<<<< >>>>

الدين في المجتمع

ما هي مكانة الدِّين في المجتمع الحديث؟

دعنا نتحرى عما نعنيه بـ"الدين" وما نعنيه بـ"المجتمع الحديث".
ماذا نعني بالدين؟ ماذا يعني الدين بنظرك؟
إنه يعني جملة معتقدات، شعائر، عقائد، خرافات عديدة، پوغا [عبادة]، تكرار كلمات، آمال مبهمة، غير مستجابة، محبَطة، قراءة كتب محددة، تبعية للـغورو [المعلمين الروحيين]، الذهاب إلى المعبد في بعض المناسبات، إلى ما هنالك....
ذاك كله، قطعاً، هو الدين بنظر أكثر الناس عندنا. ولكن هل ذاك هو الدين؟

هل الدين عرف، عادة، تقليد؟
الدين، قطعاً، شيء أبعد من هذا كله بكثير، أليس كذلك؟

الدين يقتضي البحث عن الحق، وهو لا يمت بأية صلة إلى الاعتقاد المنظم، المعابد، العقائد، أو الشعائر...
ومع ذلك، فإن تفكيرنا، قوام وجودنا بالذات، عالق، واقع في شَرَك المعتقدات والخرافات إلى ما هنالك.
من الواضح أن الإنسان ليس متديِّناً؛ لذا فإن مجتمعه ليس مجتمعاً صحيحاً، متوازناً.
قد نتبع مذاهب بعينها، أو نتعبد لصور بعينها، أو نبتكر دين دولة جديد، لكن من الواضح أن هذه الأشياء كلها ليست من الدين في شيء.
قلتُ أن الدين هو البحث عن الحق، لكن ذاك الحق غير معلوم؛ إنه ليس الحق القابع في الكتب، ليس خبرة الآخرين الجاهزة...
وللعثور على ذاك الحق، للكشف عنه، لدعوته، لا بدَّ للمعلوم من أن يتوقف؛ كما يجب إمعان النظر في المغزى من جميع التقاليد والمعتقدات، فهمها، ونبذها.... ولفعل هذا، لا معنى لتكرار الشعائر... الشريعة لقسوة القلوب فحسب... لذا من الواضح أن الإنسان المتديِّن حقّاً لا ينتمي إلى أي دين أو إلى أي تنظيم؛ إنه ليس هندوسيّاً ولا مسيحياً ولا مسلماً؛ إنه لا ينتمي إلى أية طبقة...

والآن، ما هو العالم الحديث؟
العالم الحديث قوامه التقنية وفعالية التنظيمات الجماهيرية... هناك تقدُّم هائل في التكنولوجيا، مع سوء توزيع لحاجات الجماهير؛ وسائل الإنتاج حكر على أيدي قلة صغيرة... هناك جنسيات متنازعة، حروب متكررة على الدوام تفتعلها حكومات "ذات سيادة"، إلى ما هنالك.
ذاك هو العالم الحديث، أليس كذلك؟
هناك تقدُّم تقني دون تقدُّم نفساني مساو له في الحيوية، إذاً، هناك حالة اختلال توازن؛

هناك إنجازات علمية خارقة، وفي الوقت نفسه، بؤس بشري، قلوب خاوية، وأذهان فارغة... والعديد من التقنيات التي تعلمناها يتصل ببناء الطائرات والأسلحة، وبقتل بعضنا بعضاً، إلى ما هنالك.
إذن، فذاك هو العالم الحديث، الذي هو أنت نفسك...
العالم ليس مختلفًا عنك.
عالمك – الذي هو أنت نفسك – هو عالم العقل النامي والقلب الخاوي.
إذا أمعنتم النظر في أنفسكم، سترون أنكم بالذات نتاج المدنية الحديثة:
أنتم تعرفون كيف تؤدون بضع حيل، – حيل تقنية، مادية، – لكنكم لستم كائنات إنسانية مبدعة.
أنتم تنجبون أطفالاً، لكن هذا ليس من الإبداع في شيء!
فحتى يستطيع المرء أن يبدع، يحتاج إلى غنى داخلي خارق،
وذاك الغنى لا يمكن له أن يحصل إلا حين نفهم الحقيقة، حين نكون قادرين على استقبال الحقيقة.

إذاً، فالدين والعالم الحديث متلازمان، كلاهما ينمِّي القلب الخاوي – وذاك هو الجانب المؤسف من حياتنا.
نحن سطحيون، لامعون عقليّاً، قادرون على اختراعات عظيمة وعلى إنتاج أكثر الوسائل تدميراً لتصفية بعضنا بعضاً، وعلى إيجاد مزيد ومزيد من الانقسام بين بعضنا بعضاً، لكننا لا نعرف ما معنى أن نحب، ليست هناك أغنية في قلوبنا...
ترانا نعزف الموسيقى، نستمع إلى الراديو، ولكن لا غناء في هناء، لأن قلوبنا خاوية.
لقد خلقنا عالماً مبلبلاً تماماً، بائساً، وعلاقاتنا مهلهلة، سطحية.
أجل، الدين المنظم والعالم الحديث متلازمان، لأن كلاهما يقود إلى البلبلة،
وبلبلة الدين المنظم والعالم الحديث: هذه هي جني أيدينا.
إنهما التعبيران المسقَطان ذاتيّاً عن أنفسنا... ومنه، لا مجال لأي تحوُّل في العالم الخارجي ما لم يحدث تحوُّل في صميم كلِّ واحد منا؛ وإحداث ذاك التحول ليس مشكلة الخبير أو الاختصاصي أو القائد أو الكاهن، بل مشكلة كلِّ واحد منا...
إذا تركناها للآخرين، بتنا غير مسئولين، وبالتالي فإن قلوبنا تصير خاوية.
والقلب الخاوي مع عقل تقني ليس كائناً إنسانيّاً مبدعاً؛
ولأننا أضعنا حالة الإبداع تلك، أنتجنا عالماً بائساً، مبلبلاً تماماً،
تحطِّمه الحروب، تمزِّقه التمييزات الطبقية والعرقية.
وإنها لمسئوليتنا جميعاً أن نُحدِث تحولاً جذريّاً في أنفسنا.
 


كريشنا مورتي


HTML clipboard

thanks to Baytalinsaan.com

أضيفت في باب:30-11-2009... > صباح الصحوة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد