موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

من المتـعــة إلى الجـنـــة


إليك هذا السر: هناك متعة، وهناك جنة... تخلّ عن الأولى لتحصل على الثانية
إذا كنتَ سعيداً على حساب سعادة شخص آخر فأنت مقيّد إلى الأبد...
لا تفعل ما يجب فعله، وتفعل ما لا يجب فعله!
متهوّر... وتكبر الرغبة وتتضخم...
لكن السيّد يقظ.. يراقب جسده
يتميّز في حركاته وأفعاله.. ويصبح نقياً...
ليس عليه أي لوم أو نوم.. رغم أنه يوماً قتل والدته ووالده، ملكين ومملكة وكل ما فيها من محتويات..
رغم أن الملكين كانا مقدسين، وممتلكاتهم نظيفة وحلال...
لكن ليس عليه أي لوم
 

هناك متعة... وهناك جنة... تخلّ عن الأولى لتحصل على الثانية
تأمل بهذه المقولة وتعمّق فيها قدر الإمكان..
لأن فيها واحدة من أهم الحقائق الأساسية في حياة الإنسان..
يجب علينا فهم هذه الكلمات الأربع والتمعّن بها جيداً:
الأولى هي المتعة، الثانية هي السعادة،
الثالثة هي البهجة، والرابعة هي الجنة
 

المتعة هي شيء مادي جسدي.. المتعة هي مجرد لمعة وأكثر شيء سطحي في الحياة.. تشبه كثيراً الدغدغة.
يمكن أن تكون جنسية أو تنتج من حواس أخرى.. يمكن أن تصبح هوساً بالطعام.. لكن جذورها دائماً هناك في الجسد... الجسد هو هامش وجودك وظاهره وليس لبّه أو جوهره... والعيش على الهامش يعني العيش على استجداء العطف والشفقة من كل أنواع الأشياء التي تجري من حولك... لذلك، الإنسان الذي يركض وراء المتعة يبقى تحت رحمة الحوادث والأحداث.
الأمر يشبه الأمواج في البحر.. إنها دوماً تحت رحمة الرياح: تظهر عندما تظهر رياح قوية وتختفي مع اختفائها... ليس عندها وجود مستقل لأنها معتمدة وخاضعة، وأي شيء يعتمد على الآخر يصنع لك القيود.

المتعة تعتمد على الآخر... إذا أحببتَ امرأة وكان ذلك هو متعتك وفرحتك الكبرى، ستصير تلك المرأة السيد عليك... إذا أحببتِ رجلاً وكان هذا هو متعتك وتشعرين بالحزن والكآبة واليأس من دونه، فقد صنعتِ قيوداً لنفسك... صنعتِ سجناً لماعاً وللحرية قلتِ وداعاً...
إذا كنتَ تركض وراء المال والسلطة، فستكون معتمداً دائماً على المال والسلطة... الشخص الذي يستمر بتكديس المال، إذا كانت متعته في الحصول على المزيد والمزيد منه فسيصبح أكثر تعاسة مع الزمن، لأنه كلما امتلك أكثر رغب أكثر، وكلما امتلك أكثر زاد خوفه من فقدان ما يملك.
هذا سيف ذو حدّين، كلما رغب أكثر... هذا هو حد السيف الأول.. ولهذا يزداد تعاسة يوماً بعد يوم... كلما رغبتَ وطلبت وطمعت، يزداد شعورك بأنك تفتقد لشيء ما، فتظهر أمام نفسك فارغاً مجوفاً... من الناحية الأخرى، الحد الثاني للسيف أنه مع زيادة أملاكك ستزداد مخاوفك من فقدانها أو سرقتها.. فالبنك يمكن أن يفلس، الوضع السياسي في البلد قد يتغير، البلد قد يصبح رأسمالي أو ينقلب شيوعي.. هناك ألف شيء وشيء تعتمد عليها قيمة مالك وأملاكك.. لذلك مالك لا يجعلك سيداً بل يجعلك عبداً.

المتعة شيء سطحي هامشي.. لذلك لا بد لها أن تعتمد على الظروف الخارجية.. وهي مجرد دغدغة لا أكثر.
إذا كان تناول الطعام الشهي يشكل متعة كبيرة لك، ما هو الذي تستمتع به بالتحديد؟ إنه مجرد الطعم! ولفترة ثواني قليلة حين يعبر الطعام ملامساً حليمات التذوق في لسانك، ستحصل على شعور تقوم بتفسيره كمتعة جميلة لكن هذا تفسيرك أنت... اليوم قد يظهر كمتعة وغداً قد لا يظهر ممتعاً... إذا بقيت تتناول نفس النوع من الطعام كل يوم، ستفقد حليمات اللسان الحساسية تجاهه فيجعلك تملّ منه بسرعة.. هكذا يملّ الناس.
في يوم ما تركض وراء رجل أو امرأة، وفي اليوم التالي تحاول إيجاد أي عذر للتخلص من الآخر.. الشخص ذاته ولم يتغير فيه شيء! ماذا حدث أثناء ما حدث؟ لقد ضجرتَ ومللت من الآخر لأن المتعة بكاملها كانت بالتعرف على الجديد.. والآن الآخر لم يعد جديد.. لقد صرت عارفاً خبيراً لمملكة الآخر، تعرف وتألف جسده بانحناءاته ورائحته وحرارته... والفكر الآن يتوق ويشوق لشيء جديد.

الفكر دائماً يشتاق للشيء الجديد، وهكذا يبقيك الفكر مربوطاً دائماً في مكان ما من المستقبل، يبقيك حالماً وآملاً... لكنه لا يوفي أبداً بما يعد.. لا يستطيع.. يمكنه فقط صنع الآمال والرغبات الجديدة.
تماماً مثلما تنمو الأوراق على فروع الأشجار، تنمو الرغبات والآمال في الفكر... يوماً أردتَ منزلاً جديداً، والآن حصلتَ عليه... وأين ذهبت المتعة؟ لقد كانت هنا منذ لحظة بمجرد أن حققتَ حلمك وهدفك اختفت كلمح البصر... حالما تصل إلى الهدف لن يبقى الفكر مهتماً به، لقد بدأ سلفاً ينسج شبكات جديدة من الرغبات مثل العنكبوت... لقد بدأ يفكر بمنازل أخرى ومنازل أكبر وأفخم وقصور وعمارات وإمارات.. وهذا نفس ما يجري في كل شيء.

المتعة تبقيك مريضاً عصبياً في اضطراب دون أي هدوء أو سلام... هناك كثير من الرغبات وكل رغبة لا يمكن تحقيقها أو إشباعها وتصرخ بقوة لتجذب إليها الاهتمام والانتباه... فتبقى أنت ضحية لحشود من الرغبات الجنونية، جنونية لأنها غير قابلة للإشباع أو التحقيق، وتستمر بجرّك بمختلف الاتجاهات فتجعلك كتلة من التناقضات......
رغبة أولى تأخذك إلى اليسار، ورغبة ثانية تأخذك إلى اليمين... وأنت يا مسكين تستمر بتغذية الرغبتين في ذات الوقت.... بعدها تشعر بالانفصام والانقسام والتفكك إلى حطام.... لا أحد مسؤول عن ذلك... بل الموضوع بكامله هو غباء الركض وراء المتعة... هذا الغباء هو السبب، وهو ظاهرة معقدة حقاً.. لستَ وحدك من يركض وراء المتعة، بل هناك ملايين الناس مثلك يركضون وراء المتع ذاتها... ولهذا هناك صراع كبير ومنافسة وعنف وحروب.... لقد تحوّل جميع الناس إلى أعداء لبعضهم البعض لأن الكل يسعى لنفس الهدف ولا يمكنهم جميعاً تحقيقه سوية، لذلك على الصراع أن يكون قوياً وكاملاً... عليك أن تخاطر بكل شيء ولأجل لا شيء، لأنك عندما تربح لن تربح شيئاً وقد ضاعت حياتك كلها في هذا الصراع! حياة كان من الممكن أن تكون احتفالاً ومهرجان وألوان، تتحول إلى صراع طويل ومنهك وغير ضروري أبداً...

عندما تجري كثيراً وراء المتعة لا تقدر أن تحب، لأن الإنسان الذي يسعى للمتعة يستخدم الآخر كوسيلة وهذا أكبر فعل منافي للضمير والأخلاق... فكل إنسان هو حضور مقدس من النور.. هو غاية ونهاية في ذاته لا يمكنك استخدامه كوسيلة... لكن في الركض وراء المتعة عليك أن تستخدم الآخر كوسيلة... بهذا تصبح ماكراً لأن الصراع صراع.. إذا لم تكن ماكراً سيتم خداعك! قبل أن يخدعك الآخرون عليك أنت أن تخدعهم أولاً!
لقد نصح ماكيافيللي طالبي المتعة بأن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم.. لا تنتظر أبداً الآخر حتى يهاجمك بل هاجمه أنت! هذه أفضل طريقة للدفاع، وهذا ما يتم اتباعه في كل مكان سواء عرفتَ ماكيافيللي أم لم تعرفه.
هذا شيء غريب جداً: كل الناس يعرفون عن النبي وعن المسيح وبوذا وكريشنا لكن لا أحد يتبعهم... والناس لا يعرفون الكثير عن ماكيافيللي وشاناكيا لكن الجميع يتبعهم وكأن ماكيافيللي مزروع في أعماق قلوبكم! لا حاجة لأن تقرؤوا شيئاً منه فأنتم تتبعونه سلفاً.
المجتمع بكامله مبني على مبادئ ماكيافيللي، وهذا هو أساس كل ألاعيب السياسة التي نراها... قبل أن يأتي شخص ما ويخطف شيئاً منك، قم أنت باختطافه منه أولاً... كن حذراً دائماً ومحترساً... وطبيعياً إذا كنتَ محترساً طوال الوقت ستمتلئ بالتوتر والقلق والأرق... الصراع كبير ومستمر.. أنت وحيد والأعداء بالملايين!
مثلاً، إذا أردتَ أن تكون الرئيس في سورية خاصة في هذه الأيام، هناك ملايين أو مليارات الناس الذين يريدون أيضاً أن يصبحوا الرئيس وسيتحولون جميعاً إلى أعداء لك... ومن لا يرغب بأن يصبح الرئيس أو الملك؟ شخص يقول وآخر لا يقول، لذلك ستجد أن الجميع ضدك وأنت ضد الجميع.. هذه الحياة القصيرة من سبعين أو ثمانين سنة ستضيع بكاملها وراء جهود عقيمة... المتعة ليست هدف ولا يمكن أبداً أن تكون هدف الحياة.

الكلمة الثانية التي يجب فهمها هي السعادة... السعادة شيء نفسي والمتعة شيء جسدي... السعادة أحسن وأنقى قليلاً.. أعلى بمسافة صغيرة لكنها لا تختلف كثيراً عن المتعة... يمكنك القول أن المتعة هي نوع أدنى من السعادة، والسعادة هي نوع أعلى بقليل من المتعة... وجهان لعملة واحدة... المتعة بدائية قليلاً وحيوانية، السعادة أرقى قليلاً وبشرية نوعاً ما.. لكنها نفس اللعبة التي تجري في عالم الفكر: في السعادة لا تهتم كثيراً بالأحاسيس الجسدية بل تهتم أكثر بالعوامل والمشاعر النفسية.. لكن في الأصل ليسا مختلفين ولذلك لم نذكر أربع كلمات في السر.. كلمتان فقط كافيتان.

الكلمة الثالثة هي البهجة: وهي شيء روحي... تختلف تماماً عن المتعة والسعادة.. ليس لها أي علاقة بالآخر بل هي شيء داخلي تماماً... لا تعتمد على الظروف الخارجية بل عليك أنت... ليست دغدغة تنتج عن الأشياء بل هي حالة من الصمت والسلام والتأمل...
لكن الجنة ليست حتى في البهجة والمهجة.. لا يزال هناك بعد أعلى من البهجة وهو الجنة وهي هنا والآن... جنة تشمل كل كيان الإنسان... ليست جسدية ولا نفسية ولا روحية... الجنة لا تعرف أي تقسيم أو تصنيف.. إنها كلية من جهة وتجاوزية من جهة ثانية....

السر يتحدث عن كلمتين فقط... الأولى هي المتعة وتحتوي السعادة، الثانية هي الجنة وتحتوي البهجة ضمنها.
الجنة تعني أنك وصلت إلى أعمق نقطة في جوهر كيانك.. إنها تنتمي إلى أبعد أعماق وجودك حيث حتى الأنا لا تبقى موجودة.... حيث لا يسود إلا الصمت واختفيت أنت..
في البهجة تجد أنك موجود قليلاً لكن في الجنة لا يبقى أحد أو شيء... ذابت الأنا وبقي الحضور أو النور.. هذا ما يسمى أحياناً الفناء بالله، أي أنت فنيت والذي بقي هو الله أو السماء الفارغة الواسعة بلا حدود... فتمتلئ بالنجوم والأنوار وتبدأ حياة جديدة تماماً مع ولادتك الثانية.

المتعة مؤقتة مربوطة دائماً بالزمن، الجنة أبدية دائمة تتجاوز الزمان والمكان... المتعة تبدأ وتنتهي، الجنة تدوم من الأزل إلى الأبد... المتعة تأتي وتروح، الجنة لا تأتي ولا تروح يا أخ الروح.. إنها موجودة هناك حاضرة سلفاً في لب جوهرك.
المتعة يجب اختطافها من الآخر، فتصبح إما شحاذاً أو سارقاً... الجنة تجعلك سيداً..
الجنة ليست شيئاً تخترعه بل شيئاً تكتشفه... الجنة هي جوهر طبيعتك الداخلية.. لقد كانت هناك منذ البداية وأنت لم تنظر إليها فحسب... لقد اعتبرتها شيئاً موهوباً مجاناً، أو في مكان بعيد في السماء وبعد الموت فلم تنظر إلى داخلك.
هذا هو البؤس الوحيد عند الإنسان: يستمر بالنظر والبحث خارج ذاته ولا يتمكن من إيجاد الجنة لأنها ليست هناك... في إحدى الأيام، كانت الحكيمة رابعة تبحث عن شيء ما في الشارع أمام كوخها الصغير... مع غروب الشمس بدأ الظلام يهبط بالتدريج.. اجتمع حولها عدد من الناس وسألوها: "ماذا تفعلين؟ ماذا أضعت وعن ماذا تبحثين؟" ..أجابت: "لقد أضعت إبرة الخياطة".... قال الناس: "لقد غابت الشمس الآن وصار من الصعب جداً إيجادها لكننا سنساعدك... أين وقعت منك بالتحديد؟ الطريق طويل والإبرة صغيرة جداً"... قالت رابعة: "لو أنكم لم تسألوا ذلك السؤال لكان الحال أفضل... لأن الإبرة لم تسقط مني في الطريق بل في البيت!"
بدأ الناس بالضحك وقالوا: "كنا دائماً نعتقد أنك مجنونة قليلاً! إذا كانت الإبرة سقطت داخل البيت فلماذا تبحثين عنها في الطريق؟!" .. قالت رابعة: "السبب منطقي وبسيط: داخل البيت لا يوجد ضوء، أما على الطريق لا يزال هناك بعض الضوء"... ضحك الناس وبدؤوا يذهبون... نادتهم رابعة: "أصغوا إلي! هذا هو ما تفعلونه أنتم تماماً وأنا كنت أقلد أفعالكم... تستمرون بالبحث عن الجنة والسعادة في العالم الخارجي دون طرح أول وأهم سؤال: أين أضعتموها؟ وأنا أخبركم أنكم أضعتموها داخلكم! تستمرون بالبحث خارج أنفسكم لسبب بسيط منطقي هو أن حواسكم الخمس لا تفتح إلا للخارج فهناك قليل من الضوء... عيونكم تنظر للخارج، آذانكم تسمع للخارج وأيديكم تمتد للخارج.... هذا سبب بحثكم هناك... لكنني أقول لكم أنكم أضعتموها في الداخل.. وأقول هذا على مسؤوليتي واختباري.. لقد بحثتُ أيضاً في الخارج طيلة سنوات وحيوات، وفي اليوم الذي نظرت فيه إلى الداخل تفاجأت... لم يكن هناك حاجة للسعي أو البحث، لقد كانت ولا تزال موجودة هنا والآن"...

الجنة هي جوهر وجودك.. المتعة يجب أن تتسولها من الآخرين لذلك من الطبيعي أن تجعلك متكلاً.. الجنة تجعلك سيداً.. الجنة ليست شيئاً يحدث، بل هي أصل الحال والأحوال....

يقول السر: هناك متعة... وهناك جنة... تخلّ عن الأولى لتحصل على الثانية
توقف عن النظر للخارج وابدأ بالنظر للداخل.. استدر 180 درجة وابدأ البحث والسعي في عالمك الداخلي في ذاتك أنت... الجنة ليست شيئاً يمكن إيجاده في أي مكان آخر، بل هي وعيك أنت عندما تتذكر وتستيقظ!
هناك ثلاث أبعاد ترتبط دائماً مع بعضها: الحقيقة، الوعي، والجنة.. ثلاثة وجوه لعالم واحد من الحقيقة.. هذا هو الثالوث المقدس وليس الله الآب الابن والروح القدس أو النبي والخليفة والإمام وغيرها من الثواليث السياسية وشعارات هذه الأيام.... إنها الحقيقة والوعي والجنة.. ليست ظواهر منفصلة بل طاقة واحدة تعبّر عن نفسها بثلاثة أوجه وطرق..
الحقيقة، الوعي، والجنة... هذه هي أسمى وأعلى الحقائق... أولاً تأتي الحقيقة، حالما تدخل فيها ستدرك طبيعتك الأبدية... أنا الحق... وعندما تتعمق أكثر في عالم الحقيقة ستدرك وجود الوعي.. وعي هائل... كل شيء نور من نور ولا يوجد أي ظلمة.. كل شيء وعي واختفى اللاوعي... أنت مجرد لهب من الوعي ولا يوجد حتى خيال من اللاوعي في أي مكان... وعندما تتعمق أكثر بعد، ستجد الجوهر الأسمى وهو الجنة هنا والآن...

تخلّ واستغنَ عن كل ما كنت تعتقد للآن أن له معنى وقيمة... ضحّي بكل شيء لأجل هذا النمو والسمو.. لأنه وحده سيحقق لك الرضى الحقيقي والإشباع وسيجلب الربيع إلى كيانك فتتفتح آلاف الأزهار والأنوار.
المتعة تبقيك خشبة عائمة يجرفها التيار كما يشاء.. المتعة تجعلك أكثر مكراً بالتدريج ولا تعطيك أي حكمة أو نعمة... ستجعلك عبداً أكثر فأكثر ولن تعطيك جنة وملكوت الله.. ستجعلك تحسب وتجمع وتطرح... ستجعلك مستكبراً ومستغلاً.. ستجعلك سياسياً دبلوماسياً عظيماً، فتبدأ بمص دماء الناس.. هذا ما يفعله الناس بأنفسهم.
الزوج يقول لزوجته: "أنا أحبك"... لكنه في الحقيقة يستخدمها ببساطة... والزوجة تقول أنها تحب زوجها، لكنها ببساطة تستخدمه.... قد يكون الزوج يستخدمها كأداة ووسيلة جنسية، والزوجة تستخدمه كبنك متنقل وضمان مادي لها... المتعة تجعل كل الناس ماكرين ومخادعين.. وتحوّلك إلى مخادع يعني فقدانك لروعة وجنة البراءة.. فقدانك لروح الطفولة.. إن لم تعودوا كالأطفال........

في أحد مصانع الطائرات، احتاج المصنع لقطعة خاصة لكي يبني طائرة جديدة... وتم إرسال إعلان عبر العالم للحصول على أفضل العروض.. أتى عرض من بولندا بالقطعة وثمنها 3000 دولار... وعرضت بريطانيا بناء القطعة ب6000.. وأتى عرض من إسرائيل ب9000... قرر المهندس المسؤول عن بناء الطائرة أن يزور كل بلد ليعرف سبب التفاوت الكبير بين العروض... في بولندا شرح الصانع: "ألف دولار ثمن المواد اللازمة، وألف أجار للعمال، وألف زيادة كنفقات وأرباح"... في بريطانيا وجد المهندس أن القطعة جيدة لكنها بجودة الصناعة البولندية فسأل: لماذا تطلبون 6000؟ كان الجواب: "ألفان ثمن المواد، وألفان أجار للعمل، وألفان للنفقات وبعض الأرباح"... في إسرائيل، بحث المهندس كثيراً حتى وجد في أحد الأزقة محلاً صغيراً يجلس فيه رجل عجوز وهو الذي أرسل عرضاً ب9000... سأله: "لماذا تطلب كل هذا؟".. أجاب اليهودي العجوز: "حسناً.. ثلاث آلاف لك، وثلاث لي، وثلاث لذلك المعتوه في بولندا!"... المال والسلطة والشهرة، كلها تجعلك ماكراً ومحتالاً..

اسعَ وراء المتعة وستفقد براءتك، وفقدانك لبراءتك هو فقدانك لكل شيء... قال المسيح: إن لم تعودوا كالأطفال فلن تدخلوا الجنة وملكوت الله.. ومعه حق.. لكن طالب المتعة لا يمكن أن يكون ببراءة الطفل.. عليه أن يكون ذكياً جداً وماكراً جداً وسياسياً جداً، عندها فقط سينجح في منافسة قطع الأعناق هذه المنافسة المنتشرة في كل مكان.... كل شخص يحاول قطع عنق الآخر... عالم مصنوع من الأعداء لا الأصدقاء...
لا يمكن أن تنتشر الصداقة الحقيقية ما لم نرمي فكرة المنافسة الغبية... لكن كل طفل نربيه.. منذ نعومة أظفاره نبدأ بتسميم كيانه بسموم المنافسة... وعندما يتخرج من الجامعة يكون قد تسمم تماماً... لقد طبقنا عليه تنويماً مغنطيسياً بفكرة أن عليه قتال الآخرين لكي ينجح.. وأن البقاء للأقوى والأفضل... عندها لا يمكن أن تكون حياته جنة أو احتفال... ولا يمكن أن تحتوي على أي ذرة من التديّن أو القداسة.. بل ستكون حياة بشعة ووضيعة كلها تجارة ودعارة ووداعاً للطهارة والحضارة........

تخلّ عن الأولى لتحصل على الثانية.. إذا كنتَ سعيداً على حساب سعادة شخص آخر فأنت مقيّد إلى الأبد... طبعاً، إذا كنت سعيداً على حساب سعادة شخص آخر، وهكذا فقط يمكنك الحصول على السعادة ولا يوجد أي طريقة أخرى..... إذا وجدتَ امرأة جميلة ونجحتَ بطريقة ما بامتلاكها، فقمتَ باختطافها من أيدي الآخرين... وطبعاً نحن نجمّل الأمور قدر الإمكان لكن ذلك هو الظاهر فقط... الآن الآخرون الذين خسروا في اللعبة يمتلؤون بالغضب والغيرة والغليان... وينتظرون الفرصة المناسبة للانتقام.. وعاجلاً أم آجلاً تأتيهم الفرصة.
كل ما تمتلكه في هذه الدنيا تمتلكه على حساب شخص آخر.. على حساب متعة وسعادة شخص آخر.. لا يوجد أي طريقة أخرى ولا يوجد تبرير بأن تكتب على باب قصرك الملك لله!

إذا كنت تريد حقاً ألا تكون عدواً لأي شخص في العالم، عليك أن ترمي كل أفكار التملك والاستحواذ... استعمل كل ما يتوفر معك في كل لحظة لكن لا تملك أو تتملك.. لا تحاول الادعاء بأن هذا الشيء ملك لك... لا شيء لك! والملك حقاً لله لكن من منا يصدق مع نفسه وضميره؟.... إننا نأتي إلى الدنيا بأيدي فارغة وسنرحل منها أيضاً بأيدي فارغة، فما هي فائدة الادعاء بامتلاك الكثير بين هاتين اللحظتين؟
لكن هذا ما نعرفه وكل الناس تعرفه: امتلك أكثر وسيطر واستغل واحتلّ... امتلك أكثر مما يمتلكه الآخرون... وقد يكون المال أو قد يكون الحسنات، لا يوجد فرق في نوع العملة التي تستخدمها، قد تكون دنيوية أو أُخروية.. كلاهما أَخروية من الأخرى.. فقط كن ماكراً وشاطراً جداً وإلا سيتم استغلالك... استغل ولا تسمح لأحد أن يستغلك، هذه هي الرسالة الخفية التي وصلت إليك مع حليب أمك.. وكل مدرسة ومعهد وجامعة مبنية على هذه الفكرة الجذرية: تنافس وتنافس وتنافس.. لا وقت حتى لتتنفس!

ثقافة حقيقية لن تعلمك التنافس، بل ستعلمك التعاون... لن تعلمك القتال لتصبح الأول، بل ستعلمك أن تكون مبدعاً محباً ومبتهجاً دون أي مقارنة مع الآخرين... لن تعلمك أن السعادة محصورة في كونك الأول بين زملائك.. هذه قمة الهراء والسخافة.
لا يمكنك أن تكون سعيداً بمجرد حصولك على المرتبة الأولى، وفي محاولتك لتصبح الأول ستمرّ بمعاناة طويلة تجعلك معتاداً تماماً على البؤس والمعاناة عندما تصل لهدفك!... عندما تصبح رئيس أو رئيس وزراء بلد ما، ستعبر بمعاناة تجعل المعاناة طبيعتك الثانية.. فأنت لا تعرف أي طريقة أخرى للعيش والوجود في الوجود، فتبقى تعاني بيأس وبؤس وبس.... صار التوتر منقوشاً على جبينك والقلق هو طريقة حياتك... هذا هو النمط الذي لا تعرف غيره في الحياة.
لذلك رغم أنك أصبحت الأول، لا تزال حذراً وقلقاً وخائفاً... لم يغيّر وصولك أي شيء من صفاتك الداخلية.
التعليم والثقافة الحقيقية لن تعلمك أن تكون الأول... ستخبرك أن تستمتع بكل ما تفعل، ليس لأجل النتيجة بل لأجل الفعل ذاته.. تماماً مثل الرسام أو الراقص أو الموسيقي الفنان...

يمكنك أن ترسم بطريقتين: أن ترسم لتنافس غيرك من الفنانين فأنت تريد أن تصبح أعظم رسام في العالم مثل بيكاسو أو فانكوخ... لكن لوحتك عندها ستكون من الدرجة الثانية في السوء لأن فكرك مهتم بالسوق لا بالرسم ذاته... فكرك يريد أن يصبح أعظم رسام في العالم لذلك لن يغوص إلى أعماق فن الرسم ويبحر في بحوره... أنت لا تستمتع به بل تستخدمه كوسيلة عمل لبلوغ الهدف... وأنت بهذا واقع في فخ من فخوخ الأنا.
والمشكلة هي: لكي تكون رساماً حقاً عليك أن ترمي الأنا تماماً... يجب أن تدع الأنا جانباً لكي يستطيع الله والإبداع الإلهي أن يتدفق من خلالك... عندها فقط يستطيع أن يستخدم يداك وأصابعك وفرشاة ألوانك... عندها فقط يمكن لجمال تجاوزي سامي أن يولد أمامك....
لا يمكن أبداً أن يتم ذلك بواسطتك، بل عبرك أو من خلالك... الوجود يتدفق وأنت مجرد ممر له.. تسمح له بالحدوث هذا كل شيء.. فقط لا تعرقل عمله!... لكنك إذا كنت مهتماً كثيراً بالنتيجة والنتيجة النهائية، أنه عليك أن تصبح مشهوراً وتربح جائزة نوبل وتكون أول رسام في العالم، وعليك أن تهزم كل الرسامين الآخرين... عندها اهتمامك لن يكون في الرسم، الرسم شيء ثانوي... وطبعاً مع اهتمام ثانوي بالرسم لا يمكنك أن ترسم شيئاً أصيلاً وجميلاً... سيكون عادياً ممسوخاً منسوخاً....
الأنا لا يمكن أن تجلب أي شيء فائق للعادة إلى العالم.. بل ذلك يأتي باختفاء الأنا... والحال ذاته مع الموسيقيّ والشاعر والراقص وكل شخص آخر.
لا تفكر بالنتيجة أبداً.. فقط قم بما تفعله بكلية من كل قلبك.. لتذوب فيه ويختفي الفاعل في حال الفعل... لا تكن موجوداً هناك واسمح لطاقاتك المبدعة بالتدفق دون عراقيل يا جميل..

إذا كنتَ سعيداً على حساب سعادة شخص آخر فأنت مقيّد إلى الأبد... والسعادة والمتعة تعتمد على الاستغلال.. أنت تعيش دوماً على حساب ونفقة شخص آخر.. عندما تحقق المرتبة الأولى في جامعتك: ماذا عن آلاف التلاميذ الباقيين الذين حاولوا أيضاً جاهدين لتحقيق التفوق؟ من الواضح أن تفوقك حدث على حسابهم جميعاً.
أهل الدنيا غير أهل الآخرة.. قال المسيح: تذكروا... أولئك الأوائل في هذه الدنيا سيكونوا الأواخر في مملكة الله.. والأواخر سيكونوا الأوائل.. هذا هو السر والقانون الأبدي: توقف عن محاولة التفوق وأن تصبح الأول.
لكن تذكر شيئاً واحداً من المرجح كثيراً حدوثه هنا، لأن الفكر ماكر جداً يستطيع تشويه كل حقيقة: يمكن أن تبدأ بمحاولة أن تصبح الأخير! لكنك بهذا تضيع كل النقطة المقصودة... وعندها تبدأ منافسة جديدة: عليّ أنا أن أكون الأخير.. وإذا قال شخص آخر أنه الأخير سيبدأ الجدل والصراع من جديد!
هناك قصة صوفية عن إمبراطور عظيم هو نادر شاه.. بينما كان يصلي في الصباح الباكر والشمس لم تشرق بعد وتبدد ظلمة الليل... كان نادر شاه في ذلك اليوم سيبدأ بغزو جديد لبلد جديد.. طبعاً كان يصلي ويدعو لله طالباً مباركته ليجعله منتصراً.. كان يقول لله ويردد: "أنا لا أحد... أنا مجرد خادم.. خادم أخدم خدمك.. باركني يا الله، فأنا سأتابع عملك أنت وهذا نصرك أنت النصر من الله.. أنا لا أحد... أنا مجرد خادم.. خادم أخدم خدمك.." ....وكان المفتي رجل الدين بجانبه أيضاً يساعده في صلاته ويلعب دور الوسيط والواسطة بينه وبين الله.. وعندها فجأة سمعوا صوتاً آخر في الظلام، كان متسول من القرية يصلي أيضاً لله ويقول لله: "أنا أيضاً لا أحد... خادم أخدم خدمك"... قال الملك للمفتي: "انظر إلى هذا المتسول! إنه مجرد متسول ويقول لله أنه لا أحد! أوقف هذا الهراء! من أنت لتقول أنك لا أحد أمامي أنا؟ أنا لا أحد، ولا أحد غيري يمكنه الإدعاء بهذا.. وأنا خادم خدمه.. من أنت لتقول أنك خادم خدمه؟ ولاك من أي ضيعة أنت؟ هات الهوية"
الآن يمكنك رؤية أن المنافسة لا تزال هناك.. نفس المنافسة والغباء: "عليّ أنا أن أكون الأخير، ولن أسمح لأحد غيري أن يكون الأخير".... يستطيع الفكر أن يستمر بلعب مثل هذه الألعاب عليك إذا لم تفهم جيداً ما يجري... إذا لم تمتلك الذكاء والبصيرة النافذة...

تذكر شيئاً واحداً: لا تحاول أبداً أن تكون سعيداً على حساب سعادة شخص آخر.. ذلك شيء بشع غير إنساني، وهو عنف في الحقيقة... إذا كنتَ قديساً بإدانتك للآخرين على أنهم سيؤون وآثمون، فقداستك ليست إلا فخاً جديداً من الأنا.. إذا كنتَ مقدساً لأنك تحاول إثبات نجاسة الآخرين... وهذا ما يستمر بفعله كل رجال الدين.. يستمرون بالتفاخر بقداستهم ومناصبهم ومكانتهم....
اذهب إلى من تعتبرهم رجال دين وانظر في عيونهم... هناك إدانة معيّنة لك... إنها تقول أنكم جميعاً ذاهبون إلى النار والجحيم... يستمرون بالحكم والإدانة.. استمع لخطباتهم ووعظاتهم ليست إلا كلمات تكفير وإدانة بكاملها.... وطبعاً أنت تستمع بصمت لإداناتهم لأنك تعرف أيضاً أنك ارتكبت كثيراً من العثرات والخطايا والمعاصي في حياتك.. وقد أدان رجال الدين كل شيء فصار من المستحيل أن تشعر أنك إنسان جيد مستحييييل.. فأنت تحب الطعام: أنت خاطئ... تحب أطفالك: أنت خاطئ.. تحب زوجتك: أنت خاطئ.. تحب النساء: أنت زاني فاسق.. تنهض متأخراً في الصباح أو لا تنام باكراً في المساء: أنت خاطئ... لقد رتبوا كل شيء بطريقة يصبح فيها من الصعب جداً أن تكون غير مذنب أو خاطي أو زاني أو كافر وغيرها من كلمات التهديد والوعيد.
نعم، هم ليسوا خطاة أو مذنبين.. فهم ينامون باكراً وينهضون باكراً في الصباح، في الواقع ليس عندهم شيء آخر ليفعلوه! وهم لا يرتكبون أي أخطاء لأنهم لا يفعلون أي شيء... فقط جالسين هناك كالموتى بانتظار يوم الدفن.. جثث مومياء مليئة بالنفايات! لكن لأنهم لا يفعلون شيئاً فهم مقدسون.. وإذا أنت فعلت شيئاً بالطبع كيف ستكون مقدساً؟
لهذا وطيلة قروووون كان الرجل المتدين "المقدس" يزهد ويُنكر الدنيا ويهرب منها... فأن تكون في الدنيا وأن تكون متديناً يبدو أمراً مستحيلاً.. كما قالوا أهل الدنيا غير أهل الآخرة!


هذا ما يجب تغييره من جذوره.... ما لم تكن في الدنيا فتدينك ودينك ليس له أي قيمة... كن في الدنيا وكن متديناً!... عندها عليك أن تعرّف القداسة بطريقة مختلفة تماماً... لا تعش على حساب سعادة الآخرين: هذه قداسة.. لا تدمر سعادة الآخرين: هذه قداسة.. ساعد الآخرين أن يكونوا سعداء.. اصنع الجو الذي يسمح للجميع بالحصول على بعض البهجة.. وماذا فعل رجال الدين؟ فعلوا العكس تماماً... لقد صنعوا جواً يعيش فيه الجميع في الجحيم، وهم أصحاب الفخامة والجلالة والقداسة الجنة لهم وحدهم... لقد أدانوا خلق الله ودنيا الله وعلموك أن تزهد وتنكرها.
لو أن الله ضد هذه الدنيا، لكان أنكرها وهجرها بنفسه لكنه لم يفعل بعد... لا يزال الربيع يأتي والأزهار تتفتح.. فترقص الفراشات وتطنّ النحلات وتغرد الطيور... الشمس لا تزال تشرق والسماء ليلاً تتلألأ بالنجوم.. لا يزال هناك أطفال جدد يأتون إلى الحياة... ولم يتوقف الله عن عملية الخلق...
قمة الغباء مقولة أنه خلق العالم في ستة أيام ومن حينها استوى على العرش وتقاعد! ما هذا الهراء؟ لا يمكنه حتى أخذ يوم عطلة واحد... لأنه إذا اختفى الله ولو ليوم واحد سنموت جميعاً.. مَن حينها سينفخ الحياة في أجسادنا؟ من سيكون اللون والعطر في الأزهار وجمال أجنحة الطيور ونور الشمس وخضار العشب؟... لو أن الله أخذ عطلة 24 ساعة فقط بعد انتهاء عمله في يوم جمعة أو أحد.. لا يمكن أبداً! .. وهو ليس بحاجة لعطلة.. إنه يحب الدنيا فهي من خلقه وإبداعه.. ليست عمل بل فن وإبداع.. بهجة الله في الأرض ولعبته الأزلية...
هل تعتقد أن الطيور في صباح يوم الجمعة لا تغرد لأنه عطلة ولن تفعل شيئاً؟ جمعة أو أحد أو اثنين لا فرق، الطيور تغرد والأشجار تنمو وأنت تتنفس ويستمر الوجود باحتفاله دون أي فجوة أو انقطاع... لا.. لم ينكر الله الدنيا.. ورجال الدين عندكم أكبر من الله وأقدس حتى من الله!
شعوري هو أن الله لا بد خائف من رجال دينكم... لهذا فهو لا يظهر أبداً أمامهم.. لأنهم سوف يدينوه فوراً: سيخبروه كم من الأخطاء والخطايا قد ارتكب... وسيسألونه كم يوماً صام وكم ركعة يصلي.. طبعاً سيحتار ويتفاجأ من أسئلتهم فالله لا يصلي ولا يصوم.. ولا يقرأ الكتب المقدسة... الله سيبدو بالنسبة لهم كافراً كبيراً! أو شيطاناً!! لكن رجال الدين هؤلاء كان عليهم ابتكار هذه الفكرة بأن حياتك بلاء وخطيّة خطيرة.. بمجرد أن حملت بك أمك هناك خطيئة، وعندما أتيت إلى الحياة فأنت تعيش الخطيئة والزنا.. وحتى في الموت ستموت كمذنب خاطي مُدان ومُلام... هذا يعطيهم فرحاً كبيراً! يشعرون أنهم أقدس منك، يشعرون أنهم الفئة الناجية المختارة المميزة عن بقية البشر.....

أقول لكم: لا يوجد أي اختلاف بين الخاطي والقديس.. جميعنا مختارون وخليفة الله على الأرض وجميعنا سننجو، لا بل نحن الآن نجينا من الجهل إلى العقل.... الله دوماً يحيط بك فماذا تريد أكثر من هذا؟ كل شخص ناجي وهادي ومهدي ونبي من ذاته لذاته ومقدس طاهر.. لكن إذا كانت هذه هي الحقيقة وتم فضحها ونشرها سيبدأ رجال الدين كلهم بالاختفاء! .. مع الأنا المتضخم عندهم، سيكون من الصعب جداً عليهم الظهور.. إنهم يعيشون على حسابك.. كلما أثبتوا أنك مذنب خاطئ أكثر، سيظهرون أكثر قداسة... لهذا قد اخترعوا كثيراً من الأشياء، مثل الاعتراف عند الكنيسة الكاثوليكية.. وهي فرحة كبيرة لرجل الدين عندما يستمع إلى خطايا الآخرين جميعاً... كلما تحدثتَ أكثر عن خطاياك شعر هو بالقداسة أكثر!

إذا كنتَ سعيداً على حساب سعادة شخص آخر فأنت مقيّد إلى الأبد... في لقاء إعادة لم الشمل لأصدقاء المدرسة القديمة، ظهر أغبى طالب في الصف وبرفقته صبية شقراء فاتنة وسيارة كاديللاك فخمة وقام بتوزيع الحلويات والمشروبات للجميع... سأله أحد أصدقائه القدامى مذهولاً: "كيف فعلت هذا يا رفيق؟ لقد كنتَ دائماً كسولاً في الحساب!".. أجاب: "حسناً يا حباب.. تشتري شيئاً بدولار وتبيعه بدولارين.. وذلك الواحد بالمئة الكسول يتراكم ويتكدس صانعاً الثروة!"... هذا ما يفعله كل شخص.. سواء عرفتَ الحساب أم لم تعرف.. وكل شخص يستغل كل شخص آخر... يد كل شخص ممدودة في جيب شخص ما، وربما لن يقدر على اكتشاف ذلك لأن يده أيضاً موجودة في جيب شخص ثالث وهكذا.. لكنك عندها ستعتمد على الآخرين... مقيداً للأبد.. مهما كان الذي تستغله، أنت في الظاهر تبدو سيد الموقف والحالة، لكنك في الحقيقة عبد خاضع.
انضمت الجارة الجديدة إلى النادي الرياضي الفخم في المدينة.. وعندما رآها أعضاء النادي اندهشوا جميعاً وفتحوا أفواههم من منظر الألماسة التي ترتديها... فقالت للنساء: "هذه ثالث أشهر ألماسة في العالم... أولاً هناك ألماسة كوهينور، وثانياً ألماسة الأمل، وبعدهما هذه: ألماسة الباشا هارون"... قالت إحدى النساء: "ألماسة جميلة جداً! ياه كم أنت محظوظة!"... تنهدت الجارة الجديدة وأجابت: "لا لستُ محظوظة كثيراً.. فمع ارتدائي لألماسة الباشا هارون الشهيرة أصبت بلعنة الباشا هارون الشهيرة"... سألت المرأة: "وما هي هذه اللعنة؟"... أجابت الجارة: "الباشا هارون"........ هكذا تجري الأمور في العادة: إذا اعتمدتَ على شخص ما لتحقيق السعادة فلا بد أن تتحول إلى عبد ذليل.. متكل.. مقيد... وأنت تعتمد على كثير من الناس، فيتحولون إلى أسياد مخفيين عليك ويستغلونك بالمقابل... هذا ترتيب طبيعي تذكر.. الاستغلال ليس طريقاً وحيد الاتجاه أبداً.. الزوج يعتقد أنه السيد، والزوجة تبتسم لأنها تعرف أكثر من هو السيد.

في أحد الأيام، كانت زوجة جحا تركض خلفه حاملة العصا... ولكي يحتمي منها اختبأ تحت السرير... وكانت زوجته سمينة فلم تقدر على الوصول إليه... فقال جحا: "الآن أنت تعرفين من هو سيد هذا البيت!"... في تلك اللحظة تماماً، طرق بعض الضيوف الباب وأتى الجيران... بدأت الزوجة تطلب من جحا أن يخرج من تحت السرير قائلة: "يمكننا إنهاء هذا القتال لاحقاً.. لقد أتى الجيران الآن"... قال جحا: "دعيهم يأتون! دعي الجميع يعرف وللأبد من هو السيد في هذا البيت! أنا هو السيد، ومتى ما أردت الخروج أو الجلوس سوف أجلس!".
أي نوع من السيادة هذا؟ الجلوس بخوف تحت السرير... لكن كل زوج يعتقد أنه السيد، وكل زوجة تعتقد أنها السيدة... حتى الأطفال الصغار، الأهل يعتقدون أنهم الأسياد لكنهم مخطؤون.. الأطفال يعرفون جيداً كيف يتحكمون بك ويخلقون لك المشاكل في اللحظة المناسبة.. عندما يكون الجيران في البيت، يبدؤون باستغلالك وطلب هذا الشيء وذاك.. عندما تكون تتسوق في السوبرماركت يخلقون نوبة من الغضب وعليك أن تشتري لهم اللعبة التي يريدونها... لو أن الآخرين غير موجودين، لكنت أعطيتهم ضربة قاضية، لكنك بوجود الآخرين تصبح مهذباً جداً مثقفاً ومتحضراً... انتظر حتى يأتي الجيران وسترى عندها! الأطفال عندهم أوقاتهم المناسبة وفرصهم.. يعرفون متى يتحكمون بك وكيف.
كل طفل يعرف.. حتى الطفل الصغير يعرف كيف يستغل أباه وأمه ومتى يستغلهم... عندما يبدأ الأب بقراءة الجريدة يبدأ الطفل بطرح أسئلته التي لا تنتهي، ولن يسمح لأبيه أن يقرأ ما لم يجيبه ويحقق له طلباته.

كل شخص بطريقته الخاصة يحاول أن يكون سيداً على الآخرين... وفي الواقع إنها حالة غريبة: كل شخص صار نوعاً ما السيد على الآخرين، وكذلك عبداً للآخرين... حالة من العمى المزدوج... جميعنا معتمدون على بعضنا البعض وجميعنا سجّانين ومساجين.

لا تفعل ما يجب فعله، وتفعل ما لا يجب فعله.. متهوّر... وتكبر الرغبة وتتضخم... تستمر بفعل أشياء يجب ألا تفعلها، وأنت تعرف ذلك وتستمر بفعل أشياء تؤذيك وتؤذي الآخرين... رغم هذا تصرّ على فعلها وتداوم لأنك على ما يبدو لا تستطيع الحفاظ على وعيك... أنت "لاواعي" كثييييراً.. لهذا لا تفعل ما يجب أن تفعل، وتفعل ما لا يجب أن تفعل... أنا لا أعطيك وصايا هنا، افعل هذا ولا تفعل ذلك... بل فقط أوضح لك أنك غير واعي لدرجة أنك تستمر بأذية نفسك والآخرين.
عليك أن تصبح واعياً... ومع الوعي تبدأ حياتك كلها بالتغير....
أصبحت حركة تحرر المرأة جزءاً لا يتجزأ من المجتمع المصري، بالرغم من الرفض التقليدي للبنات اللواتي يصاحبن عدة رجال... في إحدى الليالي، كانت سعاد تجلس في السيارة مع شاب جميل وبدأ الشاب يقبّلها بحرارة ويخلع عنها ثيابها... فبدأت بالبكاء.. سألها: "لماذا تبكين؟" فأجابت: "أخاف أن تظن أنني من النوع السيء من البنات وأنا لستُ كذلك".... فقال: "توقفي عن البكاء.. أنا أصدقك"... فقالت: "أنت أول رجل".... فقال: "هل تقصدين أنني أول رجل يفعل معك هذا؟" أجابت: "لا... أنت أول رجل يصدقني".
الناس لا يعرفون ماذا يفعلون ولا ماذا يقولون... يعرفون فقط بعدما يقومون بالفعل أو يقولون الكلام.. يعرفون فقط عندما يتأخر الوقت كثيراً لتغيير أي شيء، وما حدث قد حدث والأذى لا يمكن التراجع عنه.

متهوّر... وتكبر الرغبة وتتضخم... في هذه التربة من اللاوعي لن ينبت شيء سوى الرغبة.. والرغبة تشبه الأعشاب الضارة... إذا لم تعتني بحديقتك جيداً ستختفي منها الورود بسرعة ولن يبقى إلا الأعشاب والأشواك... اشترى جحا بيتاً جديداً وزرع حوله حديقة جميلة جداً... بعد فترة أتي جار جديد ليسكن في جوار جحا... عندما رأى الحديقة سحره جمالها وقال لجحا: "أحب أنا أيضاً أن أزرع حديقة مثلها.. لكن أخبرني كيف تميّز وتعرف العشب الضار من عشب الأزهار؟" .. أجاب جحا: "بسيطة جداً: تقتلع الاثنين وترميهم... الذي ينمو منهم مجدداً دون عناية يكون عشباً ضاراً!!"..... الأعشاب الضارة تنمو من تلقاء ذاتها ولا حاجة لتعطيها أي عناية... وهذا هو حالة الرغبات غير الواعية: تنمو لوحدها وتكبر وتكبر... جذورها موجودة في جسدك المادي، في ماضيك، في وظائف جسدك الكيميائية والهرمونية...
الوعي لا بد أن يكون شيئاً مرهفاً ودقيقاً.. على المرء بذل جهود هائلة ليكون واعياً.. وعندما تكون واعي ستفعل ما يجب فعله، ولن تفعل ما لا يجب فعله.
انتبه أنني لا أعطيك هنا معلومات تفصيلية عما يجب أو لا يجب أن تفعل... هناك فرق كبير بين هذا السر والشرائع والوصايا عند الأديان الميتة... السر ببساطة يعطيك المفتاح الذهبي الذي يفتح جميع الأقفال، ولا حاجة لحمل آلاف المفاتيح لكل قفل.
فقط كن واعياً، وهذا يكفي... بعدها ستبدأ الأشياء تتغير في حياتك...

السيّد يقظ.. هذا هو المفتاح الأساسي... يراقب جسده.. يتميّز في حركاته وأفعاله.. ويصبح نقياً... ذلك التميّز هو وعي وحضور وليس تفكير أو حكم... ليس تفكيراً بأن هذا شيء جيد يجب فعله، وهذا شيء سيء يجب تجنبه... الوعي ليس تفكيراً بل هو بصيرة نقية نافذة... والموضوع ليس اختيار، الوعي يسلّم لا يختار ولا يحتار... أنت ببساطة تعرف أن هذا هو الشيء الممكن فعله، ولا بديل عنه.. لذلك أنت لا تختار ولا تحسب أو تزن أيهما أفضل.. ببساطة تعرف... قلبك كله يعرف... أن هذا هو الحال ولا يمكنك أن تعاكسه.


السيد واعي في كل أفعاله، ويصبح نقياً... الوعي يجلب النقاء والبراءة.. ليس عليه أي لوم أو نوم.. رغم أنه يوماً قتل والدته ووالده، ملكين ومملكة وكل ما فيها من محتويات.. رغم أن الملكين كانا مقدسين، وممتلكاتهم نظيفة وحلال... لكن ليس عليه أي لوم
طبعاً أكبر الجرائم في كل زمان هي أن تقتل أمك وأباك وتقتل الملك.. بالنسبة للشخص الذي صار واعياً، أصبح الماضي بأكمله مجرد حلم، حلم يختفي دون ترك أي أثر وراءه... وكأنك في الحلم قتلت أمك وأباك... عندما تستيقظ صباحاً هل تذهب إلى الكنيسة لتعترف أنك ارتكبت خطية عظيمة بأنك قتلت أهلك في الحلم؟ ..أو هل تذهب وتعتذر من أهلك: "سامحاني لأنني قتلتكما الليلة الماضية"؟... لا.. أنت ببساطة تنسى الموضوع.. هذا مجرد حلم وشيء غير مهم.. أهلك أمامك أحياء.
عندما تصبح واعياً، فكل ما قمتَ به في لاوعيك وغياب حضورك وفي نومك الغيبيّ الأزلي ليس إلا حلم...
وتذكر: الأفعال السيئة أحلام، والأفعال الجيدة أيضاً أحلام... كونك خاطياً في الحلم هو حلم تماماً مثل كونك قديساً طاهراً... عندما تستيقظ لن تبقى قديييييس ولا إبليييييس... استيقظ بلييييييز.. أنت ببساطة وعي نقي..


سُئل أحد الحكماء في أحد الأيام: "من أنت؟ هل أنت الله أو أي إله؟".. فأجاب: لا...
"هل أنت نبي أو ملاك؟" فأجاب: لا... "هل أنت أعظم إمبراطور في الأرض؟".. فأجاب: لا...
استغرب السائل كثيراً وقال: أنت تستمر بقول "لا" لكل شيء.. على الأقل لا بد أنك إنسان! والآن لا يمكنك قول لا!... ضحك الحكيم وقال: "نعم سأقول لا مجدداً!"... سأل: "فمن أنت إذاً؟؟؟".. أجاب: "أنا مجرد وعي وحضور... كل هذه الكلمات بشر وآلهة وملائكة كانوا جزءاً من نومي الأزلي.. ذلك النوم لم يعد له وجود.. لقد استيقظت".
عندما تستنير ستستيقظ ولن يبقى أحلام وأوهام... ومع زوال الأحلام سينجلي بصرك وبصيرتك فتقدر على الرؤية... تلك الرؤية تحديداً ستكون العامل المحدد لحياتك بأكملها... عندها فقط ستفعل ما يجب فعله، ولن تفعل ما لا يجب فعله... الموضوع ليس حكم أو تفريق بين الصح والخطأ، بل هو انتهاء نومك التاريخي... 

استيقظ!
 

أضيفت في:30-5-2013... الحب و العلاقات> الجنس و التأمل
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد