موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

العلاقات... أسرار وآيات

كيف نعيش مع أزواجنا أو زوجاتنا أو مع أحبابنا؟

متى نستمر بعلاقتنا مع الشريك، ومتى علينا أن نقطع العلاقة،

لأنها خالية من الأمل أو حتى مدمّرة؟

 

...العلاقة لغز من الألغاز.. وسر كبير ليس سهل الفهم ولا يمكن معرفته.. ونظراً لأنها توجد بين شخصين فهي تعتمد عليهما معاً.

متى ما تقابل شخصان، يتم خلق عالم جديد وفريد.. بمجرد لقائهما تأتي ظاهرة جديدة إلى الوجود لم تكن موجودة أبداً من قبل.. ومن خلال تلك الظاهرة الجديدة يتم تغيير كلّ من الشخصين وتحويلهما.

 

عندما تكون أنت دون علاقة، فأنت شيء ما.. وعندما تصبح في علاقة، فوراً ستصبح شيئاً مختلفاً تماماً.. لقد حدث شيء جديد.

المرأة عندما تصبح حبيبة لا تبقى أبداً ذات المرأة.. الرجل عندما يصبح أباً لا يبقى ذات الرجل.. عندما يولد الطفل، تفوتنا نقطة هامة أنه في لحظة ولادة الطفل تولد الأم أيضاً وهذا لم يوجد من قبل.. المرأة موجودة لكن الأم لم تكن موجودة، وهي كيان مختلف تماماً.

 

يتم صُنع العلاقة بواسطتك، لكن بعدها تقوم العلاقة بدورها بصُنعك أنت.

اللقاء بين شخصين هو لقاء بين عالَمين.. هذا ليس شيء بسيط بل معقد جداً وهو أعقد ظاهرة في الوجود.. كل شخص هو عالَم بحدّ ذاته، لغز معقد يحمل ماضي طويل ومستقبل أبدي.

في البداية، تتلاقى السطوح أو المحيط الخارجي من كل شخص.. لكن إذا نمت العلاقة وأصبحت حميمة وأكثر قرباً وعمقاً، عندها بالتدريج تبدأ المراكز بالتلاقي.. عندما تتلاقى المراكز فهذا يُدعى الحب.

 

عندما تتلاقى السطوح، فهذا يُدعى معرفة أو تعارف.. أنت تلمس الآخر من الخارج من مستوى حدود كيانه، هذه هي المعرفة بين شخصين.. في كثير من الأحيان تبدأ تدعو المعرفة عندك بأنها حب، عندها تقع في فكرة خاطئة ومغالطة بالغة.. المعرفة ليست حب.

الحب شيء نادر جداً.. أن تلتقي بشخص في مستوى مركزه يعني أن تعبر في ثورة أنت ذاتك، لأنك إذا أردتَ مقابلة شخص في مركزه فعليك أن تسمح لذلك الشخص بالوصول إلى مركزك أنت أيضاً.. عليك أن تصبح مستسلماً غير حصين ومفتوحاً تماماً.

هذا شيء فيه خطورة ومجازفة.. أن تسمح لشخص بالوصول إلى مركزك فيه مجازفة لأنك لن تعرف أبداً ماذا سيفعل بك ذلك الشخص.. وحالما تتم معرفة كل أسرارك، متى ما أصبحت كل خفاياك ظاهرة مكشوفة، حالما ينكشف كيانك تماماً، لن تعرف أبداً ماذا سيفعل الآخر بك.. الخوف موجود هناك، لهذا لا نقوم بفتح ذاتنا والاستسلام للنهر.

 

مجرّد تعارف، ونبدأ نعتقد أن الحب قد حدث.. تتلاقى السطوح فنعتقد أننا تلاقينا.. تذكر: أنت لستَ سطحك ولا جلدك.. في الحقيقة، السطح هو الحدود التي تنتهي أنت عندها، هو مجرد السياج المحيط بذاتك.. حدودك ليست أنت! الحدود هي نقطة نهايتك أنت وبداية العالم الخارجي.

حتى الأزواج والزوجات الذين ربما عاشوا سوية عدة سنوات، قد يكونوا مجرد معارف.. قد يكونوا لم يعرفوا بعضهم فعلاً بعد.. وكلما عشتَ مع شخص ما أكثر، ستنسى تماماً أن المراكز بقيت مجهولة.

 

إذن أول شيء يجب فهمه هو: لا تعتبر التعارف حباً.. قد تكون تمارس الحب وقد تتواصل جنسياً مع شخص ما، لكن الجنس أيضاً شيء سطحي.. ما لم تتلاقى المراكز، فالجنس ليس إلا لقاءً بين جسدين.. واللقاء بين جسدين ليس لقاءكما أنتما.. الجنس يبقى أيضاً تعارف، مادي جسدي لكنه لا يزال تعارف.. يمكنك السماح لأحد بالدخول إلى مركزك فقط عندما لا تكون خائفاً، فقط عندما لا تكون مرعوباً!

 

إذن أقول لك أن هناك نوعان فقط من العيش في الحياة... الأول مبني على الخوف، والثاني مبني على الحب.

العيش المبني على الخوف لا يقدر أبداً على إيصالك إلى علاقة عميقة.. ستبقى خائفاً، فلا يمكن السماح للآخر باختراقك إلى آخر أعماقك.. ستسمح للآخر بالدخول إلى درجة محددة، وبعدها تظهر الجدران ويتوقف كل شيء.

 

الشخص الذي يعيش حياته بناءً على الحب هو الشخص المتديّن..

الشخص المحبّ يعني الشخص الذي لا يخاف من المستقبل، الذي لا يخاف من النتائج والعواقب، والذي يعيش هنا والآن.

تصرّف من قلبك.. ولا تفكر ماذا سينتج عن ذلك.. تصرف بعفوية دون حساب.. الشخص الذي يعيش في الخوف، دائماً يحسب ويخطط ويرتب ويحمي نفسه.. وتضيع كامل حياته بهذه الطريقة.

 

كان هناك معلم تأمل كبير بالعمر وكان على فراش الموت.. أتى موعد يومه الأخير وأعلن أنه في ذلك المساء سيذوب في الوجود.

هكذا بدأ التلاميذ والأصدقاء بالقدوم لوداعه.. كان لديه كثير من المحبّين وأتوا جميعهم من كل أنحاء البلاد.

أحد التلاميذ القدماء، عندما سمع أن معلمه سيموت، ركض بسرعة إلى السوق... سأله أحد الأشخاص: معلمك يموت في كوخه! لماذا أنت ذاهب إلى السوق؟ أجاب التلميذ القديم: أنا أعرف أن معلمي يحب نوعاً محدداً من الكعك، لذلك سأذهب لشراء تلك الكعكة.

كان من الصعب إيجاد نوع تلك الكعكة القديمة، لأنها الآن لم تعد تُصنع، لكنه في المساء نجح بطريقة ما فحصل عليها.. وذهب راكضاً بها إلى المعلم.

كان كل الناس حول المعلم قلقين، وكأنّ المعلم كان ينتظر شخصاً ما.. كان يفتح عينيه وينظر، ثم يغلقهما مجدداً.. وعندما أتى  ذلك التلميذ قال المعلم: حسناً، لقد أتيتَ الآن.. أين هي الكعكة؟ قدّم التلميذ الكعكة له وكان سعيداً جداً لأن المعلم سأل عنها.

كان المعلم يموت ويلفظ آخر أنفاسه، يحمل الكعكة في يده لكن يده لم تكن ترتجف... رغم عمره الكبير جداً لكن يده كانت قوية وثابتة.. سأله شخص: يا معلم، أنت كبير في العمر وعلى وشك الموت لكن يدك لا ترتعش.

قال المعلم: أنا لا أرتجف أبداً، لأنه لا يوجد خوف داخلي.. جسدي قد أصبح كهلاً لكنني لا أزال شاباً، وسأبقى شاباً حتى عند رحيل جسدي.

بعدها تناول لقمة من الكعكة وبدأ يمضغها.. وهنا سأله شخص آخر: ما هي رسالتك الأخيرة يا معلمي؟ سوف تغادرنا قريباً جداً.. فماذا تريد منا أن نتذكر دائماً؟

ابتسم المعلم وقال: آه.. هذه الكعكة لذيذة!

 

هذا هو الشخص الذي يعيش هنا والآن: هذه الكعكة لذيذة.. حتى الموت ليس له معنى ولا قيمة.. اللحظة التالية ليس لها معنى.. هذه اللحظة هذه الكعكة لذيذة.. إذا قدرتَ أن تكون في هذه اللحظة، هذه اللحظة الحاضرة، هذا الحضور المشع بالنور المكتمل بالوفرة والحضرة، عندها فقط تقدر أن تحب.

الحب هو تفتح نادر.. يحدث فقط في بعض الأوقات.. يعيش ملايين وبلايين الناس في موقف مزيف يعتقدون فيه أنهم أحباء وعشاق.. يعتقدون أنهم يحبّون لكن ذلك مجرد اعتقادهم لا أكثر.

الحب هو إزهار نادر.. نادر لأنه يستطيع أن يحدث فقط عند اختفاء الخوف.. ليس قبل ذلك أبداً.. ذلك يعني أن الحب يستطيع الحدوث فقط عند شخص عميق التديّن والروحانية الحقيقية.

الجنس متاح وممكن للجميع.. التعارف ممكن للجميع وليس الحب..

 

عندما لا تكون خائفاً، عندها لا يوجد شيء تُخفيه، وعندها يمكن أن تكون كتاباً مفتوحاً، وعندها تقدر على هدم كل الحدود والسدود.. وعندها تقدر على دعوة الآخر إلى اختراقك إلى أعمق أعماقك.

وتذكر، إذا سمحتَ لشخص ما باختراقك بعمق، فالآخر سيسمح لك باختراقه أيضاً، لأنك عندما تسمح لشخص باختراقك يتم صنع الثقة بينكما.. عندما لا تكون خائفاً فالآخر أيضاً يصبح غير خائف.

في حبّكم المعتاد، الخوف دائماً موجود.. الزوج خائف من زوجته، والزوجة خائفة من زوجها..

المحبّون دائماً خائفون.. عندها هذا ليس حباً.. إنه مجرد اتفاق وتنسيق بين شخصين خائفين يعتمدان على بعضهما البعض، يتقاتلون، يستغلون، يتلاعبون، يتحكمون، يسيطرون، يتملكون.. لكنه ليس حباً.

 

إذا استطعتَ السماح للحب بالحدوث، فلا يوجد حاجة للصلاة، ولا يوجد حاجة للتأمل، ولا حاجة لأي كنيسة أو مسجد... يمكنك نسيان الله تماماً إذا استطعتَ أن تحب، لأنه من خلال الحب قد حدث فيك كل شيء: التأمل والصلاة والله والألوهية... كل شيء سيحدث فيك.. هذا ما عناه السيد المسيح بقوله: الحب هو الله.

لكن الحب صعب.. يجب رمي الخوف أولاً.. وهذا هو الشيء الغريب هنا: أنك خائف جداً وليس لديك شيء تخسره.

 

قال الحكيم كبير في مكان ما: "إنني أنظر في الناس.. أراهم خائفين جداً، لكني لا أقدر على رؤية السبب، لأنه ليس لديهم شيء يخسروه... إنهم مثل شخصٍ عاري، لكنه لا يذهب أبداً للاستحمام في النهر، لأنه خائف: أين سيقوم بتجفيف ملابسه؟ هذه هي الحال التي أنت فيها: عاري دون أي ملابس، لكنك خائف دائماً على تجفيف الملابس!"

على ماذا حصلتَ حتى تفقد؟! لا شيء....

هذا الجسد سيأخذه الموت... قبل أن يأخذه الموت، قدّمه للحب...

كل ما تملكه سيتم أخذه منك.. قبل أن يتم أخذه، لماذا لا تشارك به؟

تلك هي الطريقة الوحيدة لامتلاكه.. كما قال الإمام علي: لا تملكه حتى تُنفقه وتصرفه..

إذا استطعتَ المشاركة والعطاء فأنت هو السيد عليه.. سيتم أخذ كل شيء، ولن تحتفظ بأي شيء إلى الأبد.. الموت حق وسيدمر كل شيء.

 

إذن، إذا كنت تتابع كلامي بشكل صحيح، الصراع هو ما بين الموت والحب.

إذا استطعتَ العطاء فلن يكون هناك موت.. قبل أن يؤخذ أي شيء منك ستكون قد قدمته مسبقاً، ستكون قد جعلته هدية من كل قلبك.. يستحيل أن يكون هناك موت بالنسبة لك.

بالنسبة للعاشق لا يوجد موت..

بالنسبة للشخص العادي هناك موت يهدده كل لحظة، لأنه في كل لحظة يتم اختطاف شيء منه.. جسده يختفي وهو يخسر كل لحظة.. بعدها يأتي الموت ويتبخر كل شيء.

 

ما هو الخوف؟ لماذا أنت خائف جداً؟ حتى لو تمّت معرفة كل شيء عنك وأصبحتَ كتاباً مفتوحاً، لماذا الخوف؟ كيف يمكن لذلك أن يؤذيك؟

تلك مجرد مفاهيم مزيفة وطريقة تربية أعطاك إياها الأهل والمجتمع، أنه عليك دائماً إخفاء أسرارك وتفاصيل حياتك، عليك حماية نفسك وخصوصيتك، عليك أن تكون دائماً في حالة القتال، وأن كل شخص ضدك وعدو بالنسبة لك.

لا يوجد أي شخص ضدك! وحتى إذا شعرتَ أن أحداً ما ضدك، فهو أيضاً ليس ضدك، لأن كل شخص مشغول بنفسه وليس بك أنت.

 

لا يوجد شيء لتخاف منه.. يجب إدراك هذا أولاً قبل إمكانية حصول علاقة حقيقية.. لا يوجد شيء لتخاف منه.

 

تأمل على هذا... بعدها اسمح للآخر بالدخول فيك، ادعوه للقيام بذلك... لا تضع أي حاجز في أي مكان، بل كن دوماً معبراً مفتوحاً دون أبواب ودون أقفال.. عندها يصبح الحب ممكناً.

عندما يتلاقى مركزان، يكون هناك حب.. والحب هو ظاهرة خيميائية تحويلية.. تماماً مثلما تتلاقى ذرات الهيدروجين والأكسجين فيتم صنع شيء جديد ويظهر الماء... يمكنك امتلاك الهيدروجين وامتلاك الأكسجين، لكنك إذا كنتَ عطشاً لن يفيدوك أبداً.. يمكنك امتلاك قدر ما تريد من الهيدروجين والأكسجين لكن العطش لن يزول.

عندما يتلاقى مركزان يتم خلق شيء جديد... ذلك الشيء الجديد هو الحب.. وهو تماماً مثل الماء، يروي ظمأ حيوات وحيوات.. فجأة تصبح مشبعاً وراضياً.. تلك هي العلامة المرئية للحب، ستصبح راضياً مرتاح البال والحال، وكأنك قد حققتَ كل شيء.. لم يعد هناك شيء آخر تصل إليه الآن، لقد وصلتَ إلى الهدف الأسمى... لم يعد هناك أهداف وقد تم تحقيق قدرك.. البذرة أصبحت زهرة وبدأت تنشر ألوانها وعطورها.

 

الرضى العميق هو العلامة المرئية للحب.. متى ما كان الشخص في حب، نجده في رضى كامل.. الحب لا يمكن رؤيته لكن الرضى والإشباع العميق المحيط به في كل نفس ونفس وكل حركة في كل لحظة في كامل كيانه يظهر للجميع.

قد تفاجأ إذا قلت لك أن الحب يجعلك عديم الرغبات، لكن الرغبة تأتي مع انعدام الرضى والاستياء.

أنت ترغب بشيء لأنه ليس موجوداً عندك.. أنت ترغب لأنك تعتقد أن حصولك على شيء ما سيُعطيك الرضى.. الرغبة تظهر من انعدام الرضى.

عندما يكون هناك حب وقد تلاقى مركزان، اتحدا واندمجا سوية، وتمّت ولادة نوعية خيميائية جديدة، يظهر الرضى العميق... وكأن الوجود بكامله توقف تماماً دون أي حركة أو زمان أو مكان.

عندها اللحظة الحاضرة هي اللحظة الوحيدة.. وعندها يمكنك قول: آه.. هذه الكعكة لذيذة.

حتى الموت لا يعني شيئاً بالنسبة للإنسان الذي يعيش في حب.

لذلك أقول لك، الحب سيجعلك عديم الرغبات.

 

كُن دون خوف... ارمِ كل مخاوفك وكن مفتوحاً.. اسمح لمركزٍ ما بأن يلتقي مع المركز داخلك.. وستتم إعادة ولادتك من خلالها، وستظهر نوعية جديدة داخلك.

هذه النوعية من الكيان تقول: هذا هو الله...

الله ليس فرضية أو جدلية، بل هو إشباع وشعور بالرضى في حبل الوريد.

ربما تكون قد لاحظت أنك عندما تكون مستاء وغير راضي فأنت تريد إنكار وجود الله.

متى ما كنتَ غير راضي وغير قانع، كيانك بكامله يريد قول: لا يوجد الله!

الكفر ليس ناتجاً عن المنطق، بل ناتج عن انعدام الرضى.. ربما تقوم بتبريره لكن ذلك شيء آخر.. قد لا تقول أنك كافر أو لا تؤمن بوجود الله لأنك غير راضي... قد تقول: لا يوجد إله، وقد جمعتُ كثيراً من البراهين.. لكن ذلك ليس الشيء الحقيقي وراء ذلك.

إذا كنتَ راضياً، فجأة تجد كل كيانك يقول: نعم هناك إله.. فجأة ستشعر بالألوهية الحية! الوجود بكامله أصبح مقدساً.

 

إذا كان الحب موجوداً، ستكون فعلاً ولأول مرة تعيش شعور أن الوجود مقدس وكل شيء فيه نعمة وبركة... لكن يجب القيام بالكثير قبل إمكانية حدوث ذلك.

يجب تدمير الكثير قبل إمكانية حدوث ذلك.. يجب عليك تدمير كل شيء يصنع الحدود والسدود داخلك.

 

اجعل حبّك جهاداً للنفس.. عملاً على النفس.. لا تسمح له أن يكون مجرد طيش وعبث.. لا تسمح له أن يكون مجرد انشغال للفكر.. لا تسمح له أن يكون مجرد إشباع جسدي... بل اجعله عطشاً وبحثاً داخلياً، واعتبر الآخر كمساعدة وكصديق لك.

إذا سمعتَ أي شيء عن حكمة التانترا، ستعلم أن التانترا تقول: إذا قدرتَ على إيجاد قرين أو رفيق، رجل أو امرأة، مستعد للسير معك تجاه المركز الداخلي، مستعد للسير معك إلى أعلى قمة في العلاقة، عندها ستصبح هذه العلاقة تأملاً.

عندها من خلال هذه العلاقة ستحقق العلاقة الأسمى.. وسيصبح الآخر مجرد بوابة للعبور إلى النور...

 

لنفهم هذا أكثر:

إذا أحببتَ شخصاً، بالتدريج، وفي البداية سيختفي المحيط الخارجي للآخر، سيختفي شكل الشخص وجسده.. ستصبح أكثر فأكثر مع اتصال بالشيء الداخلي الذي ليس له لون ولا شكل.

بالتدريج سيصبح الشكل مبهماً ثم يختفي.. وإذا ذهبتَ أعمق من ذلك، عندها حتى هذا الشخص عديم الشكل يبدأ بالاختفاء والذوبان.. عندها تبدأ الأبعاد والأسرار تتفتح لك.. عندها ذلك الشخص المحدد كان مجرد بوابة أو فتحة إلى تلك الأبعاد.. ومن خلال حبيبك تجد المقدس.

 

نظراً لأننا لا نقدر أن نحب، نحتاج كثيراً من الطقوس والتقاليد الدينية.. إنها بدائل، وبدائل فقيرة جداً... رابعة العاشقة لا تحتاج للذهاب إلى أي معبد.. طهّر قلبك وصلِّ أينما شئت.. الوجود بكامله هو معبدها... يمكنها الرقص أمام شجرة فتتحول الشجرة إلى حبيبها حسن... إنها تصنع حبيبها حولها أينما ذهبت... حبها عميق لدرجة أنها أينما نظرت سيُفتح الباب ويظهر الحبيب أمامها الذي لم يعد له اسم ولا جسم.

لكن اللمحة الأولى تأتي دائماً من خلال فرد... من الصعب أن تتصل بالشيء الكوني مباشرة منذ البداية... فهو ضخم وشاسع دون بداية ولا نهاية.. من أين ستبدأ؟ ومن أين ستدخل فيه؟ الفرد الحبيب هو الباب.. لذلك اسمح للحب بامتلاك قلبك.

 

ولا تجعله صراعاً... اجعله قبولاً عميقاً للآخر، مجرد دعوة مفتوحة... واسمح للآخر باختراقك دون شروط.. فجأة سيختفي الآخر ويظهر الله.

إذا لم يقدر حبيبك أو مُحبك على أن يصير مقدساً، عندها لا شيء في هذا العالم يمكن أن يصير مقدساً... وعندها كل كلامك الديني مجرد هراء.

ذلك يمكن حدوثه أيضاً مع طفلك، يمكن حدوثه مع حيوانك مع كلبك الأليف، الكلب يصير مقدساً! لذلك ليس الموضوع محصوراً برجل أو امرأة... ذلك أحد أعمق المصادر للمقدس وهي تصل إليك طبيعياً، لكن يمكن حدوثه من أي مكان أيضاً... المفتاح الأساسي هو: عليك السماح للآخر باختراقك إلى عمق أعماقك وأقصى زوايا كيانك.

لكننا نستمر بخداع أنفسنا.. نفكر أننا نحب.. وإذا فكرتَ أنك تحب، عندها لا يوجد إمكانية لحدوث الحب، لأنه إذا كان "هذا هو الحب" فعندها ينغلق كل شيء.. قم ببذل جهودك وابدأ من جديد، نضراً مشرقاً حاضراً.

 

حاول أن تجد الكيان الحقيقي المخفي في الآخر.. لا تأخذ أي شخص مجاناً ودون تقدير.. كل فرد هو سر ولغز بحيث أنك إذا غصتَ فيه أكثر فأكثر لن تنتهي أبداً.

لكننا نملّ ونضجر من الآخر، لأننا فقط نرى المحيط ودائماً الحدود الخارجية منه...

كان هناك رجل مريض جداً.. وقد جرّب كل أنواع العلاجات والعيادات والصيدليات ولم يساعده أي شيء منها.... بعدها ذهب إلى منوّم مغناطيسي، فأعطاه المنوم جملة ليرددها باستمرار: "أنا لستُ مريضاً".. لمدة 15 دقيقة صباحاً و15 دقيقة مساءً عليه ترديد: أنا لست مريض.. أنا بصحة جيدة.

خلال بضعة أيام بدأت صحته تتحسن... وخلال أسابيع شفي تماماً.

بعدها أخبر زوجته: لقد كانت تلك معجزة حقاً! ما رأيك أن أذهب مجدداً إلى المنوم المغناطيسي لأجل معجزة أخرى؟ لأنني مؤخراً منخفض الرغبة الجنسية والعلاقة بيننا تقريباً منتهية.

فرحت الزوجة كثيراً وقال: نعم اذهب فوراً! ..لأنها كانت محبطة فعلاً.

ذهب الرجل إلى المنوم.. عندما عاد سألته زوجته: ما هي الكلمة وتوصيات المنوم؟ لكن الرجل رفض أن يقول لزوجته.

خلال بضعة أيام بدأت الرغبة الجنسية تعود إليه.. وعادت الحيوية إلى العلاقة.. لكن الزوجة كانت محتارة جداً..  استمرت بإصرار تسأله عن الوصفة لكن الرجل كان يضحك دون أن يجيب على سؤالها.

لذلك قامت في أحد الأيام بالتجسس عليه وهو في الحمام في الصباح بينما يقوم بترديد الكلام مدة 15 دقيقة... استرقت السمع فوجدته يقول: هذه ليست زوجتي.. هذه ليست زوجتي.. هذه ليست زوجتي..

 

نحن نأخذ الأشخاص اعتباطياً وبالمجّان.. أحدهم هو زوجتك: انتهت العلاقة... أحدهم هو زوجك: انتهت العلاقة... الآن ليس هناك مغامرة، لأن الآخر صار شيئاً وسلعة موجودة دوماً.. الآخر ليس لغزاً وكنزاً يجب البحث عنه واكتشاف أشيائه الجديدة.

تذكر، كل شيء يذبل ويموت مع التقدّم في العمر... المحيط قديم دائماً، والمركز جديد دائماً... المحيط لا يمكن أن يبقى جديداً لأنه يتقادم كل لحظة ويشحب ويجمد.. المركز فتيّ دائماً ونضر.. روحك ليست طفلاً ولا شاباً ولا كهلاً.. روحك هي ببساطة نضرة للأبد.. ليس لها عمر.

يمكنك اختبار هذا.. قد تكون شاباً، قد تكون كهلاً، فقط أغلق عيونك واكتشف..

حاول إيجاد مركزك.. هل هو شاب؟ كهل؟ ستشعر أن المركز ليس ذاك ولا ذاك.. إنه جديد دائماً ولا يتقادم مطلقاً.. لماذا؟ لأن المركز لا ينتمي إلى الزمن.

 

في عملية جريان الزمن، كل شيء يصبح قديماً... يولد الشخص، لقد بدأ الجسد يهرم فوراً! عندما نقول أن عمر الطفل شهر، هذا يعني أن شهراً من القِدم والهرم قد دخل إلى الطفل.. لقد اجتاز الطفل 30 يوماً باتجاه الموت.. عاجلاً أم آجلاً سيموت.

كل ما يأتي مع الزمن يصبح قديماً.. في اللحظة التي يدخل فيها إلى بُعد الزمن، لقد أصبح قديماً سلفاً... جسدك قديم، محيطك قديم.. لا يمكنك أن تُغرم بحبه إلى الأبد.

لكن مركزك فتيّ دائماً وأبداً.. حالما تصير متواصلاً معه، سيكون الحب اكتشافاً حياً يقظاً كل لحظة.. وعندها شهر العسل لا ينتهي أبداً.. إذا انتهى فهو لم يكن شهر عسل مطلقاً بل مجرد معرفة وتعارف.

 

وآخر شيء يجب تذكره هو: في علاقة الحب أنت دوماً تلوم الآخر إذا حدث خطأ ما.. إذا كان هناك شيء لا يجري كما ينبغي فالآخر هو المسؤول... هذا سيدمر كل إمكانية النمو في المستقبل.

تذكر: أنت دائماً المسؤول، وقم بتغيير نفسك... ارمِ تلك الصفات التي تصنع المشكلة.. اجعل الحب تحويلاً ذاتياً.

كما يقولون في دورات تسويق المبيعات: الزبون دائماً على حق.. أريد أن أقول لك: في عالم العلاقات والحب، أنت دائماً على خطأ، والآخر دائماً على حق.

وهذه هي أصلاً ودائماً طريقة شعور المحبّين.. إذا كان هناك حب، يشعرون دائماً: هناك شيء خاطئ عندي أنا إذا لم تكن الأمور تسير على ما يرام.. وكلاهما يشعر بنفس الطريقة! عندها تنمو الأشياء، تتفتح المراكز، وتذوب وتندمج الحدود.

 

لكنك إذا فكرتَ أن الآخر مخطئ، فأنت تغلق نفسك والآخر أيضاً.. والآخر يفكر أيضاً أنك أنت المخطئ.. الأفكار تُعدي... إذا كنتَ تفكر أن الآخر مخطئ، وحتى لو لم تقل ذلك، حتى لو كنتَ تبتسم وتُظهر أنك لا تفكر بأن الآخر مخطئ، فالآخر قد وصلته الفكرة فوراً! من خلال عيونك، حركاتك، وتعابير وجهك... حتى لو كنتَ ممثلاً بارعاً ويمكنك حرفياً رسم وجهك كما تريد، وحركات جسمك كما تريد، عندها أيضاً يقوم اللاوعي بإرسال الإشارات باستمرار: أنت مخطئ.. وعندما تقول أن الآخر مخطئ، يبدأ الآخر يشعر أنك أنت المخطئ.

يتم تدمير وتحطيم العلاقة على هذه الصخرة، وبعدها يصبح الناس منغلقين... إذا قلتَ أن شخصاً ما مخطئ سيبدأ يحمي ويحصن نفسه وهكذا يحدث الانغلاق.

 

تذكر دائماً: في الحب، أنت دائماً المخطئ... وعندها ستتفتح الإمكانية وسيشعر الآخر بنفس الشعور أيضاً.. نحن من يصنع الشعور عند الآخر... عندما يكون المحبين منغلقين، مباشرة تقفز الأفكار من شخص إلى آخر... حتى لو لم يكونوا يقولون شيئاً، لكنهم يتواصلون.

اللغة ليست للمحبين.. بل لأولئك الذين لا يعيشون الحب.. أما بالنسبة للمحبين فالصمت هو أبلغ اللغات وهو كافي تماماً.

دون قول أي شيء، يستمران بالكلام...

إذا جعلتَ حبك عملاً على النفس، عندها لا تقول أن الآخر مخطئ.. فقط حاول أن تكتشف: في مكان ما لا بد أن هناك شيئاً ما خاطئ فيك، فقم برمي ذلك الشيء.

 

سيكون الأمر صعباً لأنه سيكون ضد الأنا... سيكون صعباً لأنه سيجرح غرورك وكبرياءك.. سيكون صعباً لأنه لن يكون سيطرة ولا تملّك.. لن تكون أكثر سلطة من خلال امتلاك الآخر... ذلك سيدمر الأنا، ولذلك سيكون صعباً.

لكن تدمير الأنا هو النقطة المقصودة وهو الهدف المنشود...

من أي طريقٍ تريد السير إلى العالم الداخلي، من الحب، من التأمل، من اليوغا، من الصلاة، مهما كان الطريق الذي تختاره، فالهدف هو نفسه: تدمير الأنا ورميها بعيداً.

عبر الحب يمكن القيام بذلك بسهولة بالغة، وهو شيء طبيعي وفطري جداً!

 

الحب هو الدين الطبيعي....

كل شيء سواه سيكون أبعد فأبعد عن الطبيعة...

وإذا لم تقدر على العمل من خلال الحب،

سيكون صعباً عليك العمل من خلال أي شيء آخر..

 

أضيفت في:26-8-2016... الحب و العلاقات> ما هو الحب ؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد