موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

القفل العنيد واختيار الحاكم الجديد

كان الحاكم في إحدى البلاد كبيراً في العمر ومريضاً، ويواجه مشكلة إيجاد واختيار أذكى شخص في البلد ليستلم الحكم من بعده...

بعد عدة أنواع من الاختبارات والأسئلة تم اختيار ثلاثة أشخاص في النهاية، والآن يجب اختيار واحد من هؤلاء الثلاثة.

في يومٍ ما قبل اختبار الاختيار النهائي، انتشرت إشاعة في البلد بأن الحاكم سيحتجزهم في غرفة بابها مغلق بقفل عنيد معقد صنعه أفضل المهندسين، والقفل لا يمكن أن يفتحه إلا أذكى شخص في الرياضيات والحسابات.

لم يستطع شخصان من الثلاثة أن يناما في الليلة قبل الاختبار بسبب القلق والتشويق.. بقيا يدرسان طوال الليل عدة كتب عن الأقفال وحاولوا حفظ الأرقام والمعادلات الهندسية فيها.. قبل مجيء الصباح امتلأت رؤوسهم بالحساب لدرجةٍ لم يعودوا فيها قادرين على جمع اثنين زائد اثنين... وعندما ذهبا إلى القصر، أخفوا بعض كتب الحساب أيضاً تحت الثياب فقد يحتاجانها في أي وقت.

 

وفق نظرهم لأنفسهم، كانا مستعدين تماماً... لكن بالنظر إلى سهرهم مع الكتب طوال الليل، لم تكن عقولهم تحت السيطرة وأقدامهم ترتجف كأنهم سكارى... الأبحاث والعلوم والمعارف تسبّب الثمالة ربما أكثر من شرب الخمور.

لكن بالنسبة لهما، كان المرشح الثالث الذي نام بهدوء في الليل يبدو حتماً أنه مجنون... فعدم اهتمامه لا يدلّ إلا على الجنون التام!.. كانا يضحكان عليه بسخرية طوال الطريق.

 

عندما وصل الثلاثة إلى القصر والغرفة، عرفوا أن الإشاعة كانت صحيحة تماماً... تم فوراً أخذهم إلى غرفة كبيرة، وعلى بابها قفل كبير مذهل جداً، يظهر أنه اختراع هندسي معقد وحديث... كان القفل مبنياً على أسس حسابية، يشبه أحجية صعبة لا يمكن حلّها إلا بالأرقام والجداول والحسابات.. لقد تطابق القفل تماماً مع الصورة التي رسمتها الإشاعات المنتشرة بين الناس.

بعد احتجازهم في الغرفة، أخبروهم بقرار الحاكم أن أول شخص يقدر على فتح القفل والخروج من الغرفة سيتم تعيينه حاكماً جديداً على البلاد.

بدأ عالمان الحساب فوراً بقراءة الأرقام والأشكال على القفل واستخدام المعادلات الحسابية... وخلال ذلك استخدما الكتب التي جلباها معهم تحت الثياب... كان الفصل شتاءً بارداً ورياح الشتاء تأتي من نافذة الغرفة مع اقتراب الفجر، لكن جبهتهم كانت تتصبب عرقاً... كان الوقت يمضي بسرعة، ومشكلة فتح القفل صعبة جداً في هذا الوقت القليل الذي سيحدد مصير حياتهم كلها.

 

كانت أيديهم ترتجف وأنفاسهم سريعة جداً، يقرؤون ويكتبون ويحسبون... لكن الشخص الثالث الذي نام جيداً في الليل لم يدرس القفل ولم يمسك قلمه ولم يحلّ أي مسألة... كان جالساً بهدوء وصبر وعيونه مغلقة، ووجهه لا يُظهر أي خوف أو إثارة... عندما تنظر إليه ستشعر أنه يفكر بشيء ما، لأن هدوءه وأفكاره المستقرة ظهرت مثل لهب شمعة في غرفة ليس فيها نسمة هواء.

كان الرجل هادئاً وصامتاً، بعدها نهض فجأة ومشى ببطء إلى باب الغرفة... قام بهدوء بتدوير قبضة الباب، وتفاجأ أن الباب فتح بسهولة... كان القفل على الباب خدعة تم نشرها عبر تلك الإشاعات.... لكن صديقاه علماء الحساب لم يعرفا شيئاً عما حدث... لم يعرفا حتى أن صديقهما الثالث لم يعد داخل الغرفة!.. عرفا بهذه الحقيقة والصدمة فقط عندما أتى الحاكم إليهم وقال: "أيها السادة، أوقفوا حساباتكم الآن.... لقد خرج من خرج أولاً، وتم اختياره كحاكم جديد للبلاد".

 

لم يقدران على تصديق ما شاهدت أعينهم... صديقهم الذي كان غير جدير بأي شكل كان واقفاً خلف الحاكم!

وعندما رأى الحاكم صمتهم وصدمتهم قال: "أهم شيء في الحياة أنه علينا في البداية معرفة ما إذا كان هناك مشكلة أم لا... معرفة ما إذا كان القفل مغلقاً فعلاً أم لا.... إن الشخص الذي لا يجد المشكلة ويبدأ ينشغل بحلّها، من الطبيعي أن يضلّ طريقه وتضيع كل جهوده".

 

هذه القصة حقيقية بشكل غريب.... لقد وجدتُ ذات الشيء حتى بالنسبة لله... بابه كان أيضاً مفتوحاً منذ بداية الزمن، وكل الإشاعات عن الأقفال على ذلك الباب مزيفة تماماً... لكن المتنافسين الطامعين الخائفين الراغبين بالدخول عبر ذلك الباب، يحملون معهم كتبهم المقدسة خوفاً من الأقفال... وعندها هذه الكتب والأفكار والمعتقدات ذاتها تصبح قفلاً صعباً بالنسبة لهم... ويظلون جالسين خارج الباب.

كيف سيقدرون على اجتياز الباب ما لم يحلوا المشاكل الحسابية من خلال كتبهم المقدسة وتفسيراتها المتعددة؟

من النادر أن يمتلك أحدٌ الشجاعة للوصول إلى الباب من دون كتب مقدسة... لقد وصلتُ إليه تماماً مثل ذلك... ومع وصولي اكتشفت عيناي أن أولئك الدارسين والمثقفين يجلسون تحت أكوام كتبهم المقدسة وفلسفاتهم، منشغلين جداً بحل بعض المشاكل لدرجة أنهم لم يشعروا بوصول شخص غير جدير مثلي أنا...

 

لقد وصلتُ إلى الباب وأدرتُ قبضته، ووجدت أن الباب مفتوح منذ البداية... للوهلة الأولى، شعرتُ أن السبب هو حظي الجيد الذي جعل حراس الباب يرتكبون خطأً ما... وإلا كيف يمكن لشخص لا يعرف أي كتب مقدسة أو فلسفات أو معتقدات أن يجد مدخلاً إلى عالم الحق والحقيقة؟

ودخلتُ هناك بخوف... لكن أولئك الذين كانوا موجودين في الداخل أخبروني أن الإشاعات عن إغلاق باب الله قد تم نشرها بواسطة الشيطان، وهي إشاعات باطلة تماماً لأن أبواب الله كلها مفتوحة دائماً...

هل يمكن لأبواب الحب أيضاً أن تُغلق بأي قفل؟

وهل يمكن لأبواب الحقيقة أيضاً أن تُغلق بأي جهل؟

أضيفت في:7-8-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد