موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

فنّ الانحناء لملئ النفس بالماء

كنتُ واقفاً على ضفة النهر.. ومع اقتراب عتمة المغيب، سارعت نساء القرية للعودة إلى بيوتها حاملاتٍ جرار الفخار المليئة بالماء.. لاحظتُ أن على المرء أن ينحني لكي يستطيع سحب الماء من النهر.. على المرء أن يتعلم فنّ الانحناء لملئ نفسه بالماء من نبع الحياة.. لكن الإنسان صار ينسى بالتدريج فن الانحناء... الأنا القوية لا تسمح له.. لذلك صار الحب والصلاة الخاشعة تختفي ببطء... في الواقع، كل ما له قيمة بدأ بالتلاشي.. وأصبحت الحياة مجرد صراع بدلاً من التناغم والجمال الذي كانت عليه.

عندما نجهل أسرار الانحناء والاستسلام لا يبقى إلا الصراع في الحياة..

ليس غريباً أن تصبح الصرامة والأنا المتضخمة مصدر ألمٍ لا يُحتمل، عندما نجهل المشاركة الوجدانية القلبية للانحناء.. الاستسلام والليونة تربط بين الفرد والجماعة.. بينما الرغبة بالتصلب وعدم الاستسلام تفصله عن الوجود الكوني.

بالطبع، هذا الانحناء يجب أن يكون عفوياً وطبيعياً، وإلا سيُصبح أيضاً تكلف وتظاهر من مظاهر الأنا الدينية... الليونة الناتجة عن التفكير الكثير ليست حقيقية أو كاملة لأنها تحتوي خلفها في زاوية ما على عنصر من المقاومة... طالما هي تنبع من المستوى الفكري فهي غير حقيقية، لأن قوة القلب الكاملة لا تشهد عليها... فوق ذلك، هذا النوع من الانحناء يُنتج الندم بعده، لأن الأنا تشعر أنها جُرحت.. أي عندما ينحني المرء كمعاكسة للأنا، تقوم الأنا بالانتقام منه على شكل ندم.

فقط عندما يكون قلب الإنسان خالياً من الأنا، سيقوم بالانحناء طبيعياً بشكل كامل..

هذا الانحناء يجب أن يكون كامل وطبيعي في كل التفاصيل، مثل انحناء أوراق الأعشاب الصغيرة في عاصفة قوية... تقوم الأوراق بالاستسلام وتحديد أنفسها بالعاصفة مهما كان اتجاهها... ليس عندها عدائية تجاه العاصفة الهائجة وليس عندها وعي تجاه أي أنا داخلها... عندما يستوعب الإنسان هذا النوع من الانحناء العفوي والاستسلام، ستظهر أسرار الروح الأسمى الغامضة عارية أمامه.

سأل شابٌ أحد الفقراء الحكماء: "في الزمن الماضي، كان هناك أشخاصٌ يرون رأس الله تعالى بأمّ أعينهم... وقالوا ويحك هل أعبد إلهاً لا أراه! لماذا ليس عندنا أحد مثلهم اليوم؟"

قال الشيخ: "لأنه في أيامنا هذه، لا يوجد أي أحد مستعد للانحناء بكلّ ذلك الانخفاض!"

بالتأكيد، الانحناء ضروري لملئ نفسك من ينبوع الألوهية..

كيف يمكن للواقفين بجمود على الضفة ورافعين أنوفهم إلى السماء أن يملؤوا جرارهم بالماء؟

 

أضيفت في:4-1-2017... كلمة و حكمة> همسات من الحياة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد