<<<< >>>>

بعضكم لا يعرف شيئاً عن متلازمة ستوكهولم وهذا واضح!

تم إطلاق هذه التسمية ﻷن الظاهرة تمت دراستها منهجياً لأول مرة سنة 1973 بعد حادثة احتجاز رهينة في بنك في مدينة ستوكهولم.. بعد الحادثة، قامت الرهينة المحتجزة سابقاً، بالدفاع عن المجرم الذي احتجزها ورفضت إدلاء الشهادة ضده في المحكمة، وطالبت بجمع الأموال للدفاع عنه قانونياً!
قام الرهائن حينها بإقناع أنفسهم بأن الأجندة أو الدوافع السياسية ﻷولئك الإرهابيين كانت صحيحة حقاً، وأن احتجاز الرهائن وسرقة البنوك كانت الطريقة الوحيدة لتحقيق أهدافهم المفترضة والجديرة بالاحترام..
بعيداً عن كونها اضطراباً نفسياً، وجد علماء النفس وعلماء الاجتماع أن متلازمة ستوكهولم هي دائماً الحالة الغالبة في حوادث احتجاز الرهائن التي تستمر أكثر من بضعة أيام.. وهناك حوادث أخرى شهيرة مشابهة متكررة.

 

متلازمة ستوكهولم هي غريزة نفسية وآلية للتحمل النفسي، أو طريقة تساعد الضحايا على التعامل مع صدمةٍ حدثت في حالة مرعبة.. وهي تحدث عندما يرتبط ضحايا الأذية أو الإساءة مع سجّانيهم أو المسيئين لهم، ويقومون حتى بحمايتهم.. في هذه المتلازمة نجد أن ضحايا الإساءة قد يصبحوا متعاطفين مع المسيئين.. وهذا هو نقيض الخوف والرعب والازدراء الذي نتوقعه عادةً من الضحايا في مثل هذه الحالات.
مع مرور الوقت، يطوّر بعض الضحايا مشاعر إيجابية تجاه المسيئين.. وقد يبدؤون حتى بشعور أن أهدافاً مشتركة تربطهم بهم، وقد يستلمون هم متابعة عملية الإساءة وسجن الآخرين ﻷجل مصلحة سجّانهم.. وقد يبدأ الضحايا بتطوير مشاعر سلبية تجاه أي شخص يعارض سجانهم أو يتمنى قطع العلاقة السيئة التي تربطهم بالسجانين.. وقد يستاؤون من أي شخص يحاول مساعدتهم للهرب من الحالة الخطرة التي يعيشونها كل يوم.
 

يبدو أن متلازمة ستوكهولم هي غريزة بقاء نفسية متجذرة بعمق..

لقد حدد علماء النفس بعض المظاهر الأساسية لهذه المتلازمة التي تبدو غريبة فعلاً.. إنها تنبثق بشكل رئيسي من شعور الشخص بالضعف والعجز النسبي، وشعور بأن بقاء ونجاة الشخص تعتمد على عدم إزعاج قوة لا يمكن مقاومتها وبإمكانها أن تعاقبه.
يبدأ الشخص بمحاولة تبرير الحالة التي يجد نفسه فيها.. فمن الصعب فهم العنف الذي دون سبب ودون معنى، أو العيش في خوف من القتل أو العقوبة دون أي سبب... تحاول الضحية إقناع نفسها بأن السجّان ليس وحشاً سادياً، بل هو شخص عقلاني وحكيم ولن يسبب العنف لأي شخص ما لم يكن عنده سبب جيد منطقي.. أفعالٌ صغيرة من اللطافة (مثل السماح للضحية بتناول الطعام) تميل لتعزيز رغبة الضحية برؤية السجان كشخص لطيف كريم ومحترم، لا يمكن أن يؤذي سجيناً إلا إذا فعل السجين شيئاً غبياً... ذلك يساعد السجين بأن يشعر بأنه إلى درجة ما هو الذي يسيطر ويتحكم بالحالة، عبر كونه ضحية ”جيدة”، بدلاًمن شعوره بالعجز المستمر.
 

يستمر الضحايا دائماً بمناقضة أنفسهم وإفساح الطريق أمام السجانين ﻷجل استرضائهم، أو أمام الناس الذين يمتلكون سلطةً ما عليهم..

عندما يتذمّر السجان ويقول كم هو منصف وعادل السبب الذي يدفعه للإساءة، فالسجين الذي يخاف العقوبة لن يجادل السجان، وسيقول شيئاً مثل: ”أنا متأكد أن لديك فعلاً أسباب وشكاوي قانونية شرعية مقنعة!”
تحت الضغط النفسي للحالة، يبدأ الناس فعلاً بالتعاطف مع السجان..
كل هذا يمكن شرحه بشكل أبسط بكثير بقول أن الناس عندما يواجهون ظرفاً لا يمكنهم تغييره، فهم يحاولون إقناع أنفسهم بأن الحالة ليست صعبة فعلياً أو غير قابلة للاحتمال.. من المفهوم لماذا يقوم الناس بذلك.. من الصعب (وربما غير صحي) أن تستمر بالعيش في حالة غضب.. بالنسبة للعبد الذي يشعر بأنه عاجز عن الهرب، من المريح له أن يفكر: ”آه حسناً، لا يبدو الأمر سيئاً كثيراً بالنسبة لي”.
 

عندما ندرك أن هناك استجابة نفسية شائعة تجاه الاضطهاد والظلم، وهي محاولة تبرير ذلك الظلم، فلا يبقى غامضاً سبب تبرير الناس للضرائب الضخمة ومصادرة الممتلكات وبقية أشكال استبداد الحكومات... يجد الناس أنفسهم في مواجهة قوة يبدو أنها غير قابلة للمقاومة ومتمثلة بالحكومة.. يفترضون أنه لا يوجد أي طريقة لمقاومة أخذ الحكومة ﻷموالك، فيقوم الناس بالاستجابة عبر التفكير: ”هؤلاء السياسيين الملاعين يسرقون نصف مالي، لكن ليس عندي شيء لأقاتلهم أو أواجههم”.. ومن ناحية ثانية بالتفكير: ”آه حسناً.. ليس عليّ أن أحزن وأستاء كثيراً، فالحكومة بعد كل شيء هي التي تشق وترصف الطرقات”.

 

في الحقيقة، معظم الناس لا يريدون عيش كل حياتهم وهم يشعرون بالعجز والظلم... نفسياً، من الأسهل بكثير إقناع نفسك بأنك غير مظلوم أبداً، وأنك ترسل نصف أموالك للحكومة ﻷنك أنت تريد ذلك، وليس ﻷنه عليك القيام بذلك.

بالطبع، قد يجادل أحدهم قائلاً أن متلازمة ستوكهولم تتطلب شعوراً بالعجز، والناس في المجتمع قد لا يكونوا عاجزين تماماً تجاه الحكومة مثل عجز المساجين تجاه السجان.. رغم ذلك، المواجهة والدفاع عن النفس تتطلب الشجاعة.. رفض إطاعة المراسيم الحكومية غير العادلة عندما يمكن مقاومتها، لا بد أنه يحمل مخاطرة العقوبة أو السجن من الحكومة.. إنها استجابة نفسية شائعة عندما نواجَه بمثل هذا النوع من الخيار بأن تقنع نفسك ببساطة أنه ليس لديك أي خيار... من الأسهل في العادة إقناع نفسك أن ”المقاومة هي شيء عقيم” بدل الاعتراف بأن المقاومة ممكنة لكنها خطرة.. من المريح أكثر أن تفكر بـ”ليس لدي أي خيار” بدل الاعتراف بأنه ”كان بإمكاني المقاومة ولكنني كنتُ خائفاً”.
 

قال ألدوس هيكسلي: ”حكومة دكتاتورية فعالة ستتحكم بسهولة بالجماهير الذين لم يكن هناك حاجة لإجبارهم على الطاعة، ﻷنهم يحبون عبوديتهم”..

يجد معظم التحرريون أنه من الصعب فهم كيف يصمت عدد كبير من الناس تجاه استبداد الحكومة، وفي الواقع لا يصمتون فحسب، بل حتى يؤيدون الاستبداد... ومن الجهة المعاكسة، كثير من غير التحرريين لا يمكنهم فهم كيف يقدر التحرريون على انتقاد الحكومة وبرامجها الحكومية التي تمتلك تأييداً واسعاً عند الجماهير..
لماذا يؤيد الناس الاستبداد ويدعموه؟ بسبب متلازمة ستوكهولم..
وبعد أن عرفنا الانتشار الواسع لهذه المتلازمة، وأنها هي المسؤولة عن الفساد وتدمير كل بلاد، فكيف يمكننا التغلب عليها؟؟ للأسف لا يوجد حل سريع ولا حل جماعي سهل.. الحل دائماً فردي مثل الصحوة الفردية.. ولكن من الهام للمتحررين الحقيقيين أن يقدروا على مواجهة فرضية: ”إذا كانت الحكومة فاسدة وظالمة لهذه الدرجة، فلماذا لا يُدرك ذلك مزيد من الناس؟”
ما عدا ذلك، كل ما يمكننا فعله هو تشجيع الناس على مقاومة آثار متلازمة ستوكهولم ونشر التوعية عنها.. معظم الناس غير قادرين على المقاومة.. الأمر يحتاج إرادة قوية حقاً حتى تقاوم فخ تبرير حالة الظلم التي تعيشها... ربما كل ما يمكننا قوله للذين وقعوا في ذلك التبرير هو سؤالهم: ”هل ستكون قوياً كفاية حتى ترى الظلم كما هو وتقاومه، أم أنك ستكون الجبان الذي يعيش حياته متظاهراً بأن السجان ليس سيئاً لهذه الدرجة؟”.

أضيفت في باب:19-5-2021... > صباح الصحوة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد