبحت طيباً منفتحاً، عندها لن أكون بأمان... فالذبذبات والأفكار السلبية ستدخل إلي وتؤذيني... عندها كيف سأدافع عن نفسي؟"

هذا سؤال مٌفترض افتراض... لا تجلب أسئلة مُفترضة إلي لأنها عقيمة ودون معنى.

 

تأمل... صر منفتحاً، وعندها لن تجلب مثل هذا السؤال أبداً.. لأنه في انفتاحك للحياة تحديداً سيختفي كل مفهوم السلبية... عندها لا شيء سلبي... إذا فكرتَ بأن شيئاً ما سلبي فلا يمكن أن تصبح منفتحاً... مجرد الخوف من السلبي سيصنع الانغلاق داخلك... وتصير مغلقاً.

مجرد وجود خوف بأن شيئاً يمكنه أن يؤذيك... كيف يمكن أن تصبح مستسلماً؟

لهذا أنا أشدد على حقيقة واضحة: ما لم يختفي الخوف من الموت عندك، فلا يمكن أن تصبح مستسلماً مسلّماً منفتحاً... ستبقى منغلقاً في سجن فكرك في سجن صنعته أنت بيدك.

 

لكن يمكنك الاستمرار بافتراض الأشياء، وكل ما تفترضه سيكون خاطئاً، لأن الفكر لا يمكنه معرفة أي شيء عن التأمل، ولا يمكنه اختراق ذلك البعد.

عندما يتوقف الفكر تماماً، يحدث التأمل... لذلك لا يمكنك افتراض أي شيء، ولا يمكنك التفكير بأي شيء سيحدث... إما أن تعرفه أو لا تعرفه.. لا يمكنك أن تفكر به.

 

كن منفتحاً، وفي انفتاح نفسك تحديداً يختفي كل ما هو سلبي في الوجود....

حتى الموت لن يكون سلبياً حينها.. ولا شيء آخر سلبي..

خوفك هو ما يصنع السلبية.. أنت في العمق العميق خائف، وبسبب هذا الخوف تصنع تدابير السلامة.

وضد هذه التدابير يظهر ويتواجد العدو أمامك... انظر لهذه الحقيقة: أنت من يصنع عدوك.

 

الوجود ليس عدائياً بالنسبة لك.. كيف يمكن أن يكون عدوك؟ فأنت تنتمي إليه وأنت جزء عضوي منه.. كيف يمكن للوجود أن يكون عدوك؟ أنت هو الوجود ذاته.. أنت الخالق والمخلوق معاً... لا يمكن فصلك عنه ولا يوجد أي فجوة بينكما.

متى ما شعرتَ بوجود السلبي، الموت، العدو، الكراهية وغيرها.. وإذا كنتَ منفتحاً حساساً دون حماية وحراسة، والوجود سيدمرك، ستشعر أنه عليك حتماً الدفاع عن نفسك.

وليس فقط الدفاع، لأن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم! لا يمكن أن تبقى مدافعاً ببساطة.. عندما تشعر أن عليك الدفاع عن نفسك، ستصبح مهاجم وعنيف، فهذه أفضل وسيلة عندك.

 

الخوف هو ما يصنع العدو، بعدها العدو يصنع الدفاع، وبعدها الدفاع يصنع الهجوم... فتصبح شخصاً عنيفاً.. تبقى دائماً في حراسة ومراقبة.. وأنت ضد كل الآخرين.

يجب فهم هذه النقطة: إذا كنت واقعاً في الخوف، فأنت ضد كل الآخرين.. قد تختلف الدرجات، لكن عدوك وصديقك كلاهما عدو لك!... الصديق عدوٌ أقل قليلاً، هذا كل شيء...

عندها زوجك أو زوجتك هي أيضاً عدوك... لقد صنعتما فقط اتفاقية هدنة بينكما هذا كل شيء.

لقد تكيفتما مع العيش المشترك.. أو ربما يكون عندكما عدو مشترك وأخطر بكثير، عندها تجتمعان وتتعاونان ضد ذلك العدو فحسب، لتصبحان عائلة ووحدة واحدة، لكن مرض العداوة لا يزال موجود.

 

إذا كنتَ منغلقاً، سيكون الوجود بكامله عدواً لك... ليس أنه عدو في الواقع، لكنه يظهر لك كذلك.

عندما تكون منفتحاً، سيصبح الوجود بكامله صديقاً لك..

الآن عندما تكون منغلق، حتى الصديق يكون عدو.. فأنت في العمق خائف من صديقك أيضاً.

مثلما قال أحد الكتاب المشهورين في دعاء لله: "يا الله... أنا سأهتم بأعدائي، لكن أرجو منك أنت أن تهتم بأصدقائي... سوف أتقاتل مع أعدائي وأهزمهم، لكن قم أنت بحمايتي من أصدقائي".

 

على مستوى السطح فقط هناك صداقة، في العمق هناك فقط عداوة...

صداقتك يمكن أن تكون مجرد قناع لإخفاء العدو...

إذا كنت منغلقاً يمكنك صنع فقط العدو، لأنه فقط عندما تصبح منفتحاً يظهر لك الصديق.

عندما تكون منفتحاً بشكل كلي لشخص ما، تحدث الصداقة.. ولا يمكن أن تحدث بأي طريقة أخرى.

كيف يمكنك أن تحب إذا كنتَ منغلقاً؟

أنت تعيش في سجنك، وأنا أعيش في سجني، وعندما نلتقي، تقوم فقط جدران السجون بملامسة بعضها، ونحن نختبئ خلفها.

نحن نتحرك ضمن كبسولاتنا... الكبسولات تلامس بعضها، الأجساد تلامس بعضها، لكننا في العمق نبقى منفصلين معزولين.

حتى أثناء القيام بالحب، عندما تندمج أجسادكما وتدخل في بعضها، لا تدخلان أنتما في بعضكما..

الأجساد فقط هي من يتلاقى، وأنتما تبقيان في الخلية أو الكبسولة... تخدعان أنفسكما بالحب والذوبان والاندماج.

حتى في الجنس الذي هو أعمق علاقة بين اثنين، المشاركة والصلة الحميمة لم تعد موجودة.

لا يمكنها أن تحدث لأنكما منغلقان..

بهذا أصبح الحب شيئاً مستحيلاً... وهذا هو السبب: أنت خائف.

 

لهذا لا تجلب مثل هذه الأسئلة، الأسئلة المزيفة... لو أنك عرفتَ الانفتاح والطيبة فلا يمكن أن تشعر بأن شيئاً يمكنه أن يؤذيك... لم يعد أي شيء يؤذي، لذلك أقول أنه حتى الموت هو نعمة كبيرة... فموقفك من كل شيء أصبح مختلفاً الآن.

أينما نظرتَ ستنظر وترى بقلب مفتوح... انفتاح القلب على الطيبة والقبول يغيّر نوعية كل شيء..

ولا يمكنك أن تشعر بشيء يمكنه أن يؤذيك.. لا حاجة.. لأن الانغلاق والرفض قد اختفى.

 

لكن يمكنك الاستمرار أيضاً بافتراض الأسئلة... يأتي إلي الناس ويسألونني:

"حسناً... إذا عرفنا الله وأدركناه واختبرنا الألوهية، فماذا بعد ذلك؟"

يبدؤون دوماً سؤالهم بـ"إذا".

لا يوجد "إذا" في الوجود وفي عالم الحقيقة

لا يمكنك طرح مثل هذه الأسئلة في الوجود

إنها أسئلة غبية وتافهة لأنك لا تعرف ماذا تقول

"إذا أدركت وعرفت الله، فماذا بعد ذلك؟"

 

تلك الـ"ماذا بعد ذلك؟" لن تظهر أبداً!

لأنه مع معرفة الله لن تبقى أنت موجوداً، بل الله هو فقط ما يوجد

ومع ذلك الإدراك لا يوجد مستقبل، هناك فقط الزمن الحاضر

ومع العرفان لا يوجد شك أو قلق، لأنك أصبحت واحداً مع الوجود والموجود

لذلك السؤال "ماذا بعد ذلك؟" لا يظهر مطلقاً

هذا السؤال يظهر بسبب الفكر الذي يبقى دوماً في قلق وصراع مستمر وتفكير دائم بالمستقبل.

 

Source - Osho Book "Vigyan Bhairav Tantra, Vol 2"

 

أضيفت في:15-3-2015... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد