لماذا محبة الحياة عمياء جداً وناقصة؟
كنت
جالساً قرب رجل كبير عمره 84 سنة ويحتضر.. وكان مصاباً بكل الأمراض التي يمكن أن
يحملها الشخص في وقتٍ واحد.. لقد عاش مع ألم شديد لا يحتمل لفترة طويلة.. وفي
النهاية فقد نظره أيضاً.. وكل بضعة أيام يغيب عن الوعي ثم يرجع.. لم يخرج من سريره
لسنوات.
كان هناك ألم يتبع ألم.. لكن حتى في تلك الحالة أراد أن يعيش أكثر.. والموت لم يكن
مقبولاً حتى الآن.. رغم أن حياته لم تكن سوى موت يتحرك، لكن لا أحد يرغب بالموت
أبداً.
لماذا محبة الحياة عمياء جداً وناقصة؟ وكم تدفعك رغبة العيش لتحمل الألم والمعاناة؟
ما هو هذا الخوف من الموت؟
وكيف يمكن أن يكون هناك خوف من الموت الذي حتى لا يعرفه الإنسان؟ يمكن وجود خوف من
الشيء المعروف فقط.. لماذا سيكون هناك خوف من المجهول؟ بل يمكن فقط وجود رغبة
بالتعرف عليه.
كان الرجل العجوز يبدأ بالبكاء أمام أي شخص يأتي لرؤيته.. شكوى بعد تذمّر، وتذمّر
بعد شكوى.. الشكوى لا تموت حتى مع مجيء لحظة الموت.. ربما تبقى ترافقك حتى بعد
الموت!
لقد أصبح مشمئزاً من كل أنواع الأطباء، لكنه لم يستغني بعد عن الأمل بمساعدة الشيوخ
وأصحاب الشعوذة والطلاسم.. لا يزال يأمل أن يعيش أكثر..
عندما كان جالساً لوحده سألته: "هل لا تزال تريد أن تعيش؟"
اندهش كثيراً من السؤال.. لابد أنه فكر ما هذا السؤال والكلام المشؤوم!.. بعدها،
وبألم كبير قال: "الآن ليس عندي إلا دعاء وحيد لله بأن يأخذني إليه"... لكن زيف ما
كان يقول كان واضحاً في كل تفاصيل وجهه.
تذكرت قصة.. كان هناك حطاب عجوز فقير بائس.. لم يستطع تقطيع حطب يكفي لملئ بطنه
بالطعام.. وكانت طاقة حياته تتضاءل كل يوم.. ولم يكن يتواصل مع أي شخص في الدنيا.
في أحد الأيام بعد تقطيع الحطب كان يقوم بربطه سوية فقال: "حتى الموت لا يأتي
لمساعدتي وإنقاذي من هذه الحياة المؤلمة في هذا العمر الكبير!"...لكن بمجرد خروج
هذه الكلمات من فمه شعر بشخص يقف خلفه.. ويدٌ خفية وباردة جداً لامست كتفه، فارتجف
جسده وحتى تنفسه... التفت للخلف فلم يشاهد أحداً.
لكن الشعور باليد الباردة على كتفه كان واضحاً مستمراً.. قبل أن يتمكّن من الكلام،
تكلمت القوة الخفية وقالت له: "أنا الموت.. أخبرني ماذا أستطيع أن أفعل لأجلك؟"..
ارتبك الحطاب العجوز ونسي كل الكلمات.. رغم أنه فصل الشتاء لكن جسده بدأ يتصبب
عرقاً..
بطريقة ما، استجمع بعض الشجاعة وقال: "آه يا الله.. أشفق على هذا العبد المسكين..
لماذا أتيت أيها الموت وماذا تريد مني؟!".
أجاب الموت: "أنا موجود هنا لأنك تذكرتني ودعوتني".
قال الحطاب: "سامحني.. نسيت ذلك.. رجاءً ساعدني في حمل رزمة الحطب هذه.. لقد دعوتك
فقط لأجل هذا.. وفي المستقبل لن أدعوك مجدداً، وفي حال دعوتك بالخطأ لا داعي لقدومك
أبداً.. رجاءً.. كرامةً لله لا تأتي، فأنا سعيد جداً".
كان العجوز المحتضر يفكر بهذه القصة عندما جاء شخص وأخبره: "لقد أتى شحاذ إلى
القرية، وهناك قصص كثيرة عن كراماته وقدراته الخارقة والمعجزات حوله.. هل أخبره أن
يأتي إليك؟".
برق وجه العجوز ببعض السعادة ونهض بطريقةٍ ما فجلس وقال: "أين هو هذا الشحاذ؟ اطلبه
بسرعة فوراً... فأنا بالنهاية لست مريضاً جداً.. في الواقع، الأطباء فقط هم الذين
يقتلوني..
الله سبحانه يريد إنقاذي، لذلك رغماً عنهم جميعاً لازلتُ حياً.. مَن يقدر أن يقتل
شخصاً يريد الله إنقاذه؟".
عندها غادرت المنزل وتركت العجوز وشأنه.. لكن مع وصولي إلى منزلي وصلني خبر أن ذلك
العجوز لم يعد في هذه الدنيا.
أضيفت في:7-2-2018... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|