الدين جُهد وجهاد وثورة في الكيان الداخلي
التغيير
في الفكر يجب أن يحدث من أعماق جذوره... التغيير على المستوى السطحي مثل تلوين جلد
الجسد ليس له قيمة حقيقية.
مجرد تغيير طريقة التصرف لا يكفي، لأنه في غياب الثورة الداخلية لن يكون هناك إلا
خداعٌ للنفس.
لكن حتى الذين تخطر على بالهم فكرة تغيير النفس، ينشغلون بتغيير الملابس بعجلة دون
تغيير القلب... هذا هو آخر أسلوب من خداع النفس، ومن الضروري جداً الحذر منه...
وإلا حتى الزهد في الدنيا سيبقى حدثاً سطحياً.
الدنيا هي شيء خارجي، لكن لو كان حتى الزهد خارجياً ستضيع الحياة في طرق مظلمة
جداً..
لا شك في أن طريق الرغبة ناتج عن الجهل.. لكن إذا كان الزهد أيضاً خارجياً، سيأخذك
أيضاً في طرق مليئة بالجهل.
في الحقيقة، إن مجرد وجود وعي الشخص خارج ذاته هو جهل وظلام..
بالتالي، لا يوجد فرق سواء كان الخارج مرتبط بالدنيا أو بالزهد..
إذا كان الفكر محاطاً بالتوجهات الخارجية، عندها ستبقيه المتع في الخارج وكذلك يفعل
الزهد!
إذا كان الفكر حراً من ذلك "الخارج" عندها سيعود بسهولة إلى النفس.
مؤشر نجاح "الخارج" هو الدنيا...
ومعرفة عدم جدوى "الخارج" هو الزهد...
سمعتُ قصةً... في إحدى المدن، حدثت حالتي وفاة في نفس اليوم.. في مصادفة غريبة
جداً.. أحدهما كان شيخاً تقيّاً والآخر كان عاهرة محترفة... كلاهما غادر الدنيا في
نفس اليوم ونفس اللحظة.
لقد عاشا في منزلين متقابلين.. عاشا نفس الفترة وماتا في نفس الفترة... وانتشر خبر
المفاجأة في المدينة... لكن كان هناك مفاجأة أكبر لم يعرفها إلا الشيخ والعاهرة...
عندما ماتا وجاءت ملائكة الموت لتأخذهما، حملوا العاهرة إلى الجنة وحملوا الشيخ إلى
النار!
قال الشيخ: "يا أصدقائي، لا بد أن هناك خطأ ما... أنتم تحملون العاهرة إلى الجنة
وتحملوني أنا إلى النار؟! أين العدل؟ ما هذا الجهل والظلم؟"
قال الملائكة: "لا أيها الشيخ المحترم... لا يوجد خطأ ولا ظلم... رجاءً انظر قليلاً
للأسفل".
نظر الشيخ للأسفل إلى الأرض... هناك كان جسده مزيناً بالأزهار ومحمولاً في جنازة
ضخمة فخمة... أتى آلاف الناس ليسيروا معه حتى المقبرة.. وتم تجهيز قبر من الرخام
الثمين المرصع... أما في الجهة الثانية من الطريق، كان جسد العاهرة الميت مرمياً
على الأرض.. لم يبقى هناك أي أحد ليرفعه أو يضعه جانباً.. لذلك أتت الكلاب والوحوش
البرية وبدأت تفككه قطعاً وتأكله.
عندما رأى الشيخ هذا قال: "إن الناس في الأرض عندهم عدل أكثر بكثير!!"
أجابته الملائكة: "لأن الناس في الأرض لا يعرفون إلا الأشياء الظاهرية الخارجية...
لكن السؤال الحقيقي ليس حول الجسد، بل حول الفكر والنفس".
في الجسد، قد تكون شيخاً ورعاً لكن ماذا كان يوجد في فكرك؟ ألم يكن فكرك يحبّ دوماً
تلك العاهرة؟ ألم يمتلئ فكرك برغبة سماع تلك الموسيقى والطرب المفرح والرقص في
منزلها، بينما حياتك أنت جافة دون فرح؟
من ناحية أخرى، كانت العاهرة تفكر دوماً كم هي سعيدة ومباركة حياة الشيخ الجليل...
في الليل، بينما تقوم أنت بترتيل الذّكر وتجويد الآيات، كانت هي تبكي وتضيع في
مشاعرها.
من ناحية أولى، أنت كنت تمتلئ بـ"أنا" أنك شيخ مهم، ومن ناحية ثانية كانت هي تزداد
تواضعاً مع عذاب الخطايا الذي تحمله.
استمريتَ أنت بالتصلب والقسوة نظراً لما تدعوه بـ"المعرفة" عندك..
وهي استمرّتْ باللين واللطف نظراً للمعرفة عندها بجهلها...
في النهاية، كل ما بقي هو شخصيتك التي التهمتها الأنا، وشخصيتها التي تحررت منها..
وفي موعد الموت، حملتَ أنت الافتخار والرغبة والنار، وحملتْ هي نور الله والمحبة
والصلاة...
إن حقيقة الحياة لا تعيش في الغطاء الظاهري الخارجي... فما نفع أن نغيّر الغطاء؟
الحقيقة شيء داخلي جداً... داخلي لأقصى درجة.. ولأجل اكتشافها، على المرء أن يعمل
ليس على محيط الشخصية بل على مركزها الأعمق.
ابحث وأوجد ذلك المركز.... إذا وُجد سيتم حتماً إيجاد الحقيقة لأنها بعد كل شيء
مخبأة مخفية في النفس.
الدّين ليس تغييراً في المحيط الظاهري، بل هو ثورة في الكيان الداخلي...
الدين ليس استعراضاً لما نلبس من الثياب والتقاليد، بل هو عمل وجهاد على مركز
النفس..
الدين جُهد وجهاد... وأكبر الجهاد هو جهاد النفس...
نوعٌ من العمل الداخلي المبذول بصدق..
يتم فيه تحطيم وهم فكرة "الأنا" واكتشاف وكشف الحقيقة..
أضيفت في:7-10-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|