موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

من يرى النجوم يضيع في الهموم

كل هؤلاء المدعوين بالفلاسفة والمنجمين والمفكرين العظماء، عملهم دوماً التحديق بنجوم السماء وفتح كتب الحساب والتبصير في أعماق الفضاء.. لا يستطيعون رؤية ما هو قريب من حبل الوريد، لأن أعينهم مثبتة على شيء بعيد.. على صورة وهمية فكرية صنعوها عن الله وعن الجنة بعد الموت وماذا تتنبأ ليحدث في المستقبل وعلى حسب ما تقبض من مال يميل الموال.

لا يهم أي إله تعبد أو أي دين ونبي تتبع.. ولا يهم سواء كنت متديناً أم لا.. ولا ماذا سيحدث لك بعد الموت... المهم هو ما يحدث لك هنا والآن يا إنسان، لأن هذا هو الذي ستأخذه معك بعد موتك على مرّ الأزمان.. وعيك سيحمل النور ومفتاح الباب ليميز بين الباطل والصواب.

أي شيء يجعلك أكثر وعي ويقظة.. أكثر صمتاً وسلام واحتفال وانسجام.. جيد

وأي شيء يجعلك دون وعي، في بؤس وغيرة وغضب وعنف.. سيء

كما نرى على محطاتنا العربية العظيمة.. الحرب والبؤس والمعاناة في العالم كثيرة جداً.. وفي ذات الوقت أطفئ التلفاز أو افتح انترنت على مواقع الأخبار الإيجابية، أو افتح قلبك وتلفازك الداخلي، ستجد أن العالم جميل جدا ومقدس كما كان منذ الأزل وسيبقى... فما هو الذي يصنع هذا التناقض؟

التناقض غير موجود في العالم الواقعي ذاته، بل يوجد في فكر الإنسان

الإنسان هو الذي جلب فكرة البؤس والمعاناة إلى العالم وإلا لكان العالم بريء تماماً على الفطرة الإلهية... ولماذا جلب الفكر هذا الكفر والشقاء؟ هناك أسباب يجب أن نفهمها جيداً.

لقد تم تدريب الفكر منذ عهود ليكون أكثر إنتاجاً ومردوداً، أن يكون أشد تنافساً وطموحاً... هذه الأشياء تبدو بريئة إذا نظرنا إليها، لكنها قد أنتجت بشكل غير مباشر كل البؤس والمعاناة التي تراها حولك.... وهذه كل حضاراتنا وأدياننا وتياراتنا السياسية وأهم منها أنظمتنا التعليمية كلها مبنية على قاعدة أساسية: هي كيف تكون ناجحاً أكثر من الآخرين وتصبح الأول في الطابور أو تبقى مثل الصرصور!

الطفل الصغير لا يمكن أن يعرف ماذا سينتج عن كل هذا.. لكنك في اللحظة التي تبدأ فيها بالصراع لأجل النجاح، وهو تقريباً صار الهدف الوحيد في حياة كل شخص، فقد بدأت تصنع المعاناة حولك.

طموحك ليس بريئاً تماماً لأنه أعطاك ميولاً لتصبح أغنى من غيرك وأقوى وأشهر وأعلى... الأمر كله مبني على المقارنة بينك وبين الآخرين.

ولكي تكون غنياً ستحتاج لمحيط من الفقر حولك، وإلا لن تنجح كرجل غني... لا بد من فقر الملايين لكي تقبض أنت الملايين.. ولكي تنجح في كسب السلطة، عليك أن تدمّر ملايين الناس، تدمر كرامتهم وكبرياءهم وحتى صفتهم البشرية الفطرية.. عليك أن تجعلهم عبيد من أي نوع كان: اقتصادياً، سياسياً، نفسياً، روحياً... عندها فقط يمكن أن تكون في السلطة... لذلك صاحب التاج محتاج والغني فقير جداً لأنه لا يملك سوى المال.

نظامنا التعليمي تدميري جداً... باسم التعليم يتم التجهيل والتعليب.. يجب علينا أن نغيره ونحوّله في الحال وإلا بقاؤنا على الأرض أمر محال.

يجب إزالة مفاهيم الطموح، النجاح، والمقارنة من فكر البشرية تماماً، وهذا ممكن.. بدلاً من تدريس هذه الأشياء البشعة، على التعليم أن يعطي الناس طرقاً أفضل من الحياة، طرقاً لكي يعيشوا بقوة وحيوية أكثر، لكي يحبوا أكثر ويزرعوا الجمال والسلام في الكون دون أي مقارنة مع أحد، بل لمجرد إرضاء قلبك فهو دليلك إلى ربك.

ارقص وغنّي واعشق.. ليس كمتنافس مع أحد بل كشخص يحب أن يشارك بأغانيه وفرحه ورقصته مع إخوته البشر.. شارك بأي شيء عندك وكل إنسان عنده شيء مميز يشارك به هذا العالم...

لكن نظامك التعليبي يعلمك أن تقلد ودينك يعلمك أن تقلد.. لا أحد أبداً يقول لك: "كن كما أنت.. فهذه هي جنتك التي تبحث عنها في البعيد وهي أقرب إليك من حبل الوريد".... لا ...بل الجميع يعطونك قدوة صنعوها في فكرهم ويقولون لك: افعل كذا ولا تفعل كذا.. قلّد فلان وفلان.. كن مثل بوذا أو المسيح أو النبي وكأنهم يعرفونهم.. لكن انتبه جداً من أن تكون كما أنت!.. لا تسترخي ولا تستمع بحضورك وفطرتك لأن الفطرة خطرة على المصالح.. الفطرة تعطيك أقصى طاقة فيك وتشفيك من جهل ألوف السنين.......

لكن المجتمع بكامله يدينك ويكبتك.. أنت كما أنت لا تستحق شيئاً، بل عليك أن تعمل على نفسك وتتدرب وبهذا أنت تخون قلبك ونفسك وروحك... والإنسان الذي يخون نفسه لا بد أن يعاني طيلة حياته لأنه ارتكب الخطيئة الكبرى وربما الوحيدة في الحياة.

لا يوجد شخص كإله لكي تخونه، ولا يوجد شريعة ميتة جامدة لكي تخونها.. كل هذه أوهام صُنعت لأجل المصالح والتحكم بالناس.. لكن الحقيقة الواقعية الوحيدة التي يمكن أن تخونها هي أنت.. كيانك ووعيك.. إذا خنت نفسك ستخسر احترامك لنفسك.. وحالما يخسر المرء احترامه لنفسه سيعيش كجرح وقرح يستمر بصنع الألم لنفسه وللآخرين مع مرور الوقت.

العالم جميل وأغاني الطيور جميلة وأصيلة.. الأشجار والأزهار والأمطار.. الجبال والبحار... كلها مقدسة ومبهجة لسبب بسيط أنها كما هي دون أفكار أو تقييم.. وحده الإنسان هو الذي جلب حالة البؤس والمعاناة للعالم بسبب المقارنة والمنافسة، بسبب فكرة النجاح والتقليد، وبسبب إدانة النفس وتمجيد شخص آخر...

 

 

أضيفت في:2-1-2012... فضيحة و نصيحة> صباح الصحوة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد