الله والطوائف والأديان.. رجال الدين والإنسان
قد
تستغرب إذا عرفتَ أن هناك نسبة الربع من سكان الهند يعتبرونهم نجاسة.. يدعونهم
النجسين ولمسهم ممنوع تماماً، لأنك إذا لمستهم يجب عليك الاغتسال في النهر لتطهير
نفسك.. حتى لو وقع عليك خيال أحد أولئك الأشخاص يجب عليك الاغتسال أيضاً!
هل هذا غريب أو مضحك؟ مجرد فكرة وجود أشخاص نجسين تملأ قلبي بالحزن والدموع.. ماذا
فعل الإنسان بالإنسان؟ وهل حالنا نحن العرب أفضل من أولئك الهنود؟
يقوم بعض الناس ببناء جدران عازلة منيعة بين البشر، ومع ذلك نعتبرهم أصحاب دين؟! أي
هبوط أسفل من السافلين يمكن أن يصل إليه الدين؟ وإذا كان هذا هو الدين، فما هو
الإلحاد والكفر إذن؟ يبدو أن أوكار الكفر قد سرقت أعلام الدين، وأن كتب الشيطان
صارت كتب الله المقدسة التي يعبدها الإنسان...
الدين الحق لا يفرّق بين الناس، بل يوحد..
الدين ليس ثنائي بل أحدي.. واحد أحد..
الدين لا يوجد في بناء الجدران بل في هدمها..
لكن هذه التي يدعونها الأديان، كانت ولا تزال تصنع الانقسامات فقط وتبني الجدران
فقط بين كل إنسان وإنسان... كل قوتها وسلطتها مسخرة فقط لتقسيم وتحطيم الإنسان.
بالطبع، لم يتم فعل ذلك دون سبب.. في الواقع، دون تقسيم الإنسان ضد أخيه الإنسان،
لا يمكن ظهور تجمعات وتحزبات ولا أي استغلال... لو بقيت البشرية واحدة ومتشابهة،
لما ظهرت أي قاعدة لبناء الاستغلال عليها.
لأجل الاستغلال، يحتاجون حتماً للفروقات وعدم المساواة.. وهكذا صنعوا وحافظوا على
الطوائف والتقسيمات.
ولأجل نفس السبب، كانت الأديان بمختلف أشكالها ولا تزال تدعم وترسخ اللامساواة
والطائفية والأحزاب.
المجتمع الخالي من الطوائف والتقسيمات سيكون تلقائياً معادياً للاستغلال.. فقبول
المساواة بين الناس يعني رمي الاستغلال... لذلك، دون صنع الفروقات بين الإنسان
والإنسان لا يمكن خلق مجموعات وطوائف ومعتقدات.
التقسيم يصنع الخوف، الغيرة، الكراهية، وفي النهاية العدائية.. العدائية تصنع
الطوائف الدينية.. الطوائف تولد من العدائية وليس من الصداقة أو المحبة.. بل
الكراهية هي حجر البناء الأساسي للطوائف.
كل التحزبات والأحزاب تتشكل بسبب الخوف من العدائية...
التحزبات تعطي القوة ببساطة لأفرادها... وهذه القوة تصبح أداة للاستغلال وسباقاً
شرساً للحصول على السلطة.. ومع توسع ذلك، يتطور إلى رغبة عارمة بامتلاك الممالك.
بنفس الطريقة، تتحول الأديان بشكل سرّي إلى سياسات...
الدين يتحرك في المقدمة، والسياسة تلحقه في الخلف..
الدين يبقى مجرد غطاء، والسياسة تصبح هي الحياة..
في الواقع، حيثما يوجد التحزب، يوجد حتماً طوائف دينية، ولا يوجد أي دين.. هناك فقط
سياسة.
الدين هو شيء عميق نعيشه داخلنا، وليس انتماءً إلى حزب أو مجموعة..
تحت اسم التقسيمات الدينية المختلفة، لا يبقى شيء حي إلا السياسة..
في غياب التحزبات، يمكن أن يوجد الدين.. ولكن لا يمكن أبداً أن توجد أديان ولا
أتباع أديان ولا رجال دين وتجارتهم بالمساكين.
لقد قاموا حتى بتحويل الله إلى مهنة تجارية.. صارت كثير من المصالح مرتبطة به بشكل
عجيب.. فماذا هناك أشد جهلاً وكفراً من هذا؟ لكن قوة الأكاذيب والدعايات غير
محدودة، ومع الدعايات المستمرة، حتى الأشياء المزيفة تماماً تصبح حقيقة.. عندها
لماذا العجب إذا رأينا أن أتباع الأديان ورجال الأديان، الذين هم أنفسهم ضحايا
الاستغلال، يقومون بدعم وترسيخ مظاهر الاستغلال؟
لقد شكلت الأديان أعمدة بناء قوية للاستغلال الاجتماعي.. مع قيامها بصنع شبكة من
المبادئ الخيالية، أثبتت أن القلة من المستغلين هم الأشخاص المتدينون فعلاً، وأن
ضحايا الاستغلال هم أصحاب الخطايا والذنوب.. تم إخبار الضحايا أن معاناتهم مكتوبة
عليهم، أو أنها أعمالهم السيئة يتم ردها إليهم.. فعلاً، قامت الأديان بإعطاء جرع
كبيرة من المخدرات للناس.
سألني طفل: "أنا من الطائفة الفلانية.. هل يمكنني أن أزور مسجد تلك الطائفة، وكنيسة
تلك الطائفة؟"
قلت له: "تريد الذهاب إلى المسجد والكنيسة؟ لماذا؟ الله ذاته لا يذهب أبداً إلى أي
معبد قام ببنائه رجال الدين المحتالين"
ليس هناك أي معبد لله سوى الطبيعة.. كل شيء سواها من مساجد وكنائس ليس إلا اختراع
رجال الدين.. وليس هناك أي علاقة بين الله وهذه المعابد.. الله ورجال الدين لم ولن
يتفقوا سوية أبداً.. المعابد صنعها رجال الدين، ورجال الدين صنعهم الشيطان.
نعم إنهم عبيد الشيطان.. لهذا السبب بالذات، كتبهم المقدسة وطوائفهم كانت دوماً
مراكز للتقسيم ووضع الإنسان ضد الإنسان... لقد تحدثوا عن الحب لكنهم نشروا سموم
الكراهية.
مع كل هذا، لا ينتبه الإنسان العادي أو يحذر من رجال الدين، وكلما فكّر بالله،
يربطه فوراً برجال الدين... هذا هو السبب الأساسي للتفكير بوجود علاقة بين الإنسان
والله.
كان رجال الدين ولا يزالون مشغولين بقتل الله...
ليس هناك قتلة لله سوى رجال الدين...
إذا كنتَ تريد اختيار الله، فلا يمكنك اختيار رجل الدين معه..
لا يمكنك مطلقاً عبادة الاثنين في ذات الوقت..
بمجرد أن يدخل رجل الدين إلى المعبد، يخرج الله منه فوراً!
لأجل تحقيق التواصل مع الله، من الضروري التخلص من المنافقين رجال الدين.
رجل الدين هو العقبة الوحيدة بين الإنسان وبين الله..
والمحبة لا يمكنها احتمال أي وسيط.. لأن الله أقرب إليك من حبل الوريد... وكذلك
الصلاة.
في فجر أحد الأيام، كانت السماء لا تزال معتمة، ومع فتح أبواب المسجد قام طفل صغير
بالدخول إليه.. كان على وشك الدخول من الباب عندما صرخ عليه الشيخ غاضباً: "توقف
عندك أيها النجس! أنت سني وهذا مسجد شيعي! أنت مسلم وهذه كنيسة كاثوليكية! دخولك
سوف ينجس المعبد، إياك أن تقترب!"
لقد قام رجال الدين بتلويث كل معابد الله..
انسحب الطفل خائفاً.. بدأت دموعه تنهمر وكأن شخصاً قام بطعن قلبه العطش لملاقاة
الله..
بكى وقال: "آه يا الله... ما هو الذنب الذي قمتُ به فمنعني من رؤيتك؟"
قال رجل الدين نيابةً عن الله: "أنت ملوث منذ ولادتك في تلك الطائفة الكريهة التي
مصيرها نار جهنم.. أنت كتلة من الذنوب والخطايا الكبيرة".
قال الطفل داعياً لله: "إذن يا رب.. سأطلب منك يا الله المغفرة وتطهير الذنوب..
لكنني لا أريد الموت قبل أن أرى الله".
اختفى الطفل بعدها، ومضت عدة سنوات دون أن يعرف الناس مكانه..
كان أهله على وشك نسيانه، لكنه أتى إلى القرية فجأة في أحد الأيام...
كان المعبد موجوداً عند مدخل القرية.. رآه الشيخ أبو جهل قادماً تجاه المعبد.. كان
وجه الشاب يبرق بالنور والحضور، وعيونه تشع سلاماً عميقاً... ولكن الشاب لم يقم حتى
بتحريك عيونه تجاه المعبد.. بدا غير مهتم به أبداً، لكن الشيخ لم يستطع تمالك
نفسه.. ناداه وسأله: "أيها الشاب، هل تحققت دعواتك لتطهير نفسك من الذنوب ومن
طائفتك؟".. ضحك الشاب على كلامه وهز برأسه بالإيجاب..
سأله الشيخ: "لماذا إذن لا تقوم بالدخول إلى المعبد؟ تفضل أهلاً وسهلاً"
أجاب الشاب: "لماذا أدخل إليه؟ عندما ظهر الله أمامي قال لي: لماذا ذهبتَ إلى
المعابد باحثاً عني؟؟ ليس هناك أي شيء فيها... وأنا ذاتي لم أقم بزيارتها مطلقاً..
وحتى لو أردتُ زيارتها، هل تعتقد أن رجل الدين سيسمح لي بالدخول؟"
علاء
السيد.. 4-1-2018
أضيفت في:4-1-2018... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|