موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

أعلى وأرقى دين في العالم


لا تبحث عن الدين، بل ابحث عن نفسك...

والدين عندها سيأتي إليك من تلقاء نفسه.


هل الدين موجود في الكتب المقدسة؟

لا... الدين غير موجود فيها.. الكتب المقدسة شيء جامد ميت، والدين كائن حيّ... فهل يمكن إيجاد الحياة في شيء ميت؟


هل الدين موجود في الطوائف؟

لا... الدين غير موجود حتى في كل هذه الطوائف.. الطوائف مبنية على تجمعات وتكتلات، والدين له هوية مستقلة تماماً خاصة به... لأجل ذلك ليس من الضروري الذهاب خارجاً، وإنما عليك الذهاب للداخل.

الدين موجود في كل نَفَس من الحياة.. كل ما ينقصنا هو النظرة اللازمة لكشفه ورؤيته.

الدين موجود في كل قطرة دم من الحياة.. وما ينقصنا هو الجرأة والتصميم للبحث عنه.

الدين موجود هنا مثل الشمس، لكن عليك أن تفتح عيونك...

الدين هو الحياة، لكن عليك أن ترتفع فوق مقبرة الجسد..

الدين ليس خالياً من الحياة، لذلك لا تنم... انهض وتحرّك..

الشخص النائم يفقده.. والشخص المتحرك دوماً يصل إليه.. والشخص اليقظ يجده..

 

كان هناك ملك يبحث عن أعلى وأرقى دين في العالم... لقد عاش وكبر منذ أيام شبابه إلى نهاية عمره، لكن بحثه لم يكتمل بعد... كيف يمكن له أن يكتمل؟

الحياة قصيرة، وبحثٌ مثل هذا هو بحث أحمق.. حتى لو كانت الحياة أبدية لا تنتهي فلا يمكن إيجاد أعلى دين.. لأنه في الحقيقة، الدين هو الدين وهو شيء واحد... لهذا السبب، ماذا يمكن أن يكون أعلى أو أدنى؟ أفضل أو أسوأ؟

لأن الأديان ليست عديدة، فالبحث عن الأعلى لا يمكن أن ينجح.. لا يوجد مجال للمقارنة أو الوزن.. ولا يوجد أي طريقة للقيام بذلك.

كان ذلك الملك يبحث عن أعلى دين، لكنه يعيش في أدنى "لادين" أو كُفر... عندما لم يستطع إيجاد الدين الحقيقي، لم يخطر على باله موضوع المسير مع مجرى الحياة واتجاهها.. طبعاً وهل قدر أي شخص على المسير في الظلمة وفي المجهول؟

لا أحد يسأل هذا السؤال عن نقيض الدين، لكن عن الدين من الصعب أن تجد شخصاً واحداً لا يسأل عنه..

لا أحد أبداً يفكر أو يبحث عن الكفر، فذلك ينبغي أن نعيشه بينما الدين ينبغي أن نبحث عنه!

ربما هذا المدعوّ "بحثاً" هو طريقة للعيش في نقيض الدين، ولتجنب العيش في الدين نفسه..

لم يقم أحد بإخبار الملك عن هذا.. واعتاد رجال الدين الكبار المتعلمين المثقفين والفلاسفة من مختلف الأديان على القدوم إليه... تجادلوا وتصارعوا مع بعضهم البعض... وحاولوا دوماً إظهار أخطاء وعيوب بعضهم.

اعتادوا على إثبات أن الآخرين دوماً جاهلين.. والملك يحصل على المتعة والسرور من هذا..

بهذه الطريقة، الدين ذاته كان وهماً وجهلاً في عيون الملك، واستطاع دوماً إيجاد ما يؤيد العيش في نقيض الدين...

كان من الصعب هزيمة ذلك الملك بالنقاش وإقناعه بالدين.. لأن أولئك الذين أخذوا جوانباً محددة لم يكونوا في صف وصالح الدين الحق.. الحشود والمجموعات والطوائف والهيئات الدينية كلها تقف في جانب وصالح المصالح لنفسها دائماً... ليس لها أي علاقة بالدين.. ليس بمقدورها أبداً أن تعيش الدين.

فقط ذاك الذي يستغني عن كل الجوانب والانتماءات يمكنه أن ينتمي إلى الدين... دون الاستغناء عن الصفوف والاتجاهات والتحيزات من الصعب جداً الانتماء للدين الذي ليس له اسم ولا رجال ولا تنظيم.

الطوائف الدينية هي في النهاية أعداء للدين، وأصدقاء لما يناقضه...

لكن الملك لم يتوقف عن بحثه.. لقد أصبح لعبة مسلية له، وحتى نقيض الدين بدأ يجلب له الألم والهم والحزن مع اقتراب لحظة الموت وموعد حصاد ما زرع في الحياة... فأصبح قلقاً لا يهدأ له بال... لكنه لم يكن مستعداً لقبول أي شيء سوى الأعلى والأرقى، الدين الكامل الخالي من الزلّ والخطأ تماماً.

كان الملك عنيداً جداً، وما لم يتضح له الدين المثالي، كان مصمماً على عدم المسير تجاهه حتى خطوة واحدة في حياته... ومضت السنين تلو السنين، وكان يُغرق نفسه بالطين أكثر فأكثر.. في النهاية اقترب الموت كثيراً من الأبواب.

 

في أحد الأيام، أتى شحاذ شاب إلى قصره وطلب منه المساعدة... وعندما رأى أن الملك قلق جداً ومكتئب ومنزعج سأله عن السبب.. فقال الملك: "ماذا ستقدر أن تفعل حتى بعد أن تعرف السبب؟ أكبر وأعظم المثقفين والفلاسفة ورجال الدين والزاهدين لم يقدروا على مساعدتي".

قال الشحاذ: "من المحتمل أن كِبرهم وعظمتهم ذاتها هي الشيء المعيق لهم، لذلك لم يقدروا على فعل شيء... وهل القديسين ورجال الدين الذين نعرفهم فقط من ثيابهم، هم رجال دين حقيقيين يعرفون شيئاً من الحقيقة؟"

نظر الملك إلى الشحاذ باهتمام... كان هناك في عيون الملك شيء لم يكن موجوداً في عيون الشحاذ.. وذلك الشيء يمكن رؤيته فقط في عيون الملك... في هذه الأثناء تكلم الشحاذ مجدداً: "لا أستطيع القيام بشيء... في الواقع، أنا غير موجود... لكن ذاك الذي يوجد يمكنه فعل الكثير"...

إن ما قاله الشحاذ كان رائعاً حقاً، كان مختلفاً تماماً عن ألوف الأشخاص الذين أتوا لإقناع الملك.

.بدأ الملك يفكر، من هذا الشخص الذي يرتدي ثياباً فقيرة أمامه؟... لكنه قال: "أريد إيجاد أعلى دين، وأجعل الحياة كلها متدينة.. لكن هذا لم يكن ممكن، ولذلك أنا تعيس جداً الآن في آخر أيام حياتي... أي دين هو أعلى الأديان؟"

بدأ الشحاذ بالضحك عالياً وقال: "آه أيها الملك! لقد أردتَ وضع العربة أمام الفرس ولذلك أنت تعيس... الحياة لا تصبح متدينة بعد البحث عن الدين، بل الدين يمكن إيجاده فقط بعد أن تصير الحياة متدينة... وما هذا الجنون في البحث عن أعلى دين؟! حتى البحث ذاته عن الدين كان حماقة كافية... ليس هناك ولا يوجد إلا الدين... أعلى دين؟ أنا لم أسمع به من قبل، وهذه كلمات ليس لها معنى......

لا يوجد أي شيء يمكن إضافته لإعطاء صفة أو مرتبة للدين... من بين الأشكال هناك فقط دائرة.. لا يوجد شيء مثل دائرة كاملة، لأن الشكل الذي ليس دائرة كاملة ليس دائرة على الإطلاق... كونه دائرة يتضمن حتماً اكتماله.. وجود الدين بحد ذاته يتضمن حقيقة أنه كامل وخالي من الأخطاء...

وأولئك القادمون إليك لإثبات الدين الأعلى، هم إما ليسوا أقل جنوناً منك، أو مجرد منافقين يريدون المال منك... إن من يعرف، يعرف الدين فقط وليس الأديان".

لامس هذا الكلام أعماق الملك، فانحنى ليقبّل يد وقدم الشحاذ.. فقال الشحاذ: "رجاءً اترك يدي وقدمي.. لا تربطهما وتقيدهما... لقد أتيتُ هنا لأحرر قدميك أنت أيضاً... رجاءً تعال معي إلى ضفة النهر تلك خارج مملكتك.. هناك تحديداً أستطيع أن أشير بإصبعي إلى الدين".

ذهبا سوية إلى ضفة النهر... تم استدعاء أفضل القوارب من العاصمة لكن الشحاذ كان دائماً يكتشف علّة أو أخرى في كل قارب منها... في النهاية اضطرب الملك وقال للشحاذ: "أيها الأخ بالروح! ليس علينا سوى اجتياز نهر صغير بالقارب، وهذا النهر يمكن اجتيازه حتى سباحةً... دعنا ننسى أمر هذه القوارب.. دعنا نسبح قليلاً ونقطع النهر... لماذا نحن نضيع كل هذا الوقت؟"

كأن الشحاذ كان ينتظر هذا الجواب، فقال للملك: "يا ملكي العزيز! أنا أريد قول نفس الشيء لك أيضاً... لماذا أنت قلق ومشغول بقوارب تلك الأديان والطوائف؟ أليس من الأفضل أن نسبح بأنفسنا لنصل إلى الله؟

في الحقيقة، ليس هناك أي قارب للدين... القوارب مصنوعة فقط لأجل مهنة ومصلحة مجذّفي القوارب...

الطريق الوحيد هو السباحة بنفسك... ولا يمكن إيجاد الحقيقة إلا بالجهد الفردي... لا أحد يستطيع إعطاء الحقيقة لأحد...

على المرء أن يسبح في بحر الحقيقة بنفسه.. ليس هناك سند أو دعم...

أولئك الطالبين للمساندة يغرقون حتى بالقرب من الشاطئ...

وأولئك الحاملين للشجاعة والجرأة على السباحة بأنفسهم،

يجتازون ذلك البحر حتى بعد أن يغرقوا قليلاً"...

أضيفت في:20-4-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد