موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الحب الحقيقي برّي يا صديقي

هل الحب والكراهية شيء واحد يا رفيق الدرب،

رغم أننا نرى في العالم كراهية أكثر من الحب؟

وكيف تكون الاستنارة حالة خالية من الكراهية والحب؟

هل هذه أنواع مختلفة من الحب وألحان القلب؟

 

الحب والكراهية يا صديقي طاقة واحدة... مجرد وجهان لعملة واحدة وتجارة بائدة... لكن في الحب حدث شيء رهيب... ولا يمكن تخيل كيف قام بذلك أناس عندهم كل النوايا الحسنة في العالم.

 

ربما لا تكون حتى قد شككت في سبب تدمير الحب:

إنه التعليم المستمر للحب!

الكراهية لا تزال موجودة ونقية، أما الحب فلا..

عندما تكره فأنت تكره بصدق وكراهيتك حقيقية

أما عندما تحب فلن يكون ذلك إلا نفاقاً وكذب...

 

يجب فهم هذا جيداً.. عبر آلاف السنين، لم تكن كل الأديان والسياسيين والمعلمين تعلّم إلا شيئاً واحداً، وهو الحب: أحب أعداءك، أحب جارك، أحب أهلك، أحب الله...

لماذا بدؤوا من الأصل بهذه السلسلة الغريبة من التعاليم عن الحب؟

لقد كانوا خائفين من حبك الأصيل، لأن الحب الأصيل أقوى من حدود سيطرتهم..

الحب الأصيل يمتلكك تماماً.. لستَ الملك المالك فيه بل المملوك...

وكل مجتمع يريدك أن تبقى تحت المراقبة والسيطرة.

المجتمع خائف من طبيعتك البرية، خائف من طبيعتك وفطرتك بحد ذاتها، لذلك منذ البداية يبدأ بقص أجنحتك... والشيء الأول الأساسي الأخطر فيك هو إمكانية حدوث الحب في حياتك.. فإذا تملكك الحب يمكنك حتى أن تسير ضد العالم بأكمله.

 

إنسان وحيد مملوك بالحب، يشعر بنفسه قادراً على صنع المستحيل... في كل قصص الحب القديمة تظهر هذه الحقيقة وتتكرر بشكل خفي، ولم يهتم أحد بها من قبل، وحتى لم يعلق أحد على تكرار هذه الظاهرة.

مثلاً، القصص الشرقية الشهيرة عن مجنون وليلى.. وهي قصة صوفية، لا يهم ما إذا كانت تاريخية أم لا، هذا ليس اهتمامنا الآن... لكن لننظر إلى بنية القصة، وهي تقريباً ذاتها في كل قصص الحب عبر العالم... القصة الشهيرة الثانية هي قصة الحب بين سوسن وفرحان، وكذلك قصة سونيا وماهيفال وغيرها، لكن كلها تحمل شيئاً متشابهاً.

بنية القصة تتضمن أن العاشق مطلوب منه أن يفعل شيئاً مستحيلاً، وإذا قدر على تحقيقه سيحصل على معشوقته... وطبعاً الأهل والمجتمع غير مستعدين للقبول بهذا الحب...

وواقعياً، لا يوجد أي مجتمععع مستعد لقبول أي علاقة حب، لكن قول "لا" يبدو غير مهذب.

عندما يأتي شخص عارضاً حبه، لا يمكنك هكذا ببساطة رفضه وقول لا... حتى لو أردت قول لا، وسوف تقول لا، لا بد من إيجاد طريقة ما... وهذه هي الطريقة.

اطلب من المحب أن ينجز شيئاً مستحيلاً، شيئاً تعرف أنه غير قادر على إنجازه.

شيء يتجاوز الإمكانيات البشرية.. وإذا لم يقدر، عندها لن تكون أنت المسؤول، لأنه هو الذي فشل.

هذه طريقة حضارية لقول لا... قالوا لفرحان أنه يستطيع الحصول على حبيبته سوسن ابنة الملك، إذا استطاع لوحده أن يشق قناة عبر الجبال، ويجلب فيها الحليب إلى قصر الملك.

والآن، هذا منتهى السخافة... أصلاً حتى لو كانت قناة ماء، فالرجل لوحده وبيديه فقط لا يستطيع حفر قناة من الجبال العالية طولها مئات الكيلومترات، وسيحتاج آلاف السنين ليوصل القناة إلى القصر.... حتى لو افترضنا قبولها، وأنه يمكنه حفرها، فمن أين سيأتي بكل هذا الحليب اللازم ليملأ القناة؟.. فالملك يريد أن يروي حديقة قصره بالحليب... هذا فقط ما يؤهل فرحان لطلب يد ابنة الملك!

وهناك مئات قصص الحب الأخرى المشابهة.. دائماً يتم طلب شيء مستحيل من العاشق.. لكن تكرار هذا الموضوع ليس عبثاً، بل هناك شيء ما في لاوعي الإنسان، هو أن الحب يستطيع جعل المستحيل ممكناً...

الحب مجنون جداً... حالما يمتلكك لن تفكر بمصطلحات المنطق والعقل والواقع... ستعيش في عالم من الأحلام المذهلة حيث كل شيء متاح بين يديك...

في كل هذه القصص، هناك شيء هام أساسي عن الحب.. هو أن الحب يجعلك مجنوناً جداً فلا يبقى أي شيء مستحيل بالنسبة لك.

 

عندما طلبوا من فرحان مهمة حفر قناة الحليب في الجبال، بدأ فوراً.

حتى أنه لم يقل: "هل أنت مجنون؟ ماذا تطلب مني؟ أنت تجعل الأمر مستحيلاً منذ البداية، فلماذا لا تقول لا ببساطة؟ لماذا تراوغ حول ذلك؟"...

لا.. لم يقل أي كلمة، بل ببساطة حمل الرفش ومشى إلى الجبال...

عندها سأل الناس في بلاط الملك: "أيها الملك ماذا فعلت؟ أنت تعلم جيداً أن هذا غير ممكن.. أنت لا تستطيع إنجازه، ولا نحن... ولا أي أحد... حتى مملكتك كلها وجيوشك لا يمكنها جلب هذه القناة من الحليب إلى القصر... يمكنك قهر العالم كله بجيشك وقوتك لكن لا يمكنك قهر وتغيير قوانين الطبيعة.

أولاً هذا الرجل المسكين لوحده، دون أي مساعدة من أحد، سيحفر القناة الطويلة من الجبال إلى القصر.. سيحتاج ذلك منه ملايين السنين، وحتى لو نجح بحفرها، من أين سيجلب الحليب؟!"

أجاب الملك: "أنا أعلم هذا، وأن ذلك لن يتحقق... لذلك قمت بطلبه.. لأنني بهذا ألقي كامل المسؤولية عليه، وأوفر على نفسي قول كلمة لا لأي شخص".

لكن الناس في القصر كانوا في دهشة أكبر من الشاب المندفع فرحان.. ركضوا وراءه وسألوه:

"هل أنت مجنون أو معتوه؟ إلى أين أنت ذاهب؟ هذا شيء مستحيل!"

قال فرحان: "كل شيء ممكن... فقط على حبي أن يكون أصلياً وحقيقياًً".

الكون والوجود لا يمكنه إنكار الحب... الطبيعة قد تغير طبيعتها وقوانينها لكن لا يمكنها إنكار الحب، لأن الحب هو أعلى قوانين الطبيعة... وأمام القانون الأعلى، يمكن أن تلغى القوانين الأدنى أو تتغير...

صُدم مستشارو الملك من جواب فرحان... لكن جوابه يبدو مهماً... ويحمل سراً كبيراً..

وتقول القصة أن فرحان قد نجح... نجح ولوحده بحفر القناة، ولمجرد صدقه وإخلاصه وثقته بالوجود، ملأ الماء القناة وتحول إلى حليب.

هذه مجرد قصة، ولا أعتقد أن الطبيعة قد تغير قوانينها.. لكن هناك شيء واحد مؤكد:

لقد أدرك المجتمع باكراً أن الحب مجنون.. وحالما يمتلك إنساناً ما، سيصبح أقوى من سيطرتك، فلن تستطيع إقناعه بأي شيء... لا يمكنك تطبيق أي قانون أو مبدأ أو منطق معه، فهذا كله لا يعنيه.. حبه هو القانون الأسمى في قلبه.. وكل شيء سواه عليه أن يخضع وينحني له.

أنا لا أقول أن الطبيعة وقوانينها ستخضع وتتغير، أو أن الحب سيحقق المعجزات والخوارق، لا... بل ما أقوله هو حول هذا الخوف... الخوف من أن الحب يمكنه جعل الإنسان مجنوناً جداً لدرجة أنه يبدأ يؤمن بالمستحيلات، وعندها سيكون أقوى من سيطرتك.

ولكي تبقي الإنسان تحت السيطرة، ستحتاج ومنذ مرحلة مبكرة جداً، أن تصنع فكرة مزيفة عن الحب في فكره، وأن تستمر بتقويتها دوماً بحيث لن يمتلكه أي حب حقيقي ولن يجن أبداً، بل سيبقى "عاقلاً" دائماً... "عاقل" تعني عبد وتابع وخاضع لقوانين المجتمع، "عاقل" تعني التابع الطائع لألعاب المجتمع...

 

الحب يمكن أن يجعلك متمرداً

الحب المزيف يجعلك مطيعاً خانعاً

 

لهذا يعلمونك أن تحب الله... والآن، إخبار طفل صغير أن يحب الله هو مجرد غباء وهراء... الطفل لا يعلم من هو هذا الله، ودون أن يعرف الشيء كيف يمكنك أن تتوقع منه أن يحب الله؟

لكنك تصلي وتتضرع لله رافعاً يديك بالدعاء إلى السماء، ويبدأ الطفل بتقليدك..

الله هناك... فوق.. في الجنة... رغم أن كل الناس يعرفون الآن أن الأرض كروية!

ما هو فوقنا هنا ليس فوقنا إذا كنا في أميركا مثلاً، فهو تحتهم لأننا نحن تحتهم... السماء التي فوقنا ليست فوقهم... لكن كل الناس على امتداد الأرض ينظرون إلى السماء والى الله الذي يعيش هناك في الجنة العالية...

والآن بعد أن عرفنا كروية الأرض، الجنة في كل مكان فوقنا.. وزوايا مختلفة من تلك الجنة موجودة فوق العديد من الناس، وتلك أيضاً غير ثابتة لأن الأرض تدور حول محورها باستمرار، لذلك ما كان فوقك منذ بضعة دقائق أو ساعات لن يبقى فوقك.. قد يكون صار تحتك... وعلى إلهك أن ينجز حركات بهلوانية صعبة جداً ليحقق أمنياتك ويبقى فوقك!.. لقد أعطيته مهمة شاقة جداً لدرجة أنه ولو كان كلي الوجود والقدرة لن يستطيع تحقيقها!

 

لكن الطفل الصغير يبدأ يقلد ببساطة، يقلد أهله مهما فعلوا دون تفكير... يذهبون إلى المسجد والكنيسة والهيكل فيذهب هو أيضاً... لكن هذا تغذية وتعزية ضد الطبيعة!.. والإنسان الذي يستطيع أن يحب الله هو إنسان لن يعرف الحب مطلقاً.

فقط فكر بهذا: الإنسان الذي يستطيع أن يحب الله حتى دون معرفة من يكون هذا الشخص، وأين هو موجود، ما إذا كان موجوداً أم لا، وما إذا كان يستحق فعلاً المحبة، هل تعتقد أنه مهتم أبداً بك أو بمحبتك؟؟؟ ...إنسان دون معرفة أي من هذه الأشياء، يحب الله، يحب النبي، يحب المسيح أو الإمام، ولا يعرف ما إذا كان ذلك الشخص شخصية تاريخية فعلاً أم لا....

لو أن قصص المسيحيين عن المسيح حقيقية، عندها لا يمكن أن يكون المسيح شخصاً موجوداً في التاريخ.. وهذا تناقض.

لو أن قصصهم عن المسيح حقيقية، فلا يمكن أن يكون المسيح حقيقياً!...

المسيح يمكن أن يكون حقيقياً بحالة واحدة: إذا كانت القصص التي رواها المسيحيون عنه كلها مزيفة وأثبتنا زيفها.. والآن هذه مشكلة كبيرة، لأنه إذا أثبتنا زيف كل القصص المروية عن المسيح، فلن يكون المسيحيون مهتمين بهكذا مسيح!.. إنهم مهتمون فقط بسبب تلك القصص والروايات.

لم يعني لهم المسيح شيئاً سوى في هذه القصص: الولادة من عذراء، سيره على الماء، تحويله الماء إلى خمر، تحويله الحجارة إلى خبز، شفاؤه للناس العميان، والمشلولين والمعاقين، إعادته للموتى إلى الحياة... كل هذه القصص أساسية عند المسيحي ليكون عنده إخلاص وإيمان بالمسيح.

أنا أقول، إذا كانت كل هذه القصص حقيقية فالمسيح هو مجرد شكل أسطوري وهمي... لا يمكن أن يكون حقيقة تاريخية لأن البشر الحقيقيين لا يسيرون على الماء.. لا يوجد أي طريقة لتحويل الماء إلى خمر، ولا يوجد أي طريقة لتحويل الحجارة إلى خبز.

في حياة المسيح نفسها ستجد إثباتاً كافياً بأن هذه الأشياء غير حقيقية، لأن هناك عدة أيام كان فيها المسيح وتلاميذه جائعين واضطروا أن يناموا خاويي المعدة، لأن أهل القرية التي مروا بها كانوا ضد المسيح، فلم يعطوه أي مأوى أو خبز... لكن لو أن هذا الرجل كان قادراً على تحويل الحجارة إلى خبز، فما المشكلة يومها؟

في الواقع، كان بإمكانه تغيير حالة البشرية بكاملها، ولم يكن هناك حاجة لليهود بأن يصلبوه، لو أنه أمّن الطعام لكل البشر.... وهناك حجارة كافية في العالم، جبال بكاملها!... ربما كان بإمكانه تحويل جبال الهيمالايا إلى رغيف خبز ضخم، فيستطيع الهنود أن يأكلوه لقرون وقرون... أو كان بإمكانه تحويل مياه المحيطات كلها إلى خمرة، فيستطيع كل الناس حتى الفقراء الاستمتاع بأجود أنواع النبيذ المعتق الفاخر!

لو أنه كان قادراً على إحياء الموتى، عندها بدلاً من لازاروس الذي لم يكن ذا فائدة أبداً.. كان بإمكانه اختيار موسى، ابراهيم، أو إسحق، وعندها كان اليهود سيعبدوه بدلاً من أن يصلبوه.

لو أنه قام بإحياء كل الأنبياء القدماء، فسيقوم اليهود دون أي مناقشة بقبوله كابن الله الوحيد... وعندها ما لزوم الجدال؟.. كان بإمكانه إثبات حقيقته بالفعل لا بالكلام.

لكن تلك القصص هي مجرد قصص... والمسيح ليكون حقيقة تاريخية، يجب أن يُجرد من كل تلك المعجزات... لكنك حالما ترمي المعجزات، لن يبقى عند المسيحيين أي اهتمام بمسيحهم... فماذا بقي عنده؟ لماذا عليهم أن يؤمنوا به؟

في الحقيقة لم يؤمنوا به مطلقاً... لهذا أقول لكم أن ديني هو الدين الأول والأخير في الأرض، وهو تدين بسيط وفطري وليس ديناً جديداً ولا حركة ضد أي دين، لأنكم معي هنا ليس من أجل أي معجزة أقوم بها... أنتم معي هنا ليس من أجل أي شيء مميز موجود عندي.

أنا لا أحمل أي سلطة أو مرجعية من الله، ليس لدي أي دعم من الكتب المقدسة.. وأنا شخص عادي مثلكم تماماً.

إلى الآن لم يحدث هذا مطلقاً... الناس يحبون المسيح بسبب معجزاته، اسحب المعجزات بعيداً وسيختفي حبهم فوراً... كانوا منجذبين لصفاته السحرية الخوارقية، وليسوا مهتمين بعيسى المسيح كشخص أبداً... الهندوسيين يعبدون كريشنا لأنه كان تجسداً لله وقام بكثير من المعجزات، أيضاً ارمي تلك المعجزات وسينتهي موضوع كريشنا.... وكذلك الأمر ذاته مع كل نبي أو إمام وجهلنا يسير للأمام!

لا يمكنك إنهائي.. يمكنك رمي كل شيء عني لكن لا يمكنك إنهائي، لأنني لم أحاول بأي طريقة أن أؤثر فيك أو أجذبك بشيء خارق للطبيعة البشرية... يمكن لكل ما قيل عني أن يرمى لكن علاقتك معي ستبقى نفسها ولن تتغير، لأنها منذ البداية علاقة بسيطة.

تلك العلاقات بين المسيحيين والمسيح، بين اليهود وموسى، بين الهندوسيين وكريشنا، ليست مهتمة أبداً بالفرد بحد ذاته... إذا جاء المسيح وقابلك في الطريق وقال لك: "مرحباً... أنا عيسى المسيح".. فأول شيء ستطلبه منه هو أن يمشي على الماء.

لا يمكنك أن تطلب مني هذا... لا يمكنك أن تطلب مني حتى المشي العادي، لم أقم حتى بهذه المعجزة!... المشي على الماء... سيبدو هذا غباء منك، لكن مع المسيح يمكنك أن تطلب ذلك، وستكون على حق تماماً... إذا غرق ببساطة فسيغرق، هذا ببساطة ضد قوانين الفيزياء والجاذبية وحتماً سيغرق... وعندها ماذا ستكون علاقتك مع مسيح يغرق؟.. عليك فوراً أن تركض وتقفز وراءه لتنقذه وتعطيه تنفساً اصطناعياً.. ماذا ستكون علاقتك مع هذا الشخص؟.. فقط فكر في ذلك.... لا ليس لديك أي علاقة فعلية مع المسيح، النبي، ماهافيرا، بودا، كريشنا ولا أي منهم... انتباهك واهتمامك منحرف عن الحقيقة.

يعلمونك أن تحب المسيح أو النبي أو الله... لماذا؟ لأنه شق القمر بإصبعه؟ أو لأنه حول الماء إلى خمر؟ حتى لو حول الماء إلى خمر، فذلك لا يعني أنه يستحق محبتك... وفي الواقع، لقد قام بجريمة ويجب أن يسجنه القانون... كيف يحول الماء إلى خمر دون رخصة؟ هذا عمل ضد القانون وضد الحكومة والمجتمع... يجب عليه أن يعاقب، ولا أرى أنه يستحق محبتك... وتلك قصة قديمة منذ ألفي سنة، أما اليوم فقد يستطيع تحويل أي خضار إلى حشيش ومخدرات!

ويستمر السياسيون اليوم في خطاباتهم باستخدام أقوال قادة الأديان والنصوص المقدسة على هواهم... يستمر أوباما بالاقتباس من أقوال المسيح دون أن يعرف من هو، وأنه إذا عاد اليوم وأراد القيام بأي معجزة، وعليه طبعاً أن يؤدي معجزة ليظهر أهميته، فقد يصبح أكبر تاجر مخدرات في أميركا! هذه ستكون المعجزة الوحيدة التي يمكن أن تفهمها أميركا... لن يحول الحجارة إلى خبز لأن هناك ما يكفي من الخبز في أميركا، بل سيحول الحجارة إلى حبوب كوكايين.

 

لا... المسيح لم يقم بأي شيء من هذه الأشياء... ولا النبي قام بأي معجزة... لكن عندها حبك له وإيمانك به سيختفي... لقد قيل لك ومنذ طفولتك أن تحب الله، الذي لا تعرفه، ولستَ حتى متأكداً من وجوده.... بهذا تم تحويل حبك إلى اتجاه خيالي تماماً، لا يوجد واقع ملموس مطابق له.

 

محبتك للمسيح ليست للمسيح، ومحبتك للنبي ليست للنبي،

ومحبتك لله ليست لله

بل لأشياء يمكن لأي فكر ساذج متوسط أن يتأثر بها...

لو كان عندك قليل من الذكاء يمكنك رؤية أن كل هذه سخافات...

لكنهم منذ بداية طفولتك يحرفون حبك إلى أبعاد غير حقيقية...

أحد الأشياء وهو إستراتيجية ماكرة جداً،

أن يعطوا حبك نمطاً معيناً واتجاهاً محدداً، غير قابل للتحقيق..

وبسببه، لن يجذبك أبداً الاتجاه الطبيعي الممكن التحقيق.

 

شخصٌ تم تعليبه وتعليمه أن يحب الله، سيشعر في محبته لامرأة أو رجل بأنه يهبط لمستوى سافل جداً... الله عز وجلّ موجود هناك عالياً في السماء في الجنة، وهذا أمامي رجل عادي أو امرأة عادية.......

لقد أعطوا حبك شيئاً بعيداً مستحيل التحقيق، بحيث أن كل ما هو ممكن يصير شيئاً تافهاً سافلاً تحت مستواك... وحتى لو وقعت في الحب،-بسبب طبيعتك وغريزتك- سيكون هناك جزء منك يستمر بقول: "لا بد أن هناك شيء خاطئ في حبي"... وتشعر دائماً بالذنب.

هذا هو الشيء الأول الذي فعلوه تجاه حبك.

 


 

الشيء الثاني الذي فعلوه هو مقولة: "أحب والدتك...."

لماذا؟

"لأنها والدتك"

هل هذا سبب كافي لوجود الحب؟ هل عليك أن تحب شخصاً ما لمجرد أنه والدك أو والدتك أو أخوك أو أختك أو ابنتك؟... هذه العلاقات لا يمكنها خلق الحب.

نعم قد تخلق نوعاً من الاحترام، فهي والدتك ويمكنك أن تحترمها وتقوم بواجبك تجاهها... وهو والدك الذي رباك واعتنى بك فيمكنك أن تحترمه...

لكن الحب ليس شيئاً يمكنك تدبره أو صنعه

الاحترام شيء ممكن بين يديك، أما الحب فلا...

الحب شيء عندما يأتي يكون كالإعصار الهدار

يحيط بك من كل جهة ويحملك تماماً في قبضته...

في الحب لا تبقى أنت موجوداً

شيء أعلى منك وأكبر منك وأعمق منك قد امتلكك...

ولتجنب هذا، كانوا ولا يزالوا يعلمونك النفاق باسم الحب:

أحب والدتك....

فقط بسبب هذا التعليم: أحب والدتك، والدك، أخوك وأختك، أحب زوجتك وزوجك، أطفالك... ولأنه تم تكرارها آلاف المرات، لم تسأل أبداً:

"هل هذا ممكن؟ هل بمقدور الإنسان أن يحب شخصاً ما؟"

هذا سؤال أساسي جداً وتم نسيانه تماماً

 

إذا قيل لك أن تحب شخصاً ما، فكيف ستقوم بذلك؟

نعم، يمكنك أن تمثل وتتظاهر، يمكنك أن تردد حوارات جميلة من الأفلام والمسلسلات التي شاهدتها ومن الروايات التي قرأتها.... ستقول أشياءً جميلة لكن لا شيء منها ينبع منك أنت... أنت لست هائماً في الحب، بل فقط تؤدي مسرحية وتمثيلية.

والمأساة هنا، أن معظمنا نستمر طيلة حياتنا وحيواتنا ونحن نؤدي البروفة، التمرين قبل العرض، لا نصل حتى للمسرحية....... لا يأتي أوان المسرحية مطلقاً ونستمر بتكرار البروفة طوال العمر......

وحتى لو أتى موعد المسرحية لقليل من الناس، ستكون تلك المسرحية غير حقيقية أيضاً، لأن قلبك ليس مأخوذاَ تماماً بها... إنه ميت، لا يتنفس.. ليس عنده دفء ولا حيوية ولا رقصة... وأنت تقوم بها لأنه تم تدريبك عليها... المسرحية نوع من التمرينات الرياضية، من آداب التعامل والسلوك والتكلّف، وأي شيء آخر، لكن ليس الحب.

 

هذه هي الطرق التي قاموا فيها بتخريب وتسميم حبك الحقيقي وثقتك به.

وتسألني:

هل الحب والكراهية شيء واحد يا رفيق الدرب،

رغم أننا نرى في العالم كراهية أكثر من الحب؟

لأنه لم يكن هناك أحد يعلمك كيف تكره، لهذا بقيت الكراهية صافية وغير مشوشة... لم يقم أحد بالاهتمام بالكراهية وتعليمك كيف تكره ومَن تكره... ولأن الكراهية لم يلمسها أحد من أهلك ومعلميك ورجال دينك، نجد أن فيها نقاء وصدق.

عندما يكرهك شخص ما، يمكنك أن تثق بأنه يكرهك فعلاً.

لكنه عندما يحبك، لا يمكنك أن تثق به..!

تعلم جيداً أنك عندما تكره أحداً ما فالكراهية تحمل قوة عظيمة، وعندما تحب أحداً ما فلا يوجد تلك القوة..... كذلك أنت تتذكر أعداءك أكثر من أصدقائك..... يمكنك نسيان أصدقاءك لكن لا يمكنك نسيان أعدائك....

ماذا يحدث؟؟؟؟؟؟؟

السبب هو أن حبك تم حرفه وتشويشه، وتم إعطاؤك شيئاً غير حقيقي بدلاً منه... وقد كنتَ ولا تزال تلعب بتلك الدمية المسماة الحب، غير مدرك بأن لديك طاقة كامنة للحب الأصيل.

لذلك عندما تحب، يكون الأمر متردداً سطحياً بسماكة الجلد فحسب... اخدشه قليلاً وستجده يختفي.... لكنك عندما تكره، ستكره بشدة من صميم قلبك.

إنني فعلاً أتفاجأ بالنقاوة الموجودة في الكراهية عندنا، وكم فيها من صدق وطبيعية وعفوية... ولهذا أرى فيها جمالاً معيناً غير موجود في حبك.. حبك مجرد وهم وخداع.

هذا هو سبب رؤيتك لقليل من الحب وكثير من الكراهية في العالم...

تسمعون كثيراً من الكلام عن الحب في العالم... كل شخص يحب كل شخص آخر ويتكلم ويحاضر عن الحب، لكن كل هذا كلام في كلام.... يستمر ويمتد عبر العالم بأحاديث جميلة جذابة، لكن ما تراه فعلياً هو الكراهية في كل مكان.

الأديان تكره بعضها... الطوائف تلعن بعضها... البلدان تحارب بعضها... الفرق والأحزاب السياسية تكره وتنافس بعضها... الطبقات الاجتماعية تكره بعضها... فقط استمر بالنظر جيداً وستفاجأ بكمية مصادر الكراهية الموجودة حولك!

وكل عشرة سنين أو اثني عشر سنة، أنت بحاجة لحرب عالمية.... هناك كراهية كثيرة ولا تزال تتكدس وتتراكم... رغم أنك تستمر كل يوم بالتعبير عن الكراهية، لكنها تتراكم لذلك نحتاج لحرب عالمية تفجرها كل عشر سنوات!

في ثلاثة آلاف سنة، خضنا خمسة آلاف حرب في العالم.....

من هو المسؤول؟؟؟؟؟؟

فاعلي الخير أو الخرى الذين يركضون وراءك دائماً... ويعلمونك عن الحب والطيبة والرحمة والمعاملة... لا أحد يعلمك عن الكراهية، لذلك لا تزال موجودة وأقوى بكثير، أكثر حيوية ونضارة وحياة.

أتمنى أن يأتي وقت يتوقف فيه الجميع عن تعليم الحب أيضاً... يجب أن يتركوك وحيداً... يجب أن يقولوا لك أن تكون أكثر وعياً تجاه أي شيء يحصل معك، حب أو كراهية، غير مهم.

الشيء المهم هو أنك إذا كرهت، اكره بوعي... إذا أحببت، أحب بوعي...

لو أنني أنا سأعلمك شيئاً، فلن أخبرك مَن تحب وكيف تحب.. هذا كله هراء... الحب هو طبيعتك الجوهرية... لقد ولدتَ معها، تماماً مثل الكراهية الموجودة فيك أيضاً.. سأعلمك فقط أن تكون واعياً.

قبل أن يحدث أي شيء معك، حب أو كراهية، غضب، عاطفة وهوى وهيام، غضب أو رحمة أو أي شيء... كن واعياً.

دع كل شيء ينبع من وعيك أنت

ومعجزة الوعي هي أنه ودون قولك لأي شيء، دون فعلك لأي شيء، الوعي ببساطة يذيب كل ما هو بشع فيك ويحوله إلى كل شيء جميل.

الوعي هو قوة تحويل وتبديل

كمثال، إذا كنتَ واعياً للغضب، فسوف يختفي... إذا كنت واعياً للحب فسوف يقوى... إذا كان هناك كراهية ووعيت لها ستتشتت وتختفي فوراً.... وقريباً ستجد أن غمامة الكراهية الثقيلة قد اختفت وظهرت بدلاً منها نوعية معاكسة تماماً، مكونة من الرحمة واللطافة والمحبة... ستبقى وتعطر حياتك وأجواءك.

بالنسبة لي هذا هو المعيار:

أي شيء يتعمق مع وعيك هو حسنة وفضيلة

وأي شيء يختفي مع وعيك هو إثم وخطيئة

هذا هو المقياس والمعيار... أنا لا أسمي أي فعل كخطيئة أو حسنة، صح أو خطأ... الأفعال لا تحمل تلك المواصفات.... بل الموضوع كله يتعلق بوعيك.

فقط جرب وستفاجأ ببساطة بأن هناك أشياء داخلك لا يمكنها الصمود أمام الوعي وستختفي ببساطة.

الوعي شيء خارق يشبه السحر...

وما أقوله لك يمكنك أن تختبره... لا أقول لك أن تؤمن به لأن الاعتقاد أو الإيمان لن يساعدك... عليك أن تختبره..... عليك أن ترى بعينيك، مع كل الأشياء المختلفة داخلك ماذا سيبقى منها وماذا سيختفي.

وأنت فقط الذي يستطيع معرفة واكتشاف ما هو صحيح وما هو خاطئ بالنسبة لك.

عندها حافظ على خيط الوعي متواصلاً في كل أفعالك، ولن تجد أي كراهية أو غضب أو غيرة في حياتك.... ليس الموضوع أنك رميتها، ولا أنك كبتها، ولا أنك تخلصت منها بشكل ما، ولا أنك تدربتَ على القيام بشيء مضاد لها.... لا... أنت لم تقم بأي شيء ولم تقم حتى بلمسها.

هذا هو جمال الوعي: إنه لا يكبت أي شيء، لكن هناك أشياء تذوب ببساطة في نور الوعي وتتغير.... وهناك أشياء تصبح أكثر قوة وصلابة وتكاملاً وتناغم: الحب، الرحمة، اللطافة، المودة والصداقة والفهم....

كل الأديان حتى اليوم كانت تجعل عقول الناس مركزة على الأفعال، وعلى تسميها، هذا شيء سيء، وذلك شيء جيد، هذا شيء عليك تجنبه، وذلك شيء عليك القيام به.

أريد أن أغير هذا التوجه والتركيز بأكمله

الأفعال لا علاقة لها بالصح والخطأ

بل أنت... يقظتك ووعيك، هو الذي يحدد

أي فعل مع وعي قد يصبح جميلاً، ونفس الفعل دون وعي قد يكون بشعاً.

مع وعيك، قد يختفي فعلٌ ما في حالة معينة، وقد يظهر ويقوى نفس الفعل في حالة أخرى.

إذاً ليس الموضوع كصفة ثابتة في أي فعل، ولا عاطفة محددة معممة، بل يعتمد على ألف شيء وشيء..... لكن وعيك يلاحظ كل شيء، ولا حاجة لأن تقلق.... الوعي يشبه تماماً النور الذي يجعل كل شيء ظاهراً وواضحاً فيمكنك رؤيته كما هو.

 

أحد معلمي الزن، كان طوال حياته يسجن مراراً وتكراراً.. كان معلماً عظيماً وآلاف التلاميذ يجتمعون حوله.... حتى القاضي أحبه واحترمه...

سألوه: "لماذا تقوم بهذه الأعمال الغريبة؟ لا نستطيع فهمك وربما هذا أبعد من قدرة استيعابنا".

لأنه كان يسرق أشياء صغيرة من تلاميذه، وطبعاً على القانون أن يأخذ مجراه.

قال القاضي: "نعلم أن هناك شيئاً آخر في تصرفاتك.. لماذا تسرق فردة من أحذية شخص ما؟ فهي بلا فائدة ولا يمكنك ارتداءها.. والآن علينا أن نرسلك إلى السجن مدة شهرين".

كان معلم الزن سعيداً دائماً عند سماع الحكم، واعتاد أن يقول للقاضي: "ألا يمكنك إرسالي لمدة أطول قليلاً؟ لأنني على كل حال عندما أخرج سأعود لأكرر ما فعلت من جديد.. وعليك إرسالي للسجن مرة أخرى.. لماذا لا ترسلني لفترة أطول وتوفر علي كل هذا؟".

في النهاية فقط، عندما كان يموت، سأل تلاميذه: "الآن دعنا على الأقل نسأل.. لأنه لن تأتي فرصة أخرى لمعرفة سبب سرقتك لأشيائنا الصغيرة والتي لم تكن تعني لك شيئاً... لقد كنا مستعدين لجلب أي شيء تطلبه، لكن لم تقل أو تطلب شيئاً".

ضحك المعلم وقال: "السبب الحقيقي هو أنني أردت البقاء في السجن لأطول فترة ممكنة لأن فيه ثلاثة آلاف سجين، وقد رأيت في أولئك الناس براءة وعفوية طبيعية أكثر من الناس خارج السجن... وخارج السجن هناك الكثير من المعلمين والكثير من الأديان وهم يقومون بعملهم.... لكن لا أحد يعتني بالمساكين في السجن.... عندما أكون في السجن، أعلمهم التأمل، أعلمهم كيف يكونوا يقظين، وقد تحول السجن إلى معبد!

لقد تغير تماماً... كل المساجين يتأملون الآن... والسجان لا يستطيع حتى ملاحظة ذلك، لأنهم ببساطة يفعلون كل أعمالهم لكن بوعي... يتابعون نفس الأشغال مثلما كانوا من قبل، يقطعون الحطب، ينشرون الحجارة أو يشقون الطرق... لكن كل ما يفعلونه الآن يحمل اختلافاً عظيماً.

وأفضل معبد أعرفه الآن هو ذلك السجن حيث كنت أذهب عدة مرات، لأن فيه أناساً محكومين للأبد، أو لعشرين أو ثلاثين سنة... وهذه فرصة عظيمة لهم.. يستطيعون التأمل ثلاثين سنة دون أي إزعاج من العالم الخارجي.. فأين يمكنني إيجاد مثل هؤلاء الناس؟

وأنا سعيد جداً.. لأنني أترك ورائي في ذلك السجن، خيطاً سيستمر طوال قرون... هذا السجن سيبقى سجناً مميزاً... وأي شخص سيدخل إليه لا بد أن يشارك بالتأمل، لأن مساجيناً قديمين متأملين سيتواجدون دائماً فيه".

والآن، بالنظر للموضوع من الخارج، رجل يسرق شيئاً ما... هذا خطأ... والرجل يذهب دائماً إلى السجن محكوماً عليه، لا بد أن يكون مجرماً خطيراً..... لكنك إذا نظرتَ إلى وعي ذلك الرجل والفعل الناتج عن ذلك الوعي، فذلك شيء مختلف تماماً.

لا تحكم أبداً على أي شخص من أفعاله، لأن الشيء الحقيقي ليس الفعل بل الوعي الذي من خلاله أنجز الفعل... لكننا جميعاً نحكم على الأفعال لأن الأفعال متاحة بسهولة من الخارج كأشياء ملموسة، أما الوعي فلا نعرف عنه شيء.

 

حدث في أحد معابد الزن للتأمل، حيث كان المعبد مكوناً من جناحين... يساري ويميني.

عاش خمسمائة راهب في أحد الأجنحة وخمسمائة في الجناح الثاني، ومنزل المعلم كان في الوسط بينهما.

كان لدى المعلم قطة جميلة جداً... وكل التلاميذ يحبونها... لكن أحياناً كانوا يتشاجرون عليها، لأن التلاميذ في الجناح اليساري عندهم حفلة مرح وفرح ويريدون القطة، لكن تلاميذ الجناح اليميني لا يقبلون التنازل عنها اليوم... وبهذا أصبحت القطة مصدراً دائماً للنزاع والشجار...

في أحد الأيام، استدعى المعلم كل التلاميذ وطلب منهم إحضار القطة... وقال لهم:

"أنتم الفريقين أحببتما القطة، لكن القطة قطة واحدة"... لذلك قام بقطع القطة إلى قسمين، ما كان صدمة للجميع، وقال لهم: "والآن، يمكن لكل منكما أخذ نصف من القطة.. ومن الآن فصاعداً لا نزاع في هذا المعبد"..

ساد صمت كبير... لم يستطيع التلاميذ أن يفهموا كيف أن شخصاً ودوداً مسالماً كالمعلم يمكن أن يقتل القطة ويقسمها لنصفين... احتاروا جميعاً وقلقوا حول الموضوع... ووصلت القصة إلى الملك، الذي كان أيضاً تلميذاً عند نفس المعلم، فلم يستطع تمالك فضوله فأتى في اليوم التالي وسأله: "لقد سمعتُ أنك قتلتَ قطتك التي تحبها كثيراً".

أجاب المعلم: "لا لم أقتل القطة، بل قتلت الخلاف، الشجار الذي كان يكبر يوماً بعد يوم فوق الاحتمال... وهؤلاء الحمقى لن يفهموا ما لم أقم بفعل عنيف وصارم... لم أقتل القطة لأنه لا أحد يموت... القطة محررة من جسدها الآن بفضل هؤلاء الحمقى... وعلى كل حال كانت ستموت، عاشت فترة طويلة... ربما كانت ستعيش سنة أو اثنتين على الأكثر.

لذلك قبل قتلها، دخلت في صمت تام، ووعي كامل، وسألتُ نفسي: ماذا ستفعل القطة المسكينة في هذه السنتين؟.. لا شيء.. لكن في سنتين يستطيع أولئك الحمقى فعل الكثير.

لم أقتل القطة بسبب الغضب، ولا بسبب الكراهية... لقد أحببتها وأحبها الآن أكثر لأنها ساعدت في حل مشكلة... وكانت الحادثة صدمة جيدة للأغبياء، لأنهم دون صدمات لا يستطيع فكرهم أن يعمل جيداً".

وطبعاً، منذ ذلك اليوم توقفت كل أنواع الشجار واختفت ببساطة، لأن التلاميذ أصبحوا مدركين بأن معلمهم شخص خطير، بإمكانه أن يقتل شخصاً ما، لذلك لم يجرؤوا أبداً على الشجار وتوقف الجدال بينهم.

وكان الملك راضياً تماماً.. وقال: "لقد كان هذا هو تعليمك المستمر، بأن المهم ليس الفعل بل الوعي... نحن نستطيع فقط رؤية الفعل، ولا نعرف في أي وعي قمتَ به... فذلك معروف فقط بالنسبة لك... مَن نحن لنقرر أو نحكم عليه؟".

 

لا تحكم على أي شخص من فعله...

انتظر... حاول أن تجد وعيه.. وإلا فلا تحكم أبداً... عدم الحكم أفضل وأأمن...

وبشأن نفسك، تذكر، مهما كنتَ تفعل:

حافظ على شيء واحد في فكرك، وهو أنك تؤديه بوعي كامل...

وعندها أسمح لك بالحرية المطلقة

لم يسمح لك أي دين بالحرية المطلقة

لكنك الآن تستطيع أن تتحرر تماماً

 

لم يعطك أي دين المسؤولية الكاملة عن نفسك... لم يعطك أي دين الحق في تقرير ما هو صحيح وخاطئ.... إنني أعطيك الحق في ذلك والمسؤولية، لأنه بالنسبة لي، كل شيء ينبع من مصدر واحد، وهو الوعي.

 

لقد تحدثتُ عن الحب، وأن رسالتي هي الحب، وأن الشخص المستنير ليس عنده حب ولا كراهية.... والآن بدلاً من أن تسألني، لقد صرتَ ناضجاً كفاية لتجد الجواب بنفسك!

الجواب بسيط جداً: عندما تتحول كل طاقة الكراهية من خلال الوعي إلى طاقة حب، فهذه ظاهرة جديدة كلياً... تحتاج إلى اسم جديد... لكن ما العمل؟.. اللغات دائماً فقيرة لذلك علينا استعمال نفس الكلمات ونعطيها تعريفات ومعاني جديدة.

 

رسالتي هي الحب، لكن ليس ذلك الحب المعاكس للكراهية

رسالتي هي الحب، الحب القادر على امتصاص الكراهية وتحويلها

 

والسؤال المطروح الآن، إذا لم يبقى هناك كراهية، فكيف ولماذا علينا تسمية هذه الطاقة الجديدة بالحب؟

الحب، في فكرنا، شيء مضاد معاكس للكراهية... لكن الآن لا يوجد معاكس للحب.

لهذا عليّ أن أذكركم مراراً بأن المستنير ليس عنده كراهية ولا حب... هذا فقط لإنكار كراهيتك وحبك الذي تعودتَ وتبرمجت عليه... الحب والكراهية قطبان متعاكسان، والمستنير ليس لديه شيء منهما... وذلك لا يعني أنه غير مبالي.. رغم أنه سيبدو لك هكذا ظاهرياً.. لذلك أقول أن اللغات فقيرة.

 

إذا لم يكن عند المستنير حب ولا كراهية، فهذا يعني أنه غير مبالي وحيادي... لا... ليس هذا هو المعنى الصحيح.

لقد صار لديه نوع جديد من الحب الغير معاكس للكراهية... والآن ليس هناك كلمة مرادفة له، لذلك إما عليّ أن أقول أنه لم يعد عنده كراهية وحب مثل الذي تعودتم عليه... أو أن أقول عنده نوع جديد تماماً من الحب، أقرب إلى الرحمة من العاطفة، أقرب إلى المودة من العلاقة، حب كريم يعطي دون طلب أي شيء بالمقابل... مختلف تماماً عن الحب عند الناس الذي ما هو إلا صفقة ومساومة، حيث كل طرف يحاول أخذ الأكثر وإعطاء الأقل.

 

الإنسان المستنير يعطي ببساطة...

لا يريد أن يأخذ أي شيء منك.. فأنت أصلاً ليس لديك أي شيء تقدمه له.. ماذا لديك؟

إنه يقدّم ويعطي لأن لديه الكثير ليعطيه، يحمل الكثير...

يعطي لأنه مثل الغيمة المليئة بالمطر، مليئة جداً لدرجة أن عليها أن تهطل... ولا يهم أين أو على مَن... على الصخور أو على التربة الجيدة أو الحقول أو في المحيط... لا يهم.

الغيمة ببساطة تريد أن تخفف حملها وترتاح...

والمستنير يشبه تماماً غيمة المطر...

يعطيك حبه، ليس ليحصل منك على أي شيء... يشاركك به وهو ممتن لك، لأنك سمحتَ له بهذه الفرصة... لأنك كنت فاتحاً قلبك كفاية قدر ما تستطيع، ولم ترفض عندما كان حاضراً ليسكب كل بركاته عليك.

 

يمكن للدنيا كلها أن تمتلئ بالحب، الحب الذي أتحدث أنا عنه... وفقط ذلك الحب سيحول الكراهية في العالم... ليس ذلك الحب الذي تم تعليمك إياه... ذلك الحب لم يجعل العالم محباً أكثر بل جعله كارهاً أكثر: جعل الكراهية فيه أكثر واقعية وصدقاً، والحب فيه نفاقاً وكذباً.

أحب أن أرى عالماً مليئاً بالحب... لكن تذكر، هذا الحب ليس له نقيض.

إنه يعني ببساطة أنك استطعتَ داخلك من خلال الوعي أن تحول كراهيتك إلى حب.

حتى مقولة "أنك استطعت" غير صحيحة، ماذا سنفعل بهذه اللغات؟

في الواقع، الوعي بنفسه سيحول كراهيتك إلى حب... وليس أنت من تحولها.

عملك ومهمتك هي ببساطة أن تبقى واعياً... لا تدع أي شيء يحدث في حياتك دون وعيك.

إنني أعطيك أبسط دين وأكثر دين طبيعيةً إلى الآن.. وهو تدين بسيط...

لهذا أقول أنه الأول والأخير، لأنه لا يمكن تبسيطه أكثر من هذا... لا يوجد أي شيء مطلوب أقل من الوعي، لقد وصلنا إلى الجذر الأساسي والسبب الأساسي... لا أعلى منه ولا أدنى منه... هذا هو!

فقط استمر بفعل نفس الأشياء التي تفعلها عادة، لكن ابقَ واعياً.. دع هذا يكون تذكراً دائماً بألا يمر أي فعل من دون وعي.

سيستغرق الأمر منك قليلاً من الوقت... كل يوم ستفوتك عدة أشياء، ولاحقاً ستتذكر: "يا الله! لقد نسيتُ مجدداً!"... لكن لا شيء لتقلق حوله... لا تقلق أبداً، وإلا سيفوتك شيء آخر!

ما ذهب قد ذهب، لا تضع حتى لحظة واحدة عليه... ومن الجيد أنك تذكرت... استخدم هذا التذكر لتعود للوعي الآن في هذه اللحظة مهما كنت تفعل.

إذاً، ستنسى عدة مرات، وتتذكر عدة مرات.... تدريجياً، ستنسى أقل وتتذكر أكثر... وفي أحد الأيام سيحدث الحدث... حالما يصبح ميزان التذكر أثقل وأقوى من النسيان، ستحدث فوراً الثورة والتحول... فجأة ستصبح إنساناً مختلفاً وجديداً.

هذا الإنسان الجديد سيجد العالم بأكمله جديداً أيضاً، لأنه صار لديه عيون نضرة ترى نوعيات جديدة، ولديه آذان نضرة تسمع بطرق جديدة، وأيدي جديدة لتشعر وتلمس الأشياء بطريقة جديدة.....

وإنسان واحد وحيد معه هذا الوعي، سيبدأ بقدح عملية الوعي عند الآخرين... ليس ببذل أي جهد، وليس أن عليه القيام بشيء لإشعال الوعي... تلك الأعمال التي كنا نحاول عملها هي أسوأ ما نعمله... بل الواعي عليه فقط أن يعيش بطريقته كما هو... والوعي عند الآخرين يبدأ من تلقاء ذاته.

حضوره بطريقة ما يشعل شيئاً في الناس الذين يقتربون منه... بزوغ لطاقة جديدة واشتعال للهب جديد.... إنه لا يفعل شيئاً ولا الشخص الآخر يفعل أي شيء، لكن الأمر يحدث... كل ما هو مطلوب قليل من القرب والمودة والصداقة.

وهذه هي وظيفة المعلم الحقيقي... أن يجمع بعض الأصدقاء من حوله... لا يوجد أي هدف لكي يحقق، ولا أي نشاط محدد لينجز... وظيفة المعلم هي فقط أن يبقى متاحاً...

فلا أحد يعلم متى يصل أحد الأشخاص إلى حافة ومنصة القفز...

لا أحد يعلم في أي لحظة يكون منفتحاً كفاية، وعندها مجرد نظرة من عيني المعلم، ولن تبقى الأشياء كما هي بعد ذلك... لكن هذه كلها لحظات غير قابلة للتنبؤ، لذلك على المرء أن ينتظر بصمت وبوعي.... وأكثر شيء يمكنك فعله هو: ألا تخلق العراقيل والسدود.. لا تبقي نفسك مسدوداً وبعيداً.

 

استرخي واقترب أكثر....

 

لا يوجد أي شيء لتخسره... ولا يوجد إلا كل شيء لتكسبه...

 

 

 

 

Osho, From Misery to Enlightenment, Chapter #13

 

 

 

موقع بيت الحق...    www.BaytalhaQ.com   

أضيفت في:21-10-2010... الحب و العلاقات> ما هو الحب ؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد