كيف أصبح مثل النبي بأخلاقه، ومثل المسيح بمحبته؟
سألني
طفل صغير: "أريد أن أصبح مثل النبي الحبيب، فهل تدلني على طريق الوصول لهذا النور
الحق من الدين والرحمة والأخلاق؟"
كان ذلك الصبي
كبيراً في العمر.. لقد شاهد على الأقل ستين ربيعاً في حياته... لكن الشخص الذي يريد
أن يصبح مثل الآخرين لا يزال طفلاً ولم ينضج بعد.
أليست علامة نضج
الإنسان أنه بدل تشبّهه بالآخرين يتشبّه بنفسه وحقيقتها؟ وإذا أراد شخص أن يصبح مثل
آخر، فهل يستطيع ذلك؟
هل قال لك النبي
أن تصبح مثله ونسخة مطابقة له؟
لا... من عرف
نفسه عرف ربه... وليس من عرف نبياً ولا مسيحاً بل نفسه نفسها!
هل قلّد النبي
نبياً آخر حتى وصل لله أو الحقيقة أم عاش حقيقته الخاصة به؟
الإنسان يقدر أن
يصبح مثل نفسه فقط.. مستحيل أن يصبح مثل الآخرين.
إذا دعيتُ ذلك
العجوز طفلاً صغيراً ربما تضحك، لكنك إذا دققتَ في ذلك ستبكي بدل أن تضحك، لأنك
ستجد تلك الذهنية الطفولية موجودة حتى داخلك أنت... ألا تريد أنت أيضاً أن تصبح مثل
شخص ما؟ هل تمتلك الشجاعة والنضج الكافي لتكون كما أنت في الحقيقة؟
لو كان كل شخص
ناضجاً، لما وُجدت ظاهرة التبعية وإتباع شخص آخر... أليست الذهنية الطفولية هي سبب
الإتّباع والأتباع، التلميذ والأستاذ، العبد والقائد في الحياة؟ وتذكر أن الفكر
الذي يريد أن يتبع ليس غير ناضج فحسب بل أعمى أيضاً.
ماذا قلتُ لذلك
الصبي العجوز؟.. أخبرته: "يا صديقي، من يريد أن يصبح مثل شخص آخر سيفقد نفسه... كل
بذرة تحتوي داخلها على شجرتها الخاصة بها وكذلك كل إنسان... لا يوجد طريقة لتكون أي
شيء سوى نفسك..
في المحاولة
ليكون شخصاً آخر، لن يقدر الشخص أن يكون كما كان ممكناً له أن يكون....
ابحث عن حقيقة
نفسك أنت.. وطريقك للتطور والنور يكمن فيما يمكن لك أنت أن تكون...
ما عدا ذلك لا
يوجد أي مثال لأي شخص.. باسم القدوات والمُثل ينحرف معظم الناس عن طريق تطوير
أنفسهم، ولا يصلون إلى أي مكان"....
أرى حالات من
الانتحار مختبئة خلق قناع المُثل، ولا يمكن أن يكون هناك إلا الانتحار والدمار..
ماذا عليّ أن أفعل عندما أحاول أن أكون مثل شخص آخر؟ سوف أقتل نفسي ببساطة،
وأكبتها، وسوف أكرهها... هكذا سيكون هناك انتحار ونفاق، لأنه سيكون تمثيلاً لإظهار
شيء مختلف عني، لكي أبدو بحالة تختلف عن حقيقة حالتي.
حالما تظهر
الازدواجية في شخصية الفرد، لن يبقى فرد فريد بل صار منافقاً يتقن التقليد!
حالما تظهر
مناقضة النفس في الشخصية سيبدأ التزييف، يبدأ الكُفر أو التغطية، ومن الطبيعي أن
محاولة غير طبيعية كهذه ستجلب الألم والقلق والندم... تزداد هذه التوترات فتصنع
جهنم وناراً داخل نفس الناس.
كل شيء ينتج عن
تقليد المُثل يجعل الإنسان بشعاً مشوهاً ومعاقاً.. وكل ما ينتج عن ولادة الحقيقة
داخل النفس، القدرات المولودة داخل النفس، والسلوك المنضبط الذي يتبعها تلقائياً
كخيال لها، يجعل الإنسان رائعاً مشعاً بالحق والجمال.
الأُطر والمُثل
والانضباط المستورد من الخارج لا يجلب إلا الانتحار... لذلك أقول:
ابحث عن نفسك
وأوجد نفسك... هذا هو الباب إلى الله... مَن عرف نفسه عرف ربه.. لن يستقبل الله إلا
الذين وجدوا أنفسهم... عبر هذا الباب يمكن أن يدخل نبي حقيقي أو مسيح حقيقي، لكن
ليس من يقلّد النبي أو المسيح..
حالما يندهش شخصٌ
ما لمثال خارجي ما، سيرغب بقولبة نفسه والتصرف مثل ذلك المثال... بعض الناس ربما
ينجحون أكثر وبعضهم أقل، لكن في النهاية كلما نجحوا أكثر ابتعدوا أكثر عن أنفسهم..
الناجحون بتقليد
النبي فاشلون بعيش حقيقة النفس...
لا يمكنك ارتداء
النبي أو المسيح أو الحكيم كقناع... ومن يفعل، لن يحمل أي موسيقى أو جمال أو
استقلال أو حقيقة في شخصيته... سيعطيه الله نفس المعاملة التي أعطاها الملك فريد
للرجل الذي صار خبيراً جداً بتقليد صوت البلبل حتى نسي صوت الإنسان...
كان ذلك الرجل
مشهوراً جداً، والناس يأتون من الشرق والغرب ليستمعوا إليه... وأراد عرض مهارته حتى
أمام الملك فريد... بعد صعوبة بالغة، استطاع الحصول على موافقة أمنية للظهور أمام
الملك... واعتقد أن الملك سيعطيه المديح والشرف والمكافآت.
هذا توقع طبيعي
منه بعد أن رأى مديح وهدايا الآخرين.. لكن ماذا قال له الملك؟
"أيها الرجل المحترم.. لقد سمعتُ الآن صوت البلبل بنفسه يغني، وأنا أتوقع منك أن
تنشد الأغاني التي وُلدتَ لأجلها وليس أغاني البلبل!.... البلابل تكفي لأجل أغاني
البلابل... اذهب وحضّر أغنيتك الخاصة بك، وعندما تحضرها ارجع إليّ.. سأكون مستعداً
لاستقبالك والجوائز ستكون بانتظارك".
بالتأكيد...
الحياة لم توجد لتقليد الآخرين،
بل لتطوير الشجرة
المخفية في بذرة النفس..
الحياة ليست نسخ
وتقليد،
بل خلق وإبداع
أصيل وفريد..
أضيفت في:24-4-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|