موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

ثلاث طبقات من معبد الدّين الحقيقي

الدين الحقيقي هو الذي يأخذك في رحلة تحويل أصيل، ويُعيدك إلى التدين الفطري.. دين الفطرة الموجود في كل قلب... إنه حديث الروح إلى الروح... روحانية نادرة ومفقودة في هذه الأيام... لأن اختبار الحقيقة عند كل نبي ومسيح وحكيم، تمّ تنظيمه من زمان وطباعته وتحويله إلى تجارة.. وصار رجال الدين والسياسيين هم أكبر مافيات الروح.

 

اليوم سنكتب ونقرأ شيئاً عن الدين الحقيقي... وهو بناء عتيق وجديد مكوّن من ثلاث طبقات.. هذه الطبقات الثلاث موجودة في جوهر الصوفية وفي كل دين إسلامي ومسيحي ويهودي وحتى بوذي وحكمة الزن... الحقيقة واحدة يا إخوتي.

بناء معبد الدين الحقيقي له ثلاث طبقات، وتعاليم كل حكيم ونبي لها ثلاث أبعاد ومستويات..

عليك أن تكون صبوراً جداً لكي تفهمها وتختبرها.. لأنه تمت إساءة فهمها كثيراً عبر العصور.

ومستحيل أن يكتمل الدين الحقيقي إلا باكتمال ثلاث طبقات في كل إنسان..

 

الطبقة الأولى من معبد أي دين هي الشريعة.. أي الوصايا والتعاليم والانضباط..

الطبقة الثانية هي الطريقة، وهي ألطف وتعمل على القلب والمحبة والعطاء..

الطبقة الثالثة هي الحقيقة، وهي جوهرة الحق التي تتجاوز كل شيء وتخترق دون أن تحترق.

 

الشريعة موضوعة لعامة الناس... سأله علي: لماذا الشريعة يا رسول الله؟ فقال: إنها لقسوة القلوب يا علي..

الطريقة هي لأهل الطريق، الذين يسيرون باحثين عن الحق...

والحقيقة هي للصحبة من صفوة الصفوة وخاصة الخاصة الذين عاشوا واختبروا الحق..

 

الطبقة الأولى لها رمز قديم هو العربة الصغيرة أو الطريق الضيق.

الطبقة الثانية هي العربة الكبيرة أو الطريق الواسع..

الطبقة الثالثة هي العربة العظمى أو الطريق الأسمى..

 

الطبقة الأولى: الشريعة

الشريعة هي جسد الدين، والجسد يحيا ويموت.. هكذا هي الشريعة، قد تكون حية وقد تكون ميتة. في رحاب السيد المسيح تكون الشريعة قلباً ينبض بالحياة... في رحاب النبي محمّد تكون الشريعة كزهرة صَحَت من نومها حين داعبها نسيم فجر جميل ففتحت بتلاتها حتى يرويها الندى... وحين يرحل السيد المستنير، حين تغيب الشمس مصدر النور بحلول المساء، يبقى النور في سمائنا لوقت قصير ثم يرحل تاركا لنا ظلاماً نتحدث بلسانه عن النور وباسم النور. السيد المستنير هو الروح لجسد الدين، الشمس التي تبعث لنا النور... غياب الروح يعني موت الجسد وغياب النبي والمسيح يعني أن الروح قد فارقت جسد الدين. والجسد الميت يشبه الجسد الحي عدا أن الأول لا حياة فيه، والناس تتعلق بالأشكال وتهوى الأجساد ولا تناشد أي حقيقة أبعد من هذه الأبعاد، وهكذا لا تزال الناس تؤمن بأن الشرائع في يومنا هذا حيّة وبأن نهر الحياة لم يجفّ فيها بعد أن أصبحت حبراً على ورق.

 

على كل حال، نتكلم في هذه اللحظة وهذا الحال.. الشريعة الحقيقية الحية تبدأ من مكان وقوفك أنت في بداية الطريق... وتساعدك على تغيير عاداتك الآلية... إنها فرائض ووصايا وحركات مثل الصلاة واليوغا، كلها موجهة إلى الجسد، وتعتمد على انضباط قوي وصارم وكأنه كبت كما يبدو... لكنه ليس كبت، بل عمل الشرائع يعتمد على تغيير عاداتك التي عمرها عدة قرون.

أعتقد كان النبي على حق عندما فرض الشريعة على قبائل العرب قساة القلوب الذين كانوا ولا زالوا يتقاتلون سنوات لأجل عنزة، ويدفنون المولود إذا كانت بنت! لأنهم بني جهل ومتحجري التفكير... وكذلك الوصايا في كل الأديان هي أساس هذه الطبقة من الشريعة: لا تزني، لا تسرق، لا تقتل ...إلخ. تم وضع الوصايا والشرائع لقساة القلب من الناس البدائيين الهمج لتحسين أحوال المجتمع، لكن هناك أكثر من ذلك.

الشريعة تدفعك إلى السير على الصراط المستقيم.. مثل الذي يسير على حبل مشدود معلق في الهواء.. يبدأ يميل إلى اليسار إذا شعر أنه سيقع إلى اليمين... لأجل التوازن على المرء أن يتحرك إلى الاتجاه المعاكس... هكذا ينتج التوازن، لكن هذا التوازن مؤقت وعابر.. مجدداً ستبدأ تقع باتجاه جديد وستحتاج مجدداً للتوازن والتحرك بالعكس.

الجنس هو المشكلة الأساسية في الحياة... لماذا "مشكلة"؟

كل العادات التي صنعها الإنسان متوجهة إلى الجنس بشكل أساسي.. لذلك لم يسمح أي مجتمع بالحرية الجنسية المطلقة... كل الحضارات التي ظهرت سواء شرقية أم غربية، بدائية أم متطورة، معقدة أم بسيطة، كلها قد حاولت بطريقة ما أن تتحكم بالطاقة الجنسية عند الإنسان... يبدو أن الجنس هو أكثر قوة تتسلط على الإنسان.. ويبدو أن الإنسان إذا أعطي كامل الحرية الجنسية، سيدمر نفسه ببساطة.

 

قام الباحث سكينر Skinner ببعض التجارب على الجرذان.. قام بوضع بعض الأقطاب الكهربائية في دماغ الجرذ ووصلها إلى مراكز محددة، وعند ضغط زر يمكن تنشيط ذلك المركز العصبي في الدماغ.

هناك مركز للجنس في الدماغ.. وفي الواقع، هذا المركز الجنسي يتحكم بك أكثر من العضو الجنسي الظاهر في جسمك.. لهذا يتأثر الشخص بالمخيّلة والتصوّر كثيراً، ولهذا هناك انجذاب كبير للأفلام والصور الإباحية... هذه الصور لا يمكن أن تؤثر بالعضو الجنسي بحد ذاته، بل تقوم بتحفيز المركز الدماغي المتصل بالجنس، ومباشرة يتأثر ويتنشط العضو الجنسي حال تنشيط الفكر.

قام ذلك الباحث بتثبيت أقطاب كهربائية في دماغ الجرذان، وعلّمها أن تضغط الزر كلما أرادت تنشيطاً جنسياً ونشوة داخلية.. وتفاجأ الباحث.

لم يتوقع أبداً ما حدث.. قامت الجرذان بنسيان كل شيء تماماً، الأكل والشرب والنوم واللعب... واستمرت بكبس الزر! أحد الجرذان كبس الزر 6000 مرة ثم مات.. مات وهو يكبس الزر!! نسي كل شيء آخر لأن الزر كان أهم شيء عنده.

عاجلاً أم آجلاً، سيقوم أحد العلماء المجانين بإعطائك أنت أيضاً صندوقاً صغيراً تضعه في جيبك، وكلما شعرتَ بالشهوة الجنسية تكبس الزر فيتنشط مركز دماغك وتحصل على نشوات هائلة ولن يعرف أي شخص ماذا يحدث داخلك.. لكنك غالباً ستقلد ذلك الجرذ... فما أهمية أي شيء آخر أمام هذا الصندوق والزر العجيب؟ سوف تقتل نفسك.

وأتساءل... هل هذا الصندوق صار فعلاً موجوداً اليوم في جيب كل شخص؟؟ هل هو هذا الهاتف المحمول "الذكي"... أم هذا التلفاز المزود بكاميرا تفاعلية تراقبك وتتحدث معها... أم هذه الألعاب الالكترونية الحديثة العنيفة، أو تلك التي ترتدي لها نظارات 3D لتعيش في عالمها الافتراضي المجسم وتنسى نفسك بين الأزرار ليل نهار؟

 

الجنس هو انجذاب عظيم لدرجة أنه إذا لم يكن هناك حدود له... أولاً هناك حدود يضعها الجسم عليه.. لا يستطيع الرجل أن يعمل عدة نشوات في نفس اليوم... إذا كنتَ شاباً تقدر ثلاث أو أربع مرات، وعندما تكبر يصبح مرة في اليوم، وأكبر قليلاً حتى ذلك يصبح صعباً... تصبح قدرتك الجنسية مرة فقط في الأسبوع، ثم مرة في الشهر... بالتدريج يضع جسمك عدة قيود وحدود على الجنس.

النساء أكثر حرية من هذه الناحية.. جسدهن ليس عنده حدود.. ولذلك تم عبر العالم كبت النساء تماماً... لم يسمحوا لها بأية حرية.. ولم يسمحوا لها حتى بمعرفة ما هي النشوة الجنسية في الماضي، لأنها تستطيع الحصول على نشوات متعددة... خلال ثواني أو دقائق تقدر على تحقيق عدة نشوات متتالية ستة أو حتى 12 نشوة.. عندها لا يوجد أي رجل عادي قادر على إشباع المرأة.. وعندها فقط الجنس الجماعي قد يحقق الاكتفاء، ستحتاج المرأة على الأقل 12 زوجاً، وذلك سيصنع تعقيدات عديدة.

لذلك، عبر العصور وآلاف السنين تم تربية النساء بطريقة ينسون فيها حتى أنهن قادرات على النشوة الجنسية... فقط خلال آخر خمسين سنة بدأت النساء تتعرف من جديد على النشوة وعلى أسرار جسدها.. ومع هذا التعلّم والتعرف ظهرت المشاكل في كل أنحاء العالم... ومفهوم الزواج انتهت صلاحيته... لا يمكن أن يوجد الزواج مع مقدرة المرأة على النشوات المتعددة... والرجل افتراضياً قادر على نشوة واحدة.. لا يمكن حدوث توافق بينهما.. وعندها أحادية الشريك غير ممكنة وسيصبح الأمر صعباً.

هذا المجتمع وأسلوب الحياة فيه محكوم عليه بالفشل.. لم يحرّر الإنسان إلا بعض الطاقة الكامنة التي كانت دائماً محجوزة تحت تحكم صارم... لكن الانجذاب موجود دائماً هناك، سواء كبتّه أو تحكمت به أو وضعتَ انضباطاً له فلا يوجد أي فرق... الانجذاب موجود 24 ساعة، عميقاً داخلك مثل نهر جوفي يتدفق الجنس باستمرار... قد تأكل، قد تعمل، قد تكسب المال، لكنك تفعل كل شيء لأجل الجنس.

في مكان ما، يبقى الجنس هو الهدف.... وهذا النمط يجب تغييره، وإلا سيستمر هدر طاقتك وتشتيتها، سيستمر هبوطها إلى الأرض، لن تصعد إلى أعلى سماء وتحقق لك وعياً أرقى وأسمى.

 

الشريعة تعمل تماماً من مكان وقوفك.. هل أنت مهووس دائماً بالجنس؟ الشريعة تقول لك: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر! وتحاول إزالة هذا الهوس... إنها تعطيك انضباطاً معيناً وعملاً على النفس وجهاد النفس أكبر الجهاد... انضباط صارم لكي تقدر أن تخرج من الهوس.

 

وتحقق الشريعة الحية ذلك عبر أربع خطوات للخروج من الجنس والهوس به:

الأولى هي التنقية

الثانية هي الإثراء

الثالثة هي التبلور

الرابعة هي التدمير

 

أولاً عليك نقل طاقتك وتحريكها ضد الجنس، بحيث تتوقف كل عاداتك الجنسية التي تطورت عبر سنوات وحيوات عن التدخل في حياتك الآن... هذه هي مرحلة التنقية.. تقوم بتغيير وعيك والانتقال من حال إلى حال... تنتقل من الهوس الجنسي إلى موقف ضد الجنس.

 

الخطوة الثانية هي الإثراء... بعد انتقالك إلى حالٍ خالي من الجنس ومن التفكير به، عندها عليك الاستمتاع بغياب الجنس، عليك الاحتفال بحال العزوبية.

إذا لم تحتفل هنا بالعزوبية، سيبدأ الجنس من جديد يسحبك للخلف... حالما تبدأ تحتفل بالعزوبية سيزول تماماً جذب الجنس وسيزول للأبد.

أنت مهووس بالجنس لأنك لا تعرف أي نوع آخر من الاحتفال..

لذلك، المشكلة ليست هي الجنس في الحقيقة.. المشكلة هي أنك لا تعرف أي احتفال آخر.. الطبيعة تسمح لك بمتعة وفرحة واحدة فقط وهي الجنس.. الطبيعة تسمح لك بإثارة واحدة فقط وهي الجنس.

الشريعة والوصايا تقول لك: لا تزني.. وألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر... الشريعة تقول لك أن هناك إثارة وسعادة أكبر بانتظارك إذا انتقلتَ إلى العزوبية... لكن العزوبية يجب ألا تكون مفروضة بعنف.. إذا فرضتها بعنف فلن تكون قادراً على الاستمتاع بها.

على المرء فقط أن يكون واعياً تجاه العادات الجنسية، ومن خلال الوعي على المرء أن ينتقل بالتدريج إلى العزوبية.

يجب جلب العزوبية ببطء شديد... كل ما يُعيدك مجدداً إلى الهوس الجنسي يجب رميه ببطء وعبر خطوات... وحالما تبدأ تستمتع بالطاقة التي أصبحت متاحة لك، عندما لا تعود مهووساً بالجنس، مجرد تلك الطاقة الصافية تصبح احتفالاً ورقصة داخلك... هذه هي مرحلة الإثراء... الآن طاقتك لا تُهدر.... طاقتك تهطل عليك مطراً مستمراً من النور.

 

تذكّر، هناك نوعان من العزوبية والعازبين... الأول هو الذي قام ببساطة بفرض العزوبية على نفسه، وهذا نوع خاطئ يقوم بالعنف ضد نفسه... والثاني هو الذي حاول فهم الهوس الجنسي، ما هو، ولماذا يظهر، وقام بمراقبته ومشاهدته وعاش فيه، ثم بالتدريج أصبح واعياً لأنه شيء عقيم... بالتدريج أصبح واعياً لإحباط عميق يأتي بعد كل فعل جنسي.

في الفعل الجنسي هناك جذب وإثارة معينة... تأتي لحظة من النسيان والذوبان.. يأتيك شعور جيد لكن فقط لبضعة ثواني، للحظاتٍ فقط تخرج من هذا العالم الممل البليد... الجنس يعطيك باباً للهرب إلى عالم آخر خالي من التوتر والقلق، فيه استرخاء وذوبان...

لكن هل لاحظتَ هذا؟ بعد كل فعل جنسي تشعر بالإحباط.

لقد وعدك الجنس بالكثير، لكنه لم يوفي بوعوده... من الصعب إيجاد رجل أو امرأة لا يشعر ببعض الإحباط بعد الفعل الجنسي، وببعض الشعور من الذنب... لا أقصد هنا الذنب الذي فرضه عليك رجال الدين.. حتى لو لم يقم أي أحد بفرض فكرة الذنب، ستشعر ببعض الذنب.. هذا جزء وهذا خيال للفعل الجنسي بحد ذاته.. لقد خسرتَ طاقة وشعرتَ بالنضوب والنفاذ ولم تربح شيئاً.. الربح ليس مهماً جداً.

لقد تمّ خداعك بخدعة من الطبيعة، تنويم مغناطيسي طبيعي، قام الجسد بغشك وخداعك ولذلك يأتي الإحباط.

الشريعة تقول لك: راقب هذا الإحباط بعمق أكبر... راقب الفعل الجنسي وطريقة تحرك طاقتك فيه... كن واعياً لها.. وستجد أنه فارغ من كل معنى ومغزى.. والإحباط.. كلما كنتَ واعياً أكثر، سيقل استمتاعك به وسيزداد الإحباط الناتج عنه... عندها يبدأ الانتقال بالحدوث: وعيك صار يتحرك إلى طبقة أخرى، طبيعياً، تلقائياً وعفوياً.. أنت لا تفرض ذلك.

الخطوة الثانية تصبح متاحة: الإثراء... طاقتك الخاصة بك تستمر بتغذية كيانك... لم تعد ترميها إلى جسد شخص آخر، لم تعد ترميها إلى الخارج.. بهذا تصبح الطاقة تراكماً عميقاً داخلك وأنت تصبح بحيرة من الطاقة.

انطلاقاً من ذلك الشعور بالطاقة، ستشعر بسكينة وبرودة وانتعاش..

الجنس حار جداً.. بينما مرحلة الإثراء هادئة لطيفة البرودة ورصينة.. فيها احتفال لكنه صامت جداً، وفيها رقصة لكنها رشيقة جداً.

 

بعدها تأتي المرحلة الثالثة: التبلور... عندما تبدأ طاقتك ترقص داخلك، بالتدريج وببطء، ومع الاستمتاع بها أكثر فأكثر.. ومع زيادة وعيك لها.. يبدأ تبلور كيميائي بالحدوث داخلك.. نفس الكلمة استخدمها المعلم جوردجيف في تعليمه: تبلور الروح... أجزاؤك تجتمع سوية وتتوحد.

وتظهر وِحدةٌ داخلك... في الواقع، الآن يمكنك ولأول مرة قول: أنا عندي أنا.. وإلا فأنت تملك عديداً من الأنا... الآن عندك واحدة، أنا كبيرة تتحكم بكل شيء.. لقد أصبحتَ سيداً على نفسك.

 

الخطوة الرابعة هي التدمير... عندما يكون لديك أنا واحدة، يمكن تدميرها... عندما يكون لديك عديد من الأنا فلا يمكن تدميرهم...

عندما تصبح طاقتك واحدة متمركزة، يمكن قتلها وتدميرها بشكل كامل...

عندما تكون حشداً من الصعب تدميرها.. تدمّر جزءاً لكن هناك ألف جزء آخر... وعندما تركض وراء تلك الأجزاء، يعود الجزء الأول لينمو مجدداً.. تماماً مثل نمو أغصان الشجرة: اقطع غصناً فيظهر ثلاثة أغصان مكانه.

يمكنك تدمير الهوس الجنسي بشكل كامل عندما يصبح ظاهرة متبلورة: بعد أن يقوم الشخص بتجميع كثير من الطاقة ويتوحّد داخلياً، لم يبق أجزاء أو انفصال أو انفصام... عندها يمكن تدميره بضربة واحدة من سيف الوعي.

عندما يصل المرء إلى الحالة الثالثة، يمكنه بسهولة رفع هذا السيف وتدميره تماماً... فالعدو موجود بوضوح أمامك، ولم يعد هناك عدة أعداء... فقط عدو واحد واقف أمامك.. والسيف ليس إلا الوعي الكامل وتذكّر النفس وكونك عليها حسيباً ورقيباً.

عديدٌ من الحكماء عندما دمروا ذلك الهوس، ضحكوا أو صرخوا مثل نمر بري متمرد... لأنهم رأوا ولأول مرة كامل سخافة الموضوع... صار واضحاً تماماً.. بعد إضاعة عدة حيوات في غباء مطلق! زال الغباء وانطلقت شعلة الوعي والذكاء.

هذه هي الخطوات الأربعة ضمن الشريعة الحقيقية.. اقرأها مجدداً بهدوء بعد فترة واختبر بنفسك.

 

الطبقة الثانية: الطريقة

هي البُعد الثاني للدين... والكلمة مستمدة من الطريق، من الدرب الذي نسلكه في رحلة عودتنا من الخارج إلى الداخل، في رحلة حجنا من العالم إلى أنفسنا... الطريقة هي جناح يطير بنا من الاعتقاد إلى الرؤية، من التفكير إلى الفعل، ومن الحلم إلى الحقيقة... هي الجسر الذي نعبر عليه للوصول من الشريعة إلى الحقيقة.

عندما تتوقف طاقتك الجنسية عن الهوس بجسد الآخر، عندما تصبح حراً تماماً من جسد الآخر، عندما تمتلك طاقتك كامل الحركة والحرية... عندها "الطريقة" تصبح متاحة لك، وهي الطبقة الثانية من معبد الدين الحقيقي.

الطريقة تجعل الحب ممكناً بالنسبة لك... في العادة، نعتقد أن الجنس هو ما يجعل الناس محبّين.. لكن الجنس يستحيل أن يجعلهم محبين.. في الواقع، الجنس والهوس به هو ما يمنع الحب من النمو، لأنها نفس الطاقة التي يجب أن تصبح محبة... طاقة يتم تدميرها وهدرها في الجنس.. هذه الطاقة لكي تصبح محبة عليها أن تنتقل إلى مركز القلب.. والطريقة تعمل على هذا المركز.

الشريعة تعمل على مركز الجنس أو مقام النفس الشهوانية.. الطريقة تعمل على مقام القلب وصلاة المحبة الأبدية، تدعوك إلى الحب والصلاة التي يجب أن تظهر وتتطور فيك الآن.. الطاقة صارت حاضرة متوفرة والآن يمكنك الصلاة!

الطريقة هي جهدٌ لأجل الحب...

على المرء أن يحبّ دون شرط.. يحب الأشجار والأحجار والشمس والقمر والبشر.. لكن الحب ليس فيه هوس جنسي الآن.. إنه بارد لطيف ومستقر جداً.

إذا مررتَ بجانب شخص طاقته تتدفق إلى مركز قلبه، ستشعر فجأة وكأنك تسير في ظل شجرة كثيف بارد ومنعش، وليس طاقة نار حارة.. ستشعر فجأة بنسيم هواء خفيف يحيط بك...

إنسان الحب، الإنسان الذي يعيش في مقام قلبه، هو بمثابة شجرة ظليلة وكريمة في طريق المسافر... أو نبع ماء بارد للعطشان.. أو نسمة هواء تحمل شذى كثير من الأزهار.

 

الطريقة لا تخاف من الجنس.

الشريعة تخاف من الجنس، وذلك لأنك بالأساس مهووس جداً بالجنس.. عليك الانتقال إلى الاتجاه المعاكس.

الطريقة لا تخاف من الجنس.. فقد حققت التوازن.. ليس هناك خوف من التعاكس والأضداد.

الطريقة تكون عندما يتوازن الشخص السائر على الحبل المشدود، الآن لا يميل إلى اليسار ولا إلى اليمين.

 

الطبقة الثالثة: الحقيقة

هي البُعد الثالث للدين... والكلمة مستمدة من الحق، أي الحقيقة صافية شفافة دون تلويث أو تحريف... وهي روح الدين... أولاً الشريعة ومن خلالها تجد المجتمع والسياسة والأوامر والنواهي والأخلاق... بسبب الشريعة نجد في كلام الأنبياء العديد من القواعد والأحكام التي تنظم المجتمع.. لكن من يبحث عن الجواهر بين الكلمات وعن صمت النفوس بين النصوص، لا بد له من أن يجده وسوف يجده.. المجتمع لن يجده.. لكن وحده الفرد الحر المشتاق للحق هو من يجد الحقيقة.

بعد عبورك أول طبقتين، تأتي طبقة الحقيقة.. وهي جوهرة وروح دين الحق الذي لا اسم له... إنه أعظم وأرقى تعليم.. وهي طبعاً صعبة الفهم.

الحقيقة هي الروحانية الأصيلة الموجودة في جوهر باطن كل الأديان، منذ ألوف السنين في حكمة التانترا ثم البوذية ووصولاً إلى الأديان السماوية وغيرها عبر العالم.

الحقيقة هي جوهرة ألماس صلبة تقطع كل شيء... وعربة الحقيقة تخترق كل شيء دون أن تحترق.. تخترق كل المستوى المادي وكل الرغبات والتعلقات.. حتى رغبة أن تولد في الجنة، رغبة أن تكون في حال السلام، رغبة أن تصبح مستنيراً أو عارفاً لله.. حتى هذه الرغبات الجميلة يتم قطعها تماماً.

الحقيقة لا تعرف فرقاً بين الدنيا والآخرة، لا تعرف فرقاً بين الجهل والمعرفة.. ليس عندها فروق ولا تمييز بين أي شيئين حتى بين الرجل والمرأة.

 

الآن دعونا نفهم هذا أكثر...

في مرحلة الشريعة، الرجل رجل والمرأة امرأة... الرجل ينجذب إلى المرأة، والمرأة تنجذب إلى الرجل، كلاهما يتجهان إلى الخارج في الانجذاب... طبعاً، سيكونوا عبيداً.. عندما يقودك الانجذاب إلى مكانٍ ما خارجك، فلا يمكن أن تكون مستقلاً عنه.

ذلك هو سبب عدم قدرة الأحباب على مسامحة بعضهم... طبيعي سينزعجون.. أنت تحبّ شخصاً وتغضب وتهتاج بسببه هو أيضاً في نفس الوقت... هناك سبب لذلك.

هناك قتال مستمر بين الأحباب والسبب هو: لا يمكنك مسامحة حبيبك لأنك تعلم أنك معتمد عليه أو عليها... كيف يمكنك مسامحة عبوديتك؟

أنت تعلم أن امرأتك تجعلك سعيداً، لكنها إذا قررت ألا تجعلك سعيداً فماذا يحدث؟

عندها فجأة ستختفي سعادتك... سعادتك موجودة في قبضة يدها، وسعادتها موجودة في قبضة يدك... متى ما تحكّم شخصٌ آخر بسعادتك فلا يمكنك مسامحته.

 

قال جين بول سارتر: "الآخر هو جهنم"... ومعه حق.. عنده بصيرة عميقة في قوله.. الآخر هو جهنم لأنه عليك الاعتماد على الآخر... الجنس لا يمكنه جعلك حراً، إنه يأخذك بطريقة ما بعيداً عن نفسك، يأخذك أبعد فأبعد.. فالهدف هو الآخر.

 

اعتاد جوردجيف أن يقول عن الجنس أنه سهم وحيد الاتجاه... السهم يتحرك تجاه الآخر..

نفس الرمز تماماً موجود في طبقة الحقيقة: الجنس سهم وحيد الاتجاه.. يذهب إلى الآخر.

الحب سهم من الاتجاهين، يذهب إلى الآخر وإليك أيضاً... في الحب هناك ميزان.

 

سهمٌ يذهب إلى الآخر، عندها عليك العمل في مستوى الشريعة..

سهمان، واحد يذهب للآخر والثاني يأتي إليك، لقد حققتَ التوازن وزال الميلان..

إنسان الحب يستحيل أن يغضب من الآخر، لأنه في الحقيقة غير معتمد على الآخر... يمكنه أن يكون سعيداً بمفرده أيضاً.. سهمه مضاعف الاتجاه.. يمكنه تحقيق السعادة لوحده أيضاً.. بالطبع، لا زال يشارك سعادته مع الآخر، لكنه لم يعد معتمداً على الآخر... الآن لم تعد علاقةً من الاتكال، بل صارت علاقة مشتركة من التساند والاعتماد المتبادل.. يشاركون بطاقات بعضهما لكن لا أحد منهما عبدٌ للآخر.

 

في طبقة الحقيقة يختفي السهم تماماً... لا يوجد أنت ولا يوجد آخر.. لا يوجد أنا ولا أنت... يتم رميها كلها.. ويجب فهم هذه الآلية.

 

عندما تكون باحثاً عن امرأة أو رجل، أنت لا تعرف عاملاً هاماً جداً: أن امرأتك موجودة داخلك، أو رجلك موجود داخلكِ... كل رجل هو رجل وامرأة سوية، وكل امرأة هي امرأة ورجل سوية... ذلك لأنك مولود طبيعياً من رجل وامرأة.. كلاهما قد ساهم في كيانك بالتساوي... أنت تحمل شيئاً من أبيك وشيئاً من أمك.. نصفك ينتمي إلى الطاقة الذكرية ونصفك ينتمي إلى الطاقة الأنثوية.. الاثنان معاً.

في الشريعة عليك العمل بجدّ لجلب طاقتك إلى المرأة الداخلية، أو الرجل الداخلي.. هذا هو كل العمل والجهد والجهاد.

 

حديثاً، فقط في هذا القرن، أصبح البعض مثل كارل يونغ مدركاً لهذه الحقيقة.. هذه الثنائية الجنسية، أنه لا يوجد رجل نقي تماماً ولا امرأة نقية تماماً...

في كل رجل يوجد امرأة، وفي الواقع كل رجل يبحث عن تلك المرأة في مكان ما خارج ذاته.. لذلك السبب، فجأة يوماً ما تلتقي بامرأة فتشعر: "نعم، هذه هي المرأة المناسبة لي".. كيف تشعر بذلك؟ ما هو المعيار؟ كيف تحكم على الأمر؟ الأمر ليس منطقي ولا يمكن تفسيره.. يحدث فجأة مثل وميض البرق.. لم تكن تفكر به مطلقاً.

إذا سألك شخص ما: "لماذا وقعتَ في حب هذه المرأة؟".. ستقول: "لا أعرف... شيءٌ ما حدث في داخلي".

ماذا حدث؟ يقول يونغ أن لديك صورة امرأة داخلك، وتلك الصورة توافقت بطريقة ما مع هذه المرأة... هذه المرأة تبدو مشابهة بطريقة ما للصورة الداخلية... بالطبع، لا يوجد أي امرأة مشابهة تماماً للمرأة داخلك، ولذلك لا يمكن أبداً لحبيبٍ أن يكون راضياً تماماً... ربما مشابهة قليلاً، صوتها أو طريقة مشيها، عيونها أو أنفها أو لون شعرها...

لديك صورة داخلك وقد أتت من أمك، ومن أم أمك، ومن جدتها أيضاً... كل النساء اللواتي سبقوك ساهموا بتلك الصورة.. ليست صورة مطابقة تماماً لأمك وإلا لكانت الأمور سهلة.

نفس الطريقة تنطبق على صورة الرجل الداخلي... ساهم فيها أبوكِ، وأبوه وجدّه...

من أبيك إلى آدم، ومن أمك إلى حواء... كلهم ساهموا فيها..

لا أحد يعرف تماماً، ولا يوجد طريقة للمعرفة أو لتحديد مَن الذي تبحث عنه.

الرجل يبحث عن امرأة، والمرأة تبحث عن رجل، والبحث غامض جداً.. لا يوجد صورة واضحة تماماً لكنك تحملها في مكان ما من قلبك، في زاوية مظلمة من زوايا روحك.

مراتٍ عديدة ستظهر عدة نساء وعدة رجال لتحقيق شيء ما من الصورة، لكن فقط شيء أو جزء منها... كل حبيب سيعطيك بعض الاكتفاء والرضى، وكثيراً من الاستياء وعدم الرضى... جزء يتوافق فيعطي الرضى، وكل الأجزاء الأخرى التي لا تتوافق لن ترضيك أبداً.

 

هل راقبتَ هذا؟ متى ما وقعتَ في حب رجل أو امرأة، ستبدأ فوراً بتغيير الرجل أو المرأة حسب شيء ما، أنت أيضاً لا تعلم ما هو... الزوجات تستمر بتغيير أزواجهم طوال حياتهم: "لا تفعل هذا! كُن هكذا! تصرّف هكذا!!"

قالت أم العبد لجارتها: أخييييراً نجحتُ نجاحاً عظيماً.

سألتها الجارة: بماذا نجحتي؟

قالت أم العبد: استطعتُ إيقاف أبو العبد عن قضم أظافره.

سألتها الجارة: قضم أظافره! صار لكم خمسين سنة متزوجين.. والآن حتى قدرتي على ذلك؟ كيف؟؟

قالت أم العبد: نعم نجحت.. صرتُ ببساطة أخفي طقم أسنانه فلا يقدر أن يقضمهم.

يستمر الناس بمحاولة تغيير الآخر.. ولا أحد يتغير أبداً.. بعض الناس حتى يتظاهر ويقول: "نعم لقد تغيرنا" لكن لا أحد يقدر أن يتغير.

كل شخص يبقى كما هو، وكل الجهود فاشلة، لكن الرغبة بالتغيير موجودة.. لماذا هذه الرغبة؟

السبب هو حاجة حقيقية: المرأة تحاول جعل زوجها يتطابق مع صورة غامضة داخلها.. وعندها ستكون سعيدة: لأنه لا يشرب ولا يدخن ولا يلاحق نساء أخريات، أنه يذهب إلى الصلاة ويسمع رجال الدين وألف شيء وشرط وشيء... لديها صورة محددة، وتريد لزوجها أن يكون بطلاً، قديساً، رجلاً عظيماً بطريقة ما.. الإنسان العادي لا يُرضيها.

والزوج أيضاً يحاول بألف طريقة وطريقة: يجلب لها ثياباً جميلة، مجوهرات الألماس واللؤلؤ، ويستمر بتزيين زوجته محاولاً إيجاد كليوباترا... لديه أيضاً في مكان ما صورة عن امرأة جميلة، أكثر امرأة جمالاً في الكون... والآن يحاول.. حتى منذ أيام الطفولة تبدأ هذه المحاولة.

سأل الجدّ حفيده الصغير الحذر الذي عمره 6 سنوات، كيف وجد ابنة الجيران الصغيرة الذين انتقلوا حديثاً إلى الشارع.. فقال الطفل: "حسناً... ليست هيفاء وهبي ولا إيليسا.. لكنها جميلة"

الآن حتى الأطفال صاروا يتشفرون ويفكرون بـ"المطربات والفنانات".

ليست هيفا لكنها جميلة... ويستمر هذا الصراع.. السبب هو أننا نبحث دوماً عن شخص ما، لكنه في الحقيقة ليس خارجنا.

 

الشريعة تجعلك تستدير وتتوقف عن البحث خارج نفسك.. تقول لك: أغلق عيونك.. فيك انطوى العالم الأكبر...

والطريقة تجعلك أكثر وعياً ويقظة.. تملأ قلبك بالنور فتستطيع رؤية المرأة الداخلية..

والحقيقة تتيح لك الحصول على نشوة داخلية مع امرأتك الداخلية أو رجلك الداخلي... وهذه النشوة هي ما سيُرضيك وليس أي شيء آخر.

هذه هي الطبقات الثلاث التي تبني معبد الدين الحقيقي في أي زمن.. مهمة جداً للفهم الهادئ، وللاختبار الذي سبق العلم والتفاسير.. أرجو أن تكون استفدت من هذه الأنوار على الطريق.

أضيفت في:22-6-2016... حياة و موت> عبادة و تعبّد
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد