الملك الغارق في القلق
كان أحد الملوك غارقاً في القلق حتى العنق... عندما يُغرقك القلق، فهو يغرقك لآخر
درجة، لأنه مع دخول أول شيء مقلق تدخل بقية المقلقات... الشخص الذي يسمح بدخول شيء
واحد، يقوم دون وعي بفتح الطريق للبقية... لهذا السبب تحديداً قالوا أن النساء لا
تأتي فراداً.. لا أحد يقابل قلقاً مفرداً أبداً!
من المدهش والغريب أن الملوك والرؤساء كثيراً ما يغرقون في القلق، رغم أنه في
الواقع، الملوك فقط هم من يتحررون من كل أشكال القلق.
إخضاع القلق واستعباده للشخص قوي جداً، حتى أن كل قوة وسلطة الملك لا يمكنها التغلب
عليه... ربما لأجل نفس السبب، سلطة الملوك والممالك تقف في خدمة نشر الخوف والقلق.
أراد رجلٌ أن يصبح ملكاً لأجل السلطة والاستقلال... لكنه في النهاية، وجد أنه لا
يوجد أي شخص أضعف وأكثر اتكالاً وفشلاً من الملك، لأن الشخص الذي يريد استعباد
الآخرين، يصبح في النهاية عبداً للعبيد... الشيء الذي نريد ربطه، ينجح في النهاية
بربطنا وتقييدنا.
لأجل الاستقلال،
لا يكفي التحرر من استعباد الآخرين لك فحسب،
بل أيضاً التحرر من عقلية استعباد الآخرين.
ذلك الملك كان مُستعبَداً أيضاً مثل الآخرين.. وقد بدأ أيضاً يحتل الجنة، لكن بعد
انتصاره وجد نفسه جالساً على عرش جهنم!
كل ما يربحه الاستكبار، يثبت في النهاية أنه جهنم.. والاستكبار لا يمكن أبداً أن
يربح الجنة، لأن الجنة هي المكان الذي ليس فيه استكبار..
الآن، أراد التحرر من جهنم داخله التي احتلها بنفسه.. لكن من الصعب تحقيق الجنة ومن
السهل فقدانها... من السهل الوصول إلى جهنم ومن الصعب فقدانها...
أراد التحرر من ألهبة نار القلق... لكن مَن الذي لا يريد ذلك؟ من الذي يريد البقاء
جالساً على عرش جهنم؟ لكن أي أحد يريد الجلوس على عرش، فعليه أن يجلس حصراً على عرش
جهنم.. تذكر أن الجنة ليس فيها أي عرش.. فقط عروش جهنم تظهر مثل عروش الجنة من
مسافة بعيدة.
ليلاً ونهاراً، نائماً وصاحياً، بقي ذلك الملك يصارع القلق... لكن الشخص يقوم
بإزالة مقلقاته بيدٍ، ويقوم بألف يدٍ بدعوة المزيد منهم بنفسه.
كان على الملك أن يتحرر من القلق، وعليه أيضاً أن يصبح سلطاناً قوياً ذو سيادة...
ربما كان يفكر أنه عندما يصير سلطاناً عظيماً سوف يتحرر من كل مقلقاته... حماقة
الإنسان تستمر برسم مثل هذه الاستنتاجات... لذلك أراد مناطقاً جديدة ليحتلها
ويحكمها كل يوم... ويجب على شمس المغيب ألا تجد حدود مملكته التي وجدتها شمس
الفجر...
لقد كان الملك يحلم بالفضة ويتنفس ذهباً بدل الهواء... لكن لأجل الحياة، مثل هذه
الأحلام والأنفاس خطيرة جداً.. لأن أحلام الفضة تصير سلاسلاً على صدرك ونَفسك،
وأنفاس الذهب تسكب السم في الروح... وغيبوبة السكرة الناتجة عن خمرة الطموح لا يمكن
كسرها إلا بالموت.
ومضى وقت بعد الظهيرة في حياة ملكنا العزيز... وأصبحت الحياة على الجانب الآخر من
اليوم.. وبدأ الموت يرسل رسله ومراسيله.
كانت قوته تضعف يوماً بعد يوم والمقلقات تزداد.. وحياته في خطر مستمر.. الشيء الذي
يزرعه الإنسان في شبابه، يحصده عندما يكبر في العمر.. بذور السم لن تزعجك أبداً وقت
زراعتها، لكنها ستسممك وقت الحصاد.
أولئك القادرون على رؤية التعاسة في البذرة ذاتها لن يقوموا بزراعتها.. فلا يمكنك
التخلص من البذرة بعد زراعتها، ولا بد من جني المحصول ولا مهرب منه أبداً.
وقف ذلك الملك أيضاً في وسط الحصاد الذي زرعه بنفسه... وللهرب منه، فكر حتى
بالانتحار... لكن الطمع بأن يكون ملكاً، والأمل بأن يصبح امبراطوراً عالمياً في
المستقبل لم يسمحا له حتى بذلك.
أمكنه خسارة الحياة، وفي الواقع لقد خسرها فعلاً، لكن الاستغناء عن الحُكم كان أبعد
من قدرته.. تلك الرغبة ذاتها كانت حياته، وفقط مثل هذه الرغبات التي تبدو كأنها
حياة، تدمّر الحياة.
في أحد الأيام، وللتخلص من مقلقاته، ذهب إلى غابة بعيدة في الجبال.. لكن كان الهرب
من المقلقات أصعب بكثير حتى من الهرب من القبر!!.. قد يقدر المرء على الهرب من قبره
لكن ليس من القلق، لأن القبر في الخارج والقلق في الداخل... كل ما يوجد داخلك يبقى
معك دائماً... أينما ذهبتَ سيلحقك... دون تغيير النفس من جذورها العميقة لا يمكن
الهرب منه.
كان الملك على حصانه يسير مبتعداً في الغابة، فجأة سمع صوت عزف على الناي... كان
هناك شيء في الصوت جعله يتوقف فجأة ويتجه بحصانه إلى مصدر الموسيقى.
بالقرب من شلال صغير وفي ظلال شجرة كبيرة، كان هناك راعي شاب يعزف على الناي
ويرقص.. وخرافه ترتاح في مكان قريب.. قال له الملك: "يبدو أنك سعيد جداً وكأنك
وجدتَ مملكة ضخمة!".
قال الراعي: "رجاءً، إدعو واحمد الله أنه لم يُعطني أي مملكة! لأنني في هذه اللحظة
ملك، أما عندما أنتصر وأصير ملكاً فلا أحد يبقى ملكاً".
تفاجأ الملك وسأل: "دعني أعرف ماذا تمتلك لكي تكون ملكاً؟"
قال الراعي: "ليس بالثروة بل بالاستقلال يصير المرء ملكاً.... ليس لديّ شيء سوى
نفسي.. لدي نفسي معي ولا يوجد أي ثروة أكبر من ذلك، ولا أقدر أن أفكر ماذا يمتلك
الملك ولا أمتلكه أنا... لدي عينان لرؤية الجمال، لدي قلب لأجل الحب، ولديّ القدرة
على الخشوع في صلاة وتأمل...
النور الذي تعطيه الشمس لي ليس أقل مما تعطيه للملك... والنور الذي ينثره القمر
عليّ ليس أقل من الذي ينثره على الملك.. هناك مقدارٌ كافي من الأزهار الجميلة تتفتح
لأجلنا في الغابة مثلما تتفتح للملك...
الملك يأكل حتى يمتلئ ويغطي جسده بالثياب وأنا أيضاً أفعل ذلك... فماذا يوجد إذن
عند الملك ولا يوجد عندي؟.. ربما مقلقات الملك نعم.
لكن عسى أن يحميني الله ويُبعدني عنها... الموت أفضل بكثير من المقلقات..
وهناك من ناحية أخرى عدة أشياء موجودة عندي وليست عند الملك: استقلالي، روحي،
سعادتي، رقصتي وموسيقاي... أنا سعيد بما أنا عليه، ولذلك أنا ملك".
سمع الملك كلام وأفكار الراعي الشاب ثم قال له: "أيها الشاب العزيز، كل ما تقوله
صحيح... اذهب وقُل لكل شخص في القرية بأن الملك أيضاً قال نفس الكلام.. والآن ترك
مملكته وصار مثلك ملكاً".
أضيفت في:18-1-2016... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|